قلب الإنسان: أخبث نيّة ،السامري الصالح روعة البساطة (جزء 3،نقطة 4)

لقد هدف الناموسيّ في سؤاله الأول أن "يُجَرِّبُهُ"، أي أن يُجرّب الرّبّ يسوع، أي مُحاولًا أن يحتال عليه بنصبه من خلال السؤال شبكة ليوقعه بها، وقد يكون ظنّه وتوقعه أن يرفض الرّبّ الناموس أو ينقُضه،
28 يونيو 2018 - 16:04 بتوقيت القدس

سأل معلم الشريعة الرّب يسوع: «يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» (لوقا10: 25). حقًا إنّ هذا السؤال هو الأهم على الاطلاق، إذ أنه سؤال مصيريّ لكل إنسان على وجه الكون، وموضوعه الأبدية، فهو يسمو بنا إلى فوق، إلى كيفية ضمان الحياة الأبدية، وتلاه السؤال الثاني في الأهمية، ليضع أقدامنا على أرض الحياة الحاضرة، ويترجم محبتنا لله بشكل عملي في محبتنا للآخر، ويستفسر حول القصد الإلهي من ماهية عيشنا هنا، وكيفية تعاملنا مع بعضنا البعض كبشر. فقد تابع الناموسي استفساره وطرح سؤاله الثاني في محضر الرّب: «وَمَنْ هُوَ قَرِيبِي؟» (لوقا 10: 29).

لقد هدف الناموسيّ في سؤاله الأول أن "يُجَرِّبُهُ"، أي أن يُجرّب الرّبّ يسوع، أي مُحاولًا أن يحتال عليه بنصبه من خلال السؤال شبكة ليوقعه بها، وقد يكون ظنّه وتوقعه أن يرفض الرّبّ الناموس أو ينقُضه، ولكن الرّبّ أعاده للشريعة الرّبّ، ليريه الجواب من الكتاب. فقال له «... اِفْعَلْ هذَا فَتَحْيَا».

وهدف السؤال الثاني تبرير النفس "وَأَمَّا هُوَ فَإِذْ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّرَ نَفْسَهُ"، ويتساءل وليم ماكدونلد "وهل كان ذلك ضروريًّا؟ ولا سيما أنّ أحدًا ما لم يتهمه بشيء؟ كان، ولا شك، قد وعى حالته الخاطئة، إلا أن قلبه المتكبر قاوم ذلك. لقد كان سؤاله: «مَن هو قريبي؟» مجرَّدَ ذريعة للتهرُّب من الحقيقة". ويشير بنيامين بنكرتن أنّ "جواب الرَّبُّ البسيط للناموسي: أفعل هذا فتحيا. أقلق ضميرهُ من جهة المحبة للقريب، ولكنهُ لم يقرَّ بقصوراتهِ

وبأنهُ محكوم عليهِ كمذنب من نفس الشريعة التي افتخر بها، بل بادر إلى أن يبدل الأمر بمسألة أخرى على الأمل بأنهُ يتخلص من شكوى الناموس عليهِ".

تُبيّن القصة أن نيّة هذا الانسان كانت خبيثة، وهدف السائل من السؤال "أَنْ يُبَرِّرَ نَفْسَهُ"، وقد كان ذلك دليلًا واضحًا لاعترافه بعجزه وتقصيره، فكان حريًا به أن يعترف بذنبه لا أن يُبرر نفسه، وبما أنه لا أحد يستطيع أن يطبق الناموس، فهدف الناموس أن يوجهنا لنلتجئ للمراحم الإلهية ونطلب خلاص الرّبّ ونعمته وقوة إلهية لنسلك في مرضاته.

كثيرًا ما نبحث عن أعذار لأنفسنا أو حجج وتبريرات، بدل أن نعترف بتقصيرنا أو ذنبنا أو عجزنا، هكذا كانت حالة الانسان من لحظة دخول الخطية لحياته، فعندما أخطأ آدم اختبأ من الرّبّ إذ شعر بالخوف والخجل، ومع ذلك كبريائه وقساوة قلبه منعته من الاعتراف بذلك، فأراد الرّبّ أن يكشف له خطيته وان يُصوّر له حالة قلبه، فسأله: «أَيْنَ أَنْتَ؟» (تكوين3: 9)، وبرهن هذا السؤال (حسب قول وليم ماكدونلد) على أمرين: "أنّ الانسان قد فُقِد، وأنّ الله جاء يطلبه. كما برهن على خطية الانسان ونعمة الله، إذ أخذ الله زمام المبادرة في الخلاص ليثبت ذات الشيء الذي حاول الشيطان أن يُشَكِك حواء فيه: محبته". ومع أنّ الله كشف لآدم خطيته، لكن آدم حاول أن يبرر نفسه، ملقيًا بالتهمة والمسؤولية على زوجته حواء، «الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ» (تكوين3: 12)، نعم لقد وجّه التهمة لأقرب الناس إليه لينجو هو منها، بل ألقى كلّ الملامة على تلك التي قال عنها سابقًا «هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ» (تكوين2: 23)، فوجّه لها التهمة بكاملها محاولًا أن ينجو من الحكم، وبالحقيقة لم يتهم آدم زوجته فقط، بل وجّه الملامة بكل وقاحة أيضًا لله لأنه هو جعل حواء معه، مع أنّ آدم أعلن احتياجه لمعين نظيره. نعم لقد

برهن آدم أن محبته لنفسه فوق كل محبة، فوق محبته لله وفوق محبته لتلك التي يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، ليَلْتَصِقُ بِها (أي امْرَأَتِهِ)، وَليَكُونَانِ (معًا) جَسَدًا وَاحِدًا (تكوين2: 24).

وقد انتقل سمّ التبرير الذاتيّ والأنانية وحبّ الذات وعدم المبالاة بالآخرين للنسل، فبعد أن قتل قايين (المتدين) أخاه هابيل (المؤمن) بدم بارد، دعاه الله بكل رحمته وطول أناته ليكشف له حالة قلبه، "فَقَالَ الرَّبُّ لِقَايِينَ: «أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟» فَقَالَ: «لاَ أَعْلَمُ! أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟»" (تكوين4: 9). لقد أنكر قايين مسؤوليته تجاه أخيه، وضرب بعرض الحائط مسؤوليته عليه، ولم يتعرف بخطيته، ولم يتُب توبة حقيقة على شرّه العظيم، وما ذلك إلا صورة لحالة القلب البشريّ البعيد عن المسيح، والذي لم يغتسل بدمه، ولم يتطهر بعمل روح قُدسه، فالكتاب صادق في تصوير حالة القلب بدون مفعول عمل المسيح إذ يقول عنه «اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ، مَنْ يَعْرِفُهُ؟ (إرميا17: 9)، ويؤكد لنا أنه عارف كل خفايانا وكل شيء مكشوف وعريان أمامه "أَنَا الرَّبُّ فَاحِصُ الْقَلْبِ مُخْتَبِرُ الْكُلَى لأُعْطِيَ كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ طُرُقِهِ، حَسَبَ ثَمَرِ أَعْمَالِهِ" (إرميا17: 10).

لذلك علينا أن نتوب إليه معترفين بخطايانا، دون تجميل أو إنكار أو إلقاء الملامة على الرّبّ أو على الآخرين، فنصلي من كل القلب "اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي. وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا" (مزمور139: 23-24). 

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا