صناعة السلام (3) - حلقات في التدرّب على طريق صناعة السلام

يمكننا تمييز ثلاث مراحل في التدرّب والتوجه نحو صناعة السلام. توقف عن زرع الخصام والنميمة، المكيدة والاغتياب... الخصام يصير بالكبرياء وانتفاخ النفس والغضوب يهيج الخصومة في حين أن بطيء الغضب يسكن الخصام
19 ابريل 2015 - 13:43 بتوقيت القدس

صناعة السلام

ثلاث مراحل/ حلقات في التدرّب على طريق صناعة السلام:

يمكننا تمييز ثلاث حلقات/مراحل في التدرّب والتوجه نحو صناعة السلام: 

أ‌. المرحلة السلبية: لا تكن سلبيا، توقف عن زرع الخصام والنميمة، المكيدة والاغتياب...
الخصام يصير بالكبرياء  وانتفاخ النفس (أم13: 10 و 28: 25)، والغضوب يهيج الخصومة في حين أن بطيء الغضب يسكـّن الخصام (15: 18 و 29: 22)، كما أنه بمحبة المعصية والاستهزاء يصير الخصام (أم 17: 19 و 22: 10). الكذب والنميمة تطلق الخصومة وتفرق بين الأصدقاء (أم16: 28) وحيث لا نمام يهدأ الخصام (أم 26: 20). الخصام ينتج من التصرف وفقا للجسد (1 كو3: 3 ) وهذا ليس من عادة أولاد الرّب (1 كو 11: 16). لذلك اترك صناعة الخلافات والانشقاقات وابتعد عنها.

ب‌. المرحلة الوسـَطــِـيــَـة: لا تكتفي بالوسـَطــِـيــَـة: لا تنهج حياة اللامبالاة
عليك بضبط الذات من خلال التسامح والسيطرة على الغضب، وعدم مقاومة الشرّ بالشرّ، بل الصلاة لأجل من يؤذيك ومهما سبب لك من ضرر. "لا يغلبنك الشرّ بل اغلب الشرّ بالخير" (رو12: 21). 

طبعنا وطبيعتنا توجهنا بأن نرد على الغضب بالغضب، وعلى الشرّ بالشرّ، والعنف بالعنف وقد لا ندري في حينه أننا بالحقيقة نزيد حطبا على النار، وفي كل مجاراة للشرّ بالشرّ يرتفع اللهب وقد يحرق كل من حوله.

ليتنا نتعلم درسًا من قصة "الصدى" إذ يحكى أن أحد الحكماء خرج مع ابنه إلى خارج المدينة ليعرّفه على الطبيعة والتضاريس من حوله في هواء نقي بعيداً عن صخب المدينة وهمومها .. سلك الاثنان وادياً عميقاً تحيط به جبال شاهقة .. وأثناء سيرهما، تعثر الطفل في مشيته ووقع على الأرض، فصرخ على أثر ذلك بصوتٍ مرتفع تعبيراً عن ألمه ... آآآآه.  فإذا به يسمع من أقصى الوادي من يشاطره الألم بصوتٍ مماثل : آآآآه

سأل الطفل مصدر الصوت بغضب: من أنت؟ فإذا الجواب يرد عليه سؤاله بنفس نبرة الغضب: من أنت؟

فقد الطفل صوابه فصاح غاضباً: " أنت جبان"  وبنفس القوة جاء الرد: " أنت جبان " ... وبشدة قال الطفل: "أنا أكرهك". وكان الجواب بنفس الشدة: "أنا أكرهك." عندها تدخل الأب الحكيم وطلب من ولده أن يقول: "إني أحترمك ". وكان الجواب من ذات النوع وبنفس نغمة الوقار: "إني أحترمك"   عجب الإبن مِن تغيّر لهجة المجيب.. ولكن الأب أكمل المساجلة قائلاً: "كم أنت رائع!".  فلم يقلّ الرد عن تلك العبارة الراقية: "كم أنت رائع!"

علّق الحكيم على الواقعة بهذه الحكمة: "أي بني:  نحن نسمي هذه الظاهرة الطبيعية في عالم الفيزياء "الصدى"... لكنها في الواقع هي الحياة بعينها ..إن الحياة لا تعطيك إلا بقدر ما تعطيها ..   ولا تحرمك إلا بمقدار ما تحرم نفسك منها .. الحياة مرآة أعمالك وصدى أقوالك .. إذا أردت أن يوقرك أحد فوقـّر غيرك ..وإذا أردت أن يستمع إليك الناس ليفهموك فاستمع إليهم لتفهمهم أولاً.. وإن أردت أن يسالموك ويحبوك فسالمهم أنت وبادرهم المحبة..  إنه صدى الحياة.. ستجد ما قدمت وستحصد ما زرعت...

جـ. المرحلة الايجابية: كن إيجابيًا، كن صانع سلام، بادر في صنع السلام. 

فالكتاب يقول: "ما أجمل أقدام المبشرين بالسلام المبشرين بالخيرات".   (رو 15:10) ويؤكد " لا تجازوا أحدًا عن شرّ بشرّ. معتنين بأمور حسنة قدام جميع الناس.  إن كان ممكنا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس.  لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء بل أعطوا مكانا للغضب. لأنه مكتوب لي النقمة أنا أجازي يقول الرب." (رو12: 17- 19). ويحثنا لنجتهد في حفظ وحدانية الروح برباط السلام (أف4: 3). لنعكف على ما هو للسلام، نعيش بالسلام، نتبع السلام...

هل أنت باني جسور أم باني أسوار؟ 

تقول القصة باختصار:  تقدم نجار بطلب للعمل من صاحب مزرعة وأبلغه أن لديه وقتا قصيرا في هذه البلدة وسيغادرها قريبًا، عندها استغل صاحب المزرعة هذه الفرصة، وأبلغ النجار بأنه مضطر لمغادرة البلدة لمهمة ما، وفي هذا الوقت طلب منه استخدام ما لديه من خشب لبناء سور عال على طول الوادي الإصطناعي الذي حفره أخوه الكبير ليفصل بين الاثنين بسبب خلاف حصل بينهما، ليكون هذا العمل ردًا على أخيه وبالتالي لكي لا يرى وجهه... فقال له النجار: "قد فهمت قصدك على ما أعتقد." وابتدأ يعمل ويبني ويبذل كل جهد في إتمام العمل على أفضل وأكمل وجه. وعندما عاد الأخ الأصغر استغرب مما رأى وتوجّه للنجار ليحاسبه على بناء جسر يصل بين أرض الأخوين بدل سور يفصل بينهما، وعندما اقترب وجد أخاه الكبير يقف على الجهة الأخرى من الجسر يحييه ويعتذر له عما بدر منه ويطلب منه السماح... لنجتهد إذا في بناء الجسور.

في أية حلقة أنا الآن؟ وإلى أين أتوجه؟ كيف أقوي توجهي لصناعة السلام؟

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا