اذكر في حداثتي في الإيمان قبل ثلاثة عقود أن موضوع ارتياد سهرات الأعراس احتل مكاناً رئيسياً في نقاشنا مع أترابنا في اجتماع الشباب المؤمنين. كان اهتمامنا الأساسي هو تأثير هذا النقاش على "فتوى" ارتياد حفلات اعياد الميلاد بين أولاد الصف والتي كنا كمراهقين ننتظرها على أحر من الجمر. لم يقتصر النقاش على ارتياد الحفلات بل أيضاً على شرب الخمر في حفلات كهذه والرقص فيها.
الخط الرئيسي المحافظ المتأثر بتعليم المرسلين الأمريكان والانجليز اعتبر الاسئلة المذكورة محسومة بالجواب السلبي القاطع: لا للسهرات وكل ما يرافقها. هذه المظاهر العالمية لا تليق بالمؤمن وتبعده عن حياة الإيمان.
اقتبس هؤلاء مراراً قول بولس:" لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسوا نجسا فاقبلكم "(2 كو 6 : 17). الشاب/ة المشترك في السهرات يلتهي بذلك عن عمل الرب ويشاهد مظاهر خلاعة تثيره بعيداً عن حياة الصلاة والتقوى والنقاوة المرجوة. ان كان الاشتراك في الحفلات مرفوضاً جملة وتفصيلاً فالرقص فيها غير وارد قطعياً. اعتبر هؤلاء الرقص مهما اختلف نوعه ضرب من المجون والخلاعة. أما بخصوص الخمر فالجواب لم يكن مفاجئاً : فبحسب أصحاب الخط المحافظ –لا يليق بالمؤمن شربه بتاتاً، لا في العلن ولا بالسر.انه يؤدي للادمان وهو عثرة وهو شيطان.... رفض هؤلاء الاعتماد على قصة تحويل الرب للماء الى خمر في قانا كدليل على قبول الرب للخمر. يفسر هؤلاء العجيبة الاولى بشكل رمزي (الخمر الروحي-الروح القدس) ومعتبرين ان الخمر الذي تكوّن بعد عجيبة الرب يصحّي السكارى. اعتبر هؤلاء كل من لا يقبل توجههم انه ضعيف الإيمان وغير ناضج.
أما اصحاب التوجه الآخر فكانوا عادة من الشباب أو من المنتقلين للكنائس الانجيلية من كنائس اقل تشدداً. كان هؤلاء يرفضون ما أسموه "أملاءات وتفسيرات المرسلين الأجانب" . اعتبر هؤلاء ارتياد حفلات الأعراس دمجاً بين "الفرح مع الفرحين" وبين حدث تراثي وفني. ناقش هؤلاء أن المؤمن الناضج لن يفقد إيمانه بسبب حضور حفلة رقص. المؤمن الناضج قادر ان يحكم ووجوده في سهرة سيبرز تصرفاً ناضجاً وشهادة طيبة حتى لو اتصفت الحفلة بإباحية ما . كما نظر هؤلاء الى العجيبة الأولى بشكل حرفي ورأوا أن يسوع ذهب لحفل العرس وانه أنتج لأصحاب العرس كميات اضافية من الخمر بعد نفاذ المخزون فأسعف اهل العرس المُحرَجين. شدد هؤلاء ان المنع هو على السكر وليس الشرب بحد ذاته .اعتبر هؤلاء الأوائل بأنهم متزمتون ويدينون الآخرين.
مرت السنين وأصبح ارتياد الأعراس أمرا روتينياً للكثير من المؤمنين.
هل تمت أي من نبوات شقيّ النقاش؟ هل فعلاً أبعدت سهرات الأعراس المؤمنين عن إيمانهم فدفع ذلك من شاركوا فيها الى أحضان العالم -كما تنبأ المتشددون ؟أم هل عكس مرتادو سهرات الأعراس من المؤمنين شهادة حسنة بين المشتركين فيها ككل كما ادّعى المتساهلين؟
اعتقد آن كلا النبويتين لم تتحققا.
يعاني مجتمعنا العربي ككل من طائلة الأعراس بما تلقيه من وزر مادي على الأفراد حتى يضطر البعض للاستدانة للقيام بالواجب المطلوب. كما يعاني المشتركون من إرهاق وارق نتيجة لساعات السهر المتأخرة. يعاني المحتفلون أيضا من استنشاق دخان السجائر ( والسيجار صاحب الرائحة النتنة الذي يحلو للبعض تدخينه في قاعات الأفراح) ولضرر متراكم لحاسة السمع من مكبرات صوت مجلجلة وإسراف يتمثل بأطنان من فضلات المأكولات المهدورة.
قد يكون للانجيليين دور في توجيه المجتمع ككل بعيداً عن سهرات الأعراس المنهكة التي تثقل كاهل اقتصادنا عن طريق طرح إمكانيات أخرى للاحتفال بالأعراس . تقديم اقتراحات من نوع جديد وتطبيقها يحتاج لإبداع وابتكار وجرأة .
بوسع هذه الاقتراحات العملية الجديدة للاحتفال بالزواج ان تكون مثالاً يُحتذى به للمجتمع ككل.
احد الاقتراحات هو اختصار عدد الحفلات من زيانة وتعاليل وسهرة عروس وسهرة عريس وحمام عريس (هل ما زال البعض يقوم به؟) والزفة والحنّة وطلعة العروس وتغليف علب العرس والسهرة المشتركة الى ...سهرة واحدة جامعة مشتركة فقط لا غير بعد الاكليل.
اقتراح آخر هو عرض صور وفيديوهات خلال الحفلة عن نشأة كل من العريسين وهي تثير مشاعر المحبة تجاه المقترنين .هذا الاقتراح يعطي بعدا شخصياً للعرس.
يمكن ايضاً عقد سهرات مشتركة لبعض الأزواج (ربما ان كان المقبلين على الزواج من الأقرباء) بحيث يخفف عن كاهل المدعوين.
كما يمكن المبادرة لتحديد مبلغ النقوط ووضع موسيقى اقل ضجة أو تقديم عزف راق في الحفلات وكلمات ظريفة فكاهية من الأهل أو الاصدقاء للمدعوين عن العروسين الحديثين وغيرها.
دامت دياركم بالافراح عامرة ولكن اقلها ضجة وتعب ونقوط.