صناعة السلام (4) - ثلاث مدارس/توجهات

يمكننا أن نصنّف توجهات وفلسفات الناس لثلاث مدارس. المدرسة الأرضية، مدرسة الشر: تتبنى فلسفة ومنهجية حياة تعلم الشر. المدرسة الطبيعية: تتبنى منهجية وفلسفة حياة تعلّم مقاومة الشر بالشر. والمدرسة الالهية
25 ابريل 2015 - 12:21 بتوقيت القدس

صناعة السلام

يمكننا أن نصنّف توجهات وفلسفات الناس لثلاث مدارس وهي:

1. المدرسة الأرضية، مدرسة الشر: تتبنى فلسفة ومنهجية حياة تعلّم الشّر، بما في ذلك مقاومة الخير بالشرّ. تعلّم معاملة الناس كما يحلو لك. تفعل ما يحلو لك دون رادع. تزرع فيك فكرة أن العالم ملكك، وأنه بالنسبة لك العالم هو كما وصفه الفنان المبدع دريد لحّام (غوار الطوشة) "حارة كل مين ايده له". هذا الأمر قريب من وضعية الكائنات الحية التي وضعها الله في مستوى أدنى بكثير من الإنسان، وهذه المنهجية في تعليمها قريبة من طبيعة الغاب، بل قد تكون طبيعة الغاب في مستوى أفضل، إذ أن الحيوانات عامة تصارع وتقتل من أجل صراع البقاء، أما تصرفات تلاميذ هذه المدرسة فغالبًا يعجز المنطق السليم عن تفسيره أو تبريره.

هذا ما فعله إخوة يوسف بأخيهم الذي أتى لتفقد أحوالهم وهم أرادوا قتله ولكنهم أخيرا باعوه للإسمعليين (تك 37). يمكننا اقتباس الآية التالية بمعناها الحرفي كنموذج لهذه المدرسة "فقال أبرام لساراي هوذا جاريتك في يدك. افعلي بها ما يحسن في عينيك. فأذلتها ساراي. فهربت من وجهها" (تك 16: 6) وكذلك وضع الشعب بدون قائد أو نظام كما يصفه سفر القضاة "وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ. كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ." (قض17: 6)

2. المدرسة الطبيعية: تتبنى منهجية وفلسفة حياة تعلّم مقاومة الشر بالشر. تعامل الناس كما يعاملونك. السن بالسن والعين بالعين واليد باليد. ترد على الإنسان بحسب ما فعل معك. تكسر له سنه إن كسر لك سنك. تقاوم العنف بالعنف والكراهية بالكراهية.. وقد تكون قاعدتها "لا تشفق عينك. نفس بنفس. عين بعين. سن بسن. يد بيد. رجل برجل" (تث19: 21)

الكتاب مليء بأتباع هذه المدرسة، التي تدعو لمجازاة الشر بالشر، والخير بالخير. على سبيل المثال، الملك أحشويرش بعد أن تذكر فـَضلَ مردخاي عليه في كشفه مؤامرة ضد الملك  قام بمكافأته خيرا (اس 6: 3 و 11)، وفي نفس الفترة جازى شر هامان بشر (اس7: 7 -10). أنظر من حولك وتأمل في ما يحصل من أحداث فتجد حقًتا سيادة وهيمنة هذه المدرسة في عالمنا الحاضر، فهي في تنافس مستمر مع المدرسة الأرضية الدنيّة.

3. المدرسة الإلهية: تتبنى منهجية وفلسفة وأسلوب حياة تعلّم مقاومة الشر بالخير. كما تريد أن يفعل الناس بك هكذا إفعل أنت أيضا بهم.  كل منا يريد أن يحترمه ويقدره الناس وهكذا علينا أن نفعل معهم. ولعل أفضل تعبير عن هذه المدرسة هي القـاعدة الذهبية التي وضعها الرب يسوع: "فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضا بهم. لأن هذا هو الناموس والأنبياء" (مت7: 12).

هكذا فعل يوسف بإخوته الذين أرادوا قتله ولكنهم أخيرا باعوه كعبد، فبعد توبتهم عرّفـَهـُم بنفسه وأجزل لهم خيرا وفيرا وحياة "والآن لا تتأسفوا ولا تغتاظوا لأنكم بعتموني إلى هنا. لأنه لاستبقاء حياة أرسلني الله قدامكم." (تك45: 5). ومثالنا الأعظم هو ربنا المبارك الذي "الذي إذ شتم لم يكن يشتم عوضا وإذ تألم لم يكن يهدد بل كان يسلم لمن يقضي بعدل." (1 بط 2: 23) وهو الذي طلب لأجل صالبيه ومعذبيه "فقال يسوع يا أبتاه إغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. وإذ اقتسموا ثيابه اقترعوا عليها." (لو 23: 34) ومنه نحن تعلمنا "ونتعب عاملين بأيدينا. نشتم فنبارك. نضطهد فنحتمل." (1 كو 4: 12)

هنالك العديد من الأمثلة على كيفية تطبيق هذه القـاعدة في موعظة الرب على الجبل، منها:

- "سمعتم انه قيل عين بعين وسن بسن. وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر. بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضًا.   ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضًا.   ومن سخرك ميلا واحدًا فاذهب معه اثنين.   من سألك فأعطه.  ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده" (مت5: 38 – 42)

- "سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم." (مت5: 43 و 44)

إلى أي مدرسة أنا أنتمي؟ ووفق أي مذهب أعيش؟

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا