إحدى الأمور التي لفتت نظري في مؤتمر "المسيح على الحاجز" الذي عقد في بيت لحم قبل 3 أسابيع هي الرؤية الواضحة للقيّمين على المؤتمر. كان جلياً للعيان أن رؤية وتصور قادة كلية بيت لحم للكتاب المقدس راعية المؤتمر واضحة المعالم. برز للمشاهد الخارجي أن رؤيتهم تدور حول تمسكهم بالكتاب المقدس، محبتهم للشعب الذي ينتمون إليه وتعاطفهم مع مطالبه. وقد عملوا على تسليط الضوء على معاناة شعبهم تحت الاحتلال ورغبتهم بتحدي اللاهوت المسيحي الذي ينادي بحق الشعب اليهودي على الأرض وتجاهل حق الفلسطينيين. برنامج المؤتمر حتى أدق تفاصيله دار في فلك هذه الرؤية وكان يصب فيها.
للقارئ الحق طبعاً بقبول أو شجب الرؤية المذكورة أو أقسامًا منها لكن الحق يقال إنها وثيقة الصلة بحياة المسيحيين في الضفة الغربية، ومن هنا كانت رؤية عملية تتطرق لحياة الناس وهمومهم ومن هنا يمكن تبنيها لتعين المؤمن في مسيرته الحياتية.
تساءلت في نفسي حول رؤيتنا كعرب فلسطينيين انجيليين من مواطني إسرائيل. إن مجرد طرح السؤال بالشكل الذي قمت فيه للتو كفيل بإثارة بعض القراء الذين يرفضون تعريفهم كفلسطينيين كما جرى في التعقيبات على مقالي الأخير في هذا الموقع ولا ضير في ذلك. فالموضوع مهم وحساس.
اعتقد ان محاولة تجاهل موضوع هويتنا متعددة الجوانب بحجة هويتنا ومواطنتنا السماوية مؤذية لخدمتنا . البعض يتغطى "بالروحانية"- وأكاد أقول التصوّف- ويبتعد عن أي تعامل حياتي عملي. ويؤدي ذلك إلى انعزال وجفاء بين الإيمان المسيحي والحياة العملية فيكون إيماننا أشبه بأطروحة أكاديمية من نتاج البرج العاجي وليست بذي صلة بالحياة العملية.
سؤال أساسي هو: هل تنحصر رؤيتنا بالمأمورية العظمى ونشر الأخبار السارة؟ هل الأخبار السارة هي رسالة الخلاص فقط أم تمتد لتشمل ملكوت الرب وسلطانه على نواحي الحياة كلها؟
في مجمل تشكيل رؤيتنا كانجيليين عرب فلسطينيين في إسرائيل والالتفاف حولها علينا دراسة علاقتنا بعضنا ببعض في داخل العائلة الانجيلية. هل هناك ميثاق ادبي للعمل بيننا؟ هل هناك احترام للفوارق اللاهوتية والكنسية بيننا؟ هل نضحي بالخصوصية في سبيل وحدتنا؟ هل نعتمد الشفافية والوضوح بيننا؟ هل نعتمد مبادئ للعلاقات مع كنائس أو مع جماعات أجنبية تدعم مادياً ؟
ثم هناك علاقتنا بالمسيحيين الآخرين. هل نعتبرهم إخوة لنا – وأي نوع أخوة هم؟ هل هم أخوة بمفهوم علم الاجتماع أم إخوة روحيين؟ هل هناك مجال للتعاون معهم أم أنهم حقل تبشير فقط؟ ما هو الثمن الذي نحن على استعداد لدفعه مقابل الحصول على القبول من الكنائس المسيحية الأخرى - إن أردنا ذلك أصلا؟
ما هو موقفنا من الموضوعين الرئيسيين الذي ينادي به عرب هذه الديار: حل القضية الفلسطينية بكل جوانبها وموضوع المساواة للأقلية العربية التي ننتمي إليها؟ هل عندنا ككنيسة ما نقدمه في هذه المواضيع أم أننا منعزلون عنها وسنتركها للسياسيين؟
ما هو موقفنا من الأغلبية المسلمة التي نعيش معها ونتشارك معها بهموم وقضايا مختلفة؟ ما هي الجسور الممكنة للتعامل معهم؟ هل هناك قنوات حوار مع قادتهم - في القيادة المدنية السياسية وأيضاً القيادة الدينية؟
هل لدينا دور أمام العنصرية المستشرية في بلادنا أم أن ذلك لا يهمنا أمام مواضيع أكبر مثل المأمورية العظمى؟
هل لدينا دور في المصالحة بين الشعوب المتناحرة في بلادنا؟
ماذا دورنا مع اليهود؟ هل هناك تميّز لنا كناطقي العبرية ورسالة يمكن توصيلها إليهم؟ هل لحقيقة كوننا نشترك مع اليهود بالإيمان بكتاب العهد القديم أي أهمية؟
ثم هناك مواضيع حياتية يتوجب أن يكون لنا رأي أو قاعدة مشتركة على الأقل فيها مثل: الإجهاض، الجنس قبل الزواج، المثليين، تربية الأولاد، الطلاق، الفن، التراث ،عادات العرس والجنائز عند العرب وغيرها.
ان تكوين رؤية في هذه المواضيع وتحديد طبيعة علاقاتنا بعضنا مع بعض ومع الآخرين تجعل رسالتنا المسيحية الانجيلية ذات صلة وارتباط وثيق. بهذا ينجذب القاصي والداني ليستمع الى مقدمي رسالة متكاملة - فتكون فرصة لسماع أخبار الخلاص ولحياة ذات صلة بالواقع وفعّالة للعمل لمجد الرب بين شعبه.