من فعلها: أنت أم الشّيطان؟

ما أكثر التّجارب التي تواجه الإنسان في هذه الحياة، وخصوصاً في أيامنا الّتي تشهد ثورةً عالميّةً في وسائل الإتصال أدّت الى سهولة الحصول على المعلومات بالكلمة والصّوت والصّورة. وتؤثر كثرة المعلومات على..
30 مارس 2016 - 01:31 بتوقيت القدس

الإنسان في مواجهة التّجارب

ما أكثر التّجارب التي تواجه الإنسان في هذه الحياة، وخصوصاً في أيامنا الّتي تشهد ثورةً عالميّةً في وسائل الإتصال أدّت الى سهولة الحصول على المعلومات بالكلمة والصّوت والصّورة. وتؤثر كثرة المعلومات على الإنسان بشكل مباشر، وخاصّةً عندما يريد اتّخاذ قراراتٍ تتعلّق بسلوكه اليومي ومواقفه الرّوحيّة والأخلاقيّة. وبما أنّ الطّبيعة البشريّة فاسدة حيث "الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً" (رومية 12:3)، فإن كل إنسان يخوض يومياً حرباً شرسة. وهذه الحرب ليست ضد بشر، أي ليست ضد لحم ودم، بل ضد قوى الشر الروحية، ضد قوى الظلام. ضد الشّيطان. ومن أجل الانتصار في هذه الحرب، يجب علينا أن نعرف من هو عدونا، وكيف يفكر ويتصرف، وما هي أسلحته. كذلك يجب أن نفهم طبيعة التّجربة أو الإغراء الذي يواجهنا، حتى نستطيع بالتالي أن نهزم الشّيطان، ونعيش حياة منتصرة لله.

يفكر الإنسان في نفسه أن يمتنع عن عمل أشياء غير لائقة، أو عدم التلفظ بكلمات نابية. وربما أن هذا الإنسان يقول للناس أن يبتعدوا عن أعمال معينة، ولكنه يجد نفسه يعمل نفس الأشياء التي يتحدث ضدها. فما أقوى التّجربة في مواجهة الإنسان. 

يطلب الأهل من أبنائهم أن لا يفعلوا أشياء معينة، ولكن الأولاد والبنات يفعلونها. تقول الأم لابنها: "أدرس دروسك ولا تضيع الوقت في مشاهدة التلفزيون"، وتخرج الأم لقضاء غرض ما، ثم تعود لتجد الولد أمام التلفزيون، وعندما تسأله لماذا، يكون الجواب: لا أعرف، البرنامج حلو ولم أستطع أن أدرس.

ما هي التّجربة: هي دعوة لعمل ما هو باطل من أجل الحصول على لذّة أو منفعة شخصيّة. التّجربة عمل فيه إغراء أو وعد بأن الخطأ الذي يعمله أي إنسان سيجلب اللذة أو المكسب والفائدة لذلك الشّخص. 

والتّجربة لا تنحصر في الأمور الحسّيّة، لأن الشهوة جزء من التّجربة. ولكن التّجربة تأتي في طرق مختلفة، فنحن نجرب في موضوع الكذب، والغش، والحديث عن الآخرين والحقد عليهم، أو الأكل الزائد، أو المشتريات الزائدة، أو السرقة، أو عدم إعطاء العشور. وكذلك نجرب بوقتنا وكيف نقضيه، ونجرب في مواهبنا وكيفية استخدامها.

نقرأ رسالة يعقوب 13:1-18. "لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ، لأَنَّ اللَّهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَداً. وَلَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ. ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالخطيّة إِذَا كَمُلَتْ تُنْتِجُ مَوْتاً. لاَ تَضِلُّوا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ. كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ. شَاءَ فَوَلَدَنَا بِكَلِمَةِ الْحَقِّ لِكَيْ نَكُونَ بَاكُورَةً مِنْ خَلاَئِقِهِ".

نجد في هذه القراءة أربعة حقائق عن التّجربة:

1. التّجربة أمر حتمي لا بد من حدوثه:

لاحظ قول الكتاب "لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ"، فهو لا يقول في حالة ما جُرِّب بل عندما يُجَرَّب. يجب الإشارة هنا بأن حياتنا ستكون رائعة إذا لم نتعرض للتجربة نهائياً، ولكن هذه الحياة غير موجودة، فالتّجارب جزء من حياتنا في العالم. فلا يوجد مكان في العالم يخلو من التّجارب، وأينما يذهب الإنسان سيأخذ معه عقله وأفكاره ورغباته التي هي وسائل السّقوط في التّجربة. فلا يوجد مفرٌّ من التّجارب: الرّاهب الذي يعيش في دير أو صومعة في أحد جبال اليونان أو فلسطين، ورجل الأعمال الغني جداً في دبي أو لندن، وسيدة البيت في بيت ساحور أو باريس، والطالب في كلية لاهوت أو في جامعة هارفارد، والأستاذ في كليّة حقوق في القاهرة أو الواعظ العظيم في أتلانتا، كل هؤلاء يواجهون التّجربة.

تقود الأوقات الصعبة إلى السّقوط في التّجربة. فعندما نمر في مشقات وضيقات، يسرع الشّيطان إلى مساعدتنا ويقدم لنا آراء واقتراحات عملية لمواجهة الضيقات: لماذا لا تخدر الألم بالبحث عن اللذة؟ أو لماذا لا تقسي قلبك وتجابه الذي أساء إليك بإساءة مثلها؟ أي أنه يغذي وينمي غضبك. أو لماذا لا تحتال وتسرق وتكذب وتحصل على المال بما أنك لا تعمل ولا يوجد ما تسدد به حاجاتك؟ أو لماذا لا تسلمي جسدكِ لرجل أو جسدكَ لامرأة ما دمت وحيداً وبدون حنان أو دفء، وبالتالي تشبع شهواتك، وقد تحصل على المال أيضاً.    

2. التّجربة ليست من الله:

عندما يُجرَّب الإنسان عليه أن لا يقول أبداً بأن الله يجربني كما نقرأ هنا في يعقوب 13:1 "لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ، لأَنَّ اللَّهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ". هذا التعليم يختلف عن ديانات العالم وما تقوله عن الله بأنه يبتليهم بالخطايا والشرور، أو أن هذا قضاء وقدر. فوضع اللوم على الله يعني ببساطة أنك لا تريد أن تتحمل مسؤولية أعمالك. كذلك فإنّ القول بالقضاء والقدر هو عملياً وضع اللوم والذنب على الله في كل ما نعمل.

نحن مدعوين أن نعترف بأننا أخطأنا وسقطنا في التّجربة، وعلينا أن لا نلوم الله أو الظروف أو النّاس الآخرين:
♦فالذي يحصل على علامة منخفضة في دراسته، لا يلوم إلا نفسه، فهي ليست غلطة المدرِّس.
♦والذي يغضب أو يثور ويتفوه بكلمات قاسية، لا يقول بأن الآخرين دفعوه إلى ذلك.
♦والذي يصرف ساعات أمام التلفزيون أو الانترنت أو في لعب ورق الشدة أو في الثرثرة أو في السهرات الصاخبة عليه أن يلوم نفسه فقط، فهو عمل كل هذه الأمور بإرادته الكاملة.
♦والذي يسرق من النّاس، أو يكذب على غيره، لا يلوم إلّا نفسه. 

ولكن المشكلة أن مجتمعنا الشّرقي مصاب بمرض عدم تحمل المسئولية، ووضع اللوم على الآخرين، أو على الظروف، وحتى على الله. فما أسهل أن تقول: في الحقيقة لم تكن غلطتي، بل السبب فلان أو فلانة. تماماً كما فعل الإنسان الأول آدم عندما وضع اللوم على حواء، وكما فعلت حواء عندما وضعت اللوم على الحيَّة. فقصة آدم وحواء ما تزال معنا. وآدم وحواء اليوم هم الرجال والنساء الذين يسقطون في أبشع أنواع الخطايا، ولا يتحملون المسئولية، ويلومون الله والتربية والظروف والأهل والعدو.

علينا أن نتذكر أن الله لا يوجهنا إلى الخطيّة، بل إلى الحق والخير، كما نقرأ في يوحنا الأولى 5:1 "إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ". فالله لا يحتمل الخطيّة، وليست له شركة مع الخطاة، ولا يوجهنا إلى الخطايا. فالخطيّة اختيار وليست إجبار، أما الله فهو قدّوس إلى الأبد، تماماً كما نقرأ في سفر إشعياء 3:6 في قول الملائكة عن الله " قدّوس قدّوس قدّوس رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ". وكلمة قدّوس تعني طهارة الله وانفصاله الدائم والكلي عن الخطيّة. أجل: الله هو مصدر كل خير وجمال في حياتنا، فهو بريء من اتهامنا له بأنه سبب التّجربة.

3. التّجربة أمر شخصي وخاص جداً:

كما نقرأ في يعقوب 14:1-15 "وَلَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ. ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالخطيّة إِذَا كَمُلَتْ تُنْتِجُ مَوْتاً".

نلاحظ هنا أن الكتاب المقدّس لم يقل أن الشّيطان سبب الانجذاب والانخداع وبالتالي السّقوط في التّجربة، بل قال أن الشهوة هي سبب السّقوط في الخطيّة. أي أن كل اللوم يقع على الإنسان الفرد الذي يرتكب الخطيّة. فالمسئولية أولاً وأخيراً تقع على الخاطئ. فعندما نعطي للتجربة فرصة بسبب شهواتنا الرديئة، فإن هذا أمر خاص بنا. هذا الكلام يعني بكل بساطة أنه لا توجد أية قوة في العالم يمكنها أن تدفعني إلى الخطيّة إن لم أكن أنا راضياً وراغباً بها. حتى الشّيطان بحيله وجبروته لا يستطيع أن يدفع أبسط إنسان إلى الخطيّة، إن لم يكن الاستعداد موجود أصلاً لدى الإنسان في ارتكاب الخطيّة. صحيح أن الشّيطان يشجع على الخطيّة، ويصورها بأنها رائعة ولذيذة ومفيدة وفيها مكاسب، ولكنه لا يقوم بإجبارك إلى مد يدك لتسرق أو إجبارك على الزّنا، أو على الكراهيّة، أو أي عمل آخر من أعمال الشر.

4. التّجربة تسلك وتَتَّبِع دائماً نفس الأسلوب أو النموذج:

لاحظوا معي مرة أخرى الآيات في يعقوب 14:1-15
1) الخطوة الأولى: إعطاء الطُعْم، أي الشيء الجذّاب والمغري الذي يجذب الانتباه ويشكل الطعم الشهي.
2) الخطوة الثانية: الشهوة الداخلية تتجاوب وتندفع باتجاه الطعم.
3) الخطوة الثالثة: تقع الخطيّة عندما نبلع الطعم.
4) الخطوة الرابعة: تقود الخطيّة إلى نتيجة مأساوية، وتنتهي بالموت والعذاب الأبدي.

هذه الخطوات تشبه تماماً ما يحدث أثناء صيد السمك: فالصيّاد يُحْضِّر الطُّعم الذي يثير السمكة ويجذبها إلى الصنارة المعلَّق بها الطعم. والسمكة التي تسبح في الماء كعادتها، تشم وتشاهد الطعم الذي يعتبر لها فرصة لتناول طعام لذيذ. تستطيع السّمكة أن تتابع سباحتها بدون أن تقع في المصيدة، ولكنها تقرر أن تتقدم لتأكل الطعم وتكون نهايتها الموت، وتصبح بدورها طعاماً لغيرها.

هكذا بالضبط تعمل التّجربة في حياتنا: يوجد طُعم لذيذ وشهي وجذّاب ومغري، إنه طعم في غاية الروعة وله صدى في قلوبنا، ويثير فضولنا واهتمامنا. وعلينا أن نختار عندما تأتي هذه التّجربة: هل نتقدم نحوها ونسقط في صنارة الصياد أم نهرب. عادة تقع الخطيّة في الخطوة الثانية، أي عند تناول الطعم وعدم الهروب منه. فالتّجربة حتماً تأتي، والخطيّة تقع لحظة التجاوب معها. نقرأ في عبرانيين 15:4 عن ربّنا يسوع له كل المجد: "لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ". فالشّيطان جرب الرّب يسوع في كل شيء: المال والطعام والجنس والحقد والغيرة والحسد، فلقد كان الرّب يسوع إنسان كاملاً، ولكنه لم يقع في الخطيّة.

في تكوين 1:39-15 تعرض يوسف للتجربة. فقد كان شاباً أعزب يملك الجمال والقوة والصحة، وكان في بيت فوطيفار ويستطيع عمل ما يريد. وجاءه الطعم بصورة امرأة جذّابة تريد أن تمارس معه الجنس. ولكن يوسف هرب راكضاً من التّجربة، ولم يسقط في الخطيّة. فهو لم يكن ضحية كما يحلو لنا أن نصف أنفسنا عندما نسقط في الخطيّة. وكأن مقاومة الخطيّة هو أمر فائق للطبيعة، أو مستحيل، أو أمر سحري أو سري، أو بحاجة لموهبة خاصة أو نعمة مميّزة.

إن رفض التّجربة والقول لها لا هو أمر يستطيع كل منا أن يعمله. وتوجد طرق عملية ومجرَّبة في مواجهة التّجارب والانتصار عليها:

1. واجه التّجربة ولا تستسلم لها: نقرأ في يعقوب 7:4 "قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ". نقرأ في رومية 13:6 "وَلاَ تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ إِثْمٍ لِلْخَطِيَّةِ بَلْ قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ لِلَّهِ كَأَحْيَاءٍ مِنَ الأَمْوَاتِ وَأَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ بِرٍّ لِلَّهِ". نلاحظ هنا شقين للوصية، شق يقول "لا"، أي ينهانا عن عمل شيء محدد ألا وهو تقديم أعضائنا آلات إثم للخطية. أي أنّ الله ينهانا بوضوح أن لا نستخدم إي عضو في أجسادنا كآلة لعمل الإثم والخطيّة. والشق الثاني يطلب منا عمل شيء إيجابي وهو أن نقدم ذواتنا لله، ونقدم أعضاءنا آلات بر لله، أي أن نكون عمليين في خدمة الله. فلدينا هنا أمر بلإمتناع عن أعمال معيّنة والقيام بأعمال بديلة. أي الامتناع عن الشر، والعمل في البر والخير. وهذا يعني ببساطة أن لا نكون سلبيين وغير مبالين للخطية، بل أن نعمل الخير في مواجهة الشر. فعندما تأتي التّجربة، علينا أن لا نكتفي بالعيش معها ظانين أننا لا نسقط فيها. بل علينا أن نواجهها بقوة وحزم. فلا تتلاعب مع التّجربة وتبقى بالقرب منها ظاناً بأنك لن تسقط فيها.

فمثلاً: إذا كانت هنالك أفلام تجعلك ضعيفاً وتيقظ فيك رغبات وشهوات لا تستطيع أن تتعامل معها، فأنت عملياً لا تواجه التّجربة، ولكن تتساهل معها وتغذيها وتشجع وجودها في حياتك لدرجة أنها قد تقودك إلى الخطيّة.

وأنتِ أيتها الشابة، وأنت أيّها الشاب: انتبهوا لحياتكم اليوم، فما أكثر الأبواب التي يهاجمكم من خلالها الشّيطان: الإنترنت والملابس والحفلات والموسيقى. يريد الشّيطان أن يسقط الشباب والشابات في مصيدة الخطيّة، ويستعبدهم لشهوات الجسد الرديّة. فانتبهوا لأنفسكم: إن كنتِ أيتها الشابة في مكان وحيدة مع شاب، فانتبهي لنفسك ولملابسك ومكان جلستك، ولا تتركي الشهوات الشبابية تقودك إلى مستنقع الرذيلة. وأنت أيها الشاب ابتعد عن الحفلات الصاخبة وما قد ييحدث فيها من ممارسات قد تقودك إلى السّقوط في الرذيلة. وتذكروا يا شباب ويا شابات قول الله القدّوس في سفر الجامعة 9:11- 1:12 "اِفْرَحْ أَيُّهَا الشَّابُّ في حَدَاثَتِكَ وَلْيَسُرَّكَ قَلْبُكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ وَاسْلُكْ فِي طَرِيقِ قَلْبِكَ وَبِمَرْأَى عَيْنَيْكَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى هَذِهِ الأُمُورِ كُلِّهَا يَأْتِي بِكَ اللَّهُ إِلَى الدَّيْنُونَةِ. فَانْزِعِ الْغَمَّ مِنْ قَلْبِكَ وَأَبْعِدِ الشَّرَّ عَنْ لَحْمِكَ لأَنَّ الْحَدَاثَةَ وَالشَّبَابَ بَاطِلاَنِ. فَاذْكُرْ خَالِقَكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ أَيَّامُ الشَّرِّ أَوْ تَجِيءَ السِّنِينَ إِذْ تَقُولُ: لَيْسَ لِي فِيهَا سُرُورٌ". 

إن تجربة السّقوط في الخطيّة من أقوى التحديات أمام الإنسان، فلا تلعب مع التّجربة، ولا تذهب إلى أماكن أو تنظر إلى أمور تؤدي إلى السّقوط الأخلاقي والذي يؤدي بدوره إلى نتائج فظيعة. 

* لا تستطيع أن تلعب مع الحيوان الذي فيك دون أن تصبح حيواناً بالكامل.
* ولا تستطيع أن تلعب مع الباطل بدون أن تضعف الحق.
* ولا تستطيع أن تلعب مع القسوة دون أن تفقد رزانة العقل.
فالإنسان يكون غبيّاً إن عرف نقطة ضعفه، ومع ذلك تساهل وغذّى هذا الضعف الذي فيه.

2. استخدام سلاح المقاومة الصحيح: نعرف من واقع الحياة أن الأمراض المختلفة تعالج بأدوية مختلفة، أي أننا لا نستخدم نفس الدواء لمعالجة جميع الأمراض. وبنفس الطّريقة علينا أن نستخدم السلاح المناسب عندما نتعرض لتجارب متنوعة ومختلفة. فمثلاً عندما نتعرض لتجربة تتعلق بالرغبات والأحاسيس والشهوات، علينا أن نركض هاربين وأن لا نبقى حيث التّجربة، تماماً كما فعل يوسف أمام تجربة السّقوط والزنا مع زوجة فوطيفار. إن وقفنا وقلنا أننا نستطيع المواجهة وعلاج الأمر بسهولة فإننا سنقع ضحايا، لذلك علينا أن نتذكر ما أمرنا به الله في كورنثوس الأولى 18:6 "اهربوا من الزنا" وفي تيموثاوس الثانية 22:2 "وأما الشهوات الشبابية فاهرب منها".

كذلك إذا جربّنا الشّيطان في موضوع الثرثرة وكثرة الكلام ونشر الإشاعات، فتذكر أن الله يريدنا أن نتوقف عن مثل هذه الأحاديث، فإن عرفتَ بخطية سقط بها أخ أو أخت، فلا تخبر أحداً بها إلا الله، لأن الله لا يذيع أسرار النّاس، بل يعمل على قيادتهم إلى التوبة. تذكر بأن الله يريدنا أن نحب النّاس، والمحبّة كما نقرأ في رومية 10:13 "لا تصنع شراً للقريب" وفي بطرس الأولى 8:4 "لأَنَّ المحبّة تَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا". أجل انتبه للسانك عند التّجربة. وتذكر أن الكتاب المقدّس يبعدك عن الخطيّة. والعكس صحيح، أي أن الخطيّة تبعدك عن الكتاب المقدّس.

3. تذكر أن الضيق سينتهي. وأن لذة الخطيّة عابرة ولها نتائج وقتية وأبدية: المؤمن الحقيقي يتألم ويضطهد في هذا العالم، وقد يتعرض للقتل كما حصل مع آلاف الشهداء من المسيحيين في الماضي وفي أيامنا الحالية.  ولكن شدة ضيقتنا الوقتية ستنتهي بالأفراح السماوية. أما الخطيّة وما يصاحبها من لذة أو فرح مؤقت وعابر فإنها تقود إلى أمراض وآلام ومآسي وعذاب. شرب الخمرة أو تناول المثيرات قد يكون ممتعاً، ولكنه قد يؤدي إلى حادث رهيب يقود إلى العجز أو الشلل. أو يتسبب بأمراض متنوعة.

نقرأ في رسالة العبرانيين 24:11-26 عن رجل الله موسى أنه "بِالإِيمَانِ مُوسَى لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، مُفَضِّلاً بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالخطيّة، حَاسِباً عَارَ الْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ خَزَائِنِ مِصْرَ، لأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْمُجَازَاةِ". لاحظ قول الكتاب هنا "تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالخطيّة" أي أنه توجد متعة ولذة بالخطيّة، لدرجة أنه يوجد أشخاص لديهم الاستعداد أن يخسروا سمعتهم ووظائفهم وحتى عائلاتهم من أجل تذوق لذة الخطيّة. الخطيّة ممتعة وتظهر رائعة وجميلة، تماماً مثل الطُّعم في صنارة الصياد الذي يظهر بأنه جميل وذو مذاق لذيذ، ولكن علينا أن نلاحظ هنا كلمة "وقتي"، أي وقت قصير، أي أن لذة ومتعة الخطيّة تستمر لوقت قصير جداً، وبعد ذلك تأتي المآسي والشرور. فالذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً. فارتكاب الزنا أي العلاقة الجنسية خارج الزواج قد يبدو لذيذاً لبعض الوقت، ولكنه يدمر الحياة الزوجية، أو يسبب الأمراض الخطيرة، أو قد يؤدي إلى حبلٍ غير متوقع. عندما ارتكب داود خطية الزنا مع بتشبع، لا بد وأنه استمتع لحظتها، ولكن ماذا حصل بعد ذلك: لقد حبلت المرأة وولدت، ومات الطفل الوليد، وأكلت الحسرة واللوعة قلب داود. وهذا يعيدنا إلى رسالة يعقوب 15:1 "ثمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالخطيّة إِذَا كَمُلَتْ تُنْتِجُ مَوْتاً".

لا بد وأننا نعرف أو عرفنا عن أشخاص مرضوا وماتوا ببطء شديد، وهذا أمر ليس بالجميل. وهذا بالضبط ما تعمله الخطيّة في حياتنا الروحية، إنها تميتنا روحياً ولكن بالتدريج، فهي تبدد محبتنا لله وللخدمة، وتفقد حماسنا للتبشير أو الاهتمام بحياتنا الروحية، وتنتهي رسالتنا في الحياة.

عندما تظهر الخطيّة بشكل جذّاب أمام عيوننا، وعندما تقيدنا شهواتنا ولذاتنا وأجسادنا في أمور هذا العالم، علينا أن نذكّر أنفسنا أن شهوات العالم وقتية، وعلينا أن نستخدم هذه الحقيقة لضبط أنفسنا وشهواتنا وللخضوع لمشيئة الله.

كتب اللاهوتي الألماني ديترخ بونهوفر عن التّجربة قائلاً: عندما تتقد الشهوة فإنها مثل النار الملتهبة تسيطر على الجسد. فلا فرق سواء كانت رغبة جنسية أو طموح أو رغبة في الانتقام أو محبة للشهرة أو السلطة أو طمع في المزيد من المال أو تعلق في العالم. في هذه اللحظة يختفي فرح الرّب في حياتنا ولا نعود نبحث إلا عن فرحنا.

ألم تمرّ أو تمرّي بمثل هذه اللحظات؟ الله في جهة والخطيّة ولذتها في جهة أخرى، وأنت تقف كالمسطول في الوسط لا تعرف ماذا تفعل. ورويداً رويداً تستجيب للتجربة وتنسى الله، ويكسب إبليس المعركة وتسقط أنت. فالشّيطان لا يملؤنا بكراهية لله، ولكنه يدفعنا إلى نسيان الله.

4. احفظ نفسك وحياتك بحفظ كلمة الله: عندما هاجم الشّيطان ربّنا يسوع المسيح بكل قواه وحيله كما نقرأ في متى 4:4-11، قاوم الرّب يسوع التّجربة بالاستشهاد من كلمة الله في الكتاب المقدّس، حيث كان يقول: "مكتوب". أي أنه توجد قوة في كلمة الله كفيلة أن تحفظنا في يوم التّجربة. نقرأ في مزمور 9:119-16 "بِمَ يُزَكِّي الشَّابُّ طَرِيقَهُ؟ بِحِفْظِهِ إِيَّاهُ حَسَبَ كَلاَمِكَ... خَبَّأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلاَ أُخْطِئَ إِلَيْكَ... بِفَرَائِضِكَ أَتَلَذَّذُ. لاَ أَنْسَى كَلاَمَكَ". فعندما نحفظ كلام الله في عقولنا، فإنه سلاح عظيم لنا وقت التّجربة، ولا يمكن للباطل أن يصمد في وجه الحق. لذلك إن كنت يا أخي أو يا أختي تصارع خطية ما في حياتك، فابحث عن آية أو مقطع من الكتاب المقدّس يعالج هذه الخطيّة، واحفظ هذه الآية، واستخدمها لكي تطفئ لهيب التّجربة في حياتك.

5. تذكر وعد الله بالانتصار واعتبره وعداً شخصياً لك: التّجربة التي تهاجمك الآن سبق لها وأن هاجمت الملايين من النّاس من قبلك، ولكنك كمؤمن بشخص الرّب يسوع، تستطيع أن تضع ثقتك بالله الذي لن يدعك تجرب فوق طاقتك، ولكنه سيوفر لك المخرج من التّجربة، كما نقرأ في رسالة كورنثوس الأولى 13:10 "لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ. وَلَكِنَّ اللهَ أَمِينٌ الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التّجربة أَيْضاً الْمَنْفَذَ لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا". فإن هاجمتك التّجارب، صلِ وأطلب من الرّب أن يحقق وعده بتوفير المنفذ لك، حتّى تخرج من التّجربة منتصراً على عدو النفوس.

لا تلعب مع الشّيطان، ولا تداري التّجارب وتتسامح معها في حياتك، لئلا تسيطر على حياتك وتسقط في مستنقع لا مخرج منه إلا الموت. إن جاءت التّجربة، فاهرب منها، واستخدم كلمة الله، وصلِّ طالباً المخرج، ولا تعود إلى حيث كنت، لئلا تسقط بلا رجعة. آمين.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. عيسى باشا 01 ابريل 2016 - 16:13 بتوقيت القدس
مقال قيم جدا مقال قيم جدا
مقال رائع وقيم جدا وأتمنى ان تعمل حلقات نقاش حوله كم نحن بحاجه ان ننتبه لانفسنا ونحقق اراده الله في حياتنا شكرًا اخي بسام على تعب محبتك والرب يقودك من مجد الى مجد