معمودية المسيح: دلالات لاهوتية عميقة

في معمودية المسيح، حلّ الروح القدس متجسدًا بحمامة، وأثبتت هذه العلامة للمعمدان ولكل الحضور أن المسيح يسوع هو الذي يقيم ملكوت السموات وهو رب هذا الملكوت.
13 فبراير - 08:02 بتوقيت القدس
معمودية المسيح: دلالات لاهوتية عميقة

مقدّمة

النص المقدس:" حِينَئِذٍ جَاءَ يَسُوعُ مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى الأُرْدُنِّ إِلَى يُوحَنَّا لِيَعْتَمِدَ مِنْهُ. وَلكِنْ يُوحَنَّا مَنَعَهُ قَائِلًا: «أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ!» فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «اسْمَحِ الآنَ، لأَنَّهُ هكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرّ». حِينَئِذٍ سَمَحَ لَهُ. فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللهِ نَازِلًا مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْهِ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلًا: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ».

استجاب الناس لدعوة المعمدان ببرهان معمودية الكثير من الجمهور الحاضر، ومعموديتهم "علامة ظاهرة" لموافقتهم لطلب يوحنا:" توبوا واعترفوا بخطاياكم". وظن الكثير ان يوحنا هو المسيح بسبب توق واشتياق الناس للمخلص، لو 15 :3.

متى 5 :3 يخبرنا عن معمودية الكثيرين واعترافهم بخطاياهم بينما لو 14 _10 :3 يفصّل أسئلة الجمهور للمعمدان وجواب يوحنا لهم. في كل سؤال يطلب المعمدان:" العطاء" لأنهم بذلك ينفّذون مشيئة الله.
عمّد يوحنا بالماء أي عمل" عملا خارجيا ظاهريا" بينما المسيح يعمد "بالروح القدس والنار".

معمودية الروح القدس هي تأكيد وعد الخلاص وسكنى الروح القدس وحلوله على المعمّد المؤمن بيسوع. بينما معمودية النار" العقاب" لمن يرفض يسوع، مثل "الزوان" يطرح بالنار مت 42 ،30: 13 ورؤ 15 _11 :20.

دلالة معمودية المسيح

المسيح منزّه عن الخطيئة ولا حاجة للتوبة او الاعتراف بخطية ما، معموديته تعني مصداقية يوحنا المعمدان. أي على كل فرد ان يفحص قلبه وضميره ويعترف بخطاياه لان ملكوت الله قريب هو، مت 19: 16
معمودية المسيح تثبت ان كل من رفض معمودية المعمدان يرفض المسيح.
في معمودية المسيح، حلّ الروح القدس متجسدا بحمامة، وأثبتت هذه العلامة للمعمدان ولكل الحضور، ان المسيح يسوع هو الذي يقيم ملكوت السموات وهو رب هذا الملكوت يو 34 _33 :1.
صوت الله اقرّ بقوله:" هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ" قارن مز 7 :2. وام 4 :30

النص المقدّس

الآية 13: " حِينَئِذٍ جَاءَ يَسُوعُ مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى الأُرْدُنِّ إِلَى يُوحَنَّا لِيَعْتَمِدَ مِنْهُ."
معمودية يسوع اعلان بدء خدمته. اعتمد وهو بلا خطيئة ولا حاجة للتوبة، ليُظهر خضوعه التام للشريعة ويكرّم يوحنا كنبيّ ويبيّن انه مشترك مع شعبه في كل شيء ويُظهر مجده وإعلان الثالوث.
"حينئذ " تشير للزمن الذي فيه كان يوحنا يكرز ويعمّد او وهو الأرجح الى المدّة التي مرّت بين ظهور يوحنا وموته وهي ثلاث سنين وقضى نصف هذه المدّة وهو بالسجن.
" جاء " بمعنى جاء الى ظهوره جهارًا على غير انتظار والى انه لم يعتمد خفية، لو 21 :3.
" من الجليل" أي ناصرة الجليل، حيث اقام منذ الطفولة، مر 9 :1 ومت 29 :2.
"الى الأردن الى يوحنا" ذكر المكان والشخص، والأردن لغزارة المياه لتكفي للجحافل والمواشي، وورد ذكره في التوراة. وللأردن بالعبرية المعاني اللاهوتية العميقة وحسب علم حساب الأرقام "Numerology فان ירדן = 12 ".
" ليعتمد منه" هذا هدف مجيئه. اعتمد بمعمودية التوبة وهو البار، فوضع ذاته تحت الشريعة وهو الفادي والذي " أحصى مع أثمة" وجُعل فدية لأجلنا" و " كان في صورة عبد خاطئ".
الآية 14:" وَلكِنْ يُوحَنَّا مَنَعَهُ قَائِلًا: «أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ!»
" لكن يوحنا منعه"، نقرا هذا فقط عند متى، وكان منعه له قبل اقتناعه منه. هذا يظهر جليا ان يوحنا لم يعتبر معموديته نافعة بذاتها، بل علامة لأمر روحي. وقد تحقق ان يسوع بلا خطية فلا يحتاج الى معمودية التي هي علامة التوبة عن الخطية والتطهير منها.
" انا محتاج" أي ان يوحنا دون المسيح والمسيح أفضل، واقوى، مت 11 :3، ورأى يوحنا نفسه انه خاطئ بحاجة لغفران من حمَل الله الحامل خطايا العالم، يو 36 :29 وهو الذي شهد للمسيح انه يعمّد بالروح القدس والنار، مر 11 :3.
" وانت تأتي اليَّ" اظهار التعجب لمجيء المسيح. ويظهر أيضا انه عرف من نبأ المسيح السابق ما هو كافٍ لان يقنعه انه هو المسيح وليس بهذا تناقض لقوله:" لم أكن اعرفه" يو 33 :1 لأنه الى ذلك الوقت لم ير العلامة الموعود بها من السماء التي تُعلن رسميا انه المسيح ابن الله.
الآية 15: "فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «اسْمَحِ الآنَ، لأَنَّهُ هكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرّ». حِينَئِذٍ سَمَحَ لَهُ."
" اسمح الان" بمعنى سلّم بذلك، وبيّن المسيح ليوحنا انه يجب عليه ان يسلّم بطلبه ولو كان ذلك غريبا وفوق ادراكه، واستخدام" الان" دلالة على ان السبب وقتيّ وذلك بالنظر الى مقتضى الحال وهو تواضع المسيح.
" هكذا يليق بنا" أي، يسوع ويوحنا، وذلك بناء على النسبة بينهما ونسبتهما الى الله. أي يليق بالمسيح تائبا عن كل الخطأة، ويوحنا سابقا للمسيح ليتمما ما يطلبه الله، يسوع ككاهن وملك الخ، اش 1 :61.
الآية 16: "فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللهِ نَازِلًا مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْهِ".

"صعد للوقت" أي لم يلبث في المياه ولننتبه انه هو صعد، وصعد للوقت، لأنه قبل مجيء المسيح كان المعمّدون القدماء يغطّسون بالماء وقتا طويلا ليعترفوا بخطاياهم. لكن المسيح الرب المنزّه عن كل اثم طلع للحال، انه لم يعتمد كتائب بل كمُطهّر للخطايا ومقدس للمياه..
" نازلا مثل حمامة" أي حلول الروح، مثل نزول الحمامة بالهدوء مثل رفرفتها على وجه المياه يوم تكوين العالم، تك 2 :1 . وأخذ بالروح هيئة حمامة كما اخذ السنة نار في يوم الخمسين، وقصد الروح ليبيّن الاتصال الحقيقي بينه وبين المسيح. والحمامة للمصالحة كما في فلك نوح ورحمة الله والحمامة ودودة.
" آتيا عليه" ليزيل كل شبهة ان المقصود هو المسيح. وظهور الروح متجسدا، لو 22 :3.
إذا، حلول الروح القدس على المولود من الروح، وهو علامة خارجية ظاهرة لإعلان بدء ممارسته وأُعطِيت علامة منظورة لتدلّ على انه هو الممسوح من الروح القدس.

الآية 17:": وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلًا: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ».".
"صوت من السماء"، قارن يو 28 :12 ومز 7 :2 واش 1 :42 ومر 11 :1 ولو 35 :9 واف 6 :1 وكو 13 :1 و2 بط 17 :1.
الصوت حقيقي هو وليس تخيّلا وهو شهادة الله الآب، وسُمِع مثل هذا الصوت وقت التجلّي، مت 5 :17 وقبل موت المخلّص يو 30 _ 28 :12.
" هذا هو ابني الحبيب" وعند مرقس1:11 ولوقا  22 :3" انت ابني الحبيب ،" ويؤكد : " بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ و بِكَ سُرِرْتُ " اما مرقس :" الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ". وليس بأمر جوهري اختلاف التعبير، وهذا اللقب " ابني " المنسوب الى المسيح في الوعد لداوود، 2صم 14 :7 ومز 7 :2 ومن هنا التعبير:" ابن الله".
لماذا اعتمد المسيح المنزه عن الخطيئة
بشّر يوحنا:" تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ " مت 2 :3 وجاء يسوع ليستلم شهادة يوحنا ويثبّت بشارته:" ها هو حمل الله حامل خطيئة العالم" يو 29 :1 وشهِد يوحنا:" انا اعمدكم بالماء للتوبة".
يسوع الانسان الكامل بلا خطيئة والله الكامل، اتى ليوحنا مولودا لامرأة، غل 4 :4 مرتبطا بالشريعة وصائرا جسدا بالكلمة، يو 14 :1 لذلك لم تكن حاجة ليعتمد فقيل فيه:" لم يرتكب خطيئة" 1بط 2 :3.
بمعمودية يسوع، اظهر انه:" وديع ومتواضع القلب" مت 29: 11 غل 8 :2.
ليس دوما المعمِّد أعظم من المعمَّد، حنانيا لم يكن أعظم من بولس، اع 18 _10: 9 ولما اعتمد فيلبس أعطاه بطرس الروح القدس عبر وضع الايدي، اع 17 :8.
قبول المسيح معمودية يوحنا يعود لعدّة أسباب منها:
+ وُلد كانسان ليتمّ كل برّ وكل تواضع في الشريعة.
+ ليثبّت بمعموديته معمودية يوحنا.
+ ليقدّس المياه " الأردن" ونزول الحمامة ليبيّن مجيء الروح القدس في معمودية المؤمنين.
+ كما ومات وقام الرب، كذلك نحن نموت ونقوم اذ ننتقل بالمعمودية من هذه الحياة الحاضرة ونستقرّ في الحياة الاتية. {وليس هذا بجديد فانه في اليهودية}.
+ اظهار الثالوث وإعلان البنوّة " ابني الحبيب".

 

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا