عندما ينقطع الاتصال..!

كيف كان حال الناس عندما تعطلت شركة الاتصالات، وكيف عم الهرج والمرج في كل الأرجاء وتأفف الناس، وكثر التذمر والشكوى، وساد القلق والتوتر طوال ساعات الانقطاع
20 نوفمبر 2023 - 07:44 بتوقيت القدس
عندما ينقطع الاتصال..!

استيقظت كما الكثيرون غيري صباح أمس في المدينة التي اقطن بها منذ سنوات عديدة على خبر أو لأقول واقعة صادمة حدثت من دون توقع أو استعداد، فأربكت الكثيرين في مختلف الولايات الأسترالية حيث أعيش. كان الموضوع ببساطة هو أن عطلا فنيا قد حدث لإحدى كبرى شركات الاتصالات العملاقة في البلاد، تلك التي تخدم الملايين من الأفراد والهيئات والشركات، فتعطلت وانقطعت الاتصالات تماما لكل مشتركي هذه الشركة، الذين كما قلت سابقا، يعدون بالملايين في طول البلاد وعرضها، فتوقفت الأشغال والبنوك ووسائل المواصلات والشركات والكثير من أنواع البزنس على اختلافها وتنوعها، فلا اتصالات ولا مكالمات ولا موبيلات ولا رسائل نصية ولا إمكانية للولوج لخدمة الانترنت بأي شكل من الاشكال، مع ورود رسائل تقول ببساطة No network اعلانا عن انقطاع الخدمة .

ولك أن تتخيل، عزيزي القارئ، كيف كان حال الناس وقتها، وكيف عم الهرج والمرج في كل الأرجاء وتأفف الناس، وكثر التذمر والشكوى، وساد القلق والتوتر طوال ساعات الانقطاع، تلك التي دامت لحوالي اثني عشرة ساعة، انعزل فيها الناس تماما عن بعضهم البعض، فساد التذمر والضجيج والارتباك والتشويش، طوال تلك الفترة التي مرت على مشتركي تلك الخدمة التي تعطلت كأنها دهرا، ولم يعرفوا ماذا يعملون أو كيف يتصرفون، حتى جاء الفرج أخيرا وحلت المشكلة.

وأخذت أفكر جليا بعد تلك الحادثة وبشأنها وتعلمت دروسا أود أن أشاركك بها عزيزي القارئ أن رغبت كما يلي:

• ما الذي جرى لنا ولدنيانا؟ ولماذا صار الأمر بهذا الحجم وهذا التعقيد؟
إن نظرة تأملية واحدة حيال أزمة كهذه التي مررنا بها عند انقطاع الاتصال، إنما هي كفيلة لأن ترينا جليا كيف كنّا وكيف أصبحنا وما هو الحال اليوم. من المعروف أن أباءنا وأجدادنا لم يعرفوا يوما لا تكنولوجيا الاتصالات ولا الانترنت، ولا عالم الميديا والاتصالات والهواتف الذكية وغيرها، لكن ما من شك أن حياتهم كانت أكثر هدوء وأمن واستقرار وثبات، بما لا يقاس، أكثر من أيامنا هذه التي نعيش فيها، التي يسودها الجري واللهث والتوتر، والصراعات، والقلق، والهم! إنهم لم يتمتعوا بشيء من الرفاهية والتكنولوجيا التي لنا الآن، لكن لا بد لنا أيضا في هذا السياق انهم تمتعوا بأمور كثيرة أخرى حرمنا منها نحن اليوم من هدوء وراحة البال. إننا اليوم أضعف وأكثر هشاشة وأقل قدرة على العيش والتأقلم. إننا قد صرنا كريشة في مهب الريح، بمجرد أن تعرضت لمشكلة طارئة كهذه، انكشف غطاء ضعفنا وهواننا وقلة حيلتنا وعجزنا عن أن نواجه الحياة بكل ظروفها وملابساتها. نعم، لقد تغيرنا وتغير الزمن معنا، وليس العيب هو عيب زماننا إنما العيب فينا، لقد تقطعت العلاقات واندثرت القيم والمشاعر الإنسانية، واستبدلناها بأمور ناشفة جامدة لا حياة فيها، وهذا موضوع مؤلم وسقيم يطول الشرح فيه، نقره، نعترف به ولا ننكره، وإن كنا لا نعمل شيئا حياله!!

• ماذا تعمل المفاجآت لنا ومعنا لا سيما إن كانت أكبر منا وليس بمقدورنا التعامل معها؟
نعم، لقد أثبت هذا الذي حدث بالأمس أننا صرنا بحق نفتقر لطريقة ذكية عملية نافعة وناجعة لنواجه بها مفاجآت الحياة وصعوباتها. وأشّر هذا الحدث على قلة حيلتنا وضعف قدرتنا على مواجهة الأمور الصعبة، كما كشف جليا أن قطع الاتصالات أظهر عريا من نوع أخر نعاني منه من زمن طويل لكننا لا ندرك، ألا وهو أن انقطاع العلاقات البشرية لهو أخطر وأكثر تأثيرا من انقطاع تكنولوجيا التواصل! لقد خلقنا الله على فطرة إنسانية في الحب والود والتواصل الإنساني البشري، لكننا انقطعنا عن تلك الفطرة واستبدلناها بآلات وأجهزة ومعدّات واستراتيجيات بمجرّد أن تعطلت تعطلنا نحن معها واكتشفنا اننا عزلنا أنفسنا عن واحدة من أروع ما حبانا الله به ألا وهو التواصل الإنساني الحي، لكن هل ترانا نتعلم الدروس؟!
وللاختصار أطرح بعض الأسئلة لك عزيزي القارئ لتتأمل فيها وتكتشف إجابتها بنفسك، ولست أشك من قدرتك على التحليل الهادئ والتقييم الناضج للأمور، وهذه الأسئلة هي: ترى كيف تؤثر الأمور الطارئة فينا، وما هي طريقتنا للتعامل معها، لا سيما إن لم تكن هناك بدائل؟ هل نحن جاهزون حقا ولدينا خططا للطوارئ والتعامل مع الظروف الصعبة؟ ماذا علينا أن نعمل حيال الطوارئ، وكيف ينبغي علينا أن نتصرف حيالها؟
ولي في الختام بعض الأمور التي أراها غاية في الأهمية أود أن اتركها معك عزيزي القارئ في نهاية مقالي وهي:

• عندما ينقطع اتصالنا مع الله، كيف تكون الأحوال؟!
من الواضح أن كل ما يجري من حولنا إنما هو يؤثر فينا، نتأثر به ونتفاعل معه بشكل قاطع وبطريقة مؤثرة، لكن المحزن والمؤسف هو أن الكثيرين منّا قد انقطعت علاقتهم وشركتهم مع الله الأب الحنون الخالق الفادي، لكنّهم لا يشعروا بذلك ولا يعيروا للأمر أيّ اهتمام!! لقد صار النت والفيس بوك واليوتيوب والتويتر و.... أهم بكثير من ذهابنا لبيت الرب لنصلي ونتعبد له ونسمع كلمته ونقدم له السجود والإكرام، وصار الماسنجر على ما يبدو من وجهة نظرنا، أهم وأنفع وأجدى من جلسة الصلاة الهادئة وقراءة الكتاب المقدس لسماع صوت الله وطلب مشيئته!! وأنا أقول لكم أيها الأحباء يكفينا ما مضى، ولنقم عاجلا لنعيد شركة اتصالنا وتواصلنا مع الله الحي الحقيقي الذي أحبنا ومات من أجلنا كي يفتدينا، والذي يدعونا لنحيا في علاقة شخصية وشركة حبية حية مع شخصه العظيم المبارك، فذلك هو الأجدى والأنفع لنا في هذه الأيام الصعبة التي فقدنا فيها التواصل مع الله، ففقدنا من دون أن ندري طعم ولذة وروعة الحياة الحقيقية.

• بداخلنا فراغ لا يملأه سوى الله!
وهذه هي احدى الحقائق الهامة التي غفلناها أو تغافلنا عنها، سهوا أو عمدا، فأتت علينا بالكثير من المشاكل والضغوطات التي لسنا بحاجة إليها! إن انسان العصر الحديث لم يعد يترك لله مكانا في قلبه أو يعطيه مساحة ليقوده للحياة المشبعة الرائعة. هل تساءلت مرة صديقي القارئ ما هو الهدف من وجودي؟ أو كيف ولأين تمضي بنا الحياة؟ إننا نكد ونتعب ونشقى من دون هدف أو قصد واضح نصبو إليه، لكن الفراغ الموجود بقلوبنا الذي نحاول مرة تلو المرة أن ملأه بمتع وشبع ولذّات وشهوات و.... كل هذا لن يمتلئ إلا لو عرفنا الله وسلمنا حياتنا له، فيعيدا عنه لن نجد مسالك لأرجلنا ولن نجد معنى لحياتنا وسنفقدها هباء!!

• ما هي القضية الأخطر في الحياة؟ وهل نحن مستعدون لها؟
إن السؤال الأهم والأجدى والحري بنا أن نلتفت إليه جليا هو، أين نحن من الله؟ أين نحن من السماء، أين نحن من الاهتمام بالأمور الروحية والحياة الأبدية؟ إن كل ما نمضيه هنا في حياتنا على الأرض ما هو إلا لمحة، تقدمة بسيطة وقصيرة لحياة أبدية نقضيها بعد انتقالنا من الأرض في موضع ومكان أخر ومستقر أبدي لا ينتهي ولا ينقضي، في هناء ونعيم وسماء وصلة ومتعة وبركة وشركة مع الله وأولاده في السماء، أو في جحيم ولهيب وعذاب وألم لن ينقضي، في جحيم يسخر منه البعض اليوم أحيانا على اعتبار أنهم لا يصدقون فيه ولا يؤمنون بوجوده، لكن سيأتي يوم ويتحقق كل ما قاله الله عنه، فقد قال الله عن أمور كثيرة عبر الزمن حدثت كلها ولم يسقط واحد منها، وإن غدا لناظره قريب!

عزيز القارئ، في انقطاع الاتصال والتواصل دروس وعبر أردت أن أشاركك بها وأصلي من كل قلبي أن يكون الله قد تواصل معك بها من خلال كلماتي الضعيفة، وان تلتفت لها جليا، وللرب وحده المجد والاكرام كله من قبل ومن بعد وعلى الدوام.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا