ترانيم تبشيرية في الخليج العربي

في سنة 1889 تأسست في نيو برَنْزويك بالولايات المتحدة الأمريكية حركة تبشيرية عرفت بـ 'الإرسالية العربية' Arabian Miion، هدفها، كما أعلن في مشروعها، 'تنصير شبه الجزيرة العربية'. كان العقل المدبر، الذي تحمس للفكرة ونَظّرها، هو البروفيسور جون لانسنج، أستاذ لغة العهد القديم وتفسيره بمعهد اللاهوت التابع لكنيسة الإصلاح بنيوجرسي
02 يونيو 2010 - 12:41 بتوقيت القدس

في سنة 1889 تأسست في نيو برَنْزويك بالولايات المتحدة الأمريكية حركة تبشيرية عرفت بـ 'الإرسالية العربية' Arabian Miion، هدفها، كما أعلن في مشروعها، 'تنصير شبه الجزيرة العربية'. كان العقل المدبر، الذي تحمس للفكرة ونَظّرها، هو البروفيسور جون لانسنج، أستاذ لغة العهد القديم وتفسيره بمعهد اللاهوت التابع لكنيسة الإصلاح بنيوجرسي. تكون المؤسسون من صامويل زويمر، وجيمس كانتين، وفيليب فليبس، لكن زويمر وكانتين كانا المحركين الفعليين للإرسالية على المستويين العملي والكتابي. خلال الفترة من 1891 إلى 1973، قامت الإرسالية عبر مراكزها الأساسية في البصرة ومسقط والبحرين والكويت، بأنشطة تنصيرية واسعة في الخليج العربي تنوعت بين العمل الطبي، والرحلات، وبيع الكتب المقدسة، والتدريس، والتبشير في الأسواق والتجمعات العامة. ربما لم تنجح الإرسالية في هدفها المعلن كما خطط لها، ولكنها نجحت في خلق خطاب ديني متراكم حول المنطقة تشتمل عليه مجلة الإرسالية Neglected Arabia أو 'العربية المنسية'، وكذلك بعض الكتب التي ألفها أبرز المبشرين في الإرسالية مثل صامويل زويمر وبول هاريسون. خلال دراستي الحالية في جامعة كيمبريدج لصورة عُمان في هذا الخطاب الديني عبر منهج الاستشراق والدراسات ما بعد الاستعمارية، لفت نظري وجود قصائد وترانيم كانت تعزف في الكنائس، وتتصل اتصالا مباشرا بأنشطة الإرسالية في الخليج العربي. قمت بترجمة بعض هذه النصوص لأهميتها في تتبع الصورة المتخيلة حول عرب الجزيرة في أذهان المبشرين الأمريكان.

النص الأول هو أنشودة الإرسالية وقد ألفها البروفيسور جون لانسنج سنة 1889، وكانت بمثابة 'النشيد الوطني' الذي يعزف في أية صلاة أو قدّاس حول الجزيرة العربية.

والنص الثاني قصيدة ساخرة هجائية أشبه بالمناحة، كتبها القس هنري هاريس جيسَب، المبشر المشهور في بيروت والذي قضى ستين سنة مبشرا في العالم العربي. يستنهض القس جيسَب، بأسلوب تحريضي هجائي، 'مجلس الخارجية' في كنيسة الإصلاح في أمريكا الذي تقاعس عن دعم 'الإرسالية العربية' في بداية المشروع. نشرت القصيدة في مجلة الإرسالية سنة 1910.

والنص الثالث ترنيمة قام بتأليفها القس بيتر زويمر، الأخ الأصغر لصامويل زويمر وأحد المؤسسين لمركز الإرسالية في مسقط، مستعينا بقصيدة شهيرة للشاعر الأمريكي بَيَرْد تيلَر عنوانها 'أغنية حب بدوية' لحّنها الملحن الأنجلو- إيطالي سيرو بينسوتي. نشرت الترنيمة في مجلة الإرسالية سنة 1914.

والنص الرابع، قصيدة كتبتها فرانسيس تومْز، من أطفال الإرسالية الذين ولدوا في الجزيرة العربية. رجعت إلى أمريكا في سن المراهقة للدراسة ولم تعد، ولكنها نشرت سنة 1919 في مجلة الإرسالية هذه القصيدة المعبرة عن طفولتها في الجزيرة العربية وشوقها إليها.

أما النص الأخير فهو قصيدة للشاعرة الأمريكية إليزابيث باتون موس، نشرتها في مجلة الإرسالية سنة 1934، حين كانت مبشرة في بلاد فارس. القصيدة تؤكد الفكرة الأساسية التي ينطلق منها معظم المبشرين التابعين لـ 'الإرسالية العربية'، وهي أن إسماعيل هو أصل العرب، وأحفاده الآن في الجزيرة العربية ورثوا صفاته التي جاءت في الكتاب المقدّس: 'َ يَكُونُ إِنْسَاناً وَحْشِيّاً يُعَادِي الْجَمِيعَ وَالْجَمِيعُ يُعَادُونَهُ، وَيَعِيشُ مُسْتَوْحِشاً مُتَحَدِّياً كُلَّ إِخْوَتِهِ' ( تكوين إصحاح 16)!.

1- ترنيمة الإرسالية العربية: بروفيسور جون لانسنج

هناك أرضٌ مَنسيّة منذ زمن هناك قومٌ ما زالوا منبوذين لكنّ الربَّ اصطفاهم للحق والرحمة من أجل حُبِّه لهم.
****
أرقُّ من هفهفة النسيم في لياليهم وأوفرُ من خيامِهم الشاردة وأقوى من رمالِهم المَنيعة هو حُبُّه لهم.
****
إلى المسلمين في عُقْرِ دارِهم ومن أجلِ العَبْد النازفِ في قيدِه إلى البَدويِّ الضارعِ في الصحراء فلنَجْلِبْ حُبَّ الرَّبِّ لهم.
****
عَبْرَ وَعْدِ الرَّبِّ في كتابه المُقَدَّس عَبْرَ تضحيته طوالَ التاريخ عَبْرَ الصليبِ الذي تَوّجَ الدهورَ فلنُرِهِم حُبَّه لهم.
****
بالصلاة المُعينةِ دائما بالقوِّة المُهيمنة بالحُبِّ الذي لا يَنْضَب فلنُبلّغ حُبَّه لهم.
****
إلى أبناءِ الصحراء الغُرباء إلى قبائلِها ومَمَالِكِها إلى ملايين بلاد العرب السعيدة فلنُمجّد حُبَّه لهم.

2- لا تَصْدَعُوا بها: القس هنري هاريس جيسَب

لا تَصْدَعُوا بين الوَثنيّينَ بأنّ السفينةَ على حافّة الساحل إنها مُحمّلة بالخَلاص، والرَّبِّ، والرُّبّانِ ـ لكنّ المَدَّ انحسر وتركها عاليةً ويابسةً. مدٌّ من ذهبٍ وفضّةٍ، وهدايا غاليةٍ ورخيصةٍ،عُمْلات ذهبيّة ودولارات، سنتات وأقلّ منها، تدفّق إلى قنواتٍ أخرى، من قسوةِ الزمن.
لا تَصْدَعُوا بين الوَثنيّينَ بأنّ القطارَ خارجَ المَسَار نَفِدَ الزيتُ وانقطع التيّار 'مجلس الخارجيّة' انحرف برُكّابه وحُمولته ورسلُ الرحمة فيه عليهم الانتظار، رغم تلهفهم للمسير كان الزيتُ وافرا، والقطارُ يجري بسهولة ولكنّه ذهب قطرة قطرة حتى نَفِد.
|****
لا تَصْدَعُوا بين الوَثنيِّينَ بأن السَّيْلَ توقفَ عن التدفق كان يتوالى من الجبال الشامخةِ مطرًا وثلجًا ونَدىً وتحوّل إلى نهرٍ وطوفانٍ، إلى جدولٍ ونُهيْر. لقد أبهجَ السهولَ والجبالَ، البحيراتِ والتلالَ البعيدة ولكنّه جَفّ! والعطاشى لن يشربوا بعد الآن،
لأنّ 'مجلسَ الخارجية' مُهدَّدٌ بالديون المُكبِّلة!
****
لا تَصْدَعُوا بين الوَثنيّينَ، لا تَصْدَعُوا بين اليهود! لا تَصْدَعُوا بين المسلمين، بهذه الأخبارِ الكئيبة؛ خشيةَ أنْ يَسْخَرَ أبناءُ جالوتَ منّا، ويُفشوا عارَنا بأنّ الكنائسَ التي تَعهّدت بالحق والولاءِ للمسيح لم تَعُدْ تطيعُ أوامرَه، لم تَعُدْ تَكترثُ لصُراخِ الملايين، التي ستُتْرَكُ الآن تموتُ بأحزانها!
|****
لا تَصْدَعُوا بها بين الوَثَنيّينَ، ولكن بُوحوا بها لسَيِّدِكم. اجثوا على ركبكم، أيها المسيحيون، وقولوا كلمة الحق؛ 'اعتقدنا بأنا أسلمنا أنفسَنا جميعَها إليكَ، لكننا الآن بقلوبٍ منكسرة، نرى بأنا تخاذلنا في عطائِنا، لذا، وباستسلامٍ كاملٍ، نهَبُ أنفسَنا كلها إليك'.
حينها اصدعوا بين الوَثنيّينَ، بأنّ كنيسة المسيح حُرّة، وأن مَدّ الحُبِّ يعلو لتطفوَ السفينة مرة أخرى، وأنّ زيتَ النعمة يتدفّقُ ليجري القطار العالق، وأنّ أنهارَ الرحمة قادمة كالطوفان، لتمنحَ السعادةَ للأُمَم، وتُمجِّدَ رَبَّنا.

3- المسيح في سبيل بلاد العرب: القس بيتر زويمر

من الصحراء جاء إليكِ يا بلادَ العرب! هذه أمنيتكِ، مُخلّصُك ومليككِ.
إنه مَكْسوٌّ بالنار المقدَّسَة! تحت سماواتكِ المُزَيّنة بالنجوم يقف، ومنتصفُ الليل يَسمع صيحتَه.
إنه يُحبُّكِ! نعمْ، يُحبُّكِ بشغف! بحُبٍّ لا يمكن أن يموت! بحُبٍّ لا يمكن أن يموت! رغم أن الشمسَ تَخْصَرُ والنجومُ تَذبُلُ وصفحاتُ كتابِ القيامة تَتجلّى!
****
اسمعي كلماتِه العطِرة الرقيقة للسلام ـ الخلاصُ من الخطيئة والعار! انظري! إنّه يقفُ ويداه مبسوطتان إنه مُوجَعٌ من استنكافكِ عنه.
أنصتي! إن نسيمِ الليل يَهمِسُ، بأن مُخلِّصَكِ يَعَبرُ الآنَ يداه مُسَمَّرتان وعلى جبينه تاجٌ شوكي ينطق بحُبٍّ لا يمكن أن يموت! رغم أن الشمسَ تَخْصَرُ والنجومَ تذبل وصفحاتِ كتابِ القيامة تَتجلّى!
****
ليلا خطواتُه منقادةٌ إليكِ يدفعها الشوقُ من قلبِه ليسمعَ من شِفاهِكِ المُلطّخَةِ بالإثم الصلاةَ التي تبعثُ الطمأنينة. افتحي بابَ قلبكِ، لم يَعُدْ هذا الضيفُ مَجْحودا؛ دعيه يدخل ويُخبركِ الآن عن حُبِّه الذي لا يمكن أن يموت! رغم أن الشمسَ تَخْصَرُ والنجوم تذبُل وصفحات كتاب القيامة تَتجلّى!

4- إلى بلاد العرب: فرانسيس تومْز

بلادَ العرب، رغم أنكِ أرضي وموطني، لا أملك إلا التعبيرَ عن شوقي إليك.
مطلعُ الفَجْر، الأقمارُ والنجومُ التي رأيتُها لأول مرّة في سمائكِ. تباشيرُ ابتسامةِ الأم، والعنايةُ الأبويّة التي أحسستُها فيكِ. حُبّي لإلهي الذي هو بعضٌ من حُبّي لكِ، يا بلادَ العرب! لقد عرفتُ الجُزُرَ الصحراويّة للبحرين، حيث اللآلئُ الجميلةُ تُوجد وتُطلب وتُباع بأسعار نادرة لا تُعدّ.
حافيةَ القدمين ركضتُ على الشواطئ الرمليّة لأجمعَ الأصداف؛ ومن الرِّمالِ المتحركة شيّدتُ مُدُنًا مُحصّنة بقطِعٍ من الأخشاب البيضاء الطافية؛ ثم غمرتُها، بخوف طفولي، في ضحضاح بحر لا نهائي. خمائلُ رأيتُها في مسقط والبحرين؛ ورأيتُ النخلَ الرشيقَ في البصرة عطوفا وحانيا على السواقي الرطبة.
لقد أحببتُ الجروفَ الوَعْرة في شاطئ عُمان، العويلَ المُدوّيَ وحربَ الأمواج القاسية وهي تضربُ دون كلَلٍ تلك الصخورَ الباسلة التي لن تستسلمَ أبدا.
أحببتُ كلَّ شيء فيكِ، وحُبي لكِ يزداد. خلفَ شواطئِك الرملية اللينةِ وصخورِك العارية أرى أرضًا غنيّة ـ أرضيَ المَوعودةَ، إنها اختياريَ الأبديُّ، أتوقُ، أتوقُ
إليكِ، يا مُنْيَة قلبي ـ يا بلادَ العرب.

5- إسماعيل ـ الربّ يسمع: إليزابيث باتون موس

إسماعيل! 'الرَّبُّ يسمع!' اسمٌ أوحيَ به ليكونَ أولَ أبٍ لجنسِ العرب مُتوحِّشًا، فخورًا، مُتحدِّيًا، ابنَ أمَة، قاطنًا وحيدًا للصحراء. 'يسمعُ الربُّ!' حين ضحك إبراهيمُ، غيرَ مُصدِّقٍ وفي شك ساخر، من الكلمة الموعودة، متوسلا بأن يشاركَه إسماعيلُ، فتاه البكر، الرعايةَ الإلهية ـ فأسبغ عليهما الربُّ بركتَه ونعمتَه.
'يسمع الربُّ' كاد الفتى أن يموتَ من العطش ولكنه نجا حين انفجر ينبوعُ الماء في البَرّيّة وذاع صيتُه في كل مكان وتم الاعترافُ بذرّيتِه كغُزاةٍ فاتحين.
'يسمع الربُّ' يتوسل الابنُ أن يكون قُرْبانًا فيُفدَى الجميعُ بواحدٍ، بكبش ويُرسل الشهيدُ مُتوَّجا بالنجوم لينشر بذورَ الكلمة الطيبة، دون أملٍ في الحصاد.
'يسمع الربُّ' صلواتِنا.
ننظر استجابتَها من الواحةِ، والسوقِ، والحريمِ المُظلم لعلَّ قبيلة اسماعيلَ العاصية
نكسبُها بالحُبِّ، لتعودَ إلى الرعيّة الموعودة.

' شاعر من عُمان

هلال الحجري

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا