الولادة الجديدة.. وكيف تختبرها؟ - بقلم المبشر الراحل بيلي غراهام

في عصرنا الحاضر أرى أن الحديث عن موضوع الولادة الجديدة يتزايد في مختلف مجالات الحياة وعلى جميع الصُّعُد: العلمية، واللاهوتية، والنفسانية، والفكرية،
23 أغسطس 2018 - 22:52 بتوقيت القدس
لينغا

استقبل المهاتما غاندي ذات يوم عددًا من القسوس المسيحيين، وكانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف صباحًا. كان رجل الهند هذا، الذي قاد بلاده في طريق الإستقلال الكامل، قد انتهى لتوّه من تناول فطوره المؤلف من حليب الماعز المغلي مع ورق الليمون الحلو. فجلس مع القسوس في غرفة علوية. وكان يلبس رداء نصفيًا يلف به حقويه، ويحمل ساعة رخيصة الثمن في جيبه. في تلك الجلسة الهادئة سأل القسوس مضيفهم رأيه في اختبار الولادة الجديدة الذي تكلّم عنه يسوع في الإنجيل فقال غاندي: "إنّي أومن باختبار الولادة الجديدة الذي تكلّم عنه يسوع في الإنجيل، "إني أومن باختبار الولادة الجديدة الذي يتكلّم عنه المسيحيون، إن كان هذا الاختبار أصيلاً وحقيقيًا. وأقول من جهة أخرى، لا يوجد ما هو أسوأ من أن يتظاهر المرء بشيء لا يمتلكه". ثم أضاف: "إذا اهتدى إنسان إلى الله من خلال تعرفه بالمسيح يسوع، عليه أن يعتمد ويُعلن للعالم بأسره أنه من اتباع المسيح، وإلا فإنه لا يتعدى كونه كذبة حية".

عندما ابتدأت خدمتي التبشيرية قبل أكثر من خمس وعشرين سنة، لم أكن قرأت كتابًا واحدًا يتحدث عن موضوع الولادة الجديدة، مع أنني، أنا نفسي، كنت اختبرت الولادة الجديدة في السادسة عشرة. والآن، بعد مرور خمس وثلاثين سنة على قبولي المسيح مخلّصًا، لا أزال أشعر بروعة الإختبار ومجده، أنه يزاد تألقًا سنةً بعد أخرى.

في عصرنا الحاضر أرى أن الحديث عن موضوع الولادة الجديدة يتزايد في مختلف مجالات الحياة وعلى جميع الصُّعُد: العلمية، واللاهوتية، والنفسانية، والفكرية، والجميع متفقون على أن الإنسان في حاجة ماسة إلى ولادة جديدة لكنهم يختلفون في أسلوب تحقيقها. إن الولادة الجديدة تتحقق عندما يأتي الإنسان بروح التوبة والإيمان إلى الرب يسوع المسيح ويسلّمه حياته. هكذا يعلِّم الكتاب المقدس، وهذا ما اختبرته أنا نفسي، واختبره ملايين البشر في جميع أنحاء العالم وفي مختلف العصور.

 الإنسان في الحقيقة يحتاج إلى تغير جذري..... هذا ما نسميه الولادة الجديدة.
إن مشكلة الإنسان الأساسية بالدرجة الأولى هي روحية وليست اجتماعية، حيث يحتاج الإنسان إلى تغيير كامل من الداخل ويشير الكتاب المقدس مرارًا إلى هذا التغيير الذي تكلم عنه الرب يسوع المسيح ومن بينها هذه الآية من العهد القديم:
"وأعطيكم قلبا جديدا واجعل روحا جديدة في داخلكم وانزع قلب الحجر من لحمكم واعطيكم قلب لحم." (سفر حزقيال36: 26)."

إليك ما حدث مع القديس الشهير أوغسطينوس:
وصف ما حدث له في مقطع من سيرته التي أسماها: "اعترافات أوغسطينوس"؛ حيث قال: "طرحت نفسي تحت شجرة تين واستسلمت للبكاء، وكانت دموعي تسيل كالجداول. صرخت قائلاً: إلى متى؟ غدًا، لماذا غدًا؟ اليوم اليوم. لماذا لا أضع حدًا لنجاستي وشري اليوم. كنت أقول هذه الكلمات وأبكي بمرارة وانسحاق، وفجأة سمعت صوت فتى أو فتاة لا أدري، منبعثًا من منزل مجاور، ينشد مكررًا: خذ وأقرأ، خذ وأقرأ، خذ وأقرأ. توقفت على الفور عن البكاء وأخذت أتساءل هل سمعت قبلاً نشيدًا كهذا؟ فلم أستطع أن أتذكر. نهضت واقفًا يملأني شعور بأن الصوت صوت إلهي يأمرني أن أفتح الكتاب المقدس وأقرأ في أول صفحة تقع عيني عليها. أسرعت إلى المقعد حيث كان يجلس صديقي أليبيوس، لأنني هناك تركت كتاب رسائل بولس الرسول قبل أن أختلي بنفسي. أخذت الكتاب المقدس وفتحته وقرأت الفقرة التي وقع نظري عليها. جاء فيها: لنسلك بلياقة كما في النهار، لا بالبطر والسكر، لا بالمضاجع والعهر، لا بالخصومات والحسد. بل ألبسوا الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيراً للجسد لأجل الشهوات (رومية 13:13).

القديس أوغسطينوس

ما أردت أن أقرأ المزيد وما كنت في حاجة إلى أكثر مما قرأت. إذ ما كدت انتهي من هذه العبارة حتى اخترق قلبي نور من اليقين الكامل بدّد ضباب الشك". كان أوغسطينوس قبل هذه الحادثة إنسانًا شهوانيًا منحطّ الأخلاق لا يمكن أن يُدعى مسيحيًا بأية حال. كانت أخلاقه وثنية على الرغم من ثقافته وعلمه. ونتيجة لهذا الإختبار أضحى واحدًا من عظماء رجال الإيمان واللاهوت المسيحي في كل العصور.

ورجل النهضات المشهور، جون وسلي، حدّثنا عن اختباره الولادة الجديدة في يومياته. ولد وسلي في بيت مسيحي وكان والده قسيساً في بلدة ابوورث في انكلترا. كان شابًا متدينًا كثيرًا في أثناء دراسته في جامعة اكسفورد، وترأس "النادي المقدس". كان يحب الصلاة وأعمال الإحسان منذ الصغر ويرغب في قيادة الناس إلى المسيح. وقد فارق بلاده ليبشّر الهنود الحمر في أمريكا الشمالية سنة 1735.

إن مظاهره كلّها دلت على أنه كان مسيحيًا حقيقياً. لكنه، على الرغم من كل ما كان يقوم به من أعمال صالحة ونشاطات روحية، لم يكن قد اختبر الولادة الجديدة في المسيح يسوع، حتى جاء يوم 24 أيار (مايو) 1738. إذ في هذا اليوم اختبر ما اختبره بولس على طريق دمشق، وما اختبره أوغسطينوس في تلك الحديقة الإيطالية.

وصف جون وسلي ما حدث ذلك اليوم، قال: "ذهبت في المساء إلى جمعية في شارع الدرسغايت، بعد تردد كثير، إذ لم تكن لدي رغبة في ذلك. هناك وقف أحدهم وأخذ يقرأ في كتاب "مقدمة لرسالة رومية". ونحو الساعة التاسعة إلا ربع، بينما كان الكاتب يصف التغيير الذي يجريه الله في قلب الإنسان عندما يؤمن بالمسيح، شعرت بأن قلبي يتحرك بشكل غريب، وملأتني ثقة بالمسيح، وبالمسيح وحده كمخلّص لي؛ وملكني يقين شديد بأنه قد أزال عني جميع خطاياي وحررني من ناموس الخطية والموت". لاحظت أن جون وسلي كان يشير، في كل ما كتبه بعد ذلك، إلى تلك الليلة كالنقطة الفاصلة في حياته.

جون وسلي

 إن كلاَّ من هذين الاختبارين حدث بشكل فوري، مع أنه، في الحالتين، سبق اختبار الولادة الجديدة فترة ليست بيسيرة من عدم الراحة والاستقرار. وحدث كلا الاختبارين عند سماع كلمة الله الحية كما جاءت في الكتاب المقدس. إن كلمة الله الفعالة لمست كلاَّ من اوغسطينوس وجون وسلي، فأحدثت فيهما تغييرًا فوريًا في المواقف والسلوك، وشعورًا بالانعتاق من عبودية الخطية وعقدة الذنب.

إن حاجة العالم الماسة اليوم هي إلى اختبار الولادة الجديدة في المسيح. هذا الاختبار الإلهي هو العلاج الذي يقدمه الله إلى كل فرد في العائلة الإنسانية. إن عالمنا مريض حتى الموت، وثقافتنا وعاداتنا مشوشة حتى الارتباك، والحضارة برمتها في خطر الزوال. إن بشارة إنجيل المسيح السارة تقدّم العلاج الكافي الشافي الوحيد. وليس من علاج يفضل على هذا العلاج. إن للفداء الذي أنجزه المسيح بموته على الصليب قوة خارقة قادرة على تغيير حياة الأفراد، وحلِّ جميع المشكلات التي يعانيها المجتمع البشري.

فالإنجيل إذًا، هو وحده الذي يجيب عن الأسئلة الفلسفية المنبعثة من صميم كيان الإنسان القلق على وجوده:- من أين أتيت؟ لماذا أنا هنا؟ إلى أين أمضي بعد الموت؟ يعيش الكثير من البشر في يأس وحيرة وفراغ، ويسيطر عليهم الشعور بالذنب وتعب الضمير. يفتشون عن حل لمشكلاتهم ويبحثون عن الراحة لنفوسهم وقلوبهم وأفكارهم. هل أنت من هؤلاء؟ هل تبحث عن حل؟

هذا هو الحل في غاية البساطة:
أولاً:
يجب أن تقر بأنك إنسان خاطئ يقول الكتاب المقدس: "إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجدُ الله". ليس من السهل أن يعترف الإنسان بأنه خاطئ، لكن الكتاب يقول: "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم". والاعتراف بالخطية يجب أن يعقبه توبة عن الخطية لأن الكتاب المقدس يقول: "من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقرّ بها ويتركها يُرحم".

ثانيًا: يجب أن تثق بأن المسيح مات من أجل خطايانا وقام من أجل تبريرنا لم يكن موت المسيح صدفة، بل كان برنامج الله الذي أعدّه لخلاص الإنسان من الخطية. إن الدماء الطاهرة التي نزفت من المسيح وهو على صليب الجلجثة تطهر البشر من جميع خطاياهم. فتقدم الآن بالإيمان إلى الصليب، وأطلب من الله تطهيرًا لخطاياك بدم المسيح تنل منه تعالى الحياة الجديدة. وإذا كنت ترى في الصليب مظهر ضعف فاذكر أن المسيح قام في اليوم الثالث من القبر ليؤكد لك صدق ما ادعى به، منتصرًا بذلك على الموت. إن القبر الفارغ يثبت أن المسيح الذي مات مصلوبًا هو الآن حيّ وقادر على أن يخلّصنا بالتمام، إن وضعنا كل ثقتنا وإيماننا فيه.

ثالثًا: يجب أن نعرف أن الله يطلب منا قبول ابنه يسوع المسيح بالإيمان. جاء في إنجيل يوحنا أن المسيح جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله، "أما كل الذي قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه" (يوحنا 12:1). إن القبول يتطلب عمل إيمان بسيط، قال يسوع: "إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال لن تدخلوا ملكوت السموات". فلتكن لنا بساطة الأولاد في إيماننا. إن اختبار الولادة الجديدة يتم ساعة يقبل الإنسان المسيح بالتوبة والإيمان، عندئذٍ يتم ما جاء في الكتاب المقدس: "إذاً إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً" (2كورنثوس 17:5).

أدلى عالم مشهور مرة بالتصريح التالي: "لقد أصبحت مؤمنًا مسيحيًا باختبار علمي بحسب منهج مختبري". وأنا أسألك اليوم، هل عرفت المسيح اختباريًا؟ لا شك في أنك سمعت عن المسيح، لكن هل قبلته فعلاً؟ هل أنت مؤمن مسيحي "بحسب منهج مختبري"؟ إن لكل عالم من العلماء اختصاصه، فالعالم نيوتن، مثلاً، علم عن المادة والحركة وعلاقة كل منهما بالأخرى. وأينشتاين علم عن النظرية النسبية. لكن يسوع المسيح تكلّم وعلم عن نشاطات الروح. في علم الكيمياء، إذا اتحد الهيدروجين والأكسجين تحت شروط معينة يتحولان إلى ماء؛ هكذا التوبة والإيمان في المسيح، أنهما دائماً ينتجان حياة جديدة.

أجل، إن اختبار الولادة الجديدة الذي علّم به المسيح هو حقيقة وأنت تحتاج إلى هذا الاختبار، فاقبل المسيح اليوم يخلّصك.

صلاة: أيها الآب السماوي آتي إليك أنا الإنسان الخاطئ تائبًا و نادمًا عن آثامي و عيوبي تعال يا ربي و جددني وخذ قلب الحجر من جسدي وأعطني قلبًا من روح و حياة أشكرك على فدائك لي، أشكرك على دمك الثمين الذي سفك من أجل خلاصي على عود الصليب، اجعلني خليقة جديدة بالمسيح يسوع.

آمين


(جمع وتقديم ومراجعة / لينغا) 

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا