بين "ليأت ملكوتك" ومظاهرات الخبز والكوتدج

يتميز صيف 2011 بمظاهرات سياسية واقتصادية في أماكن عديدة في العالم. كلنا متفرجون ومحللون. كيف يحكم المؤمن المسيحي ويقيّم جوانب الثورات المختلفة؟ أعرض هنا معياراً واحداً فقط للتقييم.
13 أغسطس 2011 - 17:07 بتوقيت القدس

صخب العالم وهاج في الاشهر الأخيرة كمحيط هبت عليه عاصفة مجنونة. لم تهدأ ثورات الربيع العربي  بعد حتى ابتدأت الاحتجاجات الاقتصادية. وبدل لقطات الفيديو الملتقطة من تلفونات نقاّلة  لقنّاصة بشار الأسد في دير الزور في سوريا، أصبحنا نتابع فيديوهات مناوشات شباب برمنجهام ولندن مع شرطة جلالة الملكة في انجلترا. لم نكد نستوعب عبثية محاكمة الرئيس المصري المخلوع والمريض حسني مبارك وهو مستلق على سريره وراء القضبان حتى انتشرت صور خيام الاحتجاج والمظاهرات في جادّة روتشيلد في تل أبيب على السكن والأسعار الخيالية لجبن الكوتدج...

ككل يتميز صيف 2011 بمظاهرات سياسية واقتصادية في أماكن عديدة في العالم. كلنا متفرجون ومحللون، فتارة ندين الحاكم الفلاني وتارة نخلق الأعذار لحاكم آخر.

كيف يحكم المؤمن المسيحي ويقيّم جوانب الاضطرابات المختلفة؟ سأعرض فيما يلي معياراً واحداً فقط للتقييم.

يعتقد الكثير من المؤمنين المسيحيين ان الرب مهتم بخلاص النفوس فقط ولا يهمه أي شأن آخر في الحياة على الأرض. لست من هؤلاء، إذ اعتقد أن الرب مهتم بأن تطبق مبادئ ملكوته أيضا مثل العدل والرحمة والصدق والأمانة والشفافية والمسؤولية حتى في انظمة الحكم العالمية (انظر مثلاً ميخا 6 : 8  أو عبرانيين 1 :27 على سبيل المثال وليس الحصر). وأصلاً تطبيق أحكامه وناموسه في المجتمعات يخلق أجواء روحية منفتحة لعمل الرب.

الرب يفرح بأن ينتهج الفرد أو الدولة أو المؤسسة أو العائلة المبادئ التي تتناسب مع الحق الانجيلي حتى لو كان هؤلاء غير مؤمنين أو حتى غير مسيحيين. ومن هنا اشتملت الصلاة الربانية عبارة "ليأت ملكوتك". أراد الرب ان تسري أحكامه على الأرض ومن هنا أرسى الرب أيضاً مبادئها في الموعظة على الجبل.

لسنين طويلة تساءلنا متى ستسقط الأنظمة العربية الفاسدة في الشرق الأوسط. سخر العالم بالعرب وبتخلفهم ولم تسعف العرب قياداتهم بل على العكس- كرست هذا التخلف. أخجلتنا هذه الأنظمة بممارساتها القمعية ضد شعبها وضد الأقليات (وعلى رأسهم المسيحيين). أسست هذه الحكومات انظمتها على قيّم مناهضة لمبادئ العدل والرحمة والمحبة التي نادى بها الرب. واعتبرت الناس سلعة تمتلكها فأغلقت عليهم وحرمتهم وتفننت في كبتهم.

داس الحكام العرب كرامة الإنسان وقيّدوا حريته وبهذا سلبوه من احد مكونات انسانيته التي خلقه الله عليها. حين تهيأت الظروف المواتية ثار الشعب الذي يعيش على أمل البديل الذي سيصون إنسانيته.

أما على صعيد المظاهرات الاقتصادية- فبعد ان سقطت الأنظمة الشيوعية التي اتخذت الإلحاد ديناً غير رسمي لها ومارست كبت الحريات الدينية ، جاء دور النظام الاقتصادي المناقض وهو النظام الرأسمالي المتطرف. لقد نادى الجمهوريون في أمريكا (وخاصة الرئيس ريغن في حينه) والمحافظون في بريطانيا (بالذات رئيسة الحكومة تاتشر) والليكوديون وحلفاءهم في إسرائيل (وعلى رأسهم رئيس الحكومة نتانياهو) بتيار متطرف من النظام الرأسمالي "والسوق حرة". انه نظام اقتصادي يشجع المبادرات الاقتصادية ويخفف التدخل الحكومي ولكنه في نهاية المطاف يهمل الطبقات الضعيفة. انه يقوي المقتدرين وأصحاب رؤوس الأموال. فيه يصير الغني أكثر غنىً والفقير يمسي أكثر فقراً.

يفتقر هذا النظام الاقتصادي- الاجتماعي لعامل الرحمة ومبدأ المؤازرة ودعم الفقير ويناقض الكتاب المقدس الذي نادى بالرحمة والمحبة للفقير واليتيم والأرملة.

زار الركود الاقتصادي بلاد العالم في السنين الأخيرة في دورات متعاقبة. ونبع كل مرة من ظاهرة مختلفة مثل: القيمة المصطنعة لشركات الالكترونيات في البورصة العالمية، أنظمة الهبات البنكية للإسكان في أمريكا ومؤخراً هبوط تدريج أمريكا في الائتمان المصرفي العالمي.

وقد كشفت هذه الظواهر من الركود الاقتصادي عورة هذا النظام الرأسمالي المتطرف. فأصبحت شرائح كبيرة من الطبقة الوسطى تتأفف من  الهوة السحيقة بينها وبين الطبقات الغنية ووعت أنها لا تجنى من ثمار الرفاهية العامة في البلد. من هنا جاء الهيّجان والثورة العارمة في أنحاء مختلفة من العالم- ولأول مرة بهذا الحجم حتى في إسرائيل.

لقد تغافلت الحكومات عن مبادئ الرب في السياسة كما في الاقتصاد وبصفاقة اعتقدت انه بإمكانها العيش بمعزل عن أحكامه.  شمخت عليه وبدل السعي "ليأتي ملكوته" حكمت بحسب أهوائها وإننا نشهد اليوم كيف يهز الرب عرشها بعنف في طريقه ليجتثها من جذورها.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. القس جوزيف حداد 13 أغسطس 2011 - 16:46 بتوقيت القدس
تصحيح للشاهد الكتابي تصحيح للشاهد الكتابي
الأخ الحبيب بطرس. مقال رائع, ارجو تصحيح الشاهد الثاني الوارد في النص. يبدو انك تقصد رسالة يعفوب 1:27 وليس الرسالة الى العبرانيين الرب يباركك والى الأمام
2. صوت الحق 13 أغسطس 2011 - 19:46 بتوقيت القدس
أنت تقدم حق جزئي أنت تقدم حق جزئي
أعتقد أن الله يريد أن يطبق الحق والعدل والرحمة، لكن عنده مبادئ وقوانين تعيش الشعوب بحسبها على الأرض والتي يحافظ فيها على التوازن بين عدة أمور: ١- الله يريد أن يحقق العدل والرحمة على الأرض كما قلت، لكنه يتدخل ويسقط النظام فقط عندما يغتصب النظام الإرادة الحرة للبشر في تقرير مصيرهم الأدبي (الروحي). ٢- الله أعطى الكنيسة الحق الإلهي لحسم المعركة وإطلاق يد الله لتعمل في البلد لملكوته بناءً على قوانينه. ٣- الله سوف لا يتدخل خارج دائرة قوانينه. لذلك عندما تقول: " إذ اعتقد أن الرب مهتم بأن تطبق مبادئ ملكوته أيضا مثل العدل والرحمة والصدق والأمانة والشفافية والمسؤولية حتى في انظمة الحكم العالمية ...الرب يفرح بأن ينتهج الفرد أو الدولة أو المؤسسة أو العائلة المبادئ التي تتناسب مع الحق الانجيلي حتى لو كان هؤلاء غير مؤمنين أو حتى غير مسيحيين.” أنت تتكلم عن مشيئة الله (المجتزئة)، وتستنتج منها أنه يفرح بعمل هذه المشيئة، لذلك يجب أن نساهم في عملها !! بحسب تلك الفلسفة، أعتقد أن الله يجب أن يكون فرحان جدًا بالأنظمة الأوروبية، الملحدة (بحسب قولك " حتى لو كان هؤلاء غير مؤمنين أو حتى غير مسيحيين" )، لأنها حققت العدل والرحمة والمنظمات الإنسانية للحفاظ على حقوق الأقليات، والضمانات الاجتماعية والصيحية ..إلخ. إن هذه الفلسفة يا أخي مغلوطة؛ فمن الجهة الأولى صحيحة، لكنها تتجاهل تعريف الكتاب للعدل والرحمة، تستقي مفهوم الحق والعدل كما يفهمه البشر، وتنسبه لإرادة الله التي من المفروض أن تكون كاملة، صالحة ومرضية. أين قوانين الله من تلك المعادلة؟ لكي أشرح لك هذه الفلسفة سأعطيك مثل: الله يريد أيضًا غفران لخطايا الناس (صحيح) والله قادر على غفران خطايا الناس (صحيح) فلماذا لا يغفر الله خطايا الناس إذا ؟؟ هذا تسائل يتسائله المسلمين مثلا مستخدمين نفس الفلسفة. الله سوف لا يغفر الخطايا، لأن عنده مبادئ للغفران، لا يمكن أن تُكسر أبدًا، مهما جَملت الصورة البشرية وأقنعت نفسك أن الشعب الآن أقرب إلى قوانين الملكوت من قبل لست أنت الذي تحدد. مقياس الله هو: “ الشعب الآن أقرب إلى الخلاص من قبل" وحتى لو كان وضع الشعب أسوأ من جهة “العدل والرحمة”. نعم الله يتدخل لكي يوفر للبشر الحرية للاختيارات الأدبية، صالحة وشريرة، لكن ليس عنده مشروع لترقيع الأنظمة البشرية بحسب اعتقادي، مشروعه الأساسي الذي يحسم جميع الأحداث التي تحدث على الارض هو مشروع ملكوت الرب يسوع المسيح بواسطة الكنيسة.
3. بطرس منصور 13 أغسطس 2011 - 22:56 بتوقيت القدس
الى "صوت الحق" الى "صوت الحق"
1.اوضحت في مقالتي اني احضر معياراً واحداً فقط للتقييم من هنا واضح ان الحق الذي اتيت به جزئي فقط.لا اعتقد ان هناك من هو قادر على اعطاءات اجابات ومعايير كاملة بخصوص احداث عالمية اصلاً. 2. تقول:" أنت تتكلم عن مشيئة الله (المجتزئة)، وتستنتج منها أنه يفرح بعمل هذه المشيئة، لذلك يجب أن نساهم في عملها !!" ما الخطأ في ان يكون لنا دور في عمل مشيئة الله من حيث عمل الرحمة والمحبة؟ 3.برنامجه ليس ترقيع الانظمة البشرية ولكنه يفضل ذلك على نهش الناس لبعضهم وقهر بعضهم. اليس كذلك؟ 4.ما هو تعريف الكتاب للعدل والرحمة ولماذا تصر انه يختلف عمّا طرحته في مقالتي؟
4. صوت الحق 14 أغسطس 2011 - 00:41 بتوقيت القدس
أخي منصور أخي منصور
إن العدل والرحمة التي تكلم عنها الله في النصوص الكتابية، كانت أوجه مختلفة لحالة روحية صحيحة كاملة، المؤسسة على عبادة شعب الرب الصحيحة لله وعدم وضع آلهات أخرى معه. ومن ثم أتى من ضمنها أن يعمل الرؤساء العدل والرحمة. لم يتكلم الله أبدًا عن فصل ما بين عبادة الله الصحيحة (اي الإيمان بالمسيح على ضوء العهد الجديد)، وما بين العدل والرحمة. فإذا فصلنا المسيح عن المعادلة ننال نظامًا مصبوغًا بصبغة العدالة، لكن ليس فيه عدل ولا رحمة لأن العدل هو المسيح (الحق)، والرحمة هي المسيح، إلا إذا كنت تتكلم عن عدل ورحمة بحسب قوانين جنيف التي يوجد منها أمور تتفق مع الكتاب، لكنها ليست العدل والرحمة بحسب تعريف الله. الله لا يفضل نظام على نظام بناء على أنصاف الحلول، لكن بناء على خططة من جهة ملكوته الأبدي. فبالنسبة لك بلد ديمقراطي فيه "عدل"، لكن مليء بالإلحاد وكنيسة شبة ميته، أفضل كما يبدو من بلد فيه ظلم، لكن كنيسة منتعشة؛ لكن بالنسبة لله ربما يفضل النظام الثاني على الأول. فعلى أي مقاييس نستطيع أن نحكم، الله الذي يحكم بناء على مقايس ملكوته وخططه. طبعًا هذا لا يعني أن لا نساهم في مقاومة الظلم والدفاع عن الحق، لكن مع الحفاظ على مركزية الملكوت وإدراكنا أن الله يعرف أن يعمل الأفضل، وأيضًا إدراكنا أنه سوف لا يكون هناك عدل في النظام دون وجود المسيح فيه.
5. مارتن كورش 14 أغسطس 2011 - 11:34 بتوقيت القدس
نعم ولكن! نعم ولكن!
نعم للتغيير ولكن ليس بالقوة فما نشاهده من مظاهرات وهي تحمل طابع القوة والقتل فهذا ما لا نرضاه كمسيحيين لاننا نؤمن باسلوب السلام. على سبيل المثال المسيحي لا يبشر بدينه بالقوة. اذا كيف تريد منه ان يقوض الفساد بالقوة؟ لسنا من هذا العالم ولن نتبع خطواته لنا كتابنا وهو دستورنا وهو شامل جامع ليس من الصحيح ان ناخذ بما ياخذ العالم لاننا لسنا من هذا العالم. يتصور من يشارك في هذا الصخب بان التغيير ات. لننظر ما يحل في الدول التي خرجت فيها المظاهرات ومصر خير مثال. صدقني لا احد يعرف من سيجني فوائدها؟ القوة لا تجلب سوى الثأر والدماء. وحتى الرحمة والحق والشفافية لا يمكن ان تطبق بقوة. انظر ما حل بنا في العراق؟ تنام ليلا ولا تعرف هل ستصحو ام لا؟ العالم هذا وقتي وعلينا ان لا نعير اهمية له لانه سيلهينا عن الطريق الذي اراده الرب لنا. مثال انت مسافر بالقطار من بغداد والى اورشليم فعليك ومن مصلحتك ان لا تنقاد خلف ما يجري في المحطات على الطريق لان هدفك اسمى واكبر وهو تحقيق الزيارة الى أورشليم. بل لو تم التغيير هل تضمن العدالة والرحمة؟ هل تقدر ان تمنع الفساد الذي استشرى في العديد من دول العالم؟ لا أظن. اذا دعنا مسافرين على القطار سوية ودايسين على عسل العالم.
6. يوسف 14 أغسطس 2011 - 22:55 بتوقيت القدس
صورة غريبة بدون تعليق صورة غريبة بدون تعليق
عزيزي الكاتب انا معك! اتوقع من نفسي النضال من اجل الحريات ومن اجل الحقوق والتظاهر واستغلال المواهب من اجل رفع شأن قضية معينة ومن أجل تحصيل الحقوق... لكي اقف صامتا امام بعض الايات التي تلجمني فلا استطيع ان افسر ولا استطيع ان اتوقع تصرف المسيح في امور نمر بها بهذا اليوم. لقد سؤل الرب يسوع المسيح عن مذبحة معينة صارت... والرب يسوع المسيح لا يحاول المدافعة عن حقوق الذين ماتوا لكنه يقول اننا ان لم نتب سنحصل على نفس المصير. فهل يقول الرب انهم "خرجهم"؟ او "انا مسؤول عن موتهم"؟ لا اعرف، لكني اقف صامتا امام اجابات الرب يسوع المسيح لاشخاص يحاولوا ان ينظروا الى ممتلكات وحقوق ارضية... كما انه كان يعيش تحت نظام استبدادي ولكنه لم يقل اي شيء ضد النظام - مجرد كلمة قالها مرة ان لا يظلموا احد واظنها توجهت لاصحاب المناصب في الدولة الرومانية... في العهد القديم، الرب يسمح بسبي الشعب والمؤمنون هناك من دانيال وغيرهم يخدمون الرب بامانة من خلال العمل (ولو غصبا) في الحكومة السابية. فهنا في ايامنا هذه...اتساءل ما العمل في المناطق الفلسطينية وانتهاك الحقوق والاراضي؟ هل لاهوت التحرير هو شيء صحيح؟ هل المظاهرات هي امر يجب بنا القيام به؟ هل نعترض على عدم عمل الحق؟ ام كان المسيح صامتا فقط لانه لا يريد ان يعرقل الخطة العظمى بخلاص البشر ولكنه لو لم يأت ليصلب لكان دافع عن حقوق المنكوبين والمضطهدين؟ ام انه يحول رجاءهم الى الله بان يكونوا صامتين عن حقوقهم ودمائهم المهدورة والله يرجع الحقوق بدون ان نطالب بها؟ ليس عندي اجابات... لكن استخدام الله للسلطة في الدول والاضطهادات في كثير من الاحيان تجعل الانسان عاجزا عن التعبير عن التأييد او الرفض لمذهب معين في نضال الحقوق... ولو انني في صف النضال الى انني لا استطيع ان اقول انني متأكد 100% من صحة فعلي. على اي حال مقال يجعلنا نفكر!
7. بطرس منصور 18 أغسطس 2011 - 16:54 بتوقيت القدس
الى صوت الحق الى صوت الحق
شكراً لتوضيحك لموقفك بناء على اسئلتي.مع الاحترام لموقفك ولكني اجده متهرباً وغير عملي.للوهلة الاولى يظهر ان موقفك روحاني وادق ولكن في حقيقة الامر اخذت الامر للخيّز الروحاني ولكنك بذلك تفرغه من مضمونه.لا يمكن تطبيق ما قلت اذ تريدنا ان نهرب من مفاهيم العالم للقيّم مع ان النزاهة في الحالتين متشابهه فلماذا نرفض النزاهة بحسب مفاهيم الدول والجمعيات مثلاً؟ لقد اكدت انني احضر جانب واحد فقط من معايير تقييم الاضطرابات الحادثة ولم ادّعي اعطاء تقييم متكامل.