مسيحي يُطالع القرآن: العَلَق 1 من 2

إنّ سورة العلق في بداية تفسير القرطبي (1) [مكّيّة بإجماع، وهي أول ما نزل من القرآن في قول أبي موسى وعائشة (رض) وفي قول معظم المفسِّرين...] وفيها..
01 أغسطس 2016 - 21:31 بتوقيت القدس

مسيحي يطالع القرآن: العلق

أمّا بعد المقدّمة، المنشورة على موقع لينغا قبل فترة قصيرة، فإنّ سورة العلق في بداية تفسير القرطبي (1) [مكّيّة بإجماع، وهي أول ما نزل من القرآن في قول أبي موسى وعائشة (رض) وفي قول معظم المفسِّرين...] وفيها:

سورة العلق

أوّلًا: شكل السُّورة

لقد احتوت سورة العلق على أزيد من فاصلة؛ منها المنتهية بحرف القاف (خلق، علق) وتاليًا الميم فالألف المقصورة فالتاء المربوطة، بعد الياء في غالبيّتها، ثمّ الباء اليتيمة في النهاية- وهذه الأخيرة في تقديري لم تكن من عادة مؤلِّف القرآن، إذ اعتاد على الإتيان باثنتين من الفواصل المتشابهة بأقلّ تقدير (مثالًا هنا: خلق، علق) ما يدلّ على فقدان شيء ما من نهاية هذه السورة. فإمّا صحّ تقديري فالقرآن يصبح محرَّفًا بالنقص، إذ ضاع قرآن كثير حسب حديث عن ابن عمر؛ قال: [لا يقولنّ أحدكم: قد أخذت القرآن كلّه وما يدريه ما كلّه؟ قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقُلْ: قد أخذت منه ما ظهر منه]- عن فضائل القرآن.
عِلمًا، بالعودة إلى موضوعنا لأنّ تحريف القرآن غير مدرج في قائمة اهتمام هذه المقالة، أنّ التاء المربوطة تُلفَظ هاءً في نهاية الكلام. أمّا "نادِيَهُ" فالهاء هنا حرف أصلي، ضمير مبنيّ على الضمّ في محلّ جرّ بالإضافة لأنّ "ناديَ" مفعول به وهو مضاف إلى الهاء. ومعنى ناديه حسب التفسير: ناصره. ولفظ "ناديَه" متفق مع لفظ كل من الناصية وخاطئة والزبانية، كما في قصائد العرب. والمقصود بالناصية مقدَّم الرأس وبالزبانية الملائكة. إذن احتوى القرآن على لمحات شعرية شكلًا، بالفواصل الموجودة في كلّ سورة والتي تقابل القوافي في الشعر، ووزنًا أيضًا وتحديدًا (خلق الإنسان مِن علق: فاعِلاتُنْ فاعِلُنْ فَعِلُنْ) فهذه تشكّل تفعيلة بحر المديد (2) وهو من أوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي الخمسة عشر التي صنّفها حسب شعر العرب ما قبل القرآن وما بعده. ولتقريب الصورة؛ إليك ما قال الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري (1997-1899) في قصيدة شهيرة له على بحر المديد لكن بضمّ حرف الرّويّ- القاف:
مرحبًا يا أيها الأرقُ – فحمة الدّيجورِ تحترقُ
والنُّجومُ الزُّهْرُ تفترقُ – فيَجرَّ السابحَ الغَرِقُ
شفَّ ثوبٌ للدُّجى خَلَقُ – وخَلا مِن لؤلؤ طبَقُ
ومشى صبحٌ على خَدَرِ – كغريب آبَ مِن سَفَرِ

فقارن-ي الإيقاع الموسيقي الذي تشعر بوجوده في أيّ شَطْر من هذه القطعة، على أن تحسن قراءته، مع إيقاع (خَلَقَ الإنسانَ من علق) عِلمًا أنّ البيت الشعري يتألّف مِن شَطرَين، أو مصراعَين، سُمِّي الأوَّل صَدرًا، بفتح الصاد وإسكان الدال، وهو الواقع إلى جهة اليمين. والثاني عَجُزًا، بفتح العين وضمّ الجيم، وهو الواقع إلى جهة اليسار. ومعنى الوزن الشعري: موسيقى الشعر المحسوسة في كل شطر من القصيدة والتي هي (أي الموسيقى) أساس عِلم العَروض.

ويستطيع أهل العَروض مطابقة (عَلَّم الإنسانَ ما لم يَعلمِ) بعد خفض الميم الساكن، شأنه شأن سائر قوافي الشعر مخفوضة الآخر أصلًا أو لضرورة شعريّة، مع وزن بحر الرَّمَل: (فاعِلاتُنْ فاعِلاتُنْ فاعِلُنْ) ولتقريب الصورة؛ هنا شعر ابن زهر الحفيد- من العصر الأيّوبي:
أَيُّها الساقي إليكَ المُشتكى – قد دَعَوناكَ وإِنْ لَم تَسمَعِ
مِثلُ حالي حَقُّها أَن تَشتَكي – كَمَدَ اليَأس وذُلَّ الطَمَعِ

لاحظ-ي كيف اضطُرّ الشاعر إلى خفض عين "تسمع" لضرورة شعرية. فقارن-ي كالسابق بين (عَلَّم الإنسانَ ما لم يَعلمِ) وبين أيّ شطر من البيتين المذكورين.
وأكتفي أخيرًا بذكر اسم البحر أمام المقاطع الشعرية في هذه السورة:
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغى: الخبب.
أَنْ رَآَهُ استَغنى: جزء من الخفيف.
إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجعَى: جزء من البسيط.
عَبْدًا إِذا صَلَّى: جزء من الرَّجَز أو السَّريع.
كلّا لئن لم ينتهِ لَنَسفَعًا بالناصية: الرجز- بعد إشباع هاء ينتهِ.
نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَة: الرَّجَز، أو السّريع- بعد لفظ تاء خاطئة هاءً وإسكانها.
فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ. جزء من البسيط.

فواضح أن موسيقى هذه السورة عمومًا مضطربة؛ فلم تَرقَ إلى الشعر. ولم ترقَ أيضًا إلى سجع الكواهن والكهّان؛ لتعدد أنواع فواصلها من جهة ولاختلاف طول كل مقطع عن غيره من جهة أخرى. من شاء فليطالع لطفًا علم العروض، عبر الرابط المذكور في هامش المقالة أو عبر غوغل، وليطالع سجع الكهّان أيضا.

والنتيجة أنّ من المستحيل إقناع شاعر متمكّن من اللغة والعَروض والقافية بأنّ القرآن من وحي الله، أو من تنزيل ملاك من ملائكته، لأنّ الله، جلّ شأنه، إذا أوحى بشيء من الشعر- افتراضًا- وباللغة العربيّة فلا شكّ في أن إيحاءه يتفوّق على ما أوحِيَ إلى شعراء ذلك الزمان ولا سيّما الذين عاصرهم مؤلِّف القرآن، كالنابغة الذبياني والأعشى قيس وأميّة بن أبي الصَّلت، بالإضافة إلى زهير بن أبي سُلمى. فالكلام الذي أمامي من تأليف مؤلِّف كان عاجزًا من الإتيان بفاصلة موحَّدة، سُمِّيت بالقافية في الشعر العمودي، وعاجزًا من إتقان الوزن، أي موسيقى الشعر ممّا في عِلم العَروض. فسورة العلق وسائر السُّوَر تأليف بشري صِرف لم يمتّ شكليًّا بأيّة صِلة إلى وحي الله.

والجدير ذكره أن أحدًا من شعراء الطبقة الأولى، سواء في صدر الإسلام وفي العصرين التاليين، أي الأموي والعباسي، ما أشاد بالقرآن ولا بمؤلّفه، لأن مستوى القرآن أدبيًّا دون مستوى الأدب العربي، الذي من الطبقة الأولى، في جميع العصور. فقطعًا لم ينزل شاعر كبير بمستواه الأدبي ليأتي بشيء ما يشبه القرآن لأنّ الشعر أدب راقٍ فلم يرقَ القرآن إليه بشيء، ولم يرقَ إلى السجع الذي وصلنا من الفترة التي سبقت ظهور القرآن. فالتحدي القرآني (قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا)- الإسراء:88 لا قيمة له، بل دلّ في ضوء مشاكل محمد مع خصومه على تهديد كل من حاول الانتقاص من شأن القرآن. ولنا في النضر بن الحارث خير مثال؛ إذ أعلن- حسب تفسير الطبري (3) سورة الفرقان: [أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثًا منه. فهلمّوا فأنا أحدّثكم أحسن من حديثه، ما محمد أحسن حديثًا مني] حتّى "نزلت" فيه: (وقالوا أساطير الأولين اكتتبَها فهي تُملى عليه بكرة وأصيلا. قُلْ أنزلَهُ الذي يعلم السِّرَّ في السماوات والأرض...)- الفرقان 5-6 فالنضر أحد الذين قالوا إنّ أساطير الأولين اكتتبها محمد فهي تُملى عليه بكرة وأصيلا. فدفع النضر حياته ثمنًا عن موقفه حيال مؤلِّف القرآن.

وتاليًا؛ لو فكّر الأخ المسلم في هذا التحدّي قليلًا لتساءل: هل من المعقول أن يتحدّى الخالق مخلوقاته؟ فالتحدّي القرآني تحدٍّ بشري واضح، منسوب إلى الله زورًا وبهتانا. ولو تأمّل اللبيب فيه لـاٌستنتج التالي: كيف يجتمع الإنس مع الجنّ؟ فهذا الافتراض، أي اجتماع الإنس مع الشياطين، خالف المنطق العقلاني السليم، شأنه شأن القول المنسوب إلى مؤلف القرآن: (لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري... إلخ) فمَن ذاك الذي كان في إمكانه أن يمسك الشمس فيضعها في يمين المؤلف؟ معلوم أن هذا تعبير مجازي لكنّه ابتعد كثيرًا عن الواقع وعن سلامة المنطق وعن إطار الحجّة المُقْنِعة.

وقد عثرت عبر يوتيوب، بالمناسبة، على مقطعين قصيرَين، مدة كل منهما أقلّ من عشر دقائق، لأحد سادة الشيعة العراقيّين من المفكّرين التنويريّين، أكّد خلالهما (أن القرآن ليس من الله وأنّنا يجب أن ننزّه الله عن أن يكون هذا القرآن صادرًا من الله) الأوّل تحت عنوان: أحمد القبانجي مستحيل أن القرآن من الله. والثاني تحت عنوان: العلّامة أحمد القبانجي ينزع عن القرآن قداسته الوهمية. فإذ ادّعى أحد أهل السّنّة (أن السيد المذكور شيعي فلا يُؤخذ برأيه عندنا) فإنّ كثيرًا من أعلام الفكر، من خلفيّة سنّيّة، قد سبقوا السيد إلى هذا الرأي ضمنيًّا، منهم شاعر العراق معروف الرصافي وتحديدًا في كتابه "الشخصية المحمدية" وإذ ادّعى آخر (أنّ هؤلاء من المرتدّين عن الإسلام فآراؤهم مرفوضة وأنّ زيدًا ملحد وأنّ عمرو ليس حجّة علينا... إلخ) فماذا أراد هذا المدّعي، أأن يخرج شيخ سنّي معروف ليعلن رأيًا عن القرآن مثل رأي القبانجي على إحدى الفضائيّات؟ يصبح في نظر هذا المدّعي مرتدًّا أيضا أو زنديقا. لذا فليس من المنطق أن يطلب إليّ المدّعي المذكور أن آتيه بشخص ملتزم بالإسلام ليتبنّى الرأي المذكور. إنّما عليه في رأيي أن يفكّر بموضوعيّة في الأسباب التي أدّت بأحد المسلمين من المتديّنين إلى ترك الإسلام وعليه أن يرفع غطاء القداسة قليلًا عن بعض ثوابته ليدخل إلى مجالات البحث وتقصّي الحقائق والتدقيق في كلّ صغيرة وكبيرة.

ـــ ـــ

ثانيًا: موضوع السّورة

إن "اقرأ" فعل أمر أو طلب. سأفترض أن الآمِر هو أحد الملائكة- حسب مطالعتي: (وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين- الشعراء: 192 و193) وأن المأمور هو مؤلِّف الكتاب الذي أطالع الآن على الانترنت. فالملاك (الروح الأمين) عَرَّف المؤلِّف (القارئ) بأن ربّه هو الذي خلق الإنسان. فأمامي الآن في البداية ثلاثة أشخاص؛ الذي خلق والملاك والقارئ الذي يُجيد القراءة المأمور بها؛ ليس معقولًا أن يأمر ملاك الله شخصية، معيّنة من الله، بأن تقرأ شيئًا ما وهي تجهل القراءة وإلّا لقال للشخصية "قُلْ" وهي كلمة دالّة على التلقين، أمّا "اقرأ" فتعني أنّ على السّامع أن يستخدم عينيه وفكره ليقرأ شيئًا طُلِبَ إليه أن يقرأه. وفي هذه السورة شخص رابع مجهول الهويّة كريم، وُصِف الرّبّ بأنّه (الأكرم) تفضيلًا عليه، واضح لي أنّ المؤلِّف حشره للانسجام مع الفاصلتين التاليتين: القلم، يعلم. فمَن هو؟ أي على أيّ أساس قال (ربّك الأكرم) فأكرم ممّن وأمام القارئ بداية الخلق؟

ثمّ قفز الملاك الآمِر بالقراءة فجأة، بعد جملتين قصيرتين من السورة، إلى التعليم، وهو موضوع آخر بعيد عن الخلق، كأنّما شُغلُ الله خَلْقُ الإنسان وتعليمه. فماذا عن خلق سائر الخلائق؟ لا ذكر لها. فاكتفى بذِكر مادّة خلق الإنسان وهي العلق حسب ما أنزل عليه، في وقت لم يذكر مكان خلق الإنسان، أعلى اليابسة أم في مكان ما من السماء؟ ولا جنسَيه ولا علاقته مع الله، سوى تعليمه باستخدام القلم، ولا تعامله مع سائر المخلوقات ولا طبيعة معيشته ولا عوامل استمراره في الحياة. ولم يذكر للقارئ شيئًا عن ملائكة الله.
أمّا من جهة الله فقرأ القارئ له تعريفًا بأنّه خالق ومعلِّم وأكرم من شخصية مجهولة كريمة، أو شخصيّات.
 
وأمّا القفزة التالية فوق قضية الخلق والتعليم فغريبة ولافتة؛ إذ ترك القارئ (مؤلِّف القرآن) ما أوحِي إليه عن الخلق لينشغل بخلاف شخصي مع أبي الحِكَم، المسمّى في ما بعد أبا جهل، منتظرًا وحيًا جديدًا ليردّ به عليه؛ ففي تفسير الطبري عن مجاهد وقتادة وابن عبّاس- بتصرّف: [ذكر أن هذه (أرأيت الذي ينهى عبدًا إذا صلى) وما بعدها نزلت في أبي جهل بن هشام، وذلك أنه قال فيما بلغنا: (لئن رأيتُ محمَّدًا يصلّي، لأَطَأَن رقبته) وكان فيما ذُكِر قد نهى "الرسول" أن يصلّي، فقال (الله) أرأيت يا محمد أبا جهل الذي ينهاك أن تصلّي عند المقام، وهو مُعرِض عن الحقّ، مكذِّبٌ به... لئن لم ينته أبو جهل عن محمد (لنسفعن بالناصية) يقول: لنأخذن بمقدم رأسه، فلنضمنه ولنذلّنه. وقيل إن المعنى: لنسوّدن وجهه، فاكتفى بذكر الناصية من الوجه كله؛ إذ كانت الناصية في مقدّم الوجه... إلخ] انتهى.

وتعليقي: 1 ما الرابط منطقيًّا ودعويًّا بين شؤون الخلق التي يحتاج "الرسول" إلى صفحات لتفصيلها وترتيبها وتوصيلها للناس بوضوح وبين خصومة شخصية مع فلان؟ ألم يقل: (كتاب فصِّلت آياته)- فُصِّلَتْ:3 فأين التفصيل ومتى يتمّ وما من إشارة إلى إنجازه في زمان ما ومكان ما؟ إلّا أنّ الزّعم شيء بينما الفعل، أو التطبيق، شيء آخر. فظننت أخيرًا أني أقرأ شيئًا عن قضية الخلق ذات قيمة وتستحقّ الاهتمام، إذا بي أمام مُشادّة شخصية مع أحد خصوم المؤلِّف المزعوم رسولًا من عند الله!
حتّى قضية "خلق الإنسان من علق" ما أيّدها العلم ولا أشار إليها.
هذه السورة في النهاية لم تضِف إلى معلوماتي شيئًا فلا قيمة لها عندي بعد ما تقدَّم. وماذا تعني الناس خصومة مؤلِّف القرآن مع فلان، هل قرَّبَتْهم إلى معرفة الله؟ كلّا.
وفي المقابل؛ لن يجد قارئ الكتاب المقدَّس نبيًّا على تواصل مع الله، فترك الله شؤونه الخاصّة وشؤون خلقه ليتفرَّغ لحلّ خصومة نبيّه مع أحد الناس من الذين منعوه من الصلاة. وتاليًا، ما الذي دفع محمّدًا إلى الصلاة أمام شخص منعه من الصلاة؟ ثمّ هل كان أبو الحكم ملازمًا محمَّدًا في كلّ مكان وطوال اليوم تاركًا عائلته وسائر مشاغله؟ هل انشغل أبو الحكم بملاحقة محمّد كظلِّه حتّى إذا وجده يصلّي منعه؟
قال السيد المسيح: {ومتى صلّيت فلا تكُنْ كالمُرائين، فإنهم يحبّون أن يصلّوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع، لكي يظهروا للناس. الحق أقول لكم: إنهم قد استوفوا أجرهم! وأما أنت فمتى صلّيت فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك، وصلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية}+ متّى 6: 5-6  

2 رأيت في سور أخرى أن محمَّدًا، إذ كانت شوكته ضعيفة في بداية دعوته، ردّ على خصومه بالقرآن كوسيلة للدفاع عن نفسه، أي نسب الرّدّ عليهم إلى الله، كأنّ الله تفرّغ للنظر في مشاكل محمد الشخصية وفي وقت مبكّر نسبيًّا، إذ أوحِيَ إليه في ما بعد: (سنفرغ لكم أيها الثَّقَلان)- الرحمن:31 والمقصود بالثقلين: الإنس والجنّ. كذا قالت السيدة عائشة في حديث صحيح: (والله ما أرى ربّك إلّا يسارع في هواك)- أخرجه البخاري ومسلم- كأنها قالت له إذْ أقسَمَتْ بالله: "إن ربّك ليس الله" ثمّ قضى (الله) على خصوم محمد جميعًا لمّا قويت شوكته في المدينة: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)- الأنفال:17 فتعليقي تاليًا: لو ان الله هو الذي رمى لقضى على خصوم محمد في مهد الخصومة ولم ينتظر حتّى تقوى الشوكة ولم ينتظر معركة بدر- مثالًا لا حصرا- فلا يخفى أنّ أبا الحِكَم [قُتِل يوم بدر على يد معوذ ومعاذ ابنَي عفراء، وأجهز عليه عبد الله بن مسعود فقطع رأسه وحمله إلى محمد وقد قطعت أذنه، فضحك محمد قائلا: (أذن بأذن والرأس زيادة) إذ قطع أبو جهل ذات مرة أذن ابن مسعود. وقيل إن رأس أبي جهل كانت ثقيلة جدا]- بتصرّف، عن ويكيبيديا: أبو جهل.
وتعليقي أيضا: واضح أن محمّدًا اعتاد على مشاهد قطع رؤوس الناس بدليل الضحك. فرأس أبي الحكم لم تكن الأولى محمولة إليه، بل قرأت الشيء عينه في قصّة اغتيال كعب بن الأشرف اليهودي إذ رمى مغتالوه رأسه بين يدي محمد (صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب قتل كعب بن الأشرف) والجدير ذكره أنّ حسّان بن ثابت- شاعر الرسول- ردّ على هجاء كعب المزعوم بهجاء مماثل، لكنّ صدر محمّد ما شُفِيَ إلّا بقتله. وقد قيل أن رأس كعب هي الأولى التي قُطِعَت في الإسلام.

واللافت أنّ كلًّا من أبي الحكم وكعب ابن الأشرف اعتُبِر عدوّ الله! فإذ كان كعب يهوديًا فكيف عادى الله؟ وإذا كان أبو الحكم مشركًا فكيف عاهد الله على ضرب رأس محمد بحجر ثقيل وكيف أقسم بالله؟ فقد نُسِب إليه التالي، حسب سيرته المذكورة، بتصرّف: [يا معشر قريش، إن محمدًا قد أبى إلّا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وشتم آلهتنا، وإني أعاهد الله لأجلسن له غدًا بحجر ما أطيق حمله- أو كما قال- فإذا سجد في صلاته فَضَختُ (أي كسرت) به رأسه... إلخ]- والتالي أيضا: [والله إن لي فيه رأيًا ما أراكم وقعتم عليه بعد. قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتًى شابًا... وَسِيطًا فينا، ثم نعطي كل فتى منهم سيفًا صارمًا، ثم يعمدوا إليه، فيضربوه بها ضربة رجل واحد، فيقتلوه، فنستريح منه، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرّق دمه في القبائل جميعًا... إلخ] ما دلّ في النهاية على أنّ أبا الحكم كان مؤمنًا بالله وأنّ الآلهة المذكورة للشفاعة لا العبادة! لكنّ خطورة اعتبار عدوِّ محمد عدوَّ الله فادحة، لأنّ في هذا الاعتبار شِركًا بالله، إذ وضع المعتبر محمَّدًا في منزلة الله! فليس من الحكمة القول أن فلانًا عدوّ لله إذا اختصم مع شخص مؤمن بالله وإلّا لاعتُبر المسلمون الذين اختصموا فيما بينهم أعداء لله، ولا سيّما أهل الجمل. وبهذا المعنى؛ يجب تجنّب اعتبار أهل الكتاب كفّارًا إذ كذّبوا صاحب الدعوة إلى الإسلام، هم وسائر الذين اعتبرهم محمد كفّارًا ومشركين! فإذ أعطى المسلمون أنفسهم الحقّ في تكذيب مسلمة بن حبيب وغيره فليعطوا لغيرهم الحقّ في تكذيب دعوة محمد، لأنّ الكيل بمكيالين مرفوض.

ـــ ـــ

الخلق في الكتاب المقدَّس

سأختم بذكر قضية الخلق في الكتاب المقدَّس وهي أوّل الكتاب، لعلّ بعض الضمائر النائمة تُفيق من سباتها وعيون أصحابها تُبصر: {1 في البدء خلق الله السماوات والأرض 2 وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرفّ على وجه المياه 3 وقال الله: ليكن نور، فكان نور 4 ورأى الله النور أنه حسن. وفصل الله بين النور والظلمة 5 ودعا الله النور نهارا، والظلمة دعاها ليلا. وكان مساء وكان صباح يومًا واحدا... إلخ}+ التكوين\ الأصحاح الأوّل. أمّا قصّة خلق الإنسان: {26 وقال الله: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا، فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم، وعلى كل الأرض، وعلى جميع الدبابات التي تدبّ على الأرض 27 فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرًا وأنثًى خلقهم 28 وباركهم الله وقال لهم: أثمروا واكثروا واملأوا الأرض، وأخضعوها، وتسلّطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدبّ على الأرض 29 وقال الله: إني قد أعطيتكم كل بقل يبزر بزرًا على وجه كل الأرض، وكل شجر فيه ثمر شجر يبزر بزرًا لكم يكون طعاما 30 ولكل حيوان الأرض وكل طير السماء وكل دبّابة على الأرض فيها نفس حية، أعطيت كل عشب أخضر طعاما. وكان كذلك 31 ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جدّا. وكان مساء وكان صباح يومًا سادسا}+ الأصحاح نفسه.
وتعليقي: من أراد-ت معرفة الله فليس أمامه-ا طريق سوى الكتاب المقدَّس.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. الكاتب 02 أغسطس 2016 - 19:11 بتوقيت القدس
على فيسبوك لينغا: قصيدة جديدة على فيسبوك لينغا: قصيدة جديدة
ستنزل قريبًا على موقع لينغا قصيدة بقلم الكاتب، ردًّا على بعض تعليقات أحبّائنا من المسلمين على فيسبوك الموقع، مطلعها: أرى الأحجار تحترقُ – وقلب الصخر ينفلقُ
2. احمد رجب ابراهيم 08 أغسطس 2016 - 23:23 بتوقيت القدس
مسيحي يُطالع القرآن مسيحي يُطالع القرآن
ليس من العدل ان تحكموا على كل المسلمين انهم قاطعوا رؤوس وتدعون ان دينكم دين محبه هناك فرق بين كلامكم وافعالكم
2.1. الكاتب 14 أغسطس 2016 - 23:30 بتوقيت القدس
ليس من العدل أن تسيء الفهم
سلام السيد المسيح معك. أين ذكر الكاتب في المقالة أن المسلمين قاطعو رؤوس؟ لكن هذا القول لا يعفي كاتب القرآن من هذه الجريمة النكراء، فهو مشرّعها بقوله المنسوب إلى الله زورًا وبهتانا: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ...)- التوبة:111 والقتل قد تمّ بوسائل شتّى بالإضافة إلى ضرب الأعناق. وأنت تعلم أن "الجهاد" المزعوم أقصر الطرق إلى الجنة المحمدية. لكن بعض المسلمين أرحم منه بكثير ولا سيّما الذين تجاهلوا هذا التعليم الإرهابي البغيض والذين سخروا من الجنة المزعومة (جنة الدعارة) وهي أبعد ما يكون عن حضرة الله القدّوس- حاشا الله. فاقرإ الإنجيل أخي العزيز لكي تعرف الله إله المحبة والرحمة على حقيقته. أسأله أن ينير بصيرتك ويسدد خطاك.
3. محمد ابوصغير 14 أغسطس 2017 - 02:24 بتوقيت القدس
القراءن ليس من عند الله القراءن ليس من عند الله
اكبر تحدي للبشرية موجودحتى اللحظة طالما هذا القرأن ليس من عند الله يستطيع اي شخص ان يكتب او يؤلف مثله لماذا لم يتم تأليف كتاب مثلة حتى الان
3.1. الكاتب 16 أغسطس 2017 - 09:37 بتوقيت القدس
القرءان ليس من عند الله 100% وأحسنت
سلام السيد المسيح معك. 1 الصحيح: أكبر "تحدٍّ" للبشرية، فأنت لا تجيد واحدة من أبسط قواعد اللغة العربية. 2 الصحيح: كتاب "مثله" حتى الآن، لديك مشكلة في إتقان الإملاء للتفريق ما بين استخدام الهاء وبين استخدام التاء المربوطة. 3 بالإضافة إلى التالي في تعليقك الثاني؛ الصحيح: هو كتاب من "افترائه" 4 أيضا؛ الصحيح: في الفترة التي "كان" المسلمون. 5 وأيضا؛ الصحيح: "على رغم" بلاغة اللغة وفصاحتها. في ضوء هذه المشاكل، لستَ مؤهَّلا للحكم على القرآن، إنما الأديب هو المؤهَّل. في المقابل؛ المفهوم من كلامك، هنا وفي التعليق الثاني، أنك اعتبرت القرآن معجزة "محمد" إذ كان عاجزًا من صنع معجزة واحدة أمام المشركين أو أمام أهل الكتاب لكي يصدّقوه. لكن هل سألت نفسك السؤال التالي: إن كان المدّعي رسولا من الله فلماذا لم يؤيّده الله بمعجزة واحدة أمام الملأ وفي وضح النهار، في وقت كان المشركون خصوصًا مستعدّين لتصديقه؟ فلا مبرّر للعجز المذكور بعد تأييد الله أنبياءه من ذوي المعجزات. وهل سألت نفسك؛ إن كان القرآن من الله فهل من المعقول أن يتحدى الله أحد مخلوقاته بأن يأتي بعمل مثل عمله أو أن يقول قولا مثل قوله؟ فهذا التحدّي بشري، لا يمتّ إلى الله بصِلة. ولو سألت نفسك، هل تتطابق بصمة إبهامك مع بصمة إبهام غيرك؟ هكذا اختلف أسلوب الكتابة ما بين كاتب وبين آخر. ولو فكّرت فليلا فأن معجزات الله بأيدي أنبيائه كانت لخدمة الناس، فبماذا نفع القرآن الناس، ألم تبصر أيها الأعمى المغفّل الإرهاب العالمي في بقاع شتّى من الأرض لسبب أنجس كتاب على سطح الأرض وهو القرآن الخبيث اللعين الذميم والإرهاب الإسلامي على قدم وساق إلى أجل غير مسمّى؟ تاليًا؛ يعزّ على الأديب أن ينزل إلى مستوى القرآن لغويًّا وعَروضيًّا وأخلاقيّا. إليك المثال التالي الذي يقودك إلى أمثلة أخرى: أُسجُوعةُ الحَيَوان لينغا: https://www.linga.org/varities-articles/NzYwNg
4. محمد ابوصغير 14 أغسطس 2017 - 02:28 بتوقيت القدس
تحدي القراءن للعالمين تحدي القراءن للعالمين
القرآن هو الكتاب الوحيد الذي ينشر تحديه بين كلماته وهو يتحدى المشركين، الذين لم يؤمنوا برسالة النبي محمد ويزعمون بأنّ القرآن هو كتاب من افتراءه، بأن يأتوا بمثله إن كانوا صادقين.[3] لقد وقع التحدي بالقرآن الكريم بطريقة التدرج فتحدّى القرآن أولاً بالإتيان بمثله وذلك في قوله: Ra bracket.png قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا Aya-88.png La bracket.png التحدّي بالقرآن كله يعدّ من أول مراتب التحدّي، ثم تدرج القرآن بعد ذلك في مقام التحدّي إلى مراتب أقل و أيسر، فتحداهم بعشر سور من مثله وذلك في قوله: Ra bracket.png أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ Aya-13.png La bracket.png ثم تنازل لهم إلى أن تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة مثله وذلك في قوله: Ra bracket.png أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ Aya-38.png La bracket.png Ra bracket.png وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ Aya-23.png La bracket.png ثم تحداهم بأن يأتوا بحديث مثله: Ra bracket.png فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ Aya-34.png La bracket.png فسلك القرآن أسلوب التدرج في التحدث، فبعد أنْ تحدّاهم بأنْ يأتوا بمثله، تحدّاهم بعشْر سُور، ثم تحدّاهم بسورة واحدة.[4][5] ودعاهم إلي التحدّي إن كانوا مجتمعين متّحدين، ثم حفّزهم ووسّع تحدّيه قائلاً بأنهم عاجزون عن ذلك حالياً ومستقبلاً إلى يوم الدين.[6] وعلى رغم تحدي القرآن الكريم للمشركين كان منذ بداية الدعوة وفي الفترة التي كانوا المسلمون ضعفاء تجاه المشركين، لكن لم يستطع احد من العرب رغم من بلاغة اللغة وفصاحتها بأن يقوم بهذه المعارضة. وحسب اعتقاد المسلمين إنّ هذا العجز يدلّ على أصالة رسالة الإسلام وإنّ كتاب القرآن هو معجزة النبي محمد للعالمين.[7]
4.1. الكاتب 16 أغسطس 2017 - 10:12 بتوقيت القدس
لقد خسر مؤلِّف القرآن التحدّي المزعوم
سلام السيد المسيح معك مرة أخرى. لقد كان هدف "محمد" من التحدّي جسّ نبض المتحدّين أو المعترضين لكي يغتالهم. ألم تر أن خصومه الذين قبلوا تحدّي القرآن فعارضوه أو سخروا منه تعرّضوا للاغتيال والاضطهاد والتشريد عبر التاريخ، ألم تقرأ سيرة كل من النضر بن الحارث وكعب بن الأشرف وعصماء بنت مروان؟ فإن كان "محمد" على حقّ فلماذا اغتال هؤلاء وعشرات غيرهم ولو تعلّقوا بأستار الكعبة؟ أمّا بعد فقد اعترف "محمد" أن ربه لم يعلّمه الشعر (يس:69) فلم يتقن أوزان الشعر ولم يحسن استخدام قوافيه (فواصل القرآن) فتجد المكرّر منها وتجد منها الدخيل على الفقرة القرآنية وتجد خروجًا عن النسق أيضا والأمثلة كثيرة، فهل قرأت القرآن بعينَي أديب؟ قطعًا كلّا. لقد كان محمد مطالَبًا بصنع معجزة واحدة فعجز، لهذا خسر التحدّي. فلمّا تحدّى بالقرآن لم يُصغ أحد إلى "مجنون، ساحر، كذاب، خادع، خير الماكرين... إلخ" ولا سيّما بعد عمليّات اغتيال خصوم محمد، لأن العرب كانت مشغولة بتأمين أرزاقها في بيئة قاحلة. لكن يوجد سؤال في المقابل: هل استطاع ربّ القرآن أن يأتي بربع قصيدة للنابغة الذبياني أو الأعشى قيس أو الخنساء؟ كلّا. لهذا أيضا؛ خسر مؤلّف القرآن التحدّي هو وربّه وما أدراك ما ربّه! أمّا أسلوب تأليف القرآن فتجد تفاصيله في مقالة الكاتب التي تحت عنوان مسيحي يطالع القرآن: القلم- 2 من 7 لينغا: https://www.linga.org/varities-articles/ODIwNw