علمتني الحياة:
هنالك منافسة مستمرة عنيدة وقد تكون أحيانًا مستميتة، داخل كلٌ منا، مهما كان جيله أو جنسه أو عرقه أو معتقداته، إذ يتنافس في داخلنا الخير مقابل الشر، المحبة مقابل الكراهية، المصلحة العامة مقابل المصالح الشخصيّة، الإجتهاد مقابل الكسل، التخطيط والجديّة مقابل العشوائية واللامبالاة، التطوّر والتقدم مقابل التهور والتدهور، محبة الله مقابل محبة المال، وقس على ذلك. في هذه المنافسة أحيانًا ينتصر الطرف الذي نراه الأفضل لنا وفينا، فنفرح بنجاحنا وامتيازنا وإنجازنا، وأحيانًا ينتصر الطرف الذي لا نعتبره يمثّل رغبتنا وإرادتنا، فنشعر بالفشل والإحباط والاستسلام وعدم القدرة على التحدي والمواجهة.
في العديد من الأحيان قد تخرج الأمور عن سيطرتنا ونأتي بسلوكيات ونتائج لا نريدها ولا نرضاها، ولكن مما لا شكّ فيه أن حياتنا وتوجهاتنا ليست بالضرورة كل الوقت كسفينة في مهب الريح، تأخذها العواصف حيثما تشاء، بل في يدّ كلّ منا مقود يسيطر به على محرك حياته ويوجهه في الإتجاه الذي يرغب به، هذا من خلال تمرين وتدريب وتغذية الذات على القيم والسلوكيات والتوجهات التي نرغبها لحياتنا بما يتوافق مع معتقداتنا وبناء وبلورة شخصياتنا.
علمتني الرواية:
في أحد الأيام جلس الحكيم يحكي لحفيده عن المعركة الموجودة داخل كل إنسان.
فحدثه قائلا: يا بني، المعركة قد تحدث بين "ذئبين" في داخل كل إنسان منا. الذئب الأول في الصراع والمعركة هو ذئب الشر والحرب، وهو الذي يُهيّج الغضب والغيرة المرّة، الحقد والكراهية، العنف والحرب، الكذب والنميمة، التكبّر والطمع، وكل ما يصدر من الشرير. الذئب الثاني في المعركة هو ذئب الخير والسلام، ومنه ينبع كل صلاح وخير، لطف ورأفة، أمل ورجاء صالح، تواضع وخدمة الآخرين، كرم وعطاء.
فكّر الحفيد للحظة، ثم سأل جدّه: وأي الذئبين ينتصر؟
أجابه الجدّ وقد علت على شفتيه ابتسامة التقدير والإعتزاز بحفيده: الذي تغذيه وتنميه.
علمني الكتاب:
على كلّ منا أن يدرّب نفسه على إرادة الأفضل وعمل الأحسن، فالكثير من نواتج ومؤثرات حياتنا مرتبطة بإرادتنا وما نغذي به حياتنا، فالرّب يتحدى ويحاجج كلّ منا كما فعل مع قايين ويقول: "إِنْ أَحْسَنْتَ أَفَلاَ رَفْعٌ؟ وَإِنْ لَمْ تُحْسِنْ فَعِنْدَ الْبَابِ خَطِيَّةٌ رَابِضَةٌ، وَإِلَيْكَ اشْتِيَاقُهَا وَأَنْتَ تَسُودُ عَلَيْهَا" (تكوين 4: 7)، فإما أن تسود وتقود أنت زمام سفينة حياتك في الإتجاه الصحيح، وإما أن تقودك نزواتك في الإتجاه الخاطئ وتسيّطر عليك. فلا يكن جوابك كجواب قايين عندما سأله الرّب: "أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟" فَقَالَ: "لاَ أَعْلَمُ! أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟" (تكوين 4: 9) فلا يكن جوابك جواب المستنكر المستهتر بمسؤوليته، بل قل بكل تأكيد: نعم. "أنا حارس لأخي". أنا إنسان وأنا مسؤول تجاه الله في مسؤوليتي أولًا تجاه حياتي ومن ثمّ تجاه إخوتي والبشرية.
يصرّح النبي إرميا معلنًا صوت الرّب بقوله: "هَلْ يُغَيِّرُ الْكُوشِيُّ جِلْدَهُ أَوِ النَّمِرُ رُقَطَهُ؟ فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَقْدِرُونَ أَنْ تَصْنَعُوا خَيْرًا أَيُّهَا الْمُتَعَلِّمُونَ الشَّرَّ!" فكما أن أمور الخِلقة لا يمكن تغييرها بقوتنا فكذلك أمور طبيعتنا الخاطئة لا يمكن تحويلها للخير، فلا يمكن لمن انغمس بطبيعة الشّر والخطية أن يغيّر ذاته فيتحول إلى طبيعة الخير والبر. كما يؤكد المثل "الطبع يغلب التطبّع". وبالتالي نحتاج قوة خاصة ومقدرة مميزة لتغيّر داخلنا فتُهَدِّف اتجاهنا لنبدأ مسيرة التغيير والتجديد. فنصلي كما صلى داود بدموع التوبة: "قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي" (مزمور 51: 10)، ونقول: "أَدَّبْتَنِي فَتَأَدَّبْتُ كَعِجْل غَيْرِ مَرُوضٍ. تَوِّبْنِي فَأَتُوبَ، لأَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ إِلهِي" (إرميا 31: 18) فنسمع صوت الرب "أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. وَلاَ يُعَلِّمُونَ بَعْدُ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ، قَائِلِينَ: اعْرِفُوا الرَّبَّ، لأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، لأَنِّي أَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ، وَلاَ أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْدُ." (إرميا 31: 33 و34).
علينا أن نعلم يقينًا أنّ الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا وأن دعوتنا هي لعمل الخير: "لاَ تَضِلُّوا! اَللهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا. لأَنَّ مَنْ يَزْرَعُ لِجَسَدِهِ فَمِنَ الْجَسَدِ يَحْصُدُ فَسَادًا، وَمَنْ يَزْرَعُ لِلرُّوحِ فَمِنَ الرُّوحِ يَحْصُدُ حَيَاةً أَبَدِيَّةً. فَلاَ نَفْشَلْ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِي وَقْتِهِ إِنْ كُنَّا لاَ نَكِلُّ. فَإِذًا حَسْبَمَا لَنَا فُرْصَةٌ فَلْنَعْمَلِ الْخَيْرَ لِلْجَمِيعِ، وَلاَ سِيَّمَا لأَهْلِ الإِيمَانِ." (رومية 6: 7-9)
فلنستمع لهذا التحدي الواضح والصريح من فمّ الرّب: "أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ، إِذْ تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ وَتَسْمَعُ لِصَوْتِهِ وَتَلْتَصِقُ بِهِ، لأَنَّهُ هُوَ حَيَاتُكَ..." (تثنية 30: 19 و 20). حقًا "إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا." (2 كورنثوس 5: 17).
علمتني إنسانيتي:
إن كلّ شيء تُرَبيه وتُنَميه فيك يؤثر بالضرورة على حياتك، حاضرك ومستقبلك على الأرض ووجهتك السماوية، لذا إنتبه لحياتك، نمِّ فيك جانب الإيمان الحق المبني على أساس محبة الله لنا، فتنبع منك محبة الله الفائضة للآخرين، وتفيح منك رائحة المسيح الذكية، ويغمرك سلام الله، الذي يفوق كل عقل في عالم مضطرب. لنكن نورًا وملحًا لهذا العالم المحتاج، لنكن دواء وشفاء لهذا العالم الجريح، ولنعش صورة الله التي فينا والتي لنا، والتي أوكلنا عليها لنشهد عن مصدر الخير والسلام والرجاء الذي فينا "فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ." (متى 5: 16)