من الصعب إيجاد صفة، أو نعت، لوصف الذين تعرّضوا لبعض مقالات كاتب هذه السطور وقصائده، بالشتم واللعن والقدح (أي الطَّعن والذَّمّ) سوى صفة "هؤلاء" وهي باختصار شديد: صفة فئة من المجتمع غير مرغوب في سلوكيّاتها، قرأتها على صفحات الوسط الثقافي العراقي خلال الثمانينيات. وقد شمل القدح ومرادفاته حتّى حقول التعليق على مقالات مسيحية صرفة، لعلّ أقربها زمنيًّا إلى هذه المقالة هي تلك المنشورة على موقع لينغا تحت عنوان-
إشارات إنجيل يوحنّا – ج11 المسيح يُحيي لعازر بعد مُضيّ أربعة أيام على موته – ج1 من 2
متطفّل بأسماء مستعارة
حينما تأملت قليلا في التعليقات المسيئة الواردة إلى المقالة المذكور رابطها أعلى، خطر في ذهني أنها قد تعود لشخص واحد، لذا كتبت إلى إدارة الموقع طالبًا فحصها، فجاء ردّ المحرر مشكورًا بأنها للشخص نفسه- أحد الإسلاميّين من مصر- وأحد أسمائه المستعارة: مسلم مصري. وقد أرسل تعليقه الأول في وقت مضى على نشر المقالة حوالي ستّ وعشرين ساعة، وعلامات الإعجاب بها حينذاك نزلت مثل زخّات المطر. والسؤال المنطقي: لماذا حشر الأخ المسلم أنفه فيما لا يعنيه بشيء، لا من قريب ولا من بعيد، بل استعار أحد ألقاب السيد المسيح "ابن الإنسان" لكتابة تعليقه الأول. والمعلوم عند ذوي الألباب وذواتها أن الاعتراض السليم يقتضي مقابلة الحجّة بحجّة مثلها معارِضة، وإلّا فأنّ الأجدر بالخالي من أيّة حجّة منطقية أن يلوذ بالصمت، بدون إعلان إفلاسه فكريّا وأخلاقيّا.
لا شكّ لديّ في أن هذا المتطفل من ضحايا شيوخ الفتنة الطائفية والتطرف، منهم فلان وعلّان من سيّئي الذكر والصيت. فما المتوقّع في حصاد شيخ إسلامي- الزغبي- وهو ينعت متّصِلا عبر الهواء بـ"الكلب الرافضي" عِلمًا أنّ المتصل أتى الشيخ بحديث من "صحيح مسلم" بتأدب واحترام عبر إحدى الفضائيّات المصرية؟ وعِلمًا أنّ السيد المسيح له المجد قال: {كيفَ يُمكِنُكُم أنْ تقولوا كلامًا صالِحًا وأنتُم أشرار؟ لأنَّ مِنْ فَيضِ القلبِ يَنطِقُ اللِّسان}+ متّى 12: 34 ولوقا 6: 45
وما المتوقّع في حصاد شيخ أزهري رفع حذاءه بيده اليمنى لكي يضرب شيخًا أزهريًّا محترمًا- محمد عبد الله نصر- عبر الهواء أيضا؟ شاهد-ي مثالا على يوتيوب مقطع فيديو، حوالي ثلاث دقائق، تحت عنوان- الشيخ الزغبي يفقد أعصابه ويشتم بسبب سؤال
https://www.youtube.com/watch?v=32ljF_e5dIY
تاليًا؛ إليك روائع السيد المسيح عن الشجرة وثمارها:
{إيّاكم والأنبياء الكذّابين، يجيئونكم بثياب الحملان وهم في باطنهم ذئاب خاطفة.
مِن ثمارهم تعرفونهم. أيُثمِرُ الشوك عنبًا، أمِ العُلَّيقُ تينا؟
كلّ شجرة جيّدة تحمل ثمرًا جيّدا، وكل شجرة رديئة تحمل ثمرًا رديئا.
فما من شجرة جيدة تحمل ثمرًا رديئا، وما من شجرة رديئة تحمل ثمرًا جيّدا.
كل شجرة لا تحمل ثمرًا جيّدا تُقطَعُ وتُرمى في النار.
فمِن ثمارهم تعرفونهم}+ متّى 7: 15-20
فأقول: حاشا أن يمثل المتطفل المذكور أحبّاءنا من المصريّين حينما مثّل جانبًا ما من الإسلام، شأنه شأن دواعش الانترنت، فداعش عمومًا مثّلت الإسلام 100% لكنها قطعًا لم تمثّل جميع المسلمين. وسنرى بعد قليل أن المتطفل وكلا الشيخين المسيئَين من ضحايا القرآن والحديث والسُّنَّة.
ـــ ـــ
ردود الفعل في المسيحية
أمّا بعد فمِن الواضح أن المتطفل المذكور، إذ أقبل على هذا السلوك بترصّد مع سبق الإصرار، قد هبط بأخلاقه إلى الحضيض، مسيئًا إلى نفسه قبل محاولة إساءته إلى كاتب المقالة، وعليه أن يتقبّل ردّة فعل المقابل، لأن زمن العنتريات قد ولّى، لكن ردّة فعل المسيحي لا تتعدّى خمسة احتمالات؛ الأوّل هو الصلاة لأجل المسيء إليه، عملًا بوصية السيد المسيح في موعظة الجبل: {باركوا لَاعِنِيكم وصلّوا لأجل الذين يُسيئون إليكم}+ ممّا يأتي بعد قليل.
والثاني هو تسليم أمره لله، عملًا بوصية بولس الرسول: {لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء، بل دعوا هذا لغضب الله. فالكِتاب- العهد القديم- يقول: لي الانتقام، يقول الرب، وأنا الذي يجازي}+ رومية 12: 19
والثالث هو الطرد من الموقع لأنّ السيد المسيح طرد من الهيكل الباعة والصيارفة إذ جعلوا من بيت عبادة الله بيت تجارة، انظر-ي يوحنّا 2: 14-17
والرابع هو التعليم والتوبيخ: {فَأَيُّ ابْنٍ لا يُؤَدِّبُهُ أَبُوهُ؟}+ عبرانيّين 12: 7 كما أنّ الكتاب المقدَّس كلَّه {مُوحًى بِهِ مِنَ الله، ونافِعٌ لِلتّعلِيم وَالتَّوبِيخ، لِلتَّقوِيم والتَّأدِيب الَّذِي في الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنسَانُ اللهِ كامِلا، مُتأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صالِح}+ تيموثاوس الثانية 3: 1-17
والخامس هو الاستعداد لمجاوبة السائل، عملًا بوصية الإنجيل في رسالة بطرس الأولى 3: 15
هذا في وقت استغلّ المتطفل تسامح القائمين على الموقع، كما أخبرني مُحرِّره الذي ذكرت أعلى أنه اضطُرّ لحجب تعليقات بذيئة جدًّا عن القرّاء موجّهة إلى كاتب المقالة، هذا وإن تقبّل الكاتب التعليقات المسيئة إليه شخصيّا برحابة صدر، ولديه تخويل من إدارة الموقع بحذف أيّ تعليق يعتبره مُسيئًا أيًّا كان نوع الإساءة. وهذا على رغم مسيحية طابع المقالة المذكور رابطها أعلى، حتّى أنها لم تنتقد الإسلام بشيء، لكنّ مؤلِّف القرآن هو الذي حشر أنفه في عقائد هي في الحقيقة أكبر من رأسه بكثير، مخالِفًا الوارد في الإنجيل. فهل يكفّ المبشّر المسيحي عن التبشير لأن فلانًا ظهر في القرن السابع الميلادي ونطق بما خالف الإنجيل؟ قطعًا كلّا.
قال السيد المسيح عن كنيسته إنّ أبواب الجحيم لن تقوى عليها (متّى 16: 18) فما لغير المؤمن-ة بالمسيح دخل بما ورد في الإنجيل خصوصًا وفي الكتاب المقدَّس عموما. وأيضا؛ ليس القرآن حجة على الكتاب المقدَّس بشيء، لا القرآن ولا غيره من كتب الدنيا. وحينما أبديت رأيي يومًا ما في القرآن أعطيته القيمة التي يستحقّ في ضوء معرفتي، بأدلّة ساطعة وبراهين قاطعة، بدون تحمّل مسؤولية جهل المعترضين اللغة العربية بالإضافة إلى جهلهم الكتاب المقدَّس، ومنهم المتطفّل المذكور. هو ذا المفكر العراقي غيث التميمي، ذو الخلفية الشيعية، يوبّخ الجهلة الذين تعرّضوا لمحاضرته عن تحريف القرآن بأدلّة وبراهين من كتب السنة والشيعة، متحدّيًا كلّ مَن ظنّ أنه يستطيع أن يأتي بحُجّة مخالفة، أيًّا كانت طائفته، وحاثًّا المسلمين على البحث وتحكيم العقل. لطفًا شاهد-ي الفيديو التالي على يوتيوب تحت عنوان- تحريف القرآن مع غيث التميمي
https://www.youtube.com/watch?v=T6bJ3QEUN20
وما تزال مقالاتي منشورة وأبواب التعليقات عليها مفتوحة ويصلني منها كل "جديد" وقد ذكرت في أزيد من مناسبة أنّ الكتاب المقدَّس أصبح متوفّرًا على الانترنت مع تفسيره المسيحي، فلا عذر للجهلة المتشبّثين بمزاعم القرآن والحديث والسنة والتفاسير الإسلامية المختلفة. كذا القرآن وتفاسيره، فإن وضع الباحث أية معلومة لديه على گوگل Google يعثر على ما يريد. أمّا الذي لا يقرأ ولا يبحث، ولا يفكّر إلا في طريقة ما للاعتراض على كلّ من المفكّر والباحث والناقد فماذا في وسع أحدهم أن يقدّم له؟ فلقد وجدت تعليقات عكست جَهْلَ أصحابها أبسطَ المعلومات لغويًّا ومعرفيّا. فبدلًا من أن يشكر المتطفل كلّ مَن قدَّم له معلومة ما على طبق من ذهب، بأدلّة وبراهين، تعرّض للمُقدِّم بالقدح واللعن ناكرًا الجميل. هذا النكران ونظيره شأن أراذل الناس.
مداخلات الإسلاميّين المُشينة
ما كانت التعليقات المذكورة الأولى من نوعها ولا انفرد صاحبها بالسوء المذكور، إذ سبقتها أخرى كثيرة موجّه بعضُها إلى شخصية الكاتب ولحقتها أيضا، سواء ما نُشِر منها وما حُجِب عن القرّاء. ولم ينفرد كاتب هذه المقالة بهذا الشرف: {طُوبى لكم إذا عيّروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شرّيرة، من أجلي، كاذبين}+ متّى 5: 11 حسب ترجمة ڤان دايك. وفي الترجمة المشتركة: {هنيئًا لكُم إذا عَيَّروكُم واَضطَهَدوكُم وقالوا علَيكُمْ كَذِبًا كُلَّ كَلِمةِ سوءٍ مِنْ أجلي}+ فلقد تشرّف كثيرون قبله بهذا الشرف، ولا سيّما الذين انتقدوا الإسلام، أيّا كانت خلفيّة المنتقد منهم، حينما أعطوا المعترضين مساحة واسعة للتعبير عن آرائهم بحريّة، في هامش مقالة ما أو مقطع فيديو على يوتيوب. فمَن كانت لديه حجة منطقية حتّى ظنّ أنه على حقّ فلا شيء يمنعه من طرحها في جهة، ولا شيء يدفعه إلى شتم المفكّر أو الناقد في جهة أخرى، فمعلوم أنّ الشتم سلاح العاجز الذي لا يجد حيلة للتعبير عن مشاعره الثائرة إلّاه. لكنْ أخطأ كل متطفّل ظنّ أنّ شخصًا في وزن كاتب هذه السطور قد يتخلّى عن إحدى قيمه الأخلاقية فينزل إلى ما دون مستواها لكي يردّ عليه بالمِثل. عِلمًا أن الكاتب نشأ في وسط عراقي إسلامي عجّ بألفاظ قبيحة، وقرأ نماذج من الهجاء اللاذع ما بين الشعراء العرب ابتداء بالفترة ما قبل الإسلام.
ـــ ـــ
جذور الشتم واللعن إسلاميّا
إذا اعتبر القرّاء المتطفّل المذكور متأثّرًا بأخلاق الشيخ الزغبي الظاهرة، في مقطع الفيديو المذكور وفي غيره، فما جذور هذا السلوك المشين؟ لا شكّ في أن جذور الشتم واللعن ممتدّة إلى ما زاد عن 1400 سنة، منها التي في القرآن:-
عتلّ بعد ذلك زنيم- القلم:13
تبت يدا أبي لهب وتبّ، وامرأته حمّالة الحطب، في جيدها حبل من مسد- المسد:1 و4-5
عِلمًا أن الصحيح: بُتَّتْ يدا أبي لهب، حتّى قوله "أبا لهب" شتيمة لأنّ اسم المشتوم عبد العزى بن عبد المطلب، وهذا وما سبق وما لحق من دلائل بشريّة القرآن، حاشا أن تُنسَبَ شتيمة إلى الله أو إلى وحيه!
إنّ شانئك هو الأبتر- الكوثر:3
ولكنه أخلد إلى الأرض واتّبع هواه فمَثَلُهُ كمَثَل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مَثَل القوم الذين كذّبوا بآياتنا...- الأعراف:176
لا يحبّ اللهُ الجهر بالسوء من القول إلّا مَن ظُلِم- النساء:148
ومنها التي في الحديث: [اللهم إنّما أنا بشر فأيّما رجل من المسلمين سببتُه أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة]- رواه البخاري ومسلم وأحمد في مُسنده مع اختلاف في اللفظ. وفي الحديث: [عن السيدة عائشة قالت: دخل على "رسول الله" رجُلان فكلّماه بشيء لا أدري ما هو فأغضباه فلعنهما وسبّهما…]- رواه مسلم في صحيحه.
بالمناسبة؛ توجد أحاديث من السهل إيجادها على الانترنت دلّت على أنّ أبا بكر- مثالا لا حصرًا- تفوّه بما لا يليق: [قال الحافظ- ابن حجر العسقلاني- في "الفتح" أي فتح الباري: كانت عادة العرب الشتم بذلك لكن بلفظ الأمّ، فأراد أبو بكر المبالغة في سبّ عروة- بن مسعود- بإقامة مَن كان يعبد مقام أمّه، وحمله على ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار وفيه جواز النطق بما يُستبشَع من الألفاظ لإرادة زجر مَن بَدا منه ما يستحقّ به ذلك…] انتهى.
وتعليقي أن المفترض بمعلِّم القوم أو المُصلِح أن يعلِّم قومه الحميد من الأخلاق إذا ما وجد عيبًا فيها، لا أن يتبعها ويحتجّ بها، يا للثقافة الإسلامية من شذوذ وانحراف.
حتّى حَسّان بن ثابت الملقّب بـ"شاعر الرسول" تفوّه بما يُعدّ منطِقًا أقذع (أي فاحش، قبيح، سيّء) ولا سيّما في هجو "الكُفّار" بأمر من "الرسول" ردًّا على مكذّبي دعوته، يعفّ قلمي عن الدلالة بشيء منها، بل لم أعثر في الشعر العربي على ما يبدو أقبح منها. أمّا "الرسول" فكان محرِّضًا على الشتم بل اعتبر ألفاظ حسّان القبيحة مؤيَّدة بروح القدس، حاشا الروح القدس ما نُسِبَ إليه زورًا وبهتانا:- [قال رسول الإسلام لشاعره: "اهجُ قريشًا، فإنه أشدّ عليهم من رشق بالنبل" فأرسل إلى ابن رواحة فقال "اهجُهُمْ" فهجاهم فلم يُرْضِ "الرسول" فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت... قالت السيدة عائشة: سمعت "الرسول" يقول لحسان "إن روح القدس لا يزال يؤيّدك ما نافحت عن الله ورسوله" وقالت أيضا: سمعته يقول "هجاهم حسان، فشفى واشتفى"...] والمزيد على ويكيبيديا: حسان بن ثابت.
لهذا السبب وذاك عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بتبادل كل من اللعن والشتيمة ما بين طوائف إسلامية مختلفة، متجاهلين لآلئ السيد المسيح وجواهره؛ منها التالي بالإضافة إلى ما تقدَّم:
{لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تُدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم}+ متّى 7: 2 ومرقس 4: 24 ولوقا 6: 38
{الإنسان الصالح من الكنز الصالح في قلبه يُخرج ما هو صالح، والإنسان الشرير من الكنز الشرير في قلبه يخرج ما هو شرير، لأن من فيض القلب ينطق اللسان}+ لوقا 6: 45
وتجاهلوا أيضا قول الرسول بولس: {لا تخرُجْ كلمة رديّة من أفواهكم، بل كلّ ما كان صالحًا للبنيان، حسب الحاجة، كي يُعطي نعمة للسامعين}+ أفسُس 4: 29
وتعليقي أوّلا: مَن قال إن المخطئ يستحقّ اللعن والشتم، مَن أجاز للإنسان أن يدين أخاه الإنسان، لماذا يفقد المُساء إليه الأمل في عودة المُسيء إلى صوابه فيعتذر تائبا؟ فقد قال الرب منذ العهد القديم: {لي النقمة والجزاء. في وقت تزلّ أقدامهم. إنّ يوم هلاكهم قريب والمُهَيّآت لهم مسرِعة}+ التثنية 32: 35 والرب هو الذي له الحقّ أن يلعن؛ إذْ قال للحَيّة، وهي ترمز في التالي إلى الشيطان: {لأنّكِ فعلتِ هذا، ملعونة أنتِ من جميع البهائم...}+ التكوين 3: 14 وقال لآدم: {ملعونة الأرض بسببك}+ التكوين 3: 17 وقال لأبرام- أي إبراهيم فيما بعد: {وأبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه...}+ التكوين 12: 3
لكنْ قال الرب في مسألة عودة الخاطئ عن معاصيه وتوبته عن شرّه: {الخير يعود على صاحبه بالخير، والشّرّ يعود على صاحبه بالشر. والشرير الذي يتوب عن جميع خطاياه التي فعلها، ويعمل بجميع فرائضي ويحكم بالحَقّ والعَدل، فهو يحيا ولا يموت. جميع معاصيه التي فعلها لا تُذكَر له، وبسبب أعماله الصالحة يحيا. أبمَوت الشرير يكون سروري، يقول السيد الرب، كلّا، بل بتوبته عن شرّه فيحيا. إذا ارتد البارّ عن بِرّه وفعل الإثم وعمل كل الأرجاس التي يعملها الشرير، أفيَحيا؟ كلّا، ولا يُذكَر أيٌّ من أعماله الصالحة بل يموت بسبب خيانته وخطيئته}+ حزقيال 18: 21-24
ثانيا: لقد تعرّض السيد المسيح للجَلد واللطم والبصق… إلخ فالمسيح لم يدفع ثمن خطايانا على الصليب فقط، بل حمل عنّا في طريقه إلى الجُلجُلة أو الجلجثة (مكان الصلب) عار كلّ من الظلم والذل والاضطهاد والاحتقار واللطم والضرب والجلد والبصق في الوجوه… إلخ كما تنبّأ الكتاب: {ظُلِمَ أمّا هو فتذلّل ولم يفتح فاه. كشاةٍ تُساق إلى الذبح…}+ إشعياء 53: 7
أمّا الذي اطمأنّت إليه نفوس المؤمنين بفداء المسيح والمؤمنات هو أن المسيح إذْ حمل عار البشرية وخطاياها نيابة عنها ومات نيابة عنها أيضًا لكي يخلّصها من الموت الثاني! قد قام من الموت في اليوم الثالث لكي يحيا معه بعد الموت كلُّ مَن آمَن به واعتمد (مرقس 16: 16) خالدًا في السماء بجسد القيامة الممجَّد، وهو جسد المسيح القائم من الأموات. لهذا السبب لم يهتمّ المسيحي للموت، بل اعتبره مرحلة انتقالية. ولهذا السبب رضِيَ المسيحيون من الجنسين بالاضطهاد والقتل شهداءَ للمسيح الرب له المجد.
وأقول جازمًا؛ إذْ قال المسيح {أنا هو= أنا الله}+ للجند وخدّام كهنة اليهود الذين أتوا للقبض عليه حينما اقتربت ساعة الصلب فرَجَعُوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض (يوحنّا\18) كان في إمكانه أن يقضي على المُسيئين إليه بكلمة واحدة وبلمح البصر، كما فعل المعجزات بكلمة من لسانه الطاهر وبلمح البصر، لكنه سمح لهم بعدئذ بأن يُنفِّذوا مهمّتهم لكي يتمّ مشروع الخلاص في حينه، ليقين المسيح بأنه غلب العالم (يوحنّا 16: 33) وأنّه سيغلب الموت بالقيامة (متى 28: 6 ومرقس 6: 16 ويوحنّا 2: 22 …)+
والخلاصة هنا أنّ محبّة المسيح وتسامحه وغفرانه بلا حدود، بل غفر حتّى لصالبيه؛ فهو القائل: {إن سمع أحد كلامي ولم يؤمن فأنا لا أدينه، لأني لم آتِ لأدين العالم بل لأخلّص العالم}+ يوحنّا 12: 47 وقال لتلميذه بطرس قولته الشهيرة: {ردّ سيفك إلى مكانه. فمَن يأخُذ بالسيف، بالسيف يهلك}+ متّى 26: 52 ويوحنّا 18: 11 وقال لخادم الكهنة الذي لطمه خلال المحاكمة الدينية: {إنْ كُنتُ أخطأتُ في الكلام، فقُلْ لي أينَ الخَطَأ؟ وإنْ كُنتُ أصَبْتُ، فلِماذا تَضرِبُني؟}+ يوحنّا 18: 23
لهذه الأسباب وغيرها؛ كتب الرسول بولس: {مَن سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدّةٌ أم ضِيق أم اضطهاد أم جوع أم عُري أم خطر أم سيف؟}+ رومية 8: 35
وفي التراث المسيحي أن بولس رضِيَ بقطع عنقه بالسيف الروماني، رافضًا إنكار المسيح، كما رضِيَ سائر رسل المسيح بالاستشهاد فرحين، لمجد اسمه القُدّوس.
ثالثا: ما عاد خافيًا على الباحث-ة في التراث الإسلامي أن رسول المسلمين قد أمر بقتل خصومه الذين تحدّوه وانتقدوه ولو بطريقة الاغتيال، كما حصل ضد كعب بن الأشرف وعصماء بنت مروان، بل أمر بقتلهم ولو تعلّقوا بأستار الكعبة، كما حصل في أعقاب "فتح" مكة. ولا يخفى أيضا أنّ شيخ الإسلام- ابن تيمية- ألّف كتابًا تحت عنوان "الصارم المسلول على شاتم الرسول" فلم يأتِ هذا السَّلَفي بشيء من جعبته، لكن استوحى من القرآن والحديث والسّنّة. فإذا علم الإخوة المسلمون والأخوات المسلمات أنّ الله هو الذي يجازي وهو الذي ينتقم وهو الذي يلعن، حسب الكتاب المقدَّس، يمكن التوصل إلى نتيجة منطقية في أعقاب سلوك المدعو محمَّدًا ضد خصومه، هي التالي: إنّ محمّدًا أشرك نفسه بربّه، فعاقب "المسيئين" إلى دعوته بعقاب ربّه يوم القيامة، على افتراض أنّ ربّه سيعاقبهم، كأنّ محمّدًا رأى عقابهم في رؤيا أو خيال، فسبق ربّه إلى هذا العقاب، مبرّرًا فعلته بأن يُخزي في الدنيا المسيئين إليه وإلى ربّه: [إنما جزاء الذين يحاربون "الله ورسوله" ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفَوا من الأرض ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيم]- المائدة:33 عِلمًا أنه هو المعتدي، بإشارة من ربّه! لم نسمع أن قبيلة غزت المدعو محمّدًا وأتباعه، إنما الذي ورد في الكتب الإسلامية أنّ "محمَّدًا" هو الذي غزا وقتل وسلب ونهب وسبى واسترقّ الأحرار، حسبما حصل في أعقاب غزوة بدر وفي أعقاب حصار بني قُريظة.
ولا يخفى أيضًا [أنّ عليّ بن أبي طالب حرَّق قومًا فبلغ ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لأن "النبي" قال لا تعذّبوا بعذاب الله ولقتلتُهم كما قال "النبي" مَن بَدّل دينه فاقتلوه]- صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب لا يعذّب بعذاب الله.
وفي مناسبة ذِكر البخاري؛ أدعو إلى مشاهدة التالي على يوتيوب، حوالي سبع دقائق، تحت عنوان- قنبلة يفجرها الشيخ الأزهري محمد عبدالله نصر ويعطينا معلومات عن مؤلّف كتاب صحيح البخاري
https://www.youtube.com/watch?v=e1wzZfXqaPc
واكتفيت بهذا القدر، تاركًا التمييز ما بين الكتاب المقدَّس وبين غيره للقرّاء الكرام.
مِن تعاليم الإنجيل ضدّ اللعن والشتم
قال السيد المسيح في موعظة الجبل: {أحِبّوا أعداءكم. بارِكوا لاعِنيكم. أحسِنوا إلى مُبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم...}+ متّى 5: 44 ولوقا 6: 27-28
وكتب بولس الرسول بالوحي الإلهي إلى أهل كورنثوس: {نَتعَبُ عامِلِينَ بأَيدِينا. نُشْتَمُ فنُبَارِك. نُضطَهَدُ فنَحْتَمِل}+ كورنثوس الأولى 4: 12
ـــ ـــ
تفسير لعن التينة
لقد اقتطع أحد المعترضين آية من سياقها ليكتب في مداخلة ما "أنّ السيد المسيح لعن شجرة التين" هذا بدون قراءته الأصحاح كاملًا وبدون مراجعة أي تفسير مسيحي: {وبينما هم راجعون في الصباح، رأوا شجرة التين يابسة من أصولها. وتذكّر بطرس كلام يسوع فقال له: انظر، يا معلّم! التينة التي لعنتَها يبست. فقال لهم يسوع: آمِنوا بالله. الحقّ أقول لكم: مَن قال لهذا الجبل: قُمْ وانطرح في البحر، وهو لا يشكّ في قلبه، بل يؤمن بأن ما يقوله سيكون، تمّ له ذلك}+ مرقس 11: 20-23
ومن الواضح في البداية أنّ السيد المسيح لم يلعن إنسانًا- حاشا- فما المقصود بلَعن التينة؟ يجد الباحث-ة أنّ شجرة التين ترمز إلى إسرائيل! ففي التفسير المسيحي التالي- مثالا لا حصرا: [هناك تساؤلات في موضوع التينة؛ 1- المسيح هنا جاع وطلب أن يأكل من شجرة تين رأى أوراقها عليها خضراء ولمّا لم يجد ثمرًا لعنها فيبست! والسؤال: هل هذا الموقف يمكن تفسيره بطريقة بسيطة، هل المسيح الذي صام مِن قبلُ أربعين يومًا ورفض أن يطلب من الآب أن يُحوِّل له الحجارة خبزًا، يلعن الشجرة حينما لم يجد تينًا عليها لأنه جائع؟ 2- والأعجب أن الوقت ليس وقت إثمار التين (مرقس 11: 13) فمِن هذين السؤالين ندرك وجوب تفسير هذه القصة رمزيًا. فشجرة التين تشير إلى إسرائيل. كما أن المسيح لا يشبع من التين بل من الثمار الروحية المبارَكة التي يراها في المؤمنين…]- مقتطفات من تفسير القس أنطونيوس فكري.
وقد ورد في الإنجيل: {ولكن هذا الشعب الذي لا يفهم الناموس هو ملعون}+ يوحنّا 7: 49
واللاعن هو [القيادة- اليهودية- الدينية التي نظرت إلى الشعب غير المتعلّم باستخفاف شديد واحتقار. حسبوا الشعب ملعونًا عوض أن يلوموا أنفسهم على الإهمال في رعايتهم وتعليمهم...]- ممّا في تفسير القمّص تادرس يعقوب ملطي.
ـــ ـــ
هل لعن الرسول بولس "عيسى"؟
هناك مَن كتب على فيسبوك لينغا (أن بولس لعن عيسى عليه السلام) مستدلّا بالآية التالية: {المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا، لأنه مكتوب: ملعون كلّ مَن عُلِّق على خشبة}+ غلاطية 3: 13 وتفسير هذه الآية يأتي بعد قليل. لكن لو قرأ المعترض رسالتين من رسائل الرسول بولس أو ثلاث لأيقن أن مداخلته تدلّ على أنّه نقل عن غيره بدون فهم، مفضِّلًا النقل على العقل! هذا لأن رسائل بولس زاخرة بتمجيد السيد المسيح والاعتراف به ربًّا: {أمَّا الآنَ فاعلَموا أنَّ ما مِنْ أحدٍ إذا ألهَمَهُ رُوحُ اللهِ يَقولُ إنَّ يَسوعَ مَلعونٌ مِنَ اللهِ، ولا يَقدِرُ أحدٌ أنْ يَقولَ إنَّ يَسوعَ رَبٌّ إلاَّ بإلهامٍ مِنَ الرُّوحِ القُدُس}+ 1كورنثوس 12: 3 حسب الترجمة العربية المشتركة. وبولس هو المفتخر بصليب المسيح في قولته الشهيرة في الرسالة نفسها: {وأَمّا مِنْ جهتي، فحَاشا لي أَنْ أفتخِرَ إلّا بصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيح، الَّذي به قَدْ صُلِبَ العالَمُ لي وأنا لِلعالَم}+ غلاطية 6: 14
ولو قرأ المعترض أيّ تفسير مسيحي لأدرك أنّه أساء الظّنّ وأنّ معلوماته عن الكتاب المقدَّس ضعيفة.
إليك أحد تفاسير رسالة غلاطية 3: 13 تحت عنوان- بين الناموس والوعد:
[الافتداء هو إعادة الشراء، أو التحرير بدفع الثمن. ولعنة الناموس هي الموت، الذي هو أجرة كسر الوصايا. فقد حرَّر المسيح الذين تحت الناموس من عقوبة الموت التي يطالب بها الناموس. (يتكلم بولس بغير شك عن المؤمنين اليهود بشكل رئيسيّ عندما يستعمل الضمير ”نحن“ مع العلم أن اليهود كانوا عيِّنة تمثِّل الجنس البشري بأكمله). يقول سِندِلان جونس (*) تخـيَّل الغلاطيّون أنَّ المسيح اشتراهم جزئيًّا فقط، وأنَّه كان عليهم شراء ما تبقَّى بخضوعهم للختان وللطقوس والممارسات اليهودية الأخرى. هذا ما سبَّب استعدادهم للذهاب وراء معلِّمين كذبة ولأن يخلطوا المسيحية باليهودية. ويقول بولس هنا: حسب الترجمة الويلزيَّة «المسيح اشترانا كُلِّيًّا من لعنة الناموس» لقد افتدى المسيح البشر بموته مكانَهم محتمِلًا غضب الله المخيف على الخطايا. وقد وقعت لعنة الله عليه بصفته بديلَ الإنسان، ما عدا الخطيئة، إذْ لم يصِر المسيح خاطئًا في ذاته، بل أنَّ خطايا الإنسان وُضِعتْ عليه! ولم يفتدِ المسيحُ الناسَ من لعنة الناموس (أي الشريعة) بحفظه للوصايا العشر تمامًا خلال حياته، فالكتاب لا يعلِّمنا بأنَّ طاعته الكاملة للناموس محسوبة لنا، بل بالحري إنَّه خلَّص الناس من الناموس إذ حمل بموته لعنة الناموس المخيفة.
ولقد عَلَّم الناموس أن تعليق المجرمين المذنبين على خشبة (حرفيًّا: شجرة) كان علامة على كونهم تحت لعنة الله (تثنية 21: 23) ويرينا الروح القدس في ذلك المقطع نبوّة عن الطريقة التي كان المخلِّص- السيد المسيح- مزمِعًا أن يموت بها حاملًا لعنة خلائقه؛ فلقد عُلِّق بين الأرض والسماء كمَنْ لا يستحقّ أيًّا منهما؛ وقيل عنه إنَّه «عُلِّق على خشبة» إذ مات مصلوبًا، انظر-ي أعمال الرسل 5: 30 وبطرس الأولى 2: 24]- بقلم وليم ماكدونالد.
عِلمًا أنّ خشبة صلب المسيح مكوّنة من عارضتين- عموديّة وأفقيّة- والدليل في الإنجيل؛ في رؤية التلاميذ آثار المسامير في يدَيه، انظر-ي قول المسيح لتلميذه توما في يوحنّا 20: 27 ممّا في العهد الجديد ونبوءة داود النبي ممّا في العهد القديم: {ثقبوا يديّ ورجليّ}+ المزمور 22: 16
والمجد للرَّبّ يسوع دائما.
* https://www.biblicaltraining.org/library/john-cynddylan-jones
تمّت مراجعتها في الخامس عشر من أبريل- نيسان 2018