مُعضلة الألم (3) الحلول التي قدمها الفداء لآلام الإنسان

لكي نتعامل مع هذا الموضوع، سنرجع إلى تفصيل ماهية الألم الذي أورده سفر التكوين، ونرى كيف تعامل الله مع كل تأثيرات الألم على الروح والنفس؛ ونرى الحلول التي طرحها للألم، من خلال فداء المسيح.
15 أغسطس 2014 - 17:36 بتوقيت القدس

معضلة الألم

لكي نتعامل مع هذا الموضوع، سنرجع إلى تفصيل ماهية الألم الذي أورده سفر التكوين الأصحاح الثالث، كما ورد في المقال السابق؛ ونرى كيف تعامل الله مع كل تأثيرات الألم على الروح والنفس المذكورة في نفس المقال؛ ونرى الحلول التي طرحها للألم، من خلال فداء المسيح، في هذه المرحلة من حياة الإنسان. إن معظم أركان الألم على النفس وعلى الروح، تعامل معها الله؛ لذلك في هذا المقال سنبدأ في جميع الآلام التي وضع لها الله حلاً من خلال الفداء؛ من جهة الروح والنفس. وفي المقال القادم، سنستعرض أيضًا ما تبقى لنا من آلام يجب أن نجتازها، كوننا نعيش في عالم ساقط وجسد مائت تسكن فيه الخطية. وما هو الهدف من سماح الله لنا لنجتاز الآلام المتبقية؟

الحلول لآلام الروح:

تكلمنا في المقال السابق عن حالة العُري التي حالا امتلكت آدم وحواء، بعدما قررا بأن يُخرجا الله من حياتهما، عن طريق التمرد عليه؛ وقلنا أنها تُجَسِّد حالة عدم الاكتفاء والنقص الباطني الدفين في حياة البشر؛ وهي أحد أبرز العوامل لآلام الإنسان. فالمسيح، من خلال كفارته، قد ألبس الإنسان ذلك الثوب من جديد، وأرجع الله للإنسان كمال الروح من جديد. لذلك عندما يكون الإنسان في السماء، سوف لا يتغير أي شيء بخصوص روحه أبدًا. فبكمال روح الإنسان واتحاده مع روح الله، قد نال الإنسان عربون كمال أقنوم من أقانيمه، وهو أقنوم الروح البشري الكامل (أفسس 1: 13-14). فإذا أخطأ الإنسان، لا يمكن أن تتلوث روحه المقدسة أبدًا، لأنها المسيح فينا ( كولوسي 1: 27)؛ ولا يمكن أن يطرأ أي تغيير على المسيح القدوس الحال فينا بالروح القدس؛ ومن أسماء الروح الجديدة المتحدة مع روح الله التي فينا هي: ملكوت الله (لوقا 17: 21)؛ الإنسان الباطن (رومية 7: 22)؛ الحياة (رومية 8: 10)؛ الخليقة الجديدة (2 كورنثوس 5: 17). لذلك عندما يبتعد الإنسان المؤمن عن الله، تظل روحه تكره الخطية، وتشد الإنسان للرجوع إلى الله، وتحاول الروح دائمًا أن تقود الإنسان إلى تعزيز سيطرة الله على نفس الإنسان. فأرجع المسيح الأمان على حياة الإنسان الذي يقبل فدائه؛ ليعود إلى الراحة الإلهية التي فقدها آدم وحواء، من جهة روحه. فلم يَعُد الإنسان بحاجة لأن يخيط لنفسه أي ثوب آخر من أوراق تين، كما فعل آدم. ويصبح الإنسان قادر أن يعبد الله بروحه من جديد، كما قال بولس: "الله الذي أعبده بروحي" (رومية 1: 9).

الحلول لآلام النفس:

الخوف والهروب من الله:
لقد حرر الله الإنسان المُخَلَّص من حالة الهروب والاختباء من الله الذي ورثناه من آدم؛ وأصبح الإنسان مقبول تمامًا من الله، حيث أرْجَعَنا لنكون أبنائه. كما تعلَّمنا في المقال السابق، آدم بعدما قرر أن يُخرج الله من حياته، تَعَرَّى من الغطاء الإلهي؛ ممَّا أدى إلى هروبه من مواجهة الله (تكوين 3: 10)؛ وهذا من أهم المصادر للألم في حياة البشر. فأصبح الله مصدر للانزعاج والخوف وعدم الراحة؛ بعدما كان مصدر الراحة والأمان لآدم وحواء. لذلك عندما نقبل كفارة المسيح، والله يعطينا سلطان لأن نكون أولاد له (يوحنا 1: 12)، يرجع الله ليكون مصدر راحتنا وأماننا كما كان قبل سقوط آدم. وهكذا حررنا الله من أهم جانبين للخوف، وهما: الخوف من الله ومصيرنا بعد الموت؛ والخوف من الموت ذاته؛ وهذان هما أيضًا من أقسى مسببات الآلام في حياة البشر:
" 5 ... لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنا" روميا 5؛ " 17 بِهَذَا تَكَمَّلَتِ الْمَحَبَّةُ فِينَا: أَنْ يَكُونَ لَنَا ثِقَةٌ فِي يَوْمِ الدِّينِ، لأَنَّهُ كَمَا هُوَ فِي هَذَا الْعَالَمِ هَكَذَا نَحْنُ أَيْضاً. 18 لاَ خَوْفَ فِي الْمَحَبَّةِ، بَلِ الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ لأَنَّ الْخَوْفَ لَهُ عَذَابٌ..." 1 يوحنا 4. من جهة خوف الموت أيضًا، المسيح مات على الصليب "14... لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، 15 وَيُعْتِقَ أُولَئِكَ الَّذِينَ خَوْفاً مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ." عبرانيين4. فحررنا من عذاب الخوف من الله؛ ومن جهة المصير الأبدي والموت.

قيود الخطية:

كما قلنا في المقال السابق؛ بعد سقوط آدم، أصبح البشر مقيدين من الخطية، ولا يقدروا أن يتحرروا منها، فيهربون من مواجهتها، مما يجعلهم ينكرونها أو يبرِّرونها؛ هذا أيضًا من أشد العناصر ألمًا في حياة البشر. كما، قال المرنم في القديم: " 4 لأَنَّ آثامِي قَدْ طَمَتْ فَوْقَ رَأْسِي. كَحِمْل ثَقِيل أَثْقَلَ مِمَّا أَحْتَمِلُ" مزمور 38. لكن عندما نقبل كفارة المسيح؛ لا نحتاج لأي طريقة أخرى للتبرير؛ ونصبح مبررين ومقبولين تمامًا من الله. طبعًا هذا لا يعني أننا نصبح بلا خطية؛ بل يعني أنه يوجد حل جذري لخطايانا، إن كنا نعترف بها ونتوب؛ وهو دم المسيح المسفوك لأجلنا:
" 8 إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا. 9 إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ" 1 يوحنا 1. طبعًا الكتاب يوضح أن كفارة المسيح هي ليست حساب مفتوح للخطية؛ بل هي دعوة لنا لكي نتغير ونتقدَّس؛ لأنه يوضح بعد هذه الآيات مباشرةً ويقول: " 1 يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا (أي لكي لا تتهاونوا مع الخطية). وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ" 1 يوحنا 2. لذلك حرر المسيح الإنسان من آلام النفس بسبب تسلط الخطية على الإنسان وحمله للشعور بالذنب ولعواقبه؛ كما قال قايين "13 ... ذَنْبِي أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُحْتَمَلَ" تكوين 4.

تبرير الذات:

فالمسيح من خلال كفارته جعلنا أبرياء به؛ ولا نحتاج أن نتألم كنتيجة للضغط النفسي المستمر بأننا متهمين وبحاجة لأن نبرِّئ أنفسنا باستمرار، كما فعل آدم وحواء. والله يعلن لنا أنه هو مقدسنا ومبررنا والمسيح هو الديَّان للبشر؛ لكنه في نفس الوقت أيضًا المحامي عنا؛ لذلك تشددنا كلمته وتحررنا من الضغط النفسي المستمر لتبرير الذات، وتقول:
" 33 مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي اللهِ؟ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُبَرِّرُ! 34 مَنْ هُوَ الَّذِي يَدِينُ؟ الْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي مَاتَ بَلْ بِالْحَرِيِّ قَامَ أَيْضاً الَّذِي هُوَ أَيْضاً عَنْ يَمِينِ اللهِ الَّذِي أَيْضاً يَشْفَعُ فِينَا!" رومية 8. وهذه دعوة لنا لكي نطرح جانبًا آلامنا جراء محاولاتنا الشخصية المستمرة لتبرير ذاتنا أمام الآخرين؛ وندرك أن الوحيد الذي يبررنا هو دم المسيح، وليس أي تبرير نعمله لأنفسنا. فالمسيح حررنا من تبرير أنفسنا، وحثنا لأن نعتذر لأخوتنا ونصطلح معهم بكل بساطة قلب؛ لأن دمه برَّأنا، لينجينا من عذاب تبريئنا لأنفسنا، الفاشل في عيونه.

عذاب إرضاء الله الصعب:

من جهة العيش تحت عذاب إرضاء الله، فالوحي الإلهي يوضح أن المسيح هو الوحيد الذي استطاع أن يعيد السرور لقلب الآب؛ كما قال "17... هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ" متى 3. وقال أيضًا ان إرضاء الله يتم فقط بواسطة عمل الله ذاته، وليس بأعمال الإنسان: "31... يَفْرَحُ الرَّبُّ بِأَعْمَالِهِ" مزمور 104؛ ويقول من جهة عمل فداء المسيح الذي تنبأ عنه أشعياء في أصحاح 53: "10... مَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ"؛ لذلك عمل الله الحقيقي في حياتنا يبدأ، من اللحظة التي فيها نؤمن بكفارة المسيح: "29 أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: هذَا هُوَ عَمَلُ اللهِ: أَنْ تُؤْمِنُوا بِالَّذِي هُوَ أَرْسَلَهُ." يوحنا 6.

من خلال خلاص المسيح فقط، رجعت أعمال الإنسان لتكون مقبولة ومرضية لدى الله؛ فعندما نقبل يد الله الممتدة لنا من خلال كفارة المسيح، ونعود لنكون أولاد له؛ تعود أعمالنا لتكون مرضية أمامه، وننال رضى الله الأكيد؛ محررين من الضغط النفسي المستمر الناتج عن الشك؛ هل سيقبلنا الله في اليوم الآخر أم لا؟؟ فجميع تقدمات البشر الذين لم يقبلوا كفارة المسيح مرفوضة تمامًا لديه: "8 ذَبِيحَةُ الأَشْرَارِ مَكْرَهَةُ الرَّبِّ، وَصَلاَةُ الْمُسْتَقِيمِينَ مَرْضَاتُهُ" أمثال 15؛ وهذا يشمل أيضًا الذين يعترفون بالمسيح كلامًا وحياتهم تنكره سلوكًا: "16 يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ اللهَ، وَلكِنَّهُمْ بِالأَعْمَالِ يُنْكِرُونَهُ، إِذْ هُمْ رَجِسُونَ غَيْرُ طَائِعِينَ، وَمِنْ جِهَةِ كُلِّ عَمَل صَالِحٍ مَرْفُوضُونَ" تيطس 1.

في المقال القادم، سنتناول الجوانب للآلام التي شاء الله أن نجتازها مع أهل العالم؛ وما هو هدفه لذلك؟

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا