درج بين المسيحيين على مر العصور ان العدو الأكبر للمسيحية هو نظريات أو فلسفات الحادية أو ديانات اخرى لا تتفق في لاهوتها أو ممارساتها أو قيمها مع المسيحية.
كان من السهل على معقل الفكر المسيحي في اوروبا وأمريكا ان يعزز هذا الفكر ويطوره ولكنه تغافل عن عدو خبيث آخر للمسيحية هو روح المادية والرأسمالية. لم يتغافل المسيحيون عنها فحسب ، بل هادنوها، وقاموا بـ"تبييض" وجهها وحتى ادخالها للكنيسة.
تأثرنا في بلادنا بهذا الفكر واعتبرناه حليفاً للثقافة المسيحية. فما الخطأ بأن يعمل الانسان بنشاط وهمة ، يكسب المال ويستهلك ويشتري البيوت والسيارات ويسافر للنقاهة خارج البلاد ويشتري الملابس ويقضي اوقات فراغه بالتنزه ويعيش حياة "مريحة"؟
قمنا بتقديم التبريرات لطبيعة حياة كهذه. تساءلنا: ما الخطأ بأن يعمل ويتعب الانسان ويجني ارباح تعبه؟ لماذا لا يأكل الانسان خبزه ( وكعكته والفوندو والكوراسون) من تعب جبينه؟ ثم ان الفلسفة الشيوعية والاشتراكية التي تبنت الالحاد ديناً جعلت رافضي هذا الالحاد تلقائياً في الصف الآخر ايضاً. ان كانوا هم شيوعيين ملحدين فنحن مؤمنين رأسماليين! ابتعدنا عنا الاشتراكية بسبب من تبناها في القرن العشرين دون فحص حقيقي لملاءمتها للكتاب المقدس.
لكن الرأسمالية وفكر الاقتصاد الحر جلبا معهما دماراً اخلاقياً تسلل دون ان نشعر به. اصبح المواطن في الدول التي تنتهج هذا الفكر (واسرائيل هي بدون شك في طليعة هذا الفكر) يعمل ليل نهار لكي يكسب الأكثر. هو يكسب المزيد فيعتبره الناس اكثر، والعلاقة طردية بين الاثنين. يزيد الرصيد في البنك ويرتفع منسوب الاحترام والتقدير. هو يركض ليكسب المزيد والمتطلبات تزيد ولكنها حلقة مفرغة. الشهية لمزيد من الكسب لا تعرف شبعاً اذ ان الكماليات اصبحت اساسيات. "اعطنا خبزنا كفاف يومنا" اصبحت "اعطنا مشوارنا والسمارتفون والمارسيدس والطلعة كفاف يومنا". اصبح المال هدفاً وليس وسيلة للعيش. المضحك المبكي ان من كثرة ساعات العمل في سبيل كسب المزيد من المال، لم يعد هناك اصلاً وقت للاستمتاع به والأصعب من ذلك- لم يعد هناك مكان لله.
هذا الفكر خلّف ايضا اعوجاجاً في القيم. اذ اصبح كسب المال وتدفئة حساب البنك بعيداً عن الرصيد السلبي اللعين هو المهم بغض النظر عن الطريقة في سبيل تحقيق ذلك. فالغش اصبح طبيعياً والغاية (وهي الدخل الاضافي) اصبحت تبرر الوسيلة (غش وكذب). النماذج الانسانية التي اصبحت قدوة المجتمع هي اصحاب الاموال وندر من يسأل كيف حصلوا عليها. يتجاهل الناس صفات هذا الثري الباذخ. الاله الجديد هو التسلية واوقات الفراغ، ومن يفلح في استغلالها بشكل يبهر الانظار بسبب امواله يكسب اعجاب الجميع.
لقد قادت هذه الروح الانفرادية الرأسمالية المتطرفة في بعض دول الغرب ايضاً الى سحق الطبقات الفقيرة والمرضى واصحاب الاعاقات ، واتسعت الهوة بين الاغنياء والفقراء.
من يتأمل حياة الرب يسوع على الارض والكنيسة الاولى يجد توتراً بين طبيعة حياتهم وطبيعة ما وصفناه كنهج دارج في دول عديدة تعتبر مسيحية وايضاً في حياة مسيحيين يعيشون كاقلية في بلدان مختلفة مثل بلادنا.
بعض ظواهر الحياة الرأسمالية الانفرادية تغلغلت لحياة المسيحيين ككل في بلادنا وجدير بكنائسنا ان تتطرق لتأثير ذلك على نفوس المؤمنين فيها.
من خلق الانسان وعرف قلبه اصاب كبد الحقيقة المرّة حين قال:" لا يقدر خادم ان يخدم سيدين.لانه اما ان يبغض الواحد ويحب الآخر او يلازم الواحد ويحتقر الآخر.لا تقدرون ان تخدموا الله والمال" (لوقا 16 : 13).
لكل من يعتبر نفسه خادمًا للرب –وهو اعظم شرف- حذار من سطوة المال!