وصايا الله: قيود للبشريّة أم دعوة للحريّة؟

نتعلّم من الكتاب المقدّس بأن الله هو إله المحبة، وأن وصاياه لنا جاءت بدافع من محبته لنا. فالله يريد لنا الخير، ‏ويريد لنا الحياة الأفضل، ويريد لنا الحياة الأبدية. ووصايا الله تساعدنا أن نعيش في الحرية
03 مارس 2016 - 23:18 بتوقيت القدس

في جو مهيب وجليل، خاطب الله نبيّه موسى واعطاه الوصايا العشرة، حيث نقرأ في سفر الخروج 18:19-19: ‏‏"وَكَانَ جَبَلُ سِينَاءَ كُلُّهُ يُدَخِّنُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ نَزَلَ عَلَيْهِ بِالنَّارِ وَصَعِدَ دُخَانُهُ كَدُخَانِ الأَتُونِ وَارْتَجَفَ كُلُّ الْجَبَلِ جِدّاً. ‏فَكَانَ صَوْتُ الْبُوقِ يَزْدَادُ اشْتِدَاداً جِدّاً وَمُوسَى يَتَكَلَّمُ وَاللهُ يُجِيبُهُ بِصَوْتٍ". نكتشف من قراءة هذه الآيات أن جبل ‏سيناء كله كان يدخن ويرتجف من محضر الرب، وأن الرب تكلم بصوتٍ عظيم وسط النار والسحاب والضباب. ‏‏(راجع أيضاً تثنية 11:4-13 وتثنية 22:5)، وأعطى الله لنبيّه موسى جملة من الوصايا التي ما تزال تجسّد، وحتّى ‏في أيّامنا في القرن الحادي والعشرين، حاجزاّ ورادعاّ للبشريّة من السقوط في ظلمة الخطيّة.‏

الوصايا العشر

وهذا هو نص الوصايا كما نطق بها الله في سفر الخروج 1:20-17: "أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ ‏مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ ‏وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلَهَكَ إِلَهٌ غَيُورٌ أَفْتَقِدُ ‏ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ وَأَصْنَعُ إِحْسَاناً إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ. لاَ ‏تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلَهِكَ بَاطِلاً لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِاسْمِهِ بَاطِلاً. اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ. سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ ‏وَتَصْنَعُ جَمِيعَ عَمَلِكَ وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابِعُ فَفِيهِ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ. لاَ تَصْنَعْ عَمَلاً مَا أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ وَعَبْدُكَ ‏وَأَمَتُكَ وَبَهِيمَتُكَ وَنَزِيلُكَ الَّذِي دَاخِلَ أَبْوَابِكَ - لأَنْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ الرَّبُّ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا ‏وَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ. لِذَلِكَ بَارَكَ الرَّبُّ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَدَّسَهُ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِتَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي ‏يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلَهُكَ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَزْنِ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ. لاَ تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ. لاَ تَشْتَهِ ‏امْرَأَةَ قَرِيبِكَ وَلاَ عَبْدَهُ وَلاَ أَمَتَهُ وَلاَ ثَوْرَهُ وَلاَ حِمَارَهُ وَلاَ شَيْئاً مِمَّا لِقَرِيبِكَ".‏

في سفر المزامير، رفع الملك والنبي داود بالوحي تسبيحة شكر لله على وصاياه، وكتب واصفاّ ناموس الله ووصاياه ‏قائلاً في  مزمور 7:19-14: "نَامُوسُ الرَّبِّ كَامِلٌ يَرُدُّ النَّفْسَ. شَهَادَاتُ الرَّبِّ صَادِقَةٌ تُصَيِّرُ الْجَاهِلَ حَكِيماً. وَصَايَا ‏الرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ تُفَرِّحُ الْقَلْبَ. أَمْرُ الرَّبِّ طَاهِرٌ يُنِيرُ الْعَيْنَيْنِ. خَوْفُ الرَّبِّ نَقِيٌّ ثَابِتٌ إِلَى الأَبَدِ. أَحْكَامُ الرَّبِّ حَقٌّ ‏عَادِلَةٌ كُلُّهَا. أَشْهَى مِنَ الذَّهَبِ وَالإِبْرِيزِ الْكَثِيرِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَقَطْرِ الشِّهَادِ. أَيْضاً عَبْدُكَ يُحَذَّرُ بِهَا وَفِي حِفْظِهَا ‏ثَوَابٌ عَظِيمٌ. اَلسَّهَوَاتُ مَنْ يَشْعُرُ بِهَا! مِنَ الْخَطَايَا الْمُسْتَتِرَةِ أَبْرِئْنِي. أَيْضاً مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ احْفَظْ عَبْدَكَ فَلاَ يَتَسَلَّطُوا ‏عَلَيَّ. حِينَئِذٍ أَكُونُ كَامِلاً وَأَتَبَرَّأُ مِنْ ذَنْبٍ عَظِيمٍ. لِتَكُنْ أَقْوَالُ فَمِي وَفِكْرُ قَلْبِي مَرْضِيَّةً أَمَامَكَ يَا رَبُّ صَخْرَتِي وَوَلِيِّي".‏

ونقرأ في إنجيل المسيح حسب البشير متى قصة شاب غني طرح سؤالاً مصيريّاً على الرّب يسوع: "أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ ‏الصَّالِحُ أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ"؟ في جوابه على هذا السؤال المهم جدّاً، قال له الرّب يسوع: ‏‏"إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ فَاحْفَظِ الْوَصَايَا. قَالَ لَهُ: أَيَّةَ الْوَصَايَا؟ فَقَالَ يَسُوعُ: «لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَزْنِ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ ‏تَشْهَدْ بِالزُّورِ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ وَأَحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. (راجع متى16:19-19). فما أعطاه الله لموسى كان ولا ‏يزال قوانين أخلاقية لشعب الله قديماً وحديثاً. وللأسف الشديد فإننا نعيش في زمن يريد فيه معظم الناس أن يعيشوا ‏دون أي قانون أخلاقي يضبط سلوكهم وتصرفاتهم. فهم يريدون التحرر من الأخلاق، فالله في نظرهم إله الحزم والجزم ‏والربط، وبالتالي فهم يقولون من خلال تصرفاتهم وسلوكهم بأنهم لا يريدون الله، بل يريدون العيش كما يريدون بدون ‏أي رادع أو مرجع أخلاقي.‏

نتعلّم من الكتاب المقدّس بأن الله هو إله المحبة، وأن وصاياه لنا جاءت بدافع من محبته لنا. فالله يريد لنا الخير، ‏ويريد لنا الحياة الأفضل، ويريد لنا الحياة الأبدية. ووصايا الله تساعدنا أن نعيش في الحرية الحقيقية، أي الحرية من ‏العبودية للشر وللخطية وللعادات الردية. وصايا الله لا تستعبدنا بل تحررنا وتساعدنا لكي لا نسقط في فخ خداع ‏النفس أو الوقوع في حبال إبليس الشرير. عندما تقول الأم لابنها لا تلعب بالكبريت، أو لا تمشي وسط الشارع، ‏أو لا تشرب من وعاء الكلور، فإن السبب في طلبها هو محبة ابنها أو ابنتها. فهي لا تريدهم أن يحترقوا أو يمرضوا ‏أو يموتوا. كل طلباتها عبارة عن وصايا للخير وللحياة وللصحة الجيّدة لأولادها، وليس لتقييد حرّيتهم والتّحكم بهم.‏

علينا كبشر أن نتذكر دائماً بأن الله هو إله الخليقة كلّها وصاحب السلطان المطلق في الوجود. ولأنه الله، فإن له كل ‏الحق والقوة أن يقول لنا ما الذي يجب نعمله وما الذي يجب أن لا نعمله. وما يطلبه منّا الله دائماً هو لخيرنا ولحياتنا ‏ولسعادتنا، وليس لأي هدف آخر. وعندما يتجاوب النّاس مع كلام الله ويعيشون بحسب وصاياه، فإنهم يمجّدون الله ‏في حياتهم، ويختبرون حضور الله ونعمته الفيّاضة لهم.‏

طبيعة وصفات وصايا الله:‏

‏1. وصايا الله واضحة ومباشرة ولا يوجد فيها أي لبس أو غموض.‏
‏2. وصايا الله خفيفة وليست ثقيلة أبداً.‏
‏3. وصايا الله تبين بقوة الفرق بين الحق والباطل، وبين الخير والشر. فلا وجود لأي شيء يقع بين الحق والباطل أو ‏بين الشر والخير. فأي أمر في الوجود إما أن يكون خير أو أن يكون شر، ولا يوجد شيء وسط بينهما.‏
‏4. وصايا الله تستدعي طاعة النّاس لها والعمل على تطبيقها. ‏

توجد في عالمنا اليوم آراء وأفكار كثيرة تريد وتعمل على تغيير وتبديل وصايا الله لتتفق مع شهوات الناس الرديّة. ‏حتى في الأوساط الدينية، يوجد من يبرر النفاق باسم الشّطارة، والانحراف باسم الميل الطبيعي، والتحلل والفساد ‏باسم حقوق الإنسان والحرية. وهذه ألاعيب من الشيطان لاقتناص الناس إلى إرادته الشريرة.‏

لدى معظم الناس رأي يقول بأنهم مستعدين لعمل أي شيء ما دام لا يؤذي أو لا يعثر الآخرين. فهم يقولون أنهم ‏مستعدين لإقامة حفلة رقص ومجون وسكر لأنهم لا يؤذون فيها الآخرين. وكثيرون مستعدين للكذب إذا كان ذلك ‏مقبولاً ولا يؤذي أحد. ونسبة عالية من الناس يقولون أنهم قادرين بأنفسهم أن يقرروا ما هو الصحيح والأخلاقي ‏بناءً على تجربتهم الشخصية في الحياة، ولا يحتاجون إلى وصايا وشريعة الله.‏

مثل هذه الأقوال والمواقف قادت وتقود العالم اليوم إلى مستنقع الحروب والدمار والرذيلة والسقوط الأخلاقي بلا ‏حدود. لذلك لا غنى للعالم عن وصايا الله، لأنه بدون الله تعم الفوضى والانحطاط، ويكتب العالم نهايته التعيسة ‏بيده.‏

بالعودة إلى خروج 2:20: "أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ". نلاحظ بوضوح أن ‏الله عمل أولاً على تأكيد سلطته وقوته ومجده وقدرته على عمل ما لا يستطيع الإنسان عمله، وذلك قبل إعطاء ‏الوصايا. فهو يقول أولاً: أنا الرب إلهك: فهو هنا يعلن بأنه الله وبأنه الرب، أي أنه إله وسيّد الإنسان. وبالتالي فله ‏كل السلطة والحق أن يعطي الإنسان الوصايا التي يراها مناسبة. فالله الكلي الوجود، والكلي المعرفة والعلم، ‏والكلي القدرة والسلطان، هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في هذا الوجود. تقرأ في أمثال 3:15: " فِي كُلِّ ‏مَكَانٍ عَيْنَا الرَّبِّ مُرَاقِبَتَيْنِ الطَّالِحِينَ وَالصَّالِحِينَ". وفي إرمياء 24:23 "إذَا اخْتَبَأَ إِنْسَانٌ فِي أَمَاكِنَ مُسْتَتِرَةٍ أَفَمَا أَرَاهُ أَنَا ‏يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَمَا أَمْلَأُ أَنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ يَقُولُ الرَّبُّ؟" وبنفس المعنى في عبرانيين 13:4 "وَلَيْسَتْ خَلِيقَةٌ غَيْرَ ‏ظَاهِرَةٍ قُدَّامَهُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذَلِكَ الَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا". ‏

الله كلي الوجود (إرمياء 24:23) وكلي العلم (عبرانيين 23:4) وكلي القدرة كما نقرأ مثلاً في إرمياء 17:32: " ‏أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ هَا إِنَّكَ قَدْ صَنَعْتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقُوَّتِكَ الْعَظِيمَةِ وَبِذِرَاعِكَ الْمَمْدُودَةِ. لاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ ‏شَيْءٌ". كذلك فإن الله مستقل الإرادة ولا يحتاج إلى استشارة أحد كما نقرأ في دانيال 35:4 "هُوَ يَفْعَلُ كَمَا يَشَاءُ فِي ‏جُنْدِ السَّمَاءِ وَسُكَّانِ الأَرْضِ وَلاَ يُوجَدُ مَنْ يَمْنَعُ يَدَهُ أَوْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟". وفي إشعياء 13:40-26،15. ‏وإشعياء 1:66: "هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: السَّمَاوَاتُ كُرْسِيِّي وَالأَرْضُ مَوْطِئُ قَدَمَيَّ" ‏

الولايات المتحدة الأمريكية اليوم هي أقوى دولة في العالم اليوم، فلديها المال والعلماء والسلاح والسلطة لتملي ‏على العالم شروطها في العلاقات الدولية والسياسات المختلفة. ولكن كل قوة وعظمة أمريكا هي كلا شيء أمام قوة ‏وسلطة الله القدوس. ‏

مع أن الله أعطانا الوصايا بدافع المحبة، ولأجل أن نعيش حياة مقدّسة ومرضية أمامه ومع الناس. إلا أن العالم رفض ‏وما يزال يرفض وصايا الله.‏

فأولاً: الخطاة يرفضون وصايا الله. نقرأ في خروج 2:5 كلمات رفض وعصيان نطق بها فِرْعَوْنُ مصر: «مَنْ هُوَ ‏الرَّبُّ حَتَّى أَسْمَعَ لِقَوْلِهِ فَأُطْلِقَ إِسْرَائِيلَ؟ لاَ أَعْرِفُ الرَّبَّ وَإِسْرَائِيلَ لاَ أُطْلِقُهُ". ما أكثر فراعنة اليوم والذين يقولون: ‏‏"من هو الرب حتى أسمع لقوله" ويقولون أيضاً : " لا أعرف الرب". أجل ما أكثر الخطاة والفراعنة الذين يرفضون ‏الله ويرفضون سلطانه ولا يعرفونه في أفكارهم وأفعالهم وأقوالهم.‏

عالمنا اليوم لا يعرف الله الحقيقي ولا يسمع لصوته. إنهم يعرفون آلهة الذهب والفضة والنحاس والحديد والحجر ‏والخشب. إنهم يعرفون آلهة القتل والكراهية والحروب والموت والدّمار. إنهم يعرفون آلهة الزنا والنجاسة والدعارة ‏والانحراف والرذيلة. أنهم يعرفون آلهة النفاق والدجل والمراءاة والمسايرة والرّشوة . وهذه الآلهة مريحة لهم. هذه ‏الآلهة تشبع رغباتهم وشهواتهم الجسدية الأرضية. لذلك لا يريدون الله الحقيقي، لأنهم يظنون أنه جبار ومتسلط ‏ووصاياه ثقيلة، غير عالمين أن آلهة هذا العالم هي سبب كل ما يعانيه الناس من أمراض وفساد وحروب وفقر وجوع ‏وحروب ودمار وكراهية وعنصرية وعذاب وكل أشكال الشرّ والويل في عالمنا المعاصر. وأن الله الحقيقي هو اله المحبّة ‏والعدالة والسّلام لجميع النّاس.‏

ثانياً: المتديّنون وبعض المؤمنين أيضاً يرفضون وصايا الله: لو سأل كل واحد منا نفسه: هل يوجد لله ‏سلطان حقيقي على حياتي؟ هل الله حقاً ربي وسيدي ومعلمي ومرشدي وناصحي وقائد حياتي؟ صحيح أننا كمؤمنين ‏نعترف بوجود الله وسلطانه وقداسته، ولكنّ البعض منّا يعيش أسبوعه من يوم الاثنين إلى يوم السبت وكأنهم لا ‏يؤمنون بالله، حيث لا وجود له في كلامهم وتصرّفاتهم. ويتذكرون صباح يوم الأحد وجود الله وسلطانه، ويأتون إلى ‏مكان اجتماع الكنيسة للصلاة بدافع الواجب وحب الظّهور والقبول الاجتماعي، وليس بسبب محبة الله. ويعودون ‏بعدها إلى حياتهم المستهترة وغير المكرّسة لشخص الله القدّوس. فخلال الأسبوع يعيش بعض المؤمنين بدون صلاة، ‏وبدون قراءة الكتاب المقدس، وبدون عمل أي خير للآخرين، وبدون الاستماع لصوت الله من خلال الكتاب ‏المقدس، وبدون التفكير في أسلوب حياتهم إن كانت سبباً لمجد الله أم لا. إن بعض المؤمنين يهملون الله في حياتهم ‏اليومية وكأنهم يقولون مثل فرعون: من هو الرب حتى أسمع لقوله؟ مثل هؤلاء لا يريدون أن يتدخل الله في تفاصيل ‏حياتهم اليومية، ويعملون ما يحلو في أعينهم دون أي اعتبار لكلمة الله، ودون التبشير ومشاركة الغير بأي شيء عن ‏محبة الله وعن الصليب وعن ضرورة التوبة.‏

بالعودة إلى خروج 2:20 نلاحظ أن الله بعد أن أكّد على سلطته وقدرته ومجده بقوله: "أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكَ". عمل الله ‏على توضيح أساس وسبب مسؤولية البشر تجاه شخصه القدّوس. أي أن الله أخبر الناس بسبب ثانٍ يجعلهم ‏مسئولين أمامه ومطالبين بطاعته، وهو عمل الله في حياة الناس. أي أن ما يعمله وعمله الله للإنسان هو سبب رئيسي ‏وجوهري يعطي لله الحق في إعطاء الوصايا للناس، ويجعل الناس ملزمين في طاعة هذه الوصايا، لذلك فهو يقول: ‏‏"الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ" من هذا القول نستنتج أن الذين أخرجهم الله من أرض العبودية ‏ملزمين بطاعة الله. والخروج من العبودية هو عمل الفداء، والفادي الوحيد هو الله. والفداء يعني دفع ثمن المفدي: ‏فالعبد لا يتحرر من العبودية إلا بدفع الثمن، والذي يدفع الثمن يصبح المالك الفعلي للعبد الذي فداه. أي أننا ‏في الفداء تحررنا من العبودية بثمنٍ دَفَعَهُ الله نفسه، وبالتالي فنحن لسنا ملك أنفسنا بل ملك لمن اشترانا وأخرجنا ‏من سلطان الظلمة والعبودية. وبما أننا ملكه، فهو بالتالي يملك كل الحق في أن يأمرنا بأن نعمل أشياء معينة، ونمتنع ‏عن عمل أشياء غيرها.‏

لقد عمل الله للإنسان ما لا يستطيع الإنسان عمله من أجل نفسه. فشعب الله القديم لم يستطع أن يخلّص نفسه من ‏فرعون مصر، ولكن الله أخرجهم بذراعه القوية. والمؤمنون بشخص الرب يسوع اليوم لم يُخِلِّصوا أنفسهم بأعمالهم، ‏بل أن الرب يسوع هو الذي خلّصنا بدمه الذي سفك على الصليب. وبالتالي فالرب يملك السلطة والقدرة على ‏حياتنا ليعطينا الوصايا والنواهي والأحكام والأوامر.‏

لاحظوا معي التسلسل في عملية إعطاء الوصايا:‏
‏1- أولاً: أعلن الله عن نفسه: أنا هو.‏
‏2- ثانياً: أعلن الله انّه المخلص والمحرّر والفادي: أخرجك من مصر.‏
‏3- ثالثاً: أعطاهم الله الوصايا للحياة الأفضل.‏

عمل الله في الماضي وما يزال يعمل اليوم من أجلنا ما لا نستطيع عمله بأنفسنا. نقرأ في أفسس 12:2: " أنكم ‏كنتم في ذلك الوقت بدون مسيح، أجنبيين من رعوية إسرائيل، وغرباء من عهود الموعد، لا رجاء لكم وبلا إله في ‏العالم". ليس هذا فقط، فنحن كما نقرأ في أفسس 1:2 كنّا "أمواتاً بالذنوب والخطايا". وبدافع من محبّته لنا، بادر ‏الله، ونحن أموات بالخطايا، الى بعث الحياة فينا بخلاصنا بنعمته الغنيّة (راجع أفسس 5:2). أي أن خلاصنا وتبريرنا ‏وخروجنا من مستنقع الخطيّة: " لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ". (أفسس 9:2). فكل الفضل وكل المجد هو لله، ‏وبالتالي لله كل الحق أن يقودنا في الطريق الذي يريده هو، لأنه يعرف ما هو الأفضل لنا.‏

تصوَّر أن سفينة غرقت في البحر، واستطاع بعض الركاب النجاة باستخدام بوصلة قادتهم إلى الشاطئ، وبعد وصولهم ‏الى شاطئ النجاة، حطّموا البوصلة ورموها، وأرادوا متابعة السير لوحدهم، ولكنهم اكتشفوا خلال وقت قصير أنهم ‏لا يعرفون الطريق وتأسفوا على تحطيمهم البوصلة. ‏

ونحن اليوم نحتاج إلى بوصلة الله. نحتاج إلى الوصايا لتقودنا في طريق الخير والمحبة والقداسة والبر والتقوى، وبدون ‏هذه البوصلة نضيع ونسقط في الشر والخطية والشهوة الردية والموت والضياع إلى الأبد.‏

هل نقبل عطية الله الرائعة؟ هل نقبل وصاياه؟ أم نرفضها ونضيع في الظلمة وفي دروب هذا العالم الذي سقط في ‏مستنقع الشّر؟! ‏

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. مارتن كورش 05 مارس 2016 - 14:56 بتوقيت القدس
هل تؤمن بالوصايا ال10؟ هل تؤمن بالوصايا ال10؟
سلام ومحبة ونعمة لنتناقش اخي الكاتب مع انتظار ردك بكل محبة انك استشهدت ما يلي: 1-وهذا هو نص الوصايا كما نطق بها الله في سفر الخروج 1:20-17: 2-مزمور 7:19-14: 3-وقلت (وللأسف الشديد فإننا نعيش في زمن يريد فيه معظم الناس أن يعيشوا ‏دون أي قانون أخلاقي يضبط سلوكهم وتصرفاتهم.) 4-وذكرت (نتعلّم من الكتاب المقدّس بأن الله هو إله المحبة، وأن وصاياه لنا جاءت بدافع من محبته لنا. فالله يريد لنا الخير، ‏ويريد لنا الحياة الأفضل، ويريد لنا الحياة الأبدية. ووصايا الله تساعدنا أن نعيش في الحرية الحقيقية، أي الحرية من ‏العبودية للشر وللخطية وللعادات الردية. وصايا الله لا تستعبدنا بل تحررنا وتساعدنا لكي لا نسقط في فخ خداع ‏النفس أو الوقوع في حبال إبليس الشرير.) 5-وذكرت (علينا كبشر أن نتذكر دائماً بأن الله هو إله الخليقة كلّها وصاحب السلطان المطلق في الوجود. ولأنه الله، فإن له كل ‏الحق والقوة أن يقول لنا ما الذي يجب نعمله وما الذي يجب أن لا نعمله.) 6- وذكرت(وصايا الله تستدعي طاعة النّاس لها والعمل على تطبيقها.) 7- وذكرت مشكورا(توجد في عالمنا اليوم آراء وأفكار كثيرة تريد وتعمل على تغيير وتبديل وصايا الله لتتفق مع شهوات الناس الرديّة.) الخ... شكرا على مقالك سؤالي هو: هل تؤمن بتطبيق جميع الوصايا؟ هل تعمل بما جاء في الوصايا ال10؟ هل تؤمن بتلازم بين الوصايا ال10 وزمن النعمة؟ هل تؤمن بأن مرجع الوصايا ال10 هو الله هو الرب يسوع له كل المجد هو الروح القدس؟ هل تؤمن بان العهد الجديد هو تكملة للعهد القديم؟ لطفا اجب لكي نبدأ بعدها النقاش على ما جاء في مقالك. مع تحياتي
1.1. بسام بنورة 05 مارس 2016 - 20:20 بتوقيت القدس
الاخ مارتن كورش
سلام الرب يسوع معك اخ مارتن أشكرك على تفاعلك مع الموضوع، وصلاتي ان تكون بألف خير شكرًا لأسئلتك الخمسة، وهذا دليل اهتمام واضح ولكن اعذرني عن إجابتها لانها أسئلة شخصية، وانا لا اريد ان اذهب بهذا الاتجاه أرجوك ان تحصر التعليق او السؤال في موضوع المقال وهو وصايا الله إيماني امر بيني وبين الهي، وما اكتبه يكفي. لك مني احر التحيات القس بسام
1.2. مارتن كورش 05 مارس 2016 - 21:14 بتوقيت القدس
وصايا
اتقبل جوابك يا حضرة القسيس طبعا مقالك هو عن الوصايا العشر، ثق اننا نكتب ونطالب وندعو لكننا لا نطبق! لماذا؟ لأننا نعمل بتعاليم الكنيسة ونهمل العمل بالوصايا. ولا أحد منا ككهنة أو قيسيسين أو رعاة سألنا أنفسنا عن سبب الخرق. أجزم أن لم تحفظ الوصايل لابد وانك تقرأها والدليل انك كتبت في محيطها. أنها سلسلة متكاملة الحلقات من قطع أحداها أساء إلى بقية الحلقات(لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي الْكُلِّ)"يعقوب2: 10". لطفا راجع ما ذكرته وأجب حسب الكتاب المقدس (اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ. سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ ‏وَتَصْنَعُ جَمِيعَ عَمَلِكَ وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابِعُ فَفِيهِ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ. لاَ تَصْنَعْ عَمَلاً مَا أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ وَعَبْدُكَ ‏وَأَمَتُكَ وَبَهِيمَتُكَ وَنَزِيلُكَ الَّذِي دَاخِلَ أَبْوَابِكَ - لأَنْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ الرَّبُّ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا ‏وَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ. لِذَلِكَ بَارَكَ الرَّبُّ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَدَّسَهُ.) اتركك في محبة الرب
1.3. بسام بنورة 05 مارس 2016 - 22:34 بتوقيت القدس
وصايا الله
الأخ العزيز مارتن أدعوك الى متابعة سلسلة المقالات التي أعمل على كتابتها ونشرها تباعاً في هذا الموقع. ما نشرته كان بمثابة مقدّمة عن وصايا الله. سأكتب عن كل وصيّة بالتفصيل. أدعوك أن تصلي معي من أجل كل النّاس، فالعالم يعيش زمناً صعباً، والكل بحاجة الى وصايا الله. لك مني الف تحيّة
1.4. مارتن كورش 07 مارس 2016 - 13:07 بتوقيت القدس
نعم
سلام ومحبة جميل ان نتواصل بوجود الرب لذلك افضل ان تاخذ ايميلي من الموقع نفسه لكي احظى بمقالك على بريدي الالكتروني. لذلك دعني اسمع ردك باستلام ايميلي من الموقع مع الشكر والرب يحفظكم. المحامي والقاص مارتن كورش