مُعضلة الألم (1) كيف ولماذا دخل الألم لحياة البشر؟

ربما أكثر تساؤل يُطرح في عالمنا اليوم، يخص الألم والظلم على الأرض؛ فإذا كان الله كلي القدرة وصالح ويحب الإنسان، فلماذا يسمح للألم والظلم في حياة البشر الذين يحبهم؟
30 يونيو 2014 - 00:05 بتوقيت القدس

لماذا دخل الألم لحياة البشر؟

ربما أكثر تساؤل يُطرح في عالمنا اليوم، يخص الألم والظلم على الأرض؛ فإذا كان الله كلي القدرة وصالح ويحب الإنسان، فلماذا يسمح للألم والظلم في حياة البشر الذين يحبهم؟ لماذا يسمح أن يُقتل أناس أبرياء في سوريا والعراق وغيرها من الدول، وأن تُغتصب نسائهم وتُهدم بيوتهم؟

قبل أن نجيب على هذا السؤال الصعب في بداية هذه السلسلة، يجب أن نجيب على عدة أسئلة، منها:

ما هو الألم؟ وكيف دخل الألم على حياة الإنسان الذي خلقه الله؟
إن الألم هو تجربة معقدة تتألف من آلية فسيولوجية ونفسية؛ تنتج عن إصابة أو تجربة غير مسرة للإنسان؛ وممكن أن تكون عاطفية، نفسية أو جسدية. [1]
أما من جهة كيف دخل الألم لحياة البشر؛ فالله لم يخلق آدم في الأصل لكي يتألم. بل خلق كل شيء في الخليقة حسن جدًا لآدم ولكل الكائنات (تكوين 1: 31). فالله أحب الإنسان، لذلك خلقه على صورته ومثاله (تكوين 1: 27)؛ ولأنه أحبه وخلقه على صورته ومثاله، أعطاه إرادة حرة ليختار الحياة الكامنة في ذات الله. فأعطاه أيضًا سلطان كامل على الأرض: "27 فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. 28 وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ وَأَخْضِعُوهَا وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ»." تكوين 1. أي أنه كان لآدم سلطان أن يطرد إبليس من الجنة؛ لأن الله وكله أيضًا ليحفظ الأرض من الفساد: "15 وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا (أي له سلطان أن يحفظ الأرض من الشر)." تكوين 2. والإرادة الحرة التي وهبها الله لآدم أعطته الفرصة أن يختار؛ إمَّا أن يستمر في حياته مع الله ويحيى حياة نعيم خالية من الألم بسبب سيادة الله على حياته وعلى الأرض؛ أو أن يرفض الله ويخرجه من عالمه؛ لذلك يصبح في عالم يسود عليه الموت والألم والظلم. إن هذه الإرادة الحرة التي أعطاها الله لآدم، تكمن في شجرة معرفة الخير والشر (تكوين 2: 16). أي أن الله خلق آدم، وخلق الإمكانية لآدم لأن يرفض الله؛ ويستطيع أن يخرجه من العالم الذي وكله الله به، وأعطاه سلطان كامل عليه. قرار أخراج الله من السيادة على حياة آدم والأرض؛ كان يكمن في الأخذ من شجرة معرفة الخير والشر، التي نهاه الله أن يأكل منها. لكن للأسف، لقد أخرج آدم الله من عالمه، بدل من أن يطريد إبليس منه؛ لقد حدث هذا عندما أخذ آدم من الشجرة التي نهاه الله عنها؛ فوقع تحت تسلط إبليس، لأنه أقوى منه. لذلك خسر ميراثه لإبليس، وأصبحت الأرض التي وكلها الله لآدم مكان مليء بالموت والظلم والألم؛ وذلك بعكس تمامًا إرادة الله والنظام الذي أوجده الله من البداية. إذا الألم لم يدخل لعالمنا بسبب الله؛ بل بسبب قرار رئيس هذا العالم الأول، وهو آدم؛ الذي وكله الله بالأرض، بأن يتمرد على سيادة الله عليه وعلى العالم المُوَكَّل إليه.

لماذا يجب أن يؤثر قرار آدم، على كل الأرض؟
إن الله قد أقام آدم كرئيس لهذا العالم كما رأينا سابقًا؛ وقراره كرئيس، من الطبيعي أن يؤثر على جميع سكان الأرض الذين يسكنون بها، ويولدون من بعده. وهذا نراه في عالمنا اليوم؛ فعندما يُعيَّن رئيس دولة شرير وفاسد وخال من الحكمة، يستطيع أن يخرب الدولة ويحول حالة الناس من نعيم إلى جحيم. لكن الفرق هنا، هو أن قرار آدم لم يكن فقط قرارًا سياسيًا أرضيًا أثر على علاقته بالدول الأخرى، كالرؤساء السياسيين؛ بل كان قرار روحيًا أيضًا، أثر على جميع البشرية من ناحية روحية؛ وهو خلع سيادة الله الروحية على هذا العالم، بسبب قرار رئيس هذا العالم، آدم. مما أدى إلى قطع العلاقات بين الأرض والسماء، وهذا أفظع بكثير؛ وتسبب هذا في تسلط إبليس على الإنسان والأرض من خلال البشر.

ما هو ذنبنا نحن، أن نتحمل نتيجة قرار آدم هذا؟
كما قلنا في السابق، الله وضع آدم كرئيس لهذا العالم ووكله به؛ فعندما ذلك الرئيس يختار أن يُخرج الله من العالم المُوَكَّل إليه؛ ويستقبل إبليس به؛ أدى هذا إلى فقدان ميراثه. فأصبح إبليس هو رئيس العالم بدلا من آدم (لوقا 4: 6 ويوحنا 12: 31 و14: 30 و16: 11)؛ وهذا الرئيس الشرير الجديد، لم يكتف بأن يسلب العالم من آدم، بل عمل على استبدال الله شخصيًا، ويخدع البشر من خلال العبادات المضلة ليُؤلِّه نفسه؛ فسماه الكتاب أيضًا "إله هذا الدهر". ويوضع الوحي السبب في تسميته هذه، على أنه أصبح هو الروح الذي يعمل في داخل أبناء المعصية؛ أي أنه أصبح إله الناس الذين بناءً على قرارهم الخاص، جعلوه السيد على حياتهم؛ وليس لأنه إله فعلاً (أفسس 2: 2 و2 كورنثوس 4: 4). فأصبحت ذرية آدم تولد بالطبيعة الملوثة، التي دائمًا تجنح لاختيار عكس الصالح.

نعود للسؤال، ما هو ذنبنا نحن في هذا؟
في الواقع ليس لنا ذنب أن نولد في طبيعة خاطئة وفي عالم ساقط؛ لذلك يؤكد العهد الجديد، أنه كما أنه لم يكن لنا ذنب في ما فعله آدم؛ هكذا رتبت العدالة والنعمة السماوية آدم آخر، يسوع المسيح، الذي من خلاله يتحرر الإنسان مما فعله آدم الأول. ورتبت العدالة والنعمة السماوية أنه كما أن البشر نالوا الموت من آدم الأول، حتى دون أن يخطئوا؛ هكذا بقبول آدم الأخير، يسوع المسيح، سيصبح الجميع أحياء ببراءة المسيح؛ دون أن يستحقوا هذا. وستكون عطية الحياة هذه، مجَّانية ودون أن يفعل البشر أي شيء يستحق تلك النعمة، أو يؤهلهم لها: "14 لَكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى وَذَلِكَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ الَّذِي هُوَ مِثَالُ الآتِي (أي المسيح المُعد من الله لرفع خطية آدم).... 18 فَإِذاً كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ (آدم) صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ هَكَذَا بِبِرٍّ وَاحِدٍ (المسيح) صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ. 19 لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ (آدم) جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً هَكَذَا أَيْضاً بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ (المسيح) سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَاراً." رومية 5.

إذًا بالرغم من أن قرار آدم قد أدخل الألم والموت والظلم على هذه الأرض؛ لكن رتبت الحكمة والعدالة الإلهية، حتى قبل خلق آدم، مشروعًا لافتداء واسترجاع البشر والعالم لحضنه السماوي، البعيد عن الألم والظلم.

سنتابع الموضوع في الحلقة القادمة من سلسلة "معضلة الألم"

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. باسم أدرنلي 30 يونيو 2014 - 00:40 بتوقيت القدس
الإشارة [1] تشير إلى موسوعة بريتانيكا www.britannica.com الإشارة [1] تشير إلى موسوعة بريتانيكا www.britannica.com
2. عنان نجار 02 يوليو 2014 - 04:32 بتوقيت القدس
فنون فنون
اصبح البشر يتفنن ويبدع في الشر حتى انه اصبح الالم مثل لعبة للتسليه ضد بعضنا البض مسرعين ،ويسر، ويتمتع بفعل الشر دون تميز انة يضر الاخر وكل فكره انة يفعل الصواب