عيد العنصرة: حلول الرّوح القدس في يوم الخمسين

أتاح يوم الخمسين للكنيسة أن تحصل على قوّة علوية للحياة المثمرة. فبسبب يوم الخمسين، أصبح في مقدور الكنيسة أن تنمو وتحصد، وأصبح لديها القوّة للشهادة
04 يونيو 2017 - 17:17 بتوقيت القدس

Ή πεντηκοστή

أعمال الرّسل 1:2-4 "وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السّماء صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرّوح الْقُدُسِ وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرّوح أَنْ يَنْطِقُوا".

عيد العنصرة

ولدت الكنيسة يوم الخمسين أو يوم العنصرة. وكلمة "عنصرة" هي صيغة عربيّة للكلمة العبريّة עֲצָ֫רֶת (عصرات) وتعني إعتكاف أو محفل أو جماعة. وأصبح هذا اليوم عيدًا مسيحيًا يتذكره المؤمنون في كل مكان. والواقع أن يوم الخمسين كان عيدًا حتى قبل حلول الرّوح القدس. فبحسب العهد القديم، فإن يوم الخمسين، هو واحد من أهم أعياد شعب الله القديم.

ورد ذكر "يوم الخمسين" للمرة الاولى في سفر الخروج 16:23، حين طلب الله من شعبه أن يعيّدوا للرّب ثلاث مرّات في السّنة، وأحدها كان "عيد الحصاد" حين كان على الشّعب أن يحضر من باكورات غلّاته الى الرّب، حيث يقول: "وَعِيدَ الْحَصَادِ أَبْكَارِ غَلاَّتِكَ الَّتِي تَزْرَعُ فِي الْحَقْلِ". وتكرّر ذكر العيد أيضًا في خروج 22:34، ولكن باسم آخر، حيث نقرأ: "وَتَصْنَعُ لِنَفْسِكَ عِيدَ الأَسَابِيعِ أَبْكَارِ حِصَادِ الْحِنْطَةِ". وتضيف الشّريعة تسمية ثالثة للعيد كما نقرأ في سفر العدد 26:28: "وَفِي يَوْمِ الْبَاكُورَةِ، حِينَ تُقَرِّبُونَ تَقْدِمَةً جَدِيدَةً لِلرَّبِّ فِي أَسَابِيعِكُمْ، يَكُونُ لَكُمْ مَحْفَلٌ مُقَدَّسٌ". 

وهكذا نجد أن "يوم الخمسين" أو "عيد الاسابيع" חג השבועות (حاج هَشَبوعوت)، الّذي ياتي بعد عيد الفصح بمدة خمسين يومًا، هو يوم عيد بمناسبة حصاد خيرات الأرض من القمح الذي منه يأتي الخبز الذي هو قوام الطعام. فهو عيد يرمز للخير والعطاء وحصاد القمح لدى شعب الله القديم. ولكنه في العهد الجديد، أصبح يرمز للخلاص من الشر والخطيّة، وحصاد النفوس البشرية التي قبلت الرّب يسوع مخلصًا شخصيًا لحياتها.

أتاح يوم الخمسين للكنيسة أن تحصل على قوّة علوية للحياة المثمرة. فبسبب يوم الخمسين، أصبح في مقدور الكنيسة أن تنمو وتحصد، وأصبح لديها القوّة للشهادة، والقدرة على التجديد والتغيير والحياة في محضر الله. ونحن في كنيستنا المشرقيّة، نحتاج بقوّة أن يملأ الرّوح القدس حياتنا، وأن نختبر التجديد والتغيير الحقيقي، وأن نشاهد النفوس تطلب الرّب يسوع. ولن تتم هذه الأمور إن لم نصبح كنيسة صلاة بالمعنى الحقيقي للكلمة. فالصلاة هي المفتاح للنهضة وللنمو العددي والنّوعي والرّوحي. فالرّوح القدس يريد أن يعمل معنا وفينا، لأن هذه هي مشيئة الله.

في الحديث عن يوم الخمسين، فإننا نتحدث عن خمسة أمور نجدها مذكورة في الأصحاح الثاني من سفر أعمال الرّسل:

أولًا: يوم وحدة المؤمنين: نقرأ في الآية الأولى: "كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ". أي كان الجميع في حالة اتفاق وانسجام. كان عندهم فكر واحد وتوقعات مشتركة، ونفس الرّوح والعواطف. كانوا معًا منذ أن عرفوا الرّب يسوع وساروا معه في رحلتهم الطويلة من الجليل الى الصّليب، أي منذ دعوتهم الأولى. وجميعهم اختبروا آياته ومحبته وتعاليمه. وكانوا كذلك معًا عند صعوده إلى السّماء. صحيح انهم تفرقوا لبعض الوقت عند موت الرّب يسوع على الصّليب، ولكن قيامته المجيدة، التي هزم فيها الموت، جمَّعتهم من جديد حيث ظهر لهم الرّب يسوع المسيح مرات كثيرة طوال مدة أربعين يومًا، وحتى صعوده إلى السّماء، حين طلب منهم أن يمكثوا في أورُشليم إلى أن يلبسوا قوّة من الأعالي. أي أنهم كانوا معًا لأنهم أطاعوا ربهم ومعلمهم. كانوا معًا لأن محبّة للرب المقام ومحبّتهم لبعضهم البعض قد جمعتهم .كانوا معًا لأنهم بدون ذلك لما اختبروا يوم الخمسين.

ثانيًا: يوم حلول الرّوح القدس وامتلاء جميع الرّسل والتلاميذ من رجال ونساء:

عندما أعطى الله النّاموس لنبيّه موسى في العهد القديم، كانت هنالك بروق ورعود على جبل سيناء، كما جاء في سفر الخروج 16:19. ونقرأ في خروج 18:19 "أَنَّ الرَّبَّ نَزَلَ عَلَيْهِ بِالنَّارِ". ونقرأ في سفر أعمال الرّسل 1:2-4 عن "هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ" وعن ظهور " أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ". تشير النّار إلى حضور الله كما كان في العليقة، وفي عامود النّار. كذلك كما قال يوحنا المعمدان على أن الرّب يسوع المسيح سيعمّد بالرّوح القدس ونار. واستقرت ألسنة النّار على الجميع، حيث امتلأ الجميع من الرّوح القدس. أي أننّا نجد هنا بداية علاقة حية وشخصية وقوية ووجدانية بين المؤمنين أنفسهم، وكذلك مع الله.

حلول الرّوح القدس يعني إعطاء الكنيسة القدرة على الإتِّصال والحوار بين النّاس في العالم. نعرف من قراءة سفر التّكوين 1:11-9 أن شعب العالم الذي جاء من نسل نوح قد تفرّقوا في بابل، وأصبحت اللغة الحاجز الأساسي الذي يمنع اتصال الشعوب ببعضها البعض. وفي يوم الخمسين، حطّم روح الله هذا الحاجز، حيث نقرأ في الآية السادسة "اجْتَمَعَ الْجُمْهُورُ وَتَحَيَّرُوا، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَانَ يَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَتِهِ. ونقرأ في الآية الثامنة عن حيرة الجمهور الّذي كان في أوروشليم حين سألوا بعضهم البعض: "كَيْفَ نَسْمَعُ نَحْنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا لُغَتَهُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا".

يوم العنصرة هو يوم انطلاق الكنيسة إلى العالم، ولا يتمّ ذلك بقوّة بشريّة أو أرضيّة، بل بواسطة الرّوح القدس الذي أصبح معنا وأمدّنا بقوّة السّماء لنقوم بعمل الله على الأرض. دعونا نتذكّر دائمًا أن روح الرّب هو الرّوح القدس، أي أنّه قدوس. وهذه دعوة لنا لكي نكون مقدّسين. فلا يمكن أن تكون أجسادنا هياكل للروح القدس إن لم تتطهّر وتتقدّس أوّلًا بدم الرّب يسوع. وهذا الرّوح هو الذي يمد الكنيسة بالقوّة لكي تنطق بما يشاء الرّوح، أي "كما أعطاهم الرّوح أن ينطقوا".

ثالثًا: يوم شهادة وإعلان حق الإنجيل: نقرأ في أعمال الرّسل 40:2: "وَبِأَقْوَال أُخَرَ كَثِيرَةٍ كَانَ يَشْهَدُ لَهُمْ وَيَعِظُهُمْ قَائِلًا: اخْلُصُوا مِنْ هذَا الْجِيلِ الْمُلْتَوِي". شهد بطرس الرّسول للجموع في أوروشليم عن محبة الرّب يسوع وعن حياته وعجائبه. وأيضًا عن صليب الرّب يسوع المسيح. وشهد عن قيامة الرّب يسوع المسيح وعن صعوده إلى السّماء وعن وعوده المشجّعة والرّائعة للعالم. وأهم شيء شهد عليه هو قوله أن يسوع: ربًا ومسيحًا مخلصًا.

دعونا نفكر بوضع كنيستنا وغيرها من الكنائس: 

هل تشهد الكنيسة كما يجب لشخص الرّب يسوع؟
هل نحتاج للتوبة عن خطية عدم الشّهادة وانعدام التّبشير؟
هل نحتاج إلى قوّة يوم الخمسين، أي إلى الإمتلاء من الرّوح القدس؟
هل الكنيسة مدعوة للشهادة للرب يسوع بالأقوال فقط، أم بالأقوال والأعمال معًا؟

رابعًا: يوم خلاص: خلص الله في يوم الخمسين ثلاثة آلاف نفس من خطاياهم. لقد خلصوا من الجيل الملتوي في زمنهم. ووضعنا اليوم لم يتغير. فنحن نعيش أيضًا في عالم ملتوٍ مليء بالشر والخطيّة. وهكذا يذكرنا يوم العنصرة بضرورة العمل من أجل خلاص العالم.

خامسًا: يوم بداية تاريخ الكنيسة المسيحيّة: آمن في يوم الخمسين ثلاثة آلاف نفس، وبعد إيمانهم اعتمدوا، ثم انضموا للكنيسة. ونقرأ في سفر أعمال الرّسل 42:2-47 أنّ المؤمنين الاوائل: "كَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرّسل، وَالشَّرِكَةِ، وَكَسْرِ الْخُبْزِ، وَالصَّلَوَاتِ. 43وَصَارَ خَوْفٌ فِي كُلِّ نَفْسٍ. وَكَانَتْ عَجَائِبُ وَآيَاتٌ كَثِيرَةٌ تُجْرَى عَلَى أَيْدِي الرّسل. 44وَجَمِيعُ الَّذِينَ آمَنُوا كَانُوا مَعًا، وَكَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا. 45وَالأَمْلاَكُ وَالْمُقْتَنَيَاتُ كَانُوا يَبِيعُونَهَا وَيَقْسِمُونَهَا بَيْنَ الْجَمِيعِ، كَمَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ احْتِيَاجٌ. 46وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ يُواظِبُونَ فِي الْهَيْكَلِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ الْخُبْزَ فِي الْبُيُوتِ، كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِابْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ، 47مُسَبِّحِينَ اللهَ، وَلَهُمْ نِعْمَةٌ لَدَى جَمِيعِ الشَّعْبِ. وَكَانَ الرّب كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ".

لماذا نحتاج للرّوح القدس في حياتنا؟

1. نحن بحاجة للرّوح القدس لأننا نحتاج قوّة للشهادة: وهذا يتفق تمامًا مع ما قاله الرّب يسوع لتلاميذه في أعمال الرّسل 8:1 "لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قوّة مَتَى حَلَّ الرّوح الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ". 

مثال: ذهبت سيدة إلى الساعاتي لتصليح ساعتها. وأخبرته أنها منزعجة جدًا لأن ساعتها لم تعد تعمل مع أنها حريصة جدًا عليها. أخذ الساعاتي الساعة واختفى داخل المحل للحظات بسيطة ثم عاد وأعطاها الساعة وهي تعمل بشكل كامل. تعجبت السيدة وقالت له: ولكن كيف تمكنت من إصلاح الساعة بهذه السرعة. فقال لها: الساعة كانت فقط بحاجة إلى بطارية، وأنا وضعت لها بطارية جديدة. فقالت السيدة بذهول: بطارية، بطارية، بطارية. لقد كنت ألف جنزيرها يوميًا، ولم يخبرني أحد عن البطارية.

نعمل كمسيحيين باجتهاد على تسيير حياتنا الرّوحية، ولكننا نعمل بقوتنا الشخصية، غير عالمين أننا بحاجة إلى مصدر للطاقة من أجل العمل. نحن بحاجة إلى الرّوح القدس لنخدم الرّب بقوّة وثقة. نحتاج إلى قوّة الله حتى نكمل المهام الموكولة إلينا. فالأمر لا يتعلق بالذكاء والنشاط والحكمة البشرية، بل بقوّة الله نستطيع أن نعمل عمل الله. 

نلاحظ في سفر أعمال الرّسل 8:1 أن الرّب يسوع طلب من تلاميذه أن ينتظروا أولًا في أوروشليم للحصول على قوّة من الأعالي لتمكنهم من الشهادة له في كل مكان بدون. أي أنّ رسالة أعمال الرّسل 8:1 بسيطة جدًا ومباشرة جدًا: بدون الرّوح القدس لا يستطيع أي إنسان في الوجود أن يعظ أو يبشر بالإنجيل كما يريد الله له أن يعمل. ولكن بالرّوح القدس يوجد سلطان وقوّة في الوعظ وفي التبشير.

نقرأ في رسالة كورنثوس الأولى 4:2-5 "وَكَلاَمِي وَكِرَازَتِي لَمْ يَكُونَا بِكَلاَمِ الْحِكْمَةِ الإِنْسَانِيَّةِ الْمُقْنِعِ بَلْ بِبُرْهَانِ الرّوح وَالْقوّة لِكَيْ لاَ يَكُونَ إِيمَانُكُمْ بِحِكْمَةِ النّاس بَلْ بقوّة اللهِ". بدون قوّة الرّوح القدس فإن رسالة الإنجيل تعتمد على حكمة النّاس، ويعلن لنا الله بلسان رسوله بولس في تيموثاوس الثانية 5:3 بأن الكنيسة في الأيام الأخيرة سيكون لها صورة التقوى، ولكن بدون قوّة "لَهُمْ صُورَةُ التَّقْوَى وَلَكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا". بعبارة أخرى قد تسقط الكنيسة في الخطأ المميت بالاهتمام بالصورة أو المنظر الخارجي بدل اهتمامها بنفوس المؤمنين وعملهم بقوّة الرّوح القدس الساكن فيهم لمجد الله من أجل خلاص النفوس ومساعدة العالم.

نحن بحاجة أن نصبح مثل كنيسة العهد الجديد التي اختبرت معمودية الرّوح القدس كاختبار فائق للطبيعة، وذلك من أجل تقوية المؤمنين للتبشير برسالة الإنجيل الخلاصية. فبدون الرّوح القدس لن يكون لنا تأثير يذكر في العالم.

مثال: أعجب الآلات في العالم هو جسد الإنسان، فهذا الجسد يحتفظ بدرجة حرارة ثابتة هي 37 ْمئوية (أو 6, 98 ْ فرنهايتية). فمهما تقلب الطقس في الخارج، ولو ذهب الإنسان إلى المناطق القطبية المتجمدة أو إلى المناطق الاستوائية الحارة، فإن درجة حرارة الجسم لا تتغير. وتبقى الحياة في الإنسان ما دامت درجة الحرارة ثابتة. أي إن الله الخالق العجيب خلق ميكانيكا داخل الإنسان للحفاظ على الحياة. 

وبالمعنى الرّوحي، نحن بحاجة إلى ميكانيكا دائمة للحفاظ على حياتنا الرّوحية فلا نبرد ولا نفتر ولا نموت روحيًا، وهذه القوّة الفعّالة تأتي بعمل الرّوح القدس فينا.

2. شيء آخر مهم لنا ككنيسة وهو أننا بحاجة إلى الرّوح القدس لأننا بحاجة إلى أن نتغير. نرى في أعمال الرّسل 1:2-4 كيف أن الرّوح القدس حل على التلاميذ على شكل ألسنة من نار، والسؤال هنا، لماذا كانت النّار حاضرة عندما استلم المؤمنون الرّوح القدس؟ والجواب ببساطة هو أن النّار رمز للتغيير، فالنّار تغير كل شيء تلمسه أو تشعله. فالحطب يحترق. والطعام ينضج. والمعادن تتفاعل. والحديد يذوب ويتشكل، وغيرها من الظّواهر التي تغيرها النّار.
 
لقد شكّل عمل الرّوح القدس حياة رجال ونساء الله من جديد. فقد عمل الرّوح في حياة صيادي سمك وجامعي ضرائب ونساء كُنَّ زانيات وثوار وكتبة ولصوص سابقين، وغيّرهم جميعًا ليصبحوا مقدّسين بدم الرّب يسوع المسيح، ووحّدهم في مجموعة واحدة نطلق عليها الكنيسة.

قبل يوم الخمسين: كان التلاميذ مفرّقين، وكان إيمانهم ضعيف، ولم يستوعبوا فكر وإرادة الله. ولكن بعد يوم الخمسين توحدوا بقوّة وبطريقة لم يعرفوها سابقًا. وعمل الرّوح القدس على صهرهم معًا في بوتقة المحبّة والخدمة المسيحية.

سؤال: لو أراد حدّاد أن يصنع من قطعتي حديد قطعة واحدة، فماذا يعمل؟ هل يأخذ القطعتين ويضعهما فوق بعضهما البعض ويضربهما بالمطرقة حتى تصبح قطعة واحدة؟ بالتأكيد إن هذا العمل لن ينتج أي شيء. ولكن عندما يضع القطعتين في النّار حتى تحمرا من شدة النّار، ثم يضربهما بالمطرقة، عندها بالتأكيد تصبحان قطعة واحدة.

إن ما يجعل الكنيسة تعمل اليوم هو الرّوح القدس. وإلا فإنّ الكنيسة تصبح مجرد مجموعة من النّاس تلتقي معًا مثل أي اجتماع في نادي أو جمعية أو مؤسسة. حتّى لو قامت الكنيسة بوضع البرامج والخطط فإنها لن تغير حياة النّاس أو تكون سببًا لخلاصهم أو توحدهم في فكر المسيح. إن الرّوح القدس فقط هو الذي يُوحِّد الأفراد ليصبحوا كنيسة حية وفعالة ومؤثرة في العالم. أجل أيها الأحباء: لن يتغير المجتمع إن لم تتغير الكنيسة أولًا بقوّة الرّوح القدس.

ونحن كأبناء الله بإيماننا بالرّب يسوع المسيح لا نستطيع أن نتجاهل وجود وعمل وقوّة الرّوح القدس. قال يوحنا المعمدان في متى 11:3 "أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ وَلَكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي الَّذِي لَسْتُ أَهْلًا أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرّوح الْقُدُسِ وَنَارٍ". تذكرنا النّار هنا بحضور الله، كما في العهد القديم كذلك في العهد الجديد. ففي لاويين 24:9 نقرأ: "وَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ الرّب وَأَحْرَقَتْ عَلَى الْمَذْبَحِ الْمُحْرَقَةَ وَالشَّحْمَ. فَرَأَى جَمِيعُ الشَّعْبِ وَهَتَفُوا وَسَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ". ونقرأ في سفر أخبار الأيام الثاني 1:7 "وَلَمَّا انْتَهَى سُلَيْمَانُ مِنَ الصَّلاَةِ نَزَلَتِ النّار مِنَ السّماء وَأَكَلَتِ الْمُحْرَقَةَ وَالذَّبَائِحَ وَمَلَأَ مَجْدُ الرّب الْبَيْتَ". أي أن الله قَبِلَ أن تكون خيمة الاجتماع ثم الهيكل مكانين للصلاة لشخصه القدوس. وكانت النّار التي جاءت من السّماء علامة القبول غير الطبيعية.

وفي العهد الجديد جاءت النّار على الجميع فردًا فردًا، أي أن الله أعلن قبوله لكل فرد من الكنيسة الأولى ليكون هيكلًا للروح القدس الساكن فيه. وكهيكل الله لم يعد الإنسان ملكًا لنفسه بل لله كما نقرأ في كورنثوس الأولى 19:6-20 "أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ". ونفس المعنى موجودٌ في يوحنا 17:14 "رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ". 

هل يستطيع كل واحد منا أن يشكر الله في هذا الصباح على الرّوح القدس الساكن فيه؟ هل تستطيع أن تشكر الله على علاقتك الحية والحميمة مع شخصه القدوس بالرّوح القدس؟

نقرأ في لاويين 12:6-13 أن "النّار عَلَى الْمَذْبَحِ تَتَّقِدُ عَلَيْهِ... نَارٌ دَائِمَةٌ تَتَّقِدُ عَلَى الْمَذْبَحِ. لاَ تَطْفَأُ". وفي تسالونيكي الأولى 19:5 نقرأ قوله "لاَ تُطْفِئُوا الرّوح". وهكذا فنحن ككنيسة الله وشعب الله الذين نسلك في الرّوح، والذين لدينا مواهب وثمار الرّوح، علينا أن نحافظ على نار روح الله مشتعلة فينا حتى يكون لنا تأثير في العالم، وحتى نعمل تغييرًا ايجابيًا ودائمًا في عالمنا.

شيء أخير تجدر ملاحظته هنا وهو أن الله القدوس اختار أن يرسل روحه في أحد أعياد العهد القديم. فبالنسبة للشّعب  القديم، كان عيدًا يذكّرهم بأن يعطوا من ثمار غلّات الأرض للرّب، أمّا بالنسبة للكنيسة، فالرّب هو الذي أعطى الرّوح القدس، وثمر الرّوح القدس لكنيسته. أي أنّ يوم الخمسين بالنّسبة للعهد القديم هو يوم استمرارية وانقطاع في نفس الوقت: 

استمرارية: وذلك لأن حلول الرّوح القدس تمّ في ذكرى عيد الحصاد أو الأسابيع، وهذا يدلنا على أن حلول الرّوح القدس هو استمرارٌ لغرض الله من الإحتفال والعيد بعطايا الله.

انقطاع: إعطاء الرّوح القدس يبيّن الفرق الجوهري بين عهد النّاموس وعهد النّعمة، أي بين العهد القديم والعهد الجديد. ففي العهد القديم نجد أن التوراة هي المركز، والتوراة هي التي تقود. ولكن في الإيمان المسيحي، نجد أن الرّب يسوع المسيح هو المركز، وأن الرّوح القدس هو الذي يقود.

دعونا نصلي ليوم خمسين جديد في كنائسنا.
دعونا نطلب حضور الرّوح القدس بقوّة في حياتنا.
دعونا ننفض غبار الكسل، ونخرج الى العالم بقوّة وشجاعة قائلين للنّاس: "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السّماوات". آمين.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. اشرف ابواليمين 21 يونيو 2020 - 01:47 بتوقيت القدس
امين تعال ايها الرب يسوع امين تعال ايها الرب يسوع
كلمات ممسوحة بروح اللة القدوس الرب يسوع يبارك خدمتك.امين