"بِحَسَبِ فِطْنَتِهِ يُحْمَدُ الإِنْسَانُ" (الأمثال 12: 8)
يقول المثل العربي "من يزرع المعروف يحصد الشكر"، وهذا لا يعني أن الهدف أو السبب من وراء زرع المعروف هو حصد الشكر، بل نزرع المعروف لوجه الله ولخير الآخرين، ولكن النتيجة المنطقية المتوقعة هي أن يقابل المعروف بالشكر، ولكن للأسف في عالم اختلت فيه الموازين الأخلاقية والمجتمعية وموازين العلاقات، كما اختلت موازين المناخ في العالم، لم يعد المنطق يصيب دائما.
يقول مثل آخر "أشكر من أنعم عليك، وأنعم على من شكرك"، فهو دعوة للشكر وتقدير الخير والنعم، وحثّ على ردّ الخير بالخير، والفضيلة بأحسن منها. وبأسلوب تصويري يؤكد الكاتب الأمريكي وليام آرثر وارد أهمية الشكر بقوله "الشعور بالعرفان وعدم التعبير عنه كتغليف هدية وعدم تقديمها".
وفي مثل آخر "بالشكر تدوم النعم"، فكلما كان الشكر حقيقيًا صاعدا من القلب، ومعبرًا عن مشاعر الامتنان الحقيقية، كلما ازدادت النِعم وتكاثرت، في حين أن التذمر وعدم الاعتراف بالنعم قد يؤدي إلى تبخرها وجفافها. وفي هذا يقول سوفوكليس أحد أعظم كتاب التراجيديا الإغريقية: "عرفان الجميل دائما ما ينتج عنه عرفان الجميل". عندما نشكر على الخير في حياتنا فهو يكثر وقيمته تزداد، والعكس صحيح فعندما لا نقدّر الخير، ونعتبره مفهومًا ضمنًا، تقل قيمته.
يؤكد المفكر والفيلسوف الكبير جبران خليل جبران دور وأهمية الشكر للصديق، فبالشكر تحصد الصداقة "إن صديقك هو كفاية حاجتك وهو حقلك الذي تزرعه بالمحبة وتحصده بالشكر هو مائدتك وموقدك لأنك تأتي إليها جائعا وتسعى وراءه مستدفئا". فلا يكن شكرك لغرض مبطن، مجبول بطين الأنانية، فتحقق قول الأديب الفرنسي فرانسوا لاروشفوكو "الشكر لدى بعض الناس ليس إلا رغبة مبطنة في الحصول على خيرات أكثر". كما ويؤكد المثل الإنجليزي أهمية أن يكون العطاء وتكون الخدمة وفقًا لحاجة الشخص لكي تستحق التقدير " لن يشكرك الأعمى على مرآة تعطيها له "، فمن المهم أن تكون العطية والخدمة وفقًا للإحتياج وتجاوب عليه.
يقول الطبيب والكاتب المصري مصطفى محمود "الشكر أعمال وليس الحمد لله على اللسان"، فليكن شكرنا للآخرين مشفوعًا بالعمل ومؤسسًا عليه، وليس مجرد كلمات متناثرة لا أساس لها. وبتوجّه مماثل يقول جون ف. كينيدي، الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة "بينما نعبر عن عرفاننا، علينا ألا ننسى أن أقصى درجات التقدير لا تتمثل بنطق الكلام، وإنما بتطبيقه". فقد عبّر عن ذلك أحدهم بقوله: "الاعتراف بالفضل والشكر هو تفكير واعٍ، في حين أنّ قول كلمة شكرًا بشكل آلي تلقائي هو نوع من الآداب أو عادة".
يؤكد الفيلسوف الإغريقي أيسوب أنّ "عرفان الجميل شيمة الأرواح النبيلة"، ويعتبر نيتشه، الفيلسوف والشاعر الألماني أنّ "العرفان جوهر كل فنّ رائع عظيم". وقال أحد المفكرين "الاعتراف بالفضل والتعبير عنه هو مقياس لحياتنا. فهل نحن لا مبالين تجاه ما نحصل عليه ونعتبره مفهومًا ضمنًا؟"