تخصُص ومهنيّة - هل وجودها واردٌ في الكنيسة؟

معرفة كل شيء عن الشيء الواحد والمقصود يعني التخصص في مجال معين وحال التخصص يجب معرفة جميع المعلومات الموجودة والمتعلقة بالاختصاص لأجل العمل به
29 يناير 2021 - 17:25 بتوقيت القدس

مع التقدّم البشريّ يزداد تخصّص العاملين في المجالات المختلفة ويتحدّد معه مجال التّخصّص. فالطّبيب المختص في مجال القلب مثلاً اعتاد قبل عدة عقود ان يعالج كل مصاب في قلبه، بينما اليوم يختصّ واحد بالعلاج بالكهرباء وآخر في القسطرة وآخر في نوع صمّام معيّن وآخر في نوع صمّام آخر وغيرها. لقد ازدادت التّخصصات وتفرّعت وهذا لا شك جانب من زوايا التقدم العلمي. فالخبير اليوم يختصّ في مجال أضيق وأدق ويعرف دقائق تفاصيله ويكون مطّلعاً على الأبحاث والتّجديدات بخصوصه.

وقد وصفها أحدهم بمبالغة معيّنة: إما تعرف كلّ شيء عن شيء صغير أو تعرف "لا شيء" عن كلّ شيء. 

تعاني بعض المجالات من صعوبة أكثر من غيرها في نظرة النّاس اليها. إذ هناك مجالات يظنّ البعض أنّهم ضليعون فيها ويفقهون شؤونها؛ فمن هناك يرون ان بإمكانهم إبداء الرأي وحتى اتخاذ إجراءات بخصوصها. هذه المجالات هي تلك التي لا تشمل في مفرداتها ولغتها مصطلحات تقنيّة مهنيّة خاصّة وبعيدة عن الحياة اليوميّة- مع العلم أن خلوّها من المصطلحات التّقنية المعقّدة لا يعني سهولة فهمها. فالكلّ يتحدّث في مجالات السّياسة او مجالات الإدارة، وللأسف ايضاً في المجال الدّينيّ او الرّوحيّ.

ويظهر أحياناً وكأنّ هذه الثّورة من المهنيّة والتّخصص الدّقيق ليست من نصيب عالم الكنيسة - الّذي يستمر في طريقة عمله التّقليدي المتبع. فبعض المتنفّذين في صفوف الكنائس (خدّاماً كانوا أو علمانيين) - إمّا بسبب رتبة معيّنة او لأسباب تاريخيّة او بسبب دعم عائليّ او بسبب مقدرتهم في تجميع دعم المؤمنين لهم يقومون باتّخاذ مواقع ويؤدّون مهام مختلفة في الكنيسة دون أيّ موهبة، مهنيّة وتخصّص.

من هنا يعتقد خطأً المؤمنُ في الكنيسة أنّه إثر قراءة عابرة غير منهجيّة للكتاب المقدّس وسماع العظات انه مؤهّل ليعظ في الكلمة أو أن يُبدي آراءه اللّاهوتيّة. يظنّ المؤمن أنه بسبب وجوده في الكنيسة وترنيمِهِ مع جمهور المصلّين وربما تَحَلّيه بصوت معقول والتزامه العام بالنّوتة، فهو اذاً مؤهّل لقيادة التّرانيم والتّسبيح أمام الجمهور في الاجتماعات العامّة. يعتقد أناس انهم خبراء في الاستشارة المسيحية او الّزيارات الرّعوية لأنها لا تختلف كثيراً بحسب ظنّهم عن حبّ النّاس والعلاقات البشرية الاعتيادية.

طبعاً يتوجب التّنويه أنّ ضرورة التخصص والرّغبة لتقديم الأفضل للرّب تستوجب تفويض واشتراك كل أعضاء الكنائس في مجالات الخدمة المختلفة وتوقف حصرها بشخص او فئة محدّدة فقط، مهما علا شأنه وموقعه.

ولا يعني ذلك انه يتوجب تجاهُل دعوة الرب لمن يشتهي عملاً صالحاً في الخدمة المسيحيّة، بل العكس. لكن لنحذّر من استخدام تلك الدّعوة كحجة وغطاء يبرر فيه الانسان رغبته ان يخدم دون أي موهبة أو تأهيل أو تخصّص. قد يكون الكسل هو سبب عدم الرّغبة في استثمار الوقت او ربما الرغبة في الظهور هي ذلك الداعي او ربما عدم فهم ضرورة التأهيل قبيل الخدمة. نتيجة لذلك، ينظر المتفرّج الى خدمة الرّب بنظرة دونية، لأن من يقوم بها لم يتأهّل او يتخصّص واداؤه اضحى ضعيفاً للغاية، بالتّالي لا يتم تكريس كل الطّاقات والمواهب والتّخصصات لخدمة الرّب بأفضل الطّرق. بالنّتيجة يعتاد النّاس على مستوى متدنٍ للخدمة في الكنسية فيكون الأداء غير جاذب لغير الكنسيّين المهتمين الذين يزورون الكنيسة وارسالية الرب هي الوصول اليهم. كما انّه يؤثر على منسوب الثقافة (المعرفة) الروحية عند الأعضاء او يهبط مستوى التعامل العملي مع متطلبات الخدمة وتُهمل تعقيدات المسائل الرعوية فتُترك حاجات الناس دون تلبية.
لدينا مثال طيب في تلاميذ الرب الذين رغم كونهم من العاميين- تتلمذوا عند الرب لثلاث سنوات ونصف قبل ان ينطلقوا الى الخدمة. مثال مختلف آخر هوعن الرسول بولس الذي رغم معرفته بالناموس ودراسته العامة الواسعة، احتاج تدريباُ لمدة ثلاث أعوام في العربية قبيل انطلاقه في الخدمة. ولا يخفى علينا كيف استخدمه الرب بشكل عجيب بعدها. 

كيف سيكون بالإمكان التعامل مثلا مع قضايا المثلية الجنسية او الجندرية او الالحاد او الامراض النفسية من قبل المستشار الروحي في الكنيسة ان لم يكن قد تخصص في دراستها؟ كيف يمكن إدارة تفرعات الكنيسة دون معرفة بمبادئ الكتاب وايضاً الاطلاع على أنماط قيادات الكنيسة في العالم؟ كيف بالإمكان الحكم على موضات عقائد حديثة العهد تتسلل لكنائسنا دون اطلاع ودراسة وتخصص مستمر؟

ليت الرب يعطينا ان نتكل على روحه في الدعوة ونستثمر الوقت للتأهيل لكي نتميّز اذ نقدم أفضل ما عندنا للرب ولخدمة شعبه... ولا نقف هناك بل نستمر بالتطور والتخصص ونستفيد من خبرات الآخرين لكي نقدم للرب الأفضل- ليس من جهة الرغبة القلبية فحسب، وانما بالتطبيق العملي لمجد الرب.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا