يلتئم الانجيليون العرب والمسيانيون اليهود في لقاءهم السنوي للتسبيح والمشاركات في حرش لوبية أو باسمه العبري ياعار لافي يوم السبت القادم الثاني من تشرين الأول.
لهذا اللقاء تاريخ طويل وقد اضحى رمزاً لعلاقات المحبة والشركة بين المؤمنين بالمسيح في الجليل بين العرب واليهود " لأنه هو سلامنا ، الذي جعل الاثنين واحداً ونقض حائط السياج المتوسط" - كما يطيب للمتحمسين لهذه اللقاءات الاقتباس من رسالة افسس.
على عتبة هذه اللقاء لا بد من طرح السؤال: هل في اللقاء أكثر من مجرد رمزية ؟
اعتادت الصحافة في بلادنا في فترات سابقة ان تكتب ان لقاءات بين قادة سياسيين من الشعبين المتناحرين مهمة لمجرد حدوثها. لم يكن أحد يتوقع نتائج دراماتيكية على ارض الواقع والفرصة لصورة مشتركة والمصافحة والابتسامات الباردة أمام الصحافة العالمية كانت كافية لتكلل اللقاءات بنجاح على صعيد الرأي العام.
هل الانجاز في لقاء لوبية هو في مجرد حدوثه واشتراك عدّة مئات من المؤمنين من العرب واليهود فيه وهم مدججين بالأكل والمرطبات فيقومون بتقديم القهوة والحلوى الشرقية ويتبادلون العناق والقبل الصادقة؟
ولكن هل الوحدة التي يتم الحديث عنها حقيقيه ويمكن ترجمتها لتفهم وقبول الواحد للآخر وعمل موحّد ومشترك لبنيان كنيسة الرب في الجليل ؟ كم كنيسة عربية تقيم علاقات وخدمات مشتركة خلال العام مع كنائس يهودية مسيانية؟
العرب الانجيليون هم أصحاب هوية متشابكة ومتداخلة فهم عرب فلسطينيين ومسيحيين انجيليين ومواطنين اسرائيليين في ذات الوقت وفي ذلك ما يكفي من التشابك والتناقض. أما اليهود المسيانيين فهم يهود من حيث القومية ويؤمنون بيسوع المسيح (مع ان محكمة العدل العليا في اسرائيل قررت استحالة ذلك وأن اليهودي الذي آمن بالمسيح لم يعد يهودياً). كما انهم اسرائيليين واغلبهم اصحاب مواقف يمينية اذ ربطوا ايمانهم بالمسيح بتفسير توراتي يشدد على تعامل الله مع الشعب اليهودي في آخر الأيام واستردادهم في دولة في ارض فلسطين. هناك تناقضات داخلية صعبة في هذه الدوائر من الهويات عند اليهود المسيانيين وحتى بينها وبين هوية الانجيليين العرب.
من الجهة الاخرى يؤكد المؤمنون العرب واليهود على السواء أن هويتهم كأتباع للرب يسوع هي الأعلى في هرم الهويات العديدة. لكن هل وضع ذلك التصريح على المحك يؤكد صدقه ومطابقته للواقع؟ هل اليهودي المسياني على استعداد لقبول اخيه المسيحي الانجيلي إن كان الأخير يرفض التفسير التوراتي المذكور؟ هل المؤمن الانجيلي العربي على استعداد لقبول اخيه المسياني اليهودي إن كانت مواقف الأخير الوطنية-القومية مناقضة لتطلعاته كابن للشعب الفلسطيني ويحلم برؤية شعبه يحظى بالاستقلال والكرامة.
يتضح مما تقدم أن التناقضات كبيرة وصعبة وحتى اسم الحرش الذي تعقد فيه اللقاءات يشير للهوة إذ أن لوبية هي قرية عربية دمّرت عام 1948 فأقيم كيبوتس لافي على انقاضه بعد عام واحد.
يتميز الاسرائيليون اليهود الاعتياديين بأنهم ينظرون نظرة استعلائية للعرب من سكان الدولة ويرون تميّز العرب بصنع الطعام، أعمال البناء ، تصليح السيارات وبيع السلع الرخيصة لا غير. هل يرانا اليهود المسيانيين بشكل مختلف فينظرون الينا كشركاء وإخوة ويحترمون هويتنا الخاصة ورؤيتنا وإيماننا؟
اعتقد ان لقاء كالمنعقد في حرش لوبية الأسبوع القادم هام وضروري ولكن يتوجب علينا العمل على نقله من حيّز الرمزية الى الواقعية والقبول الحقيقي للواحد منا للآخر. يجب ان تصحبه لقاءات أكثر عمقاً وصراحة لكي نكون فعلاً مطابقين لما قيل عن أمير السلام: لكي يخلق الاثنين في نفسه إنسانا واحداً جديداً ، صانعاً سلاماً ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلاً العداوة به (أفسس 2: 15 -16).