"أيام المخاض" ج (1)

من الملاحظ تفاقم الأمراض والكوارث الطبيعية والحروب وتسابق التسلح بين الدول، والتي من شأنها أن تضرب "بالتطور" عرض الحائط
06 أغسطس 2018 - 12:41 بتوقيت القدس

نحن نعيش في أزمنة صعبة، فبالرغم من التطور الذي تشهده البسيطة في القرن الأخير، بما في ذلك "رغد العيش" وسهولة التواصل والتنقل، والعلم والتكنولوجيا المتسارع في الارتقاء، والطب المتطور الذي أطال بعمر الإنسان، هذا من جهة، إلا أنه من الملاحظ تفاقم الأمراض والكوارث الطبيعية والحروب وتسابق التسلح بين الدول، والتي من شأنها أن تضرب "بالتطور" عرض الحائط وتجعل الانسان، في كثير من الأحيان، عاجزا بل ويائسا بدون رجاء أو أمل.

الكتاب المقدس يحكي لنا عن "أيام المخاض"، إذ يقول في رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل تسالونيكي، الإصحاح 5 الآية 3:

"لأنه حينما يقولون: «سلام وأمان»، حينئذ يفاجئهم هلاك بغتة، كالمخاض للحبلى، فلا ينجون."

المخاض هو الفترة القريبة من الولادة، والتي تتميز بتفاقم آلام المرأة مع اقتراب موعد الولادة. بولس الرسول يشبه لنا مجيء الرب بالولادة، وقرب مجيء الرب بأيام المخاض، والذي يتميز بتفاقم الآلام وتسارعها كلما اقترب موعد مجيئه.

نعم، نحن لا نعلم اليوم أو الساعة التي يأتي فيها الرب في مجيئه الثاني، كما قال الرب في إنجيل مرقس 13: 35 

"اسهروا إذا لأنكم لا تعلمون متى يأتي رب البيت، أمساء ام نصف الليل ام صياح الديك ام صباحا."

ولكن علينا أن نعلم موعد قرب مجيء الرب، كما نعلم موعد قرب الولادة، كما قال الرب بل ووبخ الفريسيين قائلا:

"1. وجاء اليه الفريسيون والصدوقيون ليجربوه فسألوه أن يريهم اية من السماء. 2. فأجاب: «اذا كان المساء قلتم: صحو لان السماء محمرة. 3. وفي الصباح: اليوم شتاء لان السماء محمرة بعبوسة. يا مراؤون! تعرفون ان تميزوا وجه السماء واما علامات الازمنة فلا تستطيعون!"

وكذلك قول الرب في متى 24: 32 - 33 في حديثه عن مجيئه الثاني:

"32. فمن شجرة التين تعلموا المثل: متى صار غصنها رخصا واخرجت اوراقها تعلمون ان الصيف قريب. 33. هكذا أنتم ايضا متى رأيتم هذا كله فاعلموا انه قريب على الابواب."

من هنا الرب يأمرنا أن نعلم ونفهم علامات أزمنة قرب مجيء الرب، كما يعلم المزارع قرب مجيء الصيف عند إخراج أوراق التين وأغصانها.

كيف نشخص أيام المخاض/ قرب مجيء الرب؟

أكبر علامة لقرب مجيء الرب هو "الأزمنة الصعبة"، كما يخبرنا بولس الرسول برسالته الثانية إلى تيموثاوس 3: 1 – 7:

1 ولكن اعلم هذا انه في الايام الاخيرة ستاتي ازمنة صعبة، 2 لأن الناس يكونون محبين لأنفسهم، محبين للمال، متعظمين، مستكبرين، مجدفين، غير طائعين لوالديهم، غير شاكرين، دنسين، 3 بلا حنو، بلا رضى، ثالبين، عديمي النزاهة، شرسين، غير محبين للصلاح، 4 خائنين، مقتحمين، متصلفين، محبين للذات دون محبة لله، 5 لهم صورة التقوى، ولكنهم منكرون قوتها. فاعرض عن هؤلاء 6 .فانه من هؤلاء هم الذين يدخلون البيوت، ويسبون نسيات محملات خطايا، منساقات بشهوات مختلفة 7 .يتعلمن في كل حين، ولا يستطعن ان يقبلن الى معرفة الحق ابدا.

يمكن أن نلاحظ الأزمنة الصعبة التي تشهدها أيامنا، وكل ما ذُكر في الآيات المقتبسة نراه للأسف في الجيل الصاعد، الكبرياء، التمرد على الأهل، ويتبعه التمرد في المدارس، الأنانية، الخيانات الزوجية والتفكك العائلي وحتى الابتعاد عن الزواج باعتباره "دقة قديمة" وانجاب الأطفال، الزنى والادمان على المخدرات والمسكر وفتور المحبة والبعد عن الله وما إلى ذلك... نلاحظ التفاقم المتسارع في كل ذلك...

كذلك نلاحظ أنه لغاية سنة 1،900 تقريبا كان التطور بطيئا والحروب "متواضعة" والكوارث الطبيعية معقولة إلى حد ما، ونحن نتكلم عن فترة من آلاف السنين: 5،000 قبل الميلاد لغاية 1،900 ب. م.، أي ما يعادل ال- 7،000 سنة من التطور البطيء وغير المتسارع ... ولكن من بعد بداية القرن العشرين نرى تطور الاختراعات الكبيرة من سيارات وطائرات وصواريخ والأسلحة المدمرة وجوب الفضاء والأقمار الاصطناعية والحاسوب ووسائل الاتصال الالكترونية والانترنت وووووو .... كذلك نلاحظ تفاقم الكوارث كالتسونامي والانهيارات الجليدية والارتفاع في درجة الحرارة في كل العالم واتساع فجوات في الأوزون والانفجار السكاني الهائل ....

نحن نرى ذلك ولا يمكن تجاهل هذه الأحداث المتسارعة، كذلك نرى الضيق المتزايد والضغوطات التي نعيشها، فنسمع كثيرا: "ما أحلى أيام زمان" لأنها كانت أيام بساطة واكتفاء وقناعة، أما أيامنا فتشهد مشغوليات كثيرة ومحبة للمادة وحسد الانسان للآخر والكراهية والركض وراء المال والشهرة والمناصب والقوة والسيطرة والجنس والرفاهية والملذات والشهوات الجسدية المتمركزة حول الذات...

يجب أن نرى أوراق التين والغصن الرخص كي نعلم وندرك أنه قريب على الأبواب!!!

ماذا نفعل نحن كأولاد الله في أيام المخاض؟؟؟!!!

في حديثه عن آخر الأيام في متى 24 ينبهنا الرب أنه في آخر الأيام تبرد محبة الكثيرين فيقول:

"12. ولكثرة الاثم تبرد محبة الكثيرين. 13 ولكن الذي يصبر الى المنتهى فهذا يخلص."

برود المحبة تخص بالذات أولاد الرب، الذين من المفروض أن يكون عندهم المحبة التي من الله، والسبب هو "لكثرة الإثم"، هو التفاقم البشع للخطية الذي تحدثنا عنه، هو "الأزمنة الصعبة" التي أخبرنا عنها بولس الرسول.

في هذه الأيام بالذات نحن بحاجة أن نحب الله ونحب بعضنا البعض أكثر من أي وقت مضى، وإلا فسنقع في فخ برود المحبة بسبب كثرة الإثم المحيط بنا بسهولة سهلة جدا أكثر من أي وقت مضى ...

صحيح أن المخاض صعب ومؤلم وقاسي، ولكن يتبعه الولادة والتي هي شيء مفرح جدا ... حياة جديدة !!! ولا حاجة أن نشرح عن الفرح الذي يعم الأم أولا والعائلة كذلك بولادة المولود الجديد، لدرجة أن الأم تنسى كل الألم الذي مرت به... كذلك نحن، بعد أن يأتي الرب في مجيئه الثاني، أو عندما نصعد إليه، سنفرح جدا بهذه الولادة والحياة الجديدة مع الرب كل حين، وبولس أدرك ذلك وقال "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدا، ويهتف في نهاية سفر الرؤيا ويقول: "والروح والعروس يقولان تعال.... آمين تعال أيها الرب يسوع".

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا