"يعمل رضى خائفيهِ ويسمع تضرعَهم، فيخلصهم" (مزمور145:19)
إنّ السّيد لا يُسر بأن يسحب البساط من تحت أرجلنا، معرقلاً بفعلٍ كهذا خططنا على هذا الصّعيد أو ذاك، إلاّ إذا رأى ببصيرة حكمته التي لا تُخطئ أبداً، أن نجاح تلك الخطط سيؤدي إلى إلحاق الأذى بنا وإحباط قصده الأفضل لحياتنا ولمن معنا. كما أنه لا يتمتّع بخطف كأس الشّراب من يدي أحد أولاده وقد بلغ الشفتين، إلاّ حين تكون الكأس مسمومة والشّراب مغشوش.
فلا جدوى الآن من الوقوف على أطلال الماضي وخرائبه، والبكاء طويلاً على أحلام تلاشت، وعلاقة انتهت، أوعزيز مضى دون رجعة. علينا أن ننسى ما هو وراء.. فالإمتداد إلى ما هو قدّام نداء من الرب لنا حيث هناك ينتظرنا ما لم يخطر ببالنا، وأروع بكثير ممّا فاتنا.
الله يصنع عجباً ومفتخَراً، وأموراً جديدة مجيدة ليفرِّح قلوب طالبيه. فهو كيف لا يملأ أفواهنا ترنّماً وضحكاً عبر وادي عاخور أحوالنا هذه حينما ينهض ليفتح لنا الأبواب الموصدة، التي طالما قرعناها، ويعطي السّائل سؤله المنشود الذي يُطيِّب قلبه؟ وهكذا يرد سبي بهجة أفراحنا، ويُسمع صوت التّرنُّم وهتاف السُّرور في ربوع المفديين. لا بل إنه يُعيد إلينا المسلوب أعظم وأكثر ممّا فقدناه من جرّاء جراد التّجارب المريرة والصِّراع الزّاحف على مروجنا الخضراء.
دعونا- أيها الإخوة والأخوات- نثق بصلاح الرب، لأنه هو بالحقيقة صالح وبارعٌ وحنّان، ومتى أمسك عنّا شيئاً، فذلك لخيرنا ليمنحنا الشّيء الأفضل أو الشخص الأنسب. فعندما نترك له الحق في أن يختار لنا ويكون هو قابض قرعتنا، حتماً ستكون النّتائج أكثر من رائعة، ومعها سنحصد فرحاً عظيماً لا يمكن وصفه أو التّعبير عنه!
ومع الثقة بصلاح الرب الذي ذقناه وعرفناه، كم هو مهم جدّاً أن نثق بتوقيته كامل الدِّقة. ولَئن بقي صامتاً مدّة طويلة دون أن يجيب طلبتك الغالية الملحّة، فكن على يقين بأنه يزكِّي إيمانك ويبلور شخصيّتك حتى تصل إلى نقطة التّسليم التّام له. وإذ ذاك يخرجك من مأزقك الحرج، ويمنحك شهوة قلبك النبيلة.
إنه لمن السّهل علينا أن نُصاب بالإحباط، وقد نثور أحياناً، عندما لا يأتينا الجواب بسرعة من لدنه، ومع ذلك علينا أن نثق ونُمسك بوعد كلامه القائل، " أنا الرّب في وقته أُسرع به"(إشع60:22).
ذاك المحب القدير يسمع تضرعك، فينقذك بقوّة ذراعه. هوهو في قدرته وحنوِّه: ينزع القيود، ويُبرئ كل جرح وداء؛ وإذ تبحث عن مقاوميك حين يبددهم فلا تجدهم، ويمنحك كل شيء بسخاء." وذلك يسير في عيني الرّب"(ملوك الثاني3:18).
علينا ألاّ نهدأ ولا ندعه يهدأ حتى يتمم الأمر، ونظفر بطلباتنا كلها. لأنّه ينبغي لنا أن نحيا حياة فائقة للطبيعة، هي أرفع مستوى من اللّحم والدّم: فنعاين المستحيل وقد تحقّف، والجبال تصير أمامنا سهولاً؛ أمّا النّفوس فتطلب الرب وتتبرّر بفداء المسيح. كما أن الّرب يفعل ما يرضينا- نحن منتظريه، ويمينه تصنع ببأس معنا.. فلماذا نموت بعد؟ إنّما نحيا الآن ونُحدِّث بأعمال عجائبه.
لو طال وقت الإنتظارْ
وفاتَ طلبتي القطارْ
في فِعْلِها يبقى اقتدارْ
في موعد الآبِ يقول:
أنا هو، أنا هو..
إنِّي أنا هو