كثيرا ما أرى في مخيلتي أمور تحيرني على الصعيد الشخصي وعلى صعيد العلاقات والتواصل، دعوني أوضح قصدي من هذا... أنا كمسيحي مؤمن بيسوع المسيح كرب ومخلص، ما هو انتمائي الأول، هل هو للرب يسوع المسيح؟ لمزيد من التوضيح: أن غالبية المسيحيين وخاصةً الذين يعيشون في المناطق الفلسطينية والاسرائيلية لا يوجد عندهم فهم واضح عن ماهية انتماءاتهم سواء كانت الدينية أو السياسية!
على الصعيد الشخصي، هذا النوع من عدم التحديد للاتجاه الديني أو السياسي أصبح مشكلة عند الكثير من المسيحيين وحتى المؤمنين منهم، لأن القادة الدينيين للأسف لا يوضحون ماهية وفحوى هذه التحديات. بعض الاتجاهات الدينية أخذت على عاتقها تكوين بؤرة سياسية دينية وأخذ الدور السياسي على محمل الجدية وكأنهم كما قال المسيح: “ لَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ رُقْعَةً مِنْ قِطْعَةٍ جَدِيدَةٍ عَلَى ثَوْبٍ عَتِيق، لأَنَّ الْمِلْءَ يَأْخُذُ مِنَ الثَّوْبِ، فَيَصِيرُ الْخَرْقُ أَرْدَأَ” (متى٩: ١٦) لا يكون المنظر جميلاً إذا فعلنا هذا لكن هم بنظرهم أن العمل في هذا الحقل السياسي والديني يصل بنا إلى الدمج الحقيقي بين وطنيتنا وايماننا. ولكن السؤال، هل المسيح يريد منا هذا؟ أن نشرك الايمان في العمل السياسي؟ وهل المسيح في حياته أشرك رسالته في العمل السياسي؟
هذه أسئلة يجب أن نجيب عليها بصدق وأمانة وهنا نصل إلى السؤال، ماذا قال المسيح؟ ” فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا للهِ للهِ” (مرقس١٢: ١٧) وعندما طُلب منه أن يدفع الضريبة طلب من تلاميذه أن يدفعوها. المسيح بينَ رسالته وسياسته بشكل واضح من خلال جميع أحداث الإنجيل، هل نحن مدعوين للخلط بين السياسة ودعوة المسيح التي أرسلنا بها؟
طبعاً لا، ما هي الوصية العظمى؟ هي ليست أن تكونوا مع السياسيين وأن تخلقوا جو سياسي مسيحي ليرضى عنكم الطرف الحاكم وتعيشوا في مصالحة ويكون لكم دور سياسي فعال كأقلية لكي لا تنتهوا كمسيحيين في الشرق الأوسط وفلسطين. للأسف هذه الصورة التي نراها اليوم غير موجودة في الكتاب المقدس، بل قال المسيح:”اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا”.(مرقس١٦: ١٥). لماذا تعتبر هذه هي الوصية هي العظمى؟ لأنها هي حياة كل مؤمن حقيقي في المسيح، هويتي هي في المسيح، وطني هو الوطن السماوي، سياستي هي سياسة سماوية لامتلاك العالم أجمع من خلال كرازتي بإنجيل المسيح، والرسالة هي السلام التي من خلالها وصل المسيح للعالم أجمع. ألم يعاني المسيح في حياته؟ ألم يكن يعيش في ظل الامبراطورية الرومانية؟ ألم تكن الامبراطورية تضطهد اليهود في ذلك الوقت؟ مع أن اليهود أرادوا المسيح رجلا سياسيا ولكن هو لم يكن. كانت له رسالة واضحة وهدف واضح هو تمجيد الأب السماوي. هل نريد أن نتبع المسيح بحق ونسير حسب وصيته العظمى أم نريد أن نُسيس المسيح بغرض إظهار صورة جيدة لأنفسنا لنبقى في منطقة الراحة؟
هذا لم يحدث عندما نقرأ عن التلاميذ في سفر أعمال الرسل، لقد كان همهم المأمورية العظمى وعلى مر التاريخ أيضاً الكنيسة المسيحية بُنيت على جماجم الشهداء الذين دافعوا عن إيمانهم وكرزوا في إنجيل المسيح للخليقة كلها. أنا شخصياً كتبت هذه الكلمات لشعوري بالأسف في بعض الأحيان لما أسميه في الحقيقة مُساومة للواقع الديني و التسيس لغرض التعايش الاجتماعي. وكمسيحيين قد خلطنا كثيراً من الأوراق التي لا تصب في مشيئة الله الأساسية ألا وهي الكرازة وكسب النفوس للرب، وهذا ما جعل كثيراً من الأشخاص ورجال الدين يرفضون المأمورية العظمى من الرب يسوع. أنا في حيرة من أمري، هل هم يتبعون الرب يسوع المسيح أم يتبعون شخص اخر؟ ما أقوله هنا هو تعبير قلبي صادق من تلميذ لكثيرين منكم وهذا ما وضعه الرب على قلبي. فلا تكونوا متعرجي الفرقة، بل كونوا واضحين، أما السياسة أو المسيح، لا يمكن أن نربط بين الاثنين معاً.
وأتمنى أن تؤخذ كلماتي بكل صدق من أخ صغير لكم في الرب.