راحة الفكر والبال

الراحة التي تكلم عنها المسيح "وَأَنَا أُرِيحُكُمْ". (مت ١١ : ٢٨) لا يقصد بها الراحة من تعب الحياة والضغوط والمشاكل.
19 مايو 2021 - 12:23 بتوقيت القدس
راحة الفكر والبال

كان يقصد المسيح بالراحة - وانا اريحكم، معرفة الآب حيث قال " ... َلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابْنَ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْنُ وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ. (مت ١١ : ٢٧) فالراحة هنا ليست راحة مرتبطة بالواقع الإجتماعي ولكنها مرتبطة بالحالة الإيمانية وبمعرفة الاب من خلال المسيح، فيصير علي المؤمن حٓمل نير المعرفة الذي يمنح الراحة للمؤمن ولكل من يؤمن "اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْْ". (مت ١١ : ٢٩) حمل نير معرفة الله  ليس بثقيل، نعم ليس بثقيل إذا تحلا المؤمن فيه بالوداعة والتواضع، أما إذا سار في دائرة الكبرياء فسيسقط منه هذا النير وسيحمل نير  الذات والأنا الذي هو أثقل من نير المسيح.

كلمة وديع gentle وتعني لطيف وفي اليوناني πραΰς وتنطق براوس، praus وتعني لطيف ـ خفيف ـ متواضع، أي أن لا يكون ثقيلا علي أحد بل خفيف الظل متواضعا بلطف،  هكذا عاش المسيح وديعا " هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِيكِ وَدِيعًا ". (مت ٢١ : ٥) فلم يكون يوما ثقلا أو ثقيلا علي أحد، وهكذا يجب أن يكون المؤمن الحقيقي متزين بروح الوداعة فيصير أمام الله كثير الثمن أي غالي جدا  " زِينَةَ الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ، الَّذِي هُوَ قُدَّامَ اللهِ كَثِيرُ الثَّمَنِ. (1بط ٣ : ٤) فبدون الوداعة يفقد المؤمن قيمته أمام الناس وأمام الله، فبمعرفة الرب وحمل نيره والسير بوداعة وتواضع يصير المؤمن في مجال من الراحة النفسية والسلام الحقيقي ويصير غالي الثمن..... فكيف اخبارك؟!

الراحة من الاكتئاب الروحي: 

وقفت أمام ايه بفم الرسول بولس عندما قال " لأَنَّنَا لَمَّا أَتَيْنَا إِلَى مَكِدُونِيَّةَ لَمْ يَكُنْ لِجَسَدِنَا شَيْءٌ مِنَ الرَّاحَةِ بَلْ كُنَّا مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ: مِنْ خَارِجٍ خُصُومَاتٌ، مِنْ دَاخِل مَخَاوِفُ. (2كو ٧ : ٥) فوجدت نوع من الإكتئاب الروحي، فهل يوجد إكتئاب في دائرة روح الانسان؟! أقول نعم يوجد إكتئاب في دائرة الروح، لكن الفرق بين حالات الاكتئاب النفسي والروحي هو فارق الادراك للواقع مع فارق الاحاسيس، وللتوضيح أقول أن الاكتئاب النفسي ينتج من الإحساس بالعجز وصغر النفس وعدم المقدرة، أما الإكتئاب الروحي فهو قراءة الاحداث من منظور ايماني لشعب يحتاج للحرية والسير في الحق، هذا النوع من الإكتئاب لا يُدخل النفس في حالة من الضيق، كما قال الرسول " مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لكِنْ غَيْرَ مُتَضَايِقِينَ. مُتَحَيِّرِينَ، لكِنْ غَيْرَ يَائِسِينَ. (2كو ٤ : ٨) لماذا؟ لأن ما يمتلكه الرسول من معرفة تجعله في راحة، ولكن رؤيته لنفوس لا تعرف أو لا تفهم أو لا تستطيع السير في الحق. تجعل روحه تهتز فتكتئب لتدفعه لفعل شيئا أو لكتابة رسالة تدفع من حوله للدخول في نور الحق الإلهي كما الرسول فينالوا الراحة الحقيقية. 

ليس فقط اكتئاب في دائرة الروح لكن يوجد ايضا اضطراب في الروح، فعند قبر لعازر نري المسيح وقد اضطرب بالروح “فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي، وَالْيَهُودُ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ، انْزَعَجَ بِالرُّوحِ وَاضْطَرَبَ” (يو ١١ : ٣٣) هذا النوع من الإضطراب غير مرتبط بالحالة النفسية، لان الإضطراب النفسي ينبع من الإحساس بالعجز وعدم المقدرة والشعور بالصغر أمام موقف او تيار عالٕ، فالمسيح هنا اضطرب بحسب الواقع الروحي وإدراكه للأمر، حالة بكاء شعب يقف أمام  الموت عاجز ورئيس الحياة واقف أمامهم، اضطراب المسيح هنا اضطراب في دائرة الروح لذلك تقدم نحو القبر ليقف متحديا أمام الموت وأمام الحزن النفسي الذي في شعب يبكي، وقف امام الموت واقام لعازر ليعلن أنه رب الحياة وواهبها. هكذا ايضا إضطرب الرب بالروح عندما شرع يهوذا في تسليم المسيح لليهود " لَمَّا قَالَ يَسُوعُ هذَا اضْطَرَبَ بِالرُّوحِ، وَشَهِدَ وَقَالَ:"الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ سَيُسَلِّمُنِي!". (يو ١٣ : ٢١) فالإضطراب هنا لسبب الحالة  التي يكون فيها الأخر لفعل فعل لا يتفق مع مشيئة الله.

لم يكن للمسيح موقف واحد إضطرب فيه، ولكنه إضطرب عندما جاء وقت الصليب " اَلآنَ نَفْسِي قَدِ اضْطَرَبَتْ. وَمَاذَا أَقُولُ؟ أَيُّهَا الآبُ نَجِّنِي مِنْ هذِهِ السَّاعَةِ؟. وَلكِنْ لأَجْلِ هذَا أَتَيْتُ إِلَى هذِهِ السَّاعَةِ (يو ١٢ : ٢٧) هنا الإضطراب كان مرتبط بالحالة النفسية، لماذا؟ نعم لماذا إضطرب إضطراب نفسي ولم يضطرب بالروح؟ هذا يرجع الي واقعه كإنسان وليس واقعه في دائرة الروح، بمعني.. أن المسيح في دائرة روحه يدرك جيدا ما هو قادم اليه وروحه تعلم أنه قادر على القيامة من بين الأموات لذلك لم يضطرب بالروح، أما في دائرة النفس فإدراكه كامل ولكن لا يستطيع أن لا يُكمل لأنه لهذا قد أتى ولذلك مروره في دائرة الإضطراب النفسي أمر طبيعي كإنسان، لأن ما هو ذاهب اليه فهو رهيب وفوق إحتمال البشر، إن اضطرابه كان جزءا من حمل الصليب لإكتمال المسيرة.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا