تاريخ مسيحيي الشرق الأوسط (1) من تلاميذ المسيح اليهود الى المسيحيين العرب

أين اختفى المسيحيون الأوائل من اليهود والاراميين؟! ولماذا لم يبقى من المسيحيين في الشرق الأوسط بعد الفي عام سوى المسيحيين العرب؟!
10 يونيو 2018 - 00:29 بتوقيت القدس

عندما نتحدث عن المسيحيين في الشرق الأوسط نصفهم بالمسيحيين العرب، لأن غالبية المسيحيين اليوم في هذه البقعة من العالم يتكلمون اللغة العربية كلغتهم الأم، ولهذا عندما استقلت دول الشرق الأوسط قامت بتسجيل المسيحيين في خانة القومية العربية، وفي غالب الأحيان لم تتخذ هذه السلطات رأي المسيحيين أنفسهم في هذا الامر، وهذا لم ينطبق على المسيحيين فقط بل على غالبية الأقليات غير العربية في الدول العربية المستقلة، وهذا أيضا ينطبق على المسيحيين مواطني دولة إسرائيل.

عندما نقرأ الكتاب المقدس ونعرف ان المسيحية ابتدأت من اورشليم، وأن تلاميذ المسيح اليهود هم من ابتدأوا بنشر رسالة المسيح لليهود ومن ثم للأمم، نتساءل! أين كل المسيحيين من القوميات المختلفة على مدار ألفي عام؟! كيف يُعقل ان الجميع اختفوا ولم يبقى منهم الا المسيحيين العرب؟!

من يقرأ سفر اعمال الرسل يعلم ان المسيح بعد قيامه من بين الاموات وقبل صعود الى السماء، أوصى تلاميذه ان لا يبرحوا من اورشليم، بل ان ينتظروا معمودية الروح القدس. وبعدها يؤكد لنا الكتاب ان الروح القدس حل على التلاميذ في يوم الخمسين.

ويمكن تقسيم الفترات الرئيسية التي مر بها المسيحيون في الشرق الأوسط، من يوم الخمسين وحتى يومنا هذا الى ثلاث فترات رئيسية، سأتطرق في كل مقالة الى فترة واحد من هذه الفترات.

تلاميذ المسيح - المسيحيون الاوائل

تاريخ المسيحيين في الشرق الأوسط

1. المسيحيون الأوائل تحت الحكم الروماني حتى عام 324 ميلادي

نقرأ عن يوم الخمسين في سفر أعمال الرسل الاصحاح الثاني، بعد صعود المسيح الى السماء، ان المؤمنين بيسوع كانوا جالسين في البيت عندما سمعوا صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت، وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم. وامتلأ الجميع من الروح القدس، وابتدأوا يتكلمون بالسنة اخرى كما اعطاهم الروح ان ينطقوا.

ويذكر لنا الكتاب ان بطرس وقف مع الاحد عشر تلميذا ورفع صوته وتحدث للرجال اليهود الساكنين في اورشليم، شارحا لهم ان هؤلاء (اتباع المسيح) الذين يسمعونهم يتكلمون بلغات عديدة ليسوا سكارى كما يظنون لانها الساعة الثالثة نهارًا، بل مملوئين بالروح القدس، مبشرا إياهم بالمسيح الذي رفضوه وصلبوه، وانتهت عظته بمعمودية وانضمام ثلاثة الاف شخص الى اتباع المسيح.

وهناك من يعتقد ان من بين المستمعين لعظة بطرس كان العرب، لأن الكتاب المقدس يذكر اللغة العربية بين اللغات العديدة التي سمعها سكان اورشليم في ذلك اليوم، ولكن اذا دققنا في كلمات الاصحاح وبالأخص العدد 5 يقول: "وكان يهود رجال اتقياء من كل امة تحت السماء ساكنين في اورشليم..." أي كان هناك أيضا رجال يهود ولدوا وترعرعوا بين شعوب أخرى ومن بين هؤلاء كان اليهود الذين ولدوا وترعرعوا في بلاد عربية قبل قدومهم الى اورشليم، وكانت لغتهم الام اللغة العربية، ويؤكد العدد 22 هذا الامر عندما قال بطرس للجمهور " ايها الرجال الاسرائيليون اسمعوا هذه الاقوال..." 

وتنفي هذه الآيات ادعاء البعض ان العرب كانوا يقطنون اورشليم وكانوا من بين الذي آمنوا في المسيح وأصبحوا تلاميذًا له، كما ان التلاميذ في هذه الفترة كانوا يظنون ان البشارة هي لليهود فقط وليست للأمم.

وفي الاصحاح الرابع يعلمنا سفر اعمال الرسل ان عدد الرجال الذين سمعوا الكلمة وآمنوا بالمسيح وصل الى 5000 رجل ما عدا النساء والأولاد، وبعدها يذكر لنا الكتاب انه في كل يوم كان ينضم أشخاص جدد الى اتباع المسيح. ولهذا يمكن القول انه على أقل تقدير وصل عدد اتباع المسيح من اليهود فقط في بداية انتشار الايمان المسيحي بقوة الروح القدس الى عشرات الالاف. ولا ننسى ان هؤلاء المؤمنين الجدد تركوا المعابد اليهودية بعد الاضطهاد العظيم على الكنيسة وخصوصا بعد اعدام اول شهيد في المسيحية "استفانوس" حيث يذكر لنا الكتاب ان المؤمنين تشتتوا بعد مقتله في كور اليهودية والسامرة ما عدا الرسل.

ثم يذكر لنا الاصحاح العاشر من سفر اعمال الرسل كيف فُتح باب الخلاص للأمم أيضا، عندما ظهر ملاك لقائد المئة، كرنيليوس، في رؤيا في ساعات النهار، طالبا منه ارسال رجالا لاستدعاء سمعان الملقب بُطرس. وعندما قدم بطرس وعلمهم آمن هو وأهل بيته واعتمدوا من الروح القدس، وهكذا ابتدأ نشر كلمة الله الى الأمم أيضًا، وكثيرون آمنوا بالمسيح ابتداءً من اورشليم وثم دمشق في الشرق الاوسط الى أوروبا وشمال افريقيا.

وكان سكان الشرق الأوسط في هذه الحقبة من متكلمي اللغة الآرامية التي كانت طاغية على المنطقة، وهي اللغة التي كان يتحدثها السيد المسيح.

وشهدت هذه الفترة اضطهادات عنيفة ضد المسيحيين وملاحقات من اليهود، معتبرين الايمان المسيحي دينا غير مرغوب فيه بل مكروها من قبل الإمبراطورية الرومانية، وكان اضطهاد المسيحيين في قمته في فترة الامبراطور نيرون عام 64م في روما.

---

الصورة التالية توضح انتشار اتباع المسيح باللون الأزرق الغامق (الكُحلي) حتى حوالي عام 300 ميلادي:

خريطة انتشار المسيحية في العصور الاولى

وكما هو موضح في الصورة فإن المسيحية ابتدأت بالانتشار من الشرق الاوسط الى حوض منطقة البحر الأبيض المتوسط، وفي هذه الفترة تأسست اول كنيستين مسيحيتين في الشرق الأوسط وهما الكنيسة السريانية الارثوذكسية الشرقية في منطقة سوريا التاريخية والكنيسة القبطية الارثوذكسية الشرقية في مصر.

ويبقى السؤال الذي نبحث عنه: أين اختفى المسيحيون الأوائل من اليهود والاراميين؟! ولماذا لم يبقى من المسيحيين في الشرق الأوسط بعد الفي عام سوى المسيحيين العرب؟! 

في القسم الثاني من هذه السلسلة سنتطرق الى الحقبة التاريخية الثانية لمسيحيي الشرق الأوسط. انتظرونا...

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. رامي 10 يونيو 2018 - 22:06 بتوقيت القدس
القومية العربية القومية العربية
هذا حق. سكان أورشليم كانوا في غالبيتهم من اليهود. و حق أيضاً أن من بين هؤلاء عشرات الآلاف قد آمنو بالمسيح و أصبحوا مسيحيين. و هؤلاء المسيحيين من بين اليهود إندمجوا بالمسيحيين من قوميات أُخرى و أمسى الجميع واحداً. و بعد ما يقرب من سبع قرون، دخلت جيوش الغزو (الفتح، إن أردتم) العربي الأسلامي إلى بلدان الشرق الأوسط. فتحولت معظم تلك الشعوب من أصول يهودية و غير يهودية إلى الديانة الأسلامية و تعربت لغة و ثقافة. و لو سألت غلاة الأسلاميين أو القوميين العرب أو العروبيين أو سمهم شئت، لما قالوا لك بغير ذلك. فالقومية العربية هي قومية لا عنصرية. و حتى العنصر العري في تكوين القومية العربية لا ينظر (و لم ينظر يوماً) لمسألة العنصر على أنها مسألة ذات بال. فالعربي (أو المُعْرِب) لغةً هو الشخص الذي يتكلم بلغة مفهومة. و من هنا يأتي مفهوم الأِعراب في قواعد اللغة. و الشخص الذي يفصح عن رأيه نقول أنه "أَعرب" عن رأيه. فالقومية العربية هي قومية لا عنصرية. مثل القومية الأمريكية. فالأمريكان اليوم هم أُمة واحدة مع أنهم من أُصول مختلفة.
2. مراد سعد 10 يونيو 2018 - 22:16 بتوقيت القدس
المسيحيون ليسوا عرب المسيحيون ليسوا عرب
انا اختلف مع كاتب المقال بان المسحيين الموجودين فى الشرق الاوسط عربا انهم مسيحين اكتسبوا الثقافة العربية نتيجة الغزو الاسلامى ولكن الكنائس احتفظت بتقولها القبطية او السريانية او الاوربية فى الصلوات والعبادات.