كما قلنا في المقال السابق، لا يؤثر شيء على عيد الرب وعمله في حياتي. وفي ظروف الإغلاق هذه، بإمكاننا أن نعيد العيد بحسب صورته الحقيقية، ونسير مسيرة الحج الروحية كما بينها لنا الرب في المقال السابق.
لتناول السؤال مرة أخرى كيف نعيد والكنائس مغلقة؟
للإجابة، نحتاج أن ننتبه أيضًا لأمرين من اختبار شعب إسرائيل في القديم. فالوحي يعلمنا أن "كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا" (رومية 15: 4)؛ لذلك يجب أن ننتبه لما يرويه الوحي عن اختبارات مشابهه عبر العصور القديمة.
الأول، هو أن الله صاحب العيد:
إن الله هو صاحب العيد وسببه، فعندما يصبح العيد مجرد تقليد لمتعتي أنا وعائلتي فقط، ليس لله فيه نصيب؛ أو له نصيب جزئي فيه بدلا من أي يكون هو الكل في الكل في كل شيء في حياتي. عندها يحق لله أن يلغيه أو يبطله؛ عندها يكون الله قد ألغى وأبطل طريقة تعييدي أنا، وليس عيده وعمله الثابت غير المتغير. وهذا ما قاله الله لشعبه في القديم:
"21 بَغَضْتُ، كَرِهْتُ أَعْيَادَكُمْ، وَلَسْتُ أَلْتَذُّ بِاعْتِكَافَاتِكُمْ 22 إِنِّي إِذَا قَدَّمْتُمْ لِي مُحْرَقَاتِكُمْ وَتَقْدِمَاتِكُمْ لاَ أَرْتَضِي، وَذَبَائِحَ السَّلاَمَةِ مِنْ مُسَمَّنَاتِكُمْ لاَ أَلْتَفِتُ إِلَيْهَا 23 أَبْعِدْ عَنِّي ضَجَّةَ أَغَانِيكَ، وَنَغْمَةَ رَبَابِكَ لاَ أَسْمَعُ" عاموس 5
نعم هذه الآيات الصادمة، هي ما قاله الله لشعبه في القديم، وأخاف أن يكون هذا ما يقوله الرب لنا اليوم في ظل الإغلاق. "لا أسر بأعيادكم وبعزائمكم وثيابكم، أنتم تحتفول بعيد أنفسكم وليس بعيدي! ابعدوا عني ضجة تراتيلكم وأناشيدكم!"
لماذا الله قال هذا لشعبه في القديم؟
لأنه وصفه أيضًا: "8 يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هذَا الشَّعْبُ بِفَمِهِ، وَيُكْرِمُني بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا" متى 15
فالله أعطانا كل شيء، ولن يقبل منا أقل من كل قلوبنا وحياتنا. لذلك علمنا في الوصية الأولى والعظمى تقول: "4 اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ 5 فَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ" تثنية 6 "ومن كل قوتك" تعني من كل ما تبقى في قدرتك!! الله لا يقبل أن يكون مجرد جزء من حياتي، بل يطالب أن يكون الكل بالكل.
فعندما يرى الله أن تعييدنا كليًا أم جزئيًا غير مرتبط به، سيرفض أعيادنا. وحتى عندما نصلي ولا نقدم حياتنا له، بل نقدم مجرد وقت صلاة، واجب، عادة، لن يسر الله بهذا أبدًا. لذلك علمنا وحيه وقال: "1 فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ 2 وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ" رومية 12
نعم، يحق لله كصاحب العيد، أن يلغي أعيادنا، لكي يرجعنا إلى النقطة التي سقطنا منها، لنفكر ما هو معنى العيد؟ ولماذا نعيد؟ لكي نرجع لبساطة القلب المُحب، المستعد أن يحرم نفسه تمامًا ليقدم للمحبوب كل شيء. فكل ما يريده الله منا، أن نحبه ببساطة قلب، نتبعه، نطيعه ونقدسه، في يسوع المسيح.
الثاني: الله يريدك أن تعيد وتفرح بشرطين:
إنطلاقا مما سبق، هل الله لا يريدني أن أفرح وآكل وأشرب من لذة عملي وتعبي؟؟
الجواب هو نعم، الله لا يريد أن يلغي متعتي وشخصيتي، فيريدني أن آكل ما لذ وطاب وأفرح بعمل يدي؛ لكن بشرطين.
(1) أن تكون حياتي أمام الرب:
فالوحي يحذر المؤمن من أن يأخذ البركة الإلهية من مال وغنى وخيرات، ليذهب بها بعيدًا عن الرب، ويستثنيه من حياته! بل أن الله يريد أن يفرح الإنسان بكل خيراته وهو في حالة تبعية، عبادة، وطاعة للرب:
"17 لاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْكُلَ فِي أَبْوَابِكَ عُشْرَ حِنْطَتِكَ وَخَمْرِكَ وَزَيْتِكَ، وَلاَ أَبْكَارَ بَقَرِكَ وَغَنَمِكَ، وَلاَ شَيْئًا مِنْ نُذُورِكَ الَّتِي تَنْذُرُ، وَنَوَافِلِكَ وَرَفَائِعِ يَدِكَ 18 بَلْ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ تَأْكُلُهَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلهُكَ، أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَاللاَّوِيُّ الَّذِي فِي أَبْوَابِكَ، وَتَفْرَحُ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ بِكُلِّ مَا امْتَدَّتْ إِلَيْهِ يَدُكَ" تثنية 12
هنا يتكلم الوحي عن العشور من زاوية مختلفة عما يبينه لنا في سفر العدد 18؛ حيث يوضح أنها ليست فقط لبيت الرب وللَّاوي؛ بل أيضًا تعود لخدمة شعب الرب. حيث يحث المؤمن بأن يتمتع بها في بيت الرب وليس في بيته الخاص. وهنا نفهم من ناحية روحية في ظل العهد الجديد، ان الله يحث المؤمن بأن يفرح ويتمتع بخيرات الرب، لكن في حالة الحضور الإلهي المستمر في حياته؛ وليس باستثناء الرب من حياته. كما قال أيضًا:
"23 وَتَأْكُلُ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ، فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ لِيُحِلَّ اسْمَهُ فِيهِ، عُشْرَ حِنْطَتِكَ وَخَمْرِكَ وَزَيْتِكَ، وَأَبْكَارِ بَقَرِكَ وَغَنَمِكَ، لِكَيْ تَتَعَلَّمَ أَنْ تَتَّقِيَ الرَّبَّ إِلهَكَ كُلَّ الأَيَّامِ... 26 وَأَنْفِقِ الْفِضَّةَ فِي كُلِّ مَا تَشْتَهِي نَفْسُكَ فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْخَمْرِ وَالْمُسْكِرِ وَكُلِّ مَا تَطْلُبُ مِنْكَ نَفْسُكَ، وَكُلْ هُنَاكَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ وَافْرَحْ أَنْتَ وَبَيْتُكَ" تثنية 14
(2) عيد وافرح، لكن افتقد المسكين:
"10 وَتَعْمَلُ عِيدَ أَسَابِيعَ لِلرَّبِّ إِلهِكَ عَلَى قَدْرِ مَا تَسْمَحُ يَدُكَ أَنْ تُعْطِيَ، كَمَا يُبَارِكُكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. 11 وَتَفْرَحُ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَاللاّوِيُّ الَّذِي فِي أَبْوَابِكَ، وَالْغَرِيبُ وَالْيَتِيمُ وَالأَرْمَلَةُ الَّذِينَ فِي وَسْطِكَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلهُكَ لِيُحِلَّ اسه فيه" تثنية 16
هنا يدرج أربع فئات من الناس ليفرحوا معك في العيد:
أ- يبدأ في العائلة والأقارب كأولوية أولى: "أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ"
ب- الذين يعملون عندك ويخدموك: "وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ"
جـ- خادم الرب القريب لك، الذي يخدمك: "وَاللاّوِيُّ الَّذِي فِي أَبْوَابِكَ"
د- أيضًا المساكين والفقراء "وَالْغَرِيبُ وَالْيَتِيمُ وَالأَرْمَلَةُ"، وهذا المفهوم المسيح وسعه أكثر بكثير، ليشمل حتى الناس المهمشين في المجتمع، وذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة:
"13 بَلْ إِذَا صَنَعْتَ ضِيَافَةً فَادْعُ: الْمَسَاكِينَ، الْجُدْعَ، الْعُرْجَ، الْعُمْيَ، 14 فَيَكُونَ لَكَ الطُّوبَى إِذْ لَيْسَ لَهُمْ حَتَّى يُكَافُوكَ، لأَنَّكَ تُكَافَى فِي قِيَامَةِ الأَبْرَارِ" لوقا 14
إذا تعلمنا من المقالين السابقين أن العيد هو تذكر عمل عمله الله في وقت معين في التاريخ، لتغيير حياتي كإنسان يعيش اليوم. العيد هو مسيرة روحية يريدني الله أن أسلك بها لأتغير وأتقرب له من خلالها. الله لا يقبل أن أقدم له، سوى كل محبتي، ذاتي، وكياني. في نفس الوقت، الله يريدني أن افرح وأتنعم بتعب يدي؛ لكن بشرطين: أنا تكون حياتي تابعة ومطيعة له؛ وأن أتذكر غيري المحتاج لمعونتي، وأشرك حياتي ومصادري معه.
على ضوء كل ما سبق، نعم نقدر أن نعيد بأفضل وجه، اليوم في ظل الإغلاق؛ وأن نحقق كل ما سبق في هذا العيد، بطريقة أو بأخرى؛ بشكل يحقق هدف الله من وراء الأعياد. بل نقدر أن نجعل هذا العيد أكثر عيد ذات قيمة اختبرناه في حياتنا.
وكل عام وأنتم بألف خير.