دخول شعب إسرائيل لأرض كنعان -٣- محاسبة الله للشعب

في هذا المقال سنتناول الميزة الفريدة الثانية لدخول شعب إسرائيل لأرض كنعان، وهي أن الله لم ينصر شعبه ظالمًا أو مظلومًا، لكن سنرى عدالة الله ومحاسبته وعقابه لشعبه عندما كان يُخطئ، وهذا لم ولن نراه في أي حرب شُنت باسم الله على مرِّ العصور.
30 سبتمبر 2011 - 16:26 بتوقيت القدس

في هذا المقال سنتناول الميزة الفريدة الثانية لدخول شعب إسرائيل لأرض كنعان، وهي أن الله لم ينصر شعبه ظالمًا أو مظلومًا، لكن سنرى عدالة الله ومحاسبته وعقابه لشعبه عندما كان يُخطئ، وهذا لم ولن نراه في أي حرب شُنت باسم الله على مرِّ العصور.

كما تعلمنا في المقال السابق، إنَّ أعظم الأمور التي تميز دخول شعب إسرائيل إلى أرض كنعان عن جميع الحروب التى شُنَّت باسم الله على مَرِّ العصور، هي أولاً إظهار الوحي المستمر، مستعرضًا المعجزات التي عملها الله أمام الشعب كله وأمام باقي الشعوب، أن الله هو المتحكم بنفسه بكل صغيرة وكبيرة في هذه العملية.
وفي هذا المقال سنتناول النقطة الثانية التي تمِّيز دخول شعب إسرائيل إلى أرض كنعان وهي محاسبة الله المباشرة لشعبه، عندما كان يخطئ.

الله يحاسب الشعب مباشرةً إذا أخطأوا:

إن المشكلة التي تعترضنا على فكرة استخدام الله لشعبه لإجراء القضاء، هي أن شعب الله، كما يبدو لنا من النصوص، ليس أفضل بكثير من الشعوب التي في كنعان، فكيف ممكن أن نتقبل هذه الفكرة؟

تَقَبُّل هذه الفكرة يكمُن في ملاحظة تشديد الله المستمر على قداسة شعبه قبل وخلال وبعد هذه العملية؛ وتركيز الوحي المستمر على الله الذي يحاسب ويدين شعبه إذا أخطأوا، خلال وبعد هذه العملية.

فقبل عملية الدخول أتت دعوة الله للشعب بأن يتقدسوا لكي يستخدمهم الله ويصنع أمامهم عجائب، يشوع ٣: ٥. لكن بعد أول عملية، وهي دخول أريحا، خالف أحد أفراد الشعب وصية الله. فأخذ عخان جزء من الأملاك وخبأها في خيمته، وكنتيجة لهذا، انكسر الجيش أمام مدينة عاي، وقتل في المعركة ٣٦ رجل (يشوع ٧: ٥). وعندما صلى يشوع لطلب إرشاد الله لماذا انكسروا أمام أهل عاي، أعلن الرب ليشوع بأن الشعب نقد عهده أخذوا من الأشياء التي منعهم من أخذها، سرقوا، كذبوا (٧: ١١)؛ بعدها يقول لنا الوحي كلمة هامة جدًا:

" ١٢ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِلثُّبُوتِ أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ. يُدِيرُونَ قَفَاهُمْ أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ لأَنَّهُمْ مَحْرُومُونَ, وَلاَ أَعُودُ أَكُونُ مَعَكُمْ إِنْ لَمْ تُبِيدُوا الْحَرَامَ مِنْ وَسَطِكُمْ." يشوع ٧.

وهذه الآية تعني أن الله مستعد أن يستخدم الشعب، طالنا الشعب سائر معه، لأن رئيس جند الرب قال ليشوع، أنا لست لكم ولا لأعدائكم؛ بل أنا رئيس جند الرب (يشوع ٥: ١٤).
كالشرطي مثلا، ممكن أن يحاسبك ويخالفك، فمخالفته لك لا تعني أنه أفضل منك، لكن تعني أن لديه سلطان عليك طالما هو سائر تمامًا تحت القانون. أما في اللحظة التي فيها يجنح عن القانون، سيفقد سلطانه، وربما وظيفته. هذا ما حدث مع شعب الرب، لكن مع إله ليس مثل القانون ربما يمسكه مخالفًا، أو ربما يَغفِل عنه؛ وبالطبع لا يعرف خفايا نفسه وقلبه. لكن مع إله كلي المعرفة والسلطان، ويعرف كل شيء، ولا يمكن إخفاء أي شيء عنه؛ وسوف لا يسكت أمام أخطاء الشعب أبدًا، كما سنرى، لأنه إله قدوس وعادل.

وأمّا عخان الذي خالف أمر الرب، فأخذوه هو وأولاده وبناته وجميع حيواناته ورجموهم في وادي عخور، وأقاموا كومة حجارة هناك إلى هذا اليوم (يشوع ٧: ٢٢-٢٦). ربما نتسائل: لماذا يظهر لنا قضاء الرب قاسي لهذه الدرجة أحيانًا؟ وما هو ذنب الأولاد؟ سوف لا نجيب على هذا السؤال في هذا المقال، لكن في هذه المرحلة علينا أن نعرف أن ذراع الرب كانت قاسية ليس فقط على الكنعانيين، بل على شعبه أيضًا عندما كان يخطئ، لأن إلهنا عادل، ليست عنده محاباة ولا موازين مزدوجة.

لم يرتكب الشعب خطايا بارزة أخرى طوال عهد يشوع؛ لكن كما نرى من النصوص، لم يطع الشعب أوامر الرب فيما يتعلق بقطع عهود مع سكان الأرض الوثنيين. عندها ظهر ملاك الرب للشعب وكلم جميع الشعب معًا بهذه الكلمات:

" ١ وَصَعِدَ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ الْجِلْجَالِ إِلَى بُوكِيمَ وَقَالَ: «قَدْ أَصْعَدْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ وَأَتَيْتُ بِكُمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَقْسَمْتُ لآِبَائِكُمْ, وَقُلْتُ: لاَ أَنْكُثُ عَهْدِي مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ. 2 وَأَنْتُمْ فَلاَ تَقْطَعُوا عَهْداً مَعَ سُكَّانِ هَذِهِ الأَرْضِ. اهْدِمُوا مَذَابِحَهُمْ. وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِي. فَمَاذَا عَمِلْتُمْ؟ 3 فَقُلْتُ أَيْضاً: لاَ أَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ بَلْ يَكُونُونَ لَكُمْ مُضَايِقِينَ, وَتَكُونُ آلِهَتُهُمْ لَكُمْ شَرَكاً». 4 وَكَانَ لَمَّا تَكَلَّمَ مَلاَكُ الرَّبِّ بِهَذَا الْكَلاَمِ إِلَى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ الشَّعْبَ رَفَعُوا صَوْتَهُمْ وَبَكُوا. 5 فَدَعُوا اسْمَ ذَلِكَ الْمَكَانِ «بُوكِيمَ». وَذَبَحُوا هُنَاكَ لِلرَّبِّ." قضاة ٢.

دعونا نتخيل هذا الحدث العظيم، إن يظهر ملاك الرب لجميع الشعب ويكلمهم معًا بكلمات مصيرية تبرز قضاء الله ومشيئته. لكي لا يستطيع أن يأتي نبي يدَّعي أن الله أمره أن يقاتل غير المؤمنين، دون أي دليل واضح للناس وللبشرية. أما إله إبراهيم الحقيقي في الوحي الإلهي، رأينا كيف أنه بعدما أكد دوره ومشيئته بصنع المعجزات أمام جميع الشعوب حيث شق مياه نهر الأردن قبل أرسال الشعب ليدخلوا الأرض (يشوع ٣: ١٥-١٦). اليوم يرسل الله ملاكه ويكلم جميع الشعب معًا بكلمة الله الموبِّخة. بأن الله عَدَلَ عن خِطته الأولى لطرد الشعوب من أرض كنعان، وأمر بخطة بديلة، ليست بحسب مشيئته، بأنه سوف لا يطرد الشعوب من الأرض، وسيكونون لهم دائمًا مصدر ضيق وإغواء؛ وذلك لأن الشعب لم يُطِع أوامره. مما يبين أن الله يريد شعب نقي دون أي مساومة، وأيضًا يبين بأن طرد الشعوب من أرض كنعان هو ليس هدف بحد ذاته، لكن ولادة شعب مقدس على أرض لا يسكنها إلا عابدو إله إبراهيم، ليكونوا شهادة وبركة لكل الأمم فيما بعد. وفعلا منذ ذلك الوقت إلى هذا اليوم، وباقي الشعوب موجودة في أرض كنعان؛ ولم ولن تخرج من هذه الأرض أبدًا إلى مجيء الرب.

كما يبدو كانت هناك بعض الرواسب لعبادات الأوثان في الشعب، فيدعوهم يشوع لتجديد عهدهم مع الرب قبيل موته (يشوع 24). وفعلاً استجاب الشعب لدعوة يشوع وتعهدوا بأن يتبعوا الله الذي أخرجهم من أرض مصر (١٥-١٦): " ٢٢ فقال يشوع للشعب، أنتم شهود على أنفسكم أنكم قد اخترتم لأنفسكم الرب لتعبدوه، فقالوا نحن شهود.” يشوع ٢٤.

لكن بعد موت يشوع يقول الكتاب أنه قام جيل لم يعرف الرب ولا أعماله التي عملها مع شعبه (قضاة ٢: ١٠)؛ فكانت النتيجة أن الله جعلهم عرضة للنهب، والسقوط أمام أعدائهم:

" 11 وَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ وَعَبَدُوا الْبَعْلِيمَ, 12 وَتَرَكُوا الرَّبَّ إِلَهَ آبَائِهِمِ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ وَسَارُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ حَوْلَهُمْ, وَسَجَدُوا لَهَا وَأَغَاظُوا الرَّبَّ. 13 تَرَكُوا الرَّبَّ وَعَبَدُوا الْبَعْلَ وَعَشْتَارُوثَ. 14 فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ, فَدَفَعَهُمْ بِأَيْدِي نَاهِبِينَ نَهَبُوهُمْ, وَبَاعَهُمْ بِيَدِ أَعْدَائِهِمْ حَوْلَهُمْ, وَلَمْ يَقْدِرُوا بَعْدُ عَلَى الْوُقُوفِ أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ. 15 حَيْثُمَا خَرَجُوا كَانَتْ يَدُ الرَّبِّ عَلَيْهِمْ لِلشَّرِّ كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ وَكَمَا أَقْسَمَ الرَّبُّ لَهُمْ." قضاة ٢.

وبعد انكسار الشعب أمام الشعوب الأخرى، كان الشعب يصرخ إلى الرب، فيقيم الرب للشعب قاضيًا ليخلصهم لكي يرجعوا إلى الله ويتوبوا، لكن بلا جدوى. لذلك عاد الله وأكد على استبقاء شعوب أرض كنعان في الأرض:

" 19 وَعِنْدَ مَوْتِ الْقَاضِي كَانُوا يَرْجِعُونَ وَيَفْسُدُونَ أَكْثَرَ مِنْ آبَائِهِمْ بِالذَّهَابِ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِيَعْبُدُوهَا وَيَسْجُدُوا لَهَا. لَمْ يَكُفُّوا عَنْ أَفْعَالِهِمْ وَطَرِيقِهِمِ الْقَاسِيَةِ. 20 فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَقَالَ: «مِنْ أَجْلِ أَنَّ هَذَا الشَّعْبَ قَدْ تَعَدُّوا عَهْدِيَ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ آبَاءَهُمْ وَلَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِي 21 فَأَنَا أَيْضاً لاَ أَعُودُ أَطْرُدُ إِنْسَاناً مِنْ أَمَامِهِمْ مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ تَرَكَهُمْ يَشُوعُ عِنْدَ مَوْتِهِ." قضاة ٢.

ومنذ ذلك الوقت، بشكل عام، أصبحت باقي حروب إسرائيل بمثابة دفاع عن النفس، وليست حروب بمبادرة من إلله كما على وقت يشوع.

إن هذه الحقائق المباركة تبرز أمام جميع الأجيال القادمة أن شعب إسرائيل لم يفتح أراضي لشعوب أخرى على هواه، لكن كان ينقاد بحسب خطة الله العادل، الذي يحاسبه على كل كبيرة وصغيرة إذا أخطأ. إن هذا بالحقيقة نظامًا يحكم بالشريعة الإلهية (نظامًا ثيوقراطيًا )، ويفضح بوضوح أي نظامًا كاذبًا يدَّعي بأنه يَحكُم بشريعة الله. لأننا لم نرى أي نظام آخر ثيوقراطيًا يُظهر الله فيه بوضوح، بعجائبه أمام جميع الشعب، رسالته الواضحة العادلة، خاصةً في قضية حساسة ومصيرية كهذه يتعلق بها مصير شعوب. أيضًا نرى فيه بوضوح مُحاسبة الله للشعب، على كل صغيرة وكبيرة، إذا أخطأ.
إنه فعلاً إله مجيد وعظيم يستحق كل إكرام وتمجيد، يُظهر بِوَحْيِه بوضوح: الحق من الباطل، النور من الظلمة، الحقيقي من المزيف. لكن هل من سامع فاهم الله؟؟ يا رب، من له آذان للسمع فليسمع.
(سنتابع الموضوع في المقال القادم)

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. وردة الرب 02 أكتوبر 2011 - 10:15 بتوقيت القدس
الرب يباركك ويوسع تخومك الرب يباركك ويوسع تخومك
بالفعل الرب يقويك ويعونك لانك في كل مقال تبدعنا ومقالاتك تبين مدى تعبك