كان لي حديث مع معلم للدين المسيحي في إحدى المدارس في بلادنا. سألته عن نظرة طلابه لله فأجابني أن أغلبيتهم الساحقة يؤمنون بالله وعدد قليل للغاية فقط يجاهر بالإلحاد. غير أن "المؤمنين بالله" منهم ابتدعوا إلهاً يحمل صفات خاصة وقد اختلقوه من بنات أفكارهم. فإلههم هذا بعيد ولا يستحق أن يتصلوا به ولا أن يصلّوا له. كما انه لا يستحق منهم أن يشركوه في حياتهم اليومية. إلههم هو اله رحمة فقط ولا يعرف العدل، كما انه غير آبه بالخطية كما انه لا ولن يدين أحدا. بالنسبة لهم- تتشارك كل الأديان بذات الإله ويتشابه طريق الخلاص في كل الديانات فجميع الطرق توصل للسماء. بهذا لا يشكلون الها خيالياً فحسب بل يضعون الإله الحقيقي على مذبح مسايرة ومساومة أبناء الديانات الأخرى.
يبدو أن هذه النظرة تميّز الكثير من مسيحيي بلادنا. يؤمنون بكائن اسمه "الله" ولكن ما يعزونه له لا يطابق ما أعلنه عن نفسه في الكتاب المقدس. العلاقة مع هذا الاله مفقودة ولا تأثير له على حياتهم. انه ليس اله الكتاب المقدس بكل صفاته وجبروته ومحبته الفادية على الصليب بل هو من اختراعهم. لقد فصلّوا مقاساته بحسب ما يريحهم فإذا هو اله صغير سخيف وبعيد.
هذه النظرة لله هي ضلالة ومن اخطر البدع الشيطانية اذ يتوهم المؤمن بها انه بار. انه يعتبر نفسه مؤمناً بالله، يحاول عمل الخير وربما هو حتى "أفضل" في أخلاقياته من غيره من البشر. بهذا يظن انه لا يحتاج للسماع عن الإله الحقيقي: اله العهد الجديد.
أوصى الرب تلاميذه في كل عصر وزمان بالمأمورية العظمى وهي الذهاب للعالم وصنع التلاميذ. إننا نؤمن بما علّمه العهد الجديد بأن الإنسان يخلص ويصبح تلميذاً في حال وضع ثقته بيسوع وآمن بعمله ألكفاري لأجله على الصليب وعاش وفقاً لهذه الثقة والإيمان بعلاقة ومسيرة مع الرب. من هنا فان المأمورية العظمى تتنافر وتتناقض مع الضلالة الشيطانية المذكورة التي تخدّر ضمير الإنسان فيعتقد انه لا يحتاج للإله الحقيقي.
انتشر مؤخراً الأسلوب العلمي والمنطقي في حل المسائل المستعصية في شتى المجالات ويعتمد هو الدقة والصدق في الاستنتاجات بحسب الفرضيات والمعلومات الموجودة. غير أن الكثيرين ممن ادّعوا انتهاج الأسلوب الحديث في التعامل مع المواضيع ما زالوا يتعاملون مع أهم المواضيع (وهو خلاص نفوسهم) بنهج أقصى طريقة التفكير العلمية منه. فحتى المنطق وطريقة التفكير العلمية تنادي بفحص الحقائق. لذا كان يتوجب عليهم فحص هوية اله المسيحيين مما يقوله عن نفسه وما يقوله عنه التاريخ. كما توجب عليهم فحص صفاته ورسالته. غير أنهم وقعوا هم ايضاً في فخ الإيمان باله غير موجود حقيقة، ولكنهم خُلق من بنات أفكارهم.
هناك كتب دفاعية كثيرة في متناول اليد مثل كتب سي اس لويس ورافي زكاراياس وجوش ماكدويل وغيرهم ممن يتناولون هذه المواضيع بمهنية عالية ويثبتون أن الإيمان المسيحي بحسب الكتاب المقدس جدير بأن يؤخذ بجدية.
للأسف غطّ كثيرون ممن اؤتمنوا على رسالة الإنجيل من رجال دين في سبات عميق فلم يجابهوا هذه الضلالة الفاسدة وبهذا كانوا كالسمكة الميتة التي يجرفها التيار. بدل تأكيد أسس الإيمان المسلّم مرة للقديسين وقعوا في شرك الإنجيل الاجتماعي وعظات التربية الرفيعة ومسائل الحرب والسلام والبيئة (مع أنها مواضيع هامة لكن يتوجب أن تنبثق من أساسات عقيدة صحيحة أولاً لا أن تستبدلها).
يتوجب علينا طعن هذه الضلالة الخطيرة في صميم قلبها لأنها تقود البشر للهلاك. فمن يؤمن باله غير ما بُشرنا به، سيصبح ملعوناً ومصيره أن يتبع إلهه الذي صنعه بنفسه حتى الهاوية.
لا بديل عن محاصرة هذه الضلالة في عقر دارها ومهاجمتها لنهدم ظنوناً وكل علو يرتفع فوق معرفة المسيح. فهل من مجيب؟