شكرا للأخ بطرس منصور على المرآة الصافية التى قدمها في مقاله "عشر ملاحظات حول المعمدانيين"، والتى تساعدنا على رؤية ما ينقصنا وما يجعلنا ملومين حتى نتجنبه ونطهر نفوسنا منه، فإن الكتاب علمنا أن البيت الكبير لا يوجد فيه آنية من ذهب وفضة فقط، بل من خشب وخزف أيضًا، وتلك للكرامة وهذه للهوان، فإن طهّر أحد نفسه من هذه يكون إناء للكرامة مقدسًا نافعا للسيد مستعدًا لكل عمل صالح (2 تى 2 :20). لذلك أرى كخادم للانجيل من خلال فهمي لكلمة الله لكي أن علينا أن نراعي ما يلي لكي نتجنب النقائص واللوم:
1- حقيقة الجسد الواحد:
ان أمجد حقيقة بخصوص كنيسة الله بانها جسد واحد فيه اعضاء كثيرة، لكن له راس واحد شخص المسيح، فعلى المؤمن المسيحي أن لا يكون منفردا بل عضو مندمج ملتزم فى جماعة مؤمنيين اي كنيسة محلية تعترف برأسها المسيح، وتحفظ وصاياه. وأيضًا على الكنيسة المحلية ان لا تكون منفردة بل تكون عضوة فعالة في عائلة كنسية، وذلك حتى يعاش بحق حقيقة الجسد الواحد، ولابد ان نميز بين الادارة الذاتية لأي كنيسة محلية حسب ظروفها الخاصة وبين الاستقلالية. فلا يوجد في كلمة الله ما يعرف بالاستقلالية بل يوجد "جسد واحد "، وهذا يتطلب من المسيحي وأيضًا الكنائس المحلية خضوعا متبادلا في خوف الرب كما علم الرسول بطرس: "كذلك أيها الاحداث اخضعوا للشيوخ وكونوا جميعا خاضعين بعضكم لبعض وتسربلوا بالتواضع لان الله يقاوم المستكبرين واما المتواضعون فيعطيهم نعمة" (1 بط 5 :5).
2- العلاقات مع كافة الكنائس وهيئات الخدمة :
لابد من الانفتاح ولابد من الحوار فليس معنى الانفتاح والحوار أن نتنازل عن ثوابت كلمة الله، بل أن نصغي ونسمع لكل من يسمى باسم المسيح، فلعل عنده نور من كلمة الله اكثر مما عندنا فنستفيد منه، او لدينا نحن نور اكثر فنفيده. ألم يوبخ الرسول بولس كنيسة كورنثوس :ام منكم خرجت كلمة الله. ام اليكم وحدكم انتهت ؟ 1كو 14 : 36
" لستم متضيقين فينا بل متضيقين فى احشائكم فجزاء لذلك اقول كما لاولادي كونوا انتم أيضًا متسعين" (2 كو 6 :12).
3- الكارزماتية :
ويقصد بها بشكل عام الايمان باستمراية مواهب الروح القدس فى كنيسة اليوم، والحقيقة الثابتة أن كل المسيحيين المؤمنين الفاهمين بدون استثناء يرفضون اي تطرف في اي فكر او سلوك او عقيدة او حتى تسلية ضد الكتاب المقدس، كلمة الله المعصومة. وهم يتخذون من الكتاب المقدس، كلمة الله، الأساس لفحص كافة السلوكيات.
لكن واضح جدًا ان كلمة الله لم تقل ولم تصرح ولم تلمح أن مواهب الروح القدس انتهت بالعصر الرسولي، بل عكس ذلك تماما، هي امتياز الايام الاخيرة (اعمال 2 :17 -21).
ان الذين يقولون ويُعلمون مثل هذا، يقصرون خدمة الملكوت على قواهم العقلية الطبيعية، ويحرمون الكنيسة من بركات يريد الله أن يهبها لجسد المسيح، وهم يجتهدون جدا ويثابرون في تثبيت تفسيرهم الخاص، تارة بتفسير آيات ينزعونها من سياقها، مثل، "متى جاء الكامل" (1 كو 13)، فيفسرون أن الكامل هو الكتاب المقدس، مع أن السياق واضحٌ جدا ان الكامل هو المعرفة الكامله التي ستكون لنا عند مجيء الرب. وتارة أخرى يستشهدون ويشيرون بالحالات الشاذة والمتطرفة لشخصيات مشهورة انحرفت عن كلمة الله يحسبونها على الكارزمتيك.
(من اروع ما كتب فى هذا الشان كتاب الانتعاش للمرحوم القس جريس دله، أرجو مراجعته).
4- الكنيسة والقيادة والانقسام :
أولاً لابد أن ننتبه أن الكنيسة الرسولية الاولى لم تخلو من المشاكل، حتى أن الرسول بولس قال "لابد ان يكون بينكم بدع أيضًا ليكون المزكون ظاهرين بينكم" (1كو 11 :19). لكن أيضًا على المسيحي أن يطهر نفسه من آنية الهوان كالوصية اعلاه.
وبتواضعٍ ارى:
ان كانت الانقسامات ليست بسبب تعليم غير كتابي، بمعنى ان المنقسمين يتمسكون بتعليم كلمة الله التعليم الصحيح، انما اختلفوا على اساليب في الخدمة، فهذا اشبه بخلاف الرسول بولس مع رفيقه برنابا في اعمال 14 : 36-40، فلابد في هذه الحالات من الحكمة التي تحتضن وتقرب وجهات النظر.
فإن كنا من ناحية نقدس مبدأ الحرية في المسيح، ونجعل خدمة التبشير على أساس هذه الحرية؛ وهي حرية الضمير حرية الفكر حرية المعتقد حسب ما تمليه سلطة كلمة الله على ضمير الفرد المسيحي او الجماعة المحلية، فأصلي ان هذه الحرية تستخدم في التبشير بانجيل المسيح دون حدود او قيود او سدود، ولتزرع الكنائس بكثرة وحتى ولو صار كل بيت كنيسة، لكن أن لا تكون هذه الكنائس الكثيرة كيانات متباغضة متحاسدة متنافسة فيما بينها بل على العكس، كيانات متحابة متعاونة متحدة. لذلك من الحكمة انشاء الروابط والاتحادات والمجامع ولا تكون شكلية بل تعيش بحق وحدة الجسد الواحد. وبهذا سنكون كوحدة اللاهوت المسيحي التي ندعوها وحدة جامعة.
أما عن الشيوخ، فواضح أن الكتاب يميل بشدة لوجود مبدأ الكثرة، أي شيوخ في كل كنيسة (اعمال 14 : 23).
من المؤكد أن القيادة الانفرادية الاستعلائية ستسبب مشاكل وانقسام فهذه تسمى مشكلة القائد الواحد او المنفرد. من ناحية لا مانع مما يسمى الشيخ المتقدم بين المتساويين يتحدث باسمهم مثل (1كو 8 :18-19)، لكن لا ننسي انهم شيوخ متساوون.
مشكلتنا في الكنائس أنه هناك من رفضوا مبدأ الشيوخ في الكنيسة، اذ اعتبروا ان الذي من حقه ان يقيم الشيوخ هم فقط الرسل، وبما ان الرسل ليسوا معنا، فلا شيوخ. وقد نسوا أن الذي يقيم الشيوخ هو الروح القدس. وهذا حق واضح في كلمة الله، وانما على الكنائس ان تعترف باقامة الروح القدس لهم من خلال ترتيب واعلان واشهار حتى يقدروا ان يباشروا خدمتهم.
وأيضًا من مشاكلنا، أن بعض من كنائسنا يعتبرون الشيوخ شيء والقسوس شيء آخر، مع ان كلمة الله واضحة، ان القسيس هو نفسه الشيخ وهو نفسه الاسقف وهو غير الشماس. الأمر الذي افضى ان الكنائس التي بها قسيس وشيوخ هي كنائس تحتوي واقعيا وتطبيقيا على قسيس وشمامسة حتى ولو دعيوا شيوخا.
بمعني اخر ان على الكنيسة ان تعيش بحق مبدأ الجسد الواحد، سواء في قيادتها المحلية او علاقتها مع باقي الكنائس. جسد واحد، فيه اعضاء كثيرة وله رأس واحد المسيح. هذا سوف يجنبنا الانقسامات.
5- الافراح :
المسيحي هو مثل المسيح المشارك الاجتماعي، فيسوع حضر عرس قانا الجليل، وحول الماء الى خمر، وأمرنا الكتاب "فرحًا مع الفارحين وبكاء مع الباكين." انما هناك موقفين كل منهما اسوء من الاخر.
الموقف الاول، موقف المتزمت، الذي يرفض الأفراح واي تعبيرات بريئة وعفوية عن الفرح. مثل هؤلاء لا ينتقدون فقط الاعراس، بل أيضًا ينتقدون الكنائس التي يوجد في عبادتها مظاهر للفرح، مثل مرافقة الآلات الموسيقية للعبادة ومثل التصفيق والـترانيم الحماسية ورفع الايدي او تمايل الجسم حتى لو كان بشكل عفوي، ويعتبرون ان مثل هذا ينتمي للعهد القديم. اما العهد الجديد فهو "عبادة الروح والحق." والحقيقة ان انتقادتهم تكون قاسية ومُرّة على اجتماعات مثل هؤلاء المتعبدين، اذ ينسبون عبادتهم ليس للروح والحق، بل للانفعالات الجسدية وتاثير الموسيقى، وذهب البعض الى ابعد من ذلك، بزعمهم أن ارواح شريرة تعمل فيهم حتى ولو كانوا مؤمنيين.
بالطبع مثل هذا الموقف يعارض كلمة الله جملة وتفصيلا، سواء فى العهد القديم او الجديد، فلابد لأي فاهم لكلمة الله أن يفرق بين الفرح ومظاهره البريئة، وبين الخطية. فالفرح هو من ثمار الروح القدس وحتى الملائكة في السماء يفرحون برجوع الخاطئ إلى الرب، فكم بالحري الكنيسة! ألم يقل الرب في مَثَل الابن الضال، وهو ليس مجرد مَثل، لكنه يجسد واقع نعيشه دائما. فعندما رجع الابن الضال جاء الابن الاكبر وسمع صوت آلات طرب ورقصا (لوقا 15 : 25).
الموقف الثاني الخاطئ، هو موقف التساهل الروحي، حتى ولو كان بدافع من السذاجة الروحية، او عدم التعليم الروحي، فإنّ مناسبات الافراح تتحول الى فرصة للخطية، مثل السكر والخلاعة وعدم الحشمة والاغاني المبتذلة، وتعظم المعيشة مع الموسيقى غير المقدسة والرقص النجس لإثارة الغرائز الشهوانية، كما هو مكتوب جلس الشعب للاكل والشرب ثم قاموا للعب (1كو 10 :7).
على خدام الكنائس أن يعلموا أن المسيحي هو مقدسٌ سواء فى الكنيسة أو البيت أو علاقاته أو أفراحه أو أحزانه، أو حتى تسلياته، هو نفسه لا يتغير. لكن لنحرص أن نفهم القداسة بمعنى التزمت والفرّيسية ودينونة الاخرين الذين يقولون: قف عندك! لا تدن مني لاني اقدس منك! (اشعياء 65:5).
6- العشاء الرباني :
هو وصية من الرب وشهادة وتمثيل للشركة المقدسة حتى ان من يقدم عليه بدون استحقاق يكون مجرم فى جسد الرب ودمه، وكانت العادة المبكرة من الكنيسة الاولى، ان المؤمنين يمارسونه كل يوم احد، الذي سُمي أيضًا يوم الرب لانه اليوم الذي قام المسيح فيه. لا مانع عند الكنائس التي لا تقدر أن تجتمع ايام الاحد بسبب نظام الدول، ان تمارسه في يوم آخر. انما يكون بشكل دوري، ليس كثير التكرار حتى لا يفقد معناه، وليس ضئيل التكرار إذ يعرّض المؤمنيين للنسيان اذ قال الرب اصنعوا هذا لذكري.
كما أنه لا مانع ان يكون الخبز مختمرًا ام غير مختمر، ولا نتاج الكرمة مختمرة أم لا، الطقس هو روحي ولا يقيد بحدوده الجسدية، إنما يترك الأمر لحكمة الكنيسة المحلية.
7- السياسة :
قال الرب "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله". الذين دعاهم الله لخدمة كلمته المقدسة فليلزموا الكلمة وليعطوا آراء الكلمة حتى لسياسيين، فهم صوت الكلمة النبوية لكل من يريد ان يصنع عدلا ورحمة وقضاء منصفًا. لكننا لا نقبل ان تتحول كنائسنا الى منتديات سياسية، ولا نقبل ان شيوخنا، معلمين الكلمة المقدسة، يتحولون للعمل في السياسة. ليست هذه دعوتهم، كم من الكنائس والخدام تحولوا.
ليحمي الرب كنسيته وشعبه وخدام إنجيله على الدوام لمجد الله فى المسيح امين.