أعلنت السلطات النيجيرية مساء الأحد عن الإفراج عن نحو مئة تلميذ من مدرسة كاثوليكية في ولاية نايجر وسط البلاد، وذلك بعد أكثر من أسبوعين على واحدة من أضخم عمليات خطف التلاميذ في تاريخ نيجيريا الحديث، استهدفت مدرسة «سانت ماري» الكاثوليكية ذات الغالبية المسيحية.
في صباح 21 تشرين الثاني/نوفمبر هاجم مسلحون المدرسة في قرية بابيري بولاية نايجر، واقتادوا مئات التلاميذ وأفراد الطاقم التعليمي إلى جهة مجهولة. اتحاد الكنائس المسيحية في نيجيريا (CAN)، وهو أكبر مظلة كنسية في البلاد، قدّر عدد المخطَفين بـ303 أطفال و12 معلماً وموظفاً من المدرسة. وبعد ساعات من الهجوم تمكّن نحو 50 تلميذاً من الفرار من أيدي الخاطفين، بينما ظلّ مصير الباقين مجهولاً لأيام، بينهم أطفال لا يتجاوز عمر بعضهم ست سنوات، بحسب تقارير إعلامية دولية ومنظمات مسيحية محلية تتابع القضية.
هذا الأسبوع أعلنت الحكومة النيجيرية أنها نجحت في تأمين الإفراج عن حوالي مئة من التلاميذ المختطَفين، ونُقل هؤلاء الأطفال إلى مقر الحكومة في عاصمة الولاية مينا، حيث من المقرّر إخضاعهم لفحوصات طبية قبل لمّ شملهم مع عائلاتهم. ولم تكشف السلطات حتى الآن كيف تمت عملية الإفراج، ولا ما إذا كانت جرت مفاوضات مباشرة مع الخاطفين أو دُفعت فدية مالية، وهو سيناريو تكرر في حوادث خطف سابقة في شمال نيجيريا في ظل ازدهار «صناعة الخطف مقابل الفدية» في تلك المناطق.
في المقابل، تشير تقديرات كنسية وإعلامية إلى أن نحو 150 تلميذاً، إضافة إلى عدد من أفراد الطاقم، ما زالوا في الأسر بين أيدي المسلحين في الأحراش والقرى النائية، وهو ما يجعل الفرح بالإفراج عن المئة فرحاً منقوصاً بالنسبة لأهالي المفقودين والكنيسة المحلية.
تقارير من مدينة مينا تنقل مشاهد مؤثرة لعائلات تنتظر عند أبواب مقر الحكومة، تحاول التعرف إلى وجوه الأطفال المُفرَج عنهم بين العشرات الذين أحضروا بالحافلات. كثير من الأهالي قالوا لوسائل إعلام دولية إنهم علموا بخبر الإفراج عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا عبر قنوات رسمية، ولا يعرفون حتى الآن ما إذا كان أبناؤهم ضمن المجموعة التي أُطلق سراحها.
الرئيس النيجيري بولا تينوبو رحّب بعملية الإفراج، مؤكداً أن التعليم لا يجب أن يتحول إلى «فريسة سهلة للإرهاب»، ومتعهداً بمواصلة الجهود لتحرير جميع المخطوفين ومنع تكرار مثل هذه الهجمات على المدارس.
حادثة خطف تلاميذ «سانت ماري» تجاوزت إطارها المحلي لتصبح جزءاً من نقاش سياسي وديني واسع حول اضطهاد المسيحيين في نيجيريا. قبل أيام من الإعلان عن الإفراج أدلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بتصريحات حادة تحدّث فيها عن «مجزرة ضد المسيحيين» في نيجيريا، وهدّد بأن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى تحركات عسكرية إذا لم تتحرك الحكومة النيجيرية لوقف قتل المسيحيين وحماية المدارس والكنائس. بالتوازي، زار وفد من الكونغرس الأميركي نيجيريا والتقى مسؤولين حكوميين وزعماء كنسيين، معلناً عن اتفاق مبدئي على إنشاء قوة عمل مشتركة نيجيرية–أميركية لمكافحة الجماعات المسلحة وتحسين حماية المجتمعات المعرّضة للخطر، وفي مقدمتها القرى والمدارس المسيحية في الشمال والوسط.
تأتي هذه التطورات في سياق أوسع من العنف المسلح الذي تعانيه نيجيريا منذ سنوات. فالبلاد، التي يزيد عدد سكانها على 220 مليون نسمة وتتوزع تقريباً بين أغلبية مسلمة في الشمال وأغلبية مسيحية في الجنوب، تشهد تصاعداً في هجمات الجماعات المتطرفة والعصابات المسلحة. في الشمال الشرقي تنشط جماعة «بوكو حرام» المتطرفة التي تشن منذ عام 2009 تمرداً دموياً يرفض التعليم «الغربي» ويدعو إلى فرض تفسير متشدد للشريعة، وكانت وراء خطف مئات الفتيات من مدرسة شيبوك عام 2014 في حادثة هزّت الرأي العام العالمي.
إلى جانب «بوكو حرام»، تنتشر في ولايات الشمال والوسط عصابات مسلحة يطلق عليها السكان اسم «اللصوص»، تنفذ هجمات على القرى والطرق والمدارس لخطف المدنيين، وكثير من الضحايا من المسيحيين، طلباً للفدية أو للضغط على السلطات. وقد أدى ذلك إلى إغلاق مئات المدارس وتحويل التعليم، خصوصاً في المدارس الكنسية، إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر.
