من متابعي مقالاتي في موقع "الحوار المُتمدّن" الرائع فعلاً وبدون مجاملة،وصلتني مُؤخرًا رسالة من صبيّة سعودية ،أكاديمية ومثقّفة ، وقفتُ عندها طويلا ، وخاصة عند ذاك السؤال الكبير والمُنتهي بأكثر من علامة تعجّب !!!...تقول فيه: تكتب كثيرا يا أخي زهير عن المحبّة ، وعن الله منبع هذه المحبة ، وأنا لا أراها ولا احسّها ، أين هي ؟ ، أنا لا أرى الله إلا أنانيًا ، يجلس بعيدا في السّماء ويأمرنا بالقتل من أجله ، والبغض من أجله، ..بغض البشر القريبين والبعيدين ، ومن كلّ مُعتَقد ومشرب .
دُلَّني على إلهك، أين تجده ؟.
وضحكت كثيرا ، فالسؤال بسيط والجواب أبسط وأسهل .
فالله محبة فعلا ، وأب حنّان ، يشعر مع أبنائه ويسهر على راحتهم ، ويرعاهم ، ويسمع خلجات قلوبهم ، وهمسات مشاعرهم ، فيسامح ، ويغفر ، ويعطي بِلا مِنّة ، ويُبلسم الأوجاع والجِراح والأحزان ، ويُعزّي ، ويرأف ، ويُضمّد ، ولا تعرف عينه النوم، ألا يسبغ خيراته على الأشرار والأبرار؟ ألا ينهمر مطره على كلّ البِقاع ، ألا يرسم بريشته الرائعة أحلى وأجمل اللوحات في الصحراء كما في الوديان والأدغال والوديان والهضاب ، ألا يُشرق شمسه على كلّ حيِّزٍ ، ومن خلف كلّ تلٍّ وجبل ومنحدر ؟!! اسمعيه وانصتي إليه يا أختاه يقول في كتاب الكتب : " ولكنّي أقول لكم ايّها السّامعون :أحبّوا أعداءَكم ، أحسِنوا إلى مُبغضيكم ، باركوا لاعنيكم ، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ، ....وكلّ من سألك فأعطه ، ومن أخذ الذي لك فلا تطالبه ، ...وأن أحببتم الّذين يُحبّونكم فأيّ فضل لكم ، فانّ الخطاة ايضًا يحبّون الذين يحبّونهم ....بل أحبّوا أعداءكم ، وأحسنوا واقرضوا وأنتم لا ترجون شيئًا ".
قرأتُ يا اختاهُ الكثير من فلسفات البشر ، قرأت بوذا وكونفوشيوس ، وقرأت انبياء الشرق البعيد والقريب ، فلم أرتوِ ، وجدتها قبض ريح كما يقول سليمان الحكيم ، وجدتها أرضيّة لا تشبع روحي . الى أن اكتشفت الله المُحِبّ ، بل الأصحّ أن أقول : أنّ الله كشف نفسه لي ، فوجدت في كلماته المحبة ، هذه المحبّة التي " تتأنّى وترفق ، المحبة لا تحسد ، المحبة لا تتفاخر ، ولا تنتفخ ولا تُقبّح ، ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتدّ ، ولا تظنّ السّوء ، ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحقّ وتحتمل كلّ شيء ، وتُصدّق كلّ شيء ، ونرجو كل شيء وتصبر على كل شيء ..."
لم أجد يا اختاه فقط كلمات جميلة وديباجة خضراء ، وانما وجدتها مقرونة بالعمل والسّيرة الإلهية الحَسَنَة ، فقائلها والموحي بها يسوع ، لم يقترف خطيّة قط ، بل كان نموذجًا للعطاء والبذل ، ألمْ يضع نفسه طواعيةً من أجل البشر جميعًا ، من كل لون وشعب ومُعتَقَد ؟!
الحياة جميلة يا اختاه ، مُزركشة وملأى بالفرح والغِبطة ، إن نحنُ أحببنا الغير بمقدار محبتنا لانفسنا ، وأحببنا الحياة ، فالله هذا القريب ، خلقنا لنحيا لا لنموت ، خلقنا لنفرح لا لنحزن ، خلقنا لنُرنّم ونُسبِّحَ له ونسمو حتى السماء !! فالقتل ليس من شيّمه ، والبغضاء ليست في قاموسه ، والانتقام ليس في سماه ...ابحثي اختاه وستجدين أنّ هذه الكلمات السوداء ، الفاحمة ، المُدلهمّة ، العابسة موجودة في قاموس الموت ، قاموس الكذّاب وأبي الكذّاب ...قاموس مَنْ جعل ثمن الانسان بخسًا زهيدًا لا قيمة له .
قد تسألون ماذا كان ردّ تلك التي أسرتها الأوهام وأدمت قلبها الصغير الوحشة !!..فقد قالت : " سأبحث عن إلهك ، سأحاول لعلّني أجده ..انّ ما تقوله يدعو الى التفكير ، وفيه من الألوان الزّاهية الكثير .
وكوْكبت تلك الصبيّة في صلاتي أكثر من مرّة !!
أتُراني نجحت ؟!