محبة مريم لربها: محبة بلا حدود

يبحث الناس عن معاني الحب في مواقع الإنترنت وصفحات الكتب والمجلات وحتى أفلام السينما، فمعظم الناس يريدون أن يكونوا محبوبين ومحبين، ولكنهم كثيراً ما يخلطون بين المزاج والمشاعر والأحاسيس والرغبات والحب..
31 يناير 2017 - 21:23 بتوقيت القدس

يبحث الناس عن معاني الحب في مواقع الإنترنت وصفحات الكتب والمجلات وحتى أفلام السينما، فمعظم الناس يريدون أن يكونوا محبوبين ومحبين، ولكنهم كثيراً ما يخلطون بين المزاج والمشاعر والأحاسيس والرغبات والحب، ولا يميزون الواحد عن الآخر. ونحن كمؤمنين وأتباع لشخص الرب يسوع علينا أن نعرف وندرك أن المحبة ليست مجرد مشاعر أو أفكار. فالمحبة المسيحية عمل خلاَّق، وقد ظهرت هذه المحبة أول مرة عندما خلق الله العالم بدافع من المحبة، وكيف استمرت محبة الله لخليقته عبر الأجيال المتتالية، حتى تجسدت أخيراً في شخص الرب يسوع المسيح وموته الكفاري على الصليب.

لذلك فإن السّؤال المطروح دائماً أمام كل واجدٍ منّا هو: متى كانت آخر مرة قمت بها بعمل يعبّر عن محبتك لشخص مميز في حياتك، مثل إهداء هذا الشخص باقة ورد، أو بطاقة جميلة، أو شراء هدية معبرة عن عمق مشاعرك تجاه هذا الشخص، أو زيارته، أو دعوته لزيارتك؟ يؤسفني أن أقول هنا أن كثيرين منا ينطقون بألسنتهم قائلين لغيرهم : "أحبك" أو "أحبكم"، ولكن الحقيقة الرّاكدة في قلوبهم تقول: "لا تريني وجهك".

ثم إن كنت فعلاً تحب شخصاً معيناً، فهل تعمل على تجسيد هذه المحبة لهذا الشخص بشكل عملي؟ فحتى الأشخاص الذين لا يؤمنون بوجود الله، نجد بينهم من يعيش حياته على أساس مبدأ أو فلسفة أو عقيدة، ويعملون جاهدين وبدون أية أنانية في سبيل المبدأ الذي يحملونه، ويعبرون عن محبتهم للمبدأ أو لقائد أو مؤسس هذا المبدأ بطرق عملية. ومن يراقب أتباع ديانات وعقائد وفلسفات العالم سيجد كيف أنّهم مستعدين للموت من أجل آلهتهم وعقائدهم وقادتهم وأنبيائهم.

فإذا كان أهل العالم يحبون قادتهم ودياناتهم، فكم هو حريٌّ بالمؤمنين بشخص الرب يسوع المسيح يعبروا عن محبتهم لشخص الرّب والمخلص المجيد يسوع المسيح، وأن يظهروا ويجسدوا هذه المحبة بشكل عملي، لأنه بدون محبة الرب من كل القلب والنفس والفكر والقوة، لن نستطيع أن ندرك أو نستوعب أهمية إظهار المحبة للآخرين.

ولذلك فإنني أدعو كل واحدٍ منّا إلى نبش الذاكرة من أجل الإجابة على سؤال بسيط وأساسي: متى كانت آخر مرة قمت فيها بعمل أظهرت فيه محبتك لشخص الرب يسوع؟ وهل قمت بعمل المحبة هذا بدافع الواجب أو بدافع العبادة والتكريس لشخصه القدوس؟

مريم المجدلية تغسل رجلي يسوع المسيح

نقرأ من الإنجيل المقدس في مرقس 3:14-9 عن امرأة أظهرت محبتها لربّها ومخلصها، وهي واحدة من قصص المحبة الرائعة التي تبين نوع المحبة التي يستحقها الرب يسوع من كل واحد منا: "وَفِيمَا هُوَ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ، جَاءَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ. فَكَسَرَتِ الْقَارُورَةَ وَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ. 4وَكَانَ قَوْمٌ مُغْتَاظِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَالُوا: لِمَاذَا كَانَ تَلَفُ الطِّيبِ هذَا؟ 5لأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هذَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ. وَكَانُوا يُؤَنِّبُونَهَا. 6أَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ: اتْرُكُوهَا! لِمَاذَا تُزْعِجُونَهَا؟ قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَنًا!. 7لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَمَتَى أَرَدْتُمْ تَقْدِرُونَ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِمْ خَيْرًا. وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ. 8عَمِلَتْ مَا عِنْدَهَا. قَدْ سَبَقَتْ وَدَهَنَتْ بِالطِّيبِ جَسَدِي لِلتَّكْفِينِ. 9اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضًا بِمَا فَعَلَتْهُ هذِهِ، تَذْكَارًا لَهَا".

في القصة التي قرأناها في مرقس 3:14-9 نجد صورة عملية ورائعة للمحبة والتفاني التي أظهرتها امرأة مؤمنة وتلميذة مكرّسة لشخص الرّب يسوع. وإذا تمعنّا في قراءة الإنجيل المقدّس نستنتج أنّ هذه المرأة كانت مريم أخت لعازر، وذلك بحسب ما جاء في الإنجيل بحسب البشير يوحنا 2:11 "وَكَانَتْ مَرْيَمُ الَّتِي كَانَ لِعَازَرُ أَخُوهَا مَرِيضاً هِيَ الَّتِي دَهَنَتِ الرَّبَّ بِطِيبٍ وَمَسَحَتْ رِجْلَيْهِ بِشَعْرِهَا". تبيّن لنا مريم في هذا العمل كيف يجب أن تكون المحبة المسيحية الصّادقة والحقيقيّة:

أولاً: شجاعة المحبة:

عادة لا يفكر الناس أن المحبة تتطلب الشجاعة من الشخص الذي يحب أو الشخص المحبوب، ولكن إذا تأملنا بما قامت به مريم، فإننا سنجد أن المحبة الحقيقية تتطلب شجاعة راسخة، وذلك للأسباب التّالية:

أ. وقفت بين الرجال: لم يكن مسموحاً للنساء والأطفال أن يجلسوا لتناول الطعام في نفس الغرفة التي يجلس بها الرجال، وهذه الظاهرة الاجتماعية ما تزال منتشرة في مجتمعات كثيرة في العالم وذلك حتى بعد ألفي سنة على مجيء الرب يسوع. وهكذا فدخول مريم إلى مجلس للرجال، فإن ذلك تطلَّب منها شجاعة كبيرة. فقد خاطرت بتعرضها للإحراج والاستهزاء وحتى لكلمات التأنيب، وكل ذلك من أجل أن تظهر محبتها لشخص الرب يسوع.

لقد خاطرت مريم بخروجها عن النمط الاجتماعي المألوف بسبب إيمانها ومحبتها للرب، وهذه هي المحبة الحقيقية. فالمحبة تعني أن نتخلى عن اهتمامنا بذواتنا وبرامجنا ومشاعرنا من أجل أن نخدم الرب. وهذا ما تحتاج إليه الكنيسة اليوم: محبة تعطي في وجه السُّخرية والاستهزاء والملاحقة، محبة شجاعة ومعبرة لشخص الرب يسوع.

أليست هذه هي المحبة التي نرغب بها؟ فكلنا نريد أن نرى في أنفسنا أشخاصاً ممتلئين محبة وشجاعة ومستعدين لاتخاذ خطوات جريئة تظهر محبتنا لشخص ربنا القدوس. المحبة الحقيقية هي محبة شجاعة، محبة بلا خوف. لذلك دعونا بقوة الروح القدس الساكن فينا أن نمتلئ بمحبة تمتاز بالشجاعة وبالإقدام لعمل كل ما في قدرتنا لشخص ربنا المجيد.

ب. اغتنمت الفرصة: وجدت مريم طريقاً للتعبير عن محبتها للرب، حيث نقرأ في القصة أن الرب يسوع كان في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص، "وهو متكئ" جاءت مريم أخت لعازر وقامت بعملٍ معبرٍ عن عِظَم تفانيها ومحبتها لشخص الرب يسوع. فلا بد وأنها علمت مما سمعته من أقوال الرب يسوع بأن مثل هذه الجلسة لن تتكرر، وأن أيام الرب يسوع على الأرض قد أوشكت على الانتهاء، فاغتنمت فرصة وجوده في بلدها لتعبر بشكل عملي عن شكرها ومحبتها لشخصه القدوس.

وهذه الحال تنطبق علينا اليوم، فهل نغتنم الوقت لنخدم السيِّد أم نقول في أنفسنا: ليس اليوم ولكن في الغد، فاليوم أنا مشغول جداً. والواقع أن الغد لا يأتي أبداً، أو يأتي ويذهب دون أن نعمل شيء يعبر ولو عن انتمائنا لشخص الرب يسوع.

المحبة الحقيقية هي المحبة المسيحية. وهذه المحبة تغتنم الفرصة المتاحة لنا الآن، اليوم، لأننا لا نعرف إن كنا سنعيش حتى يوم الغد.فنحن نحتاج إلى أن لا نضيع الفرص، وأن نخدم الرب يسوع وباسم الرب يسوع، لأن الفرص قد لا تتكرر أبداً. لقد فهمت المرأة شيئاً لم يدركه حتى تلاميذ الرب يسوع، وهو أن الرب يسوع كان في طريقه إلى موت الصليب، وأنها لن تحصل على فرصة ثانية لتظهر عبادتها ومحبتها لشخصه القدوس، ولذلك لم تؤجِّل بل نفذت في الحال.

ج. أظهرت محبتها للرب دون اهتمام لانتقادات الآخرين: نقرأ في الآيات رقم 4-5 "وَكَانَ قَوْمٌ مُغْتَاظِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ... وَكَانُوا يُؤَنِّبُونَهَا". بعد أن سكبت مريم الطيب على رأس الرب يسوع، اغتاظ كثيرون من الحاضرين وبدءوا ينتقدون عملها، ويسمعونها كلمات قاسية، ويتأسفون على الخسارة الكبيرة التي حصلت. بل أنهم ادَّعوا حرصهم على الفقراء بدلاً من إهدار هذا العطر الثمين على رأس الرب يسوع.

عندما يتجرأ شخص ما على القيام بعمل غير مألوف أو مختلف، فإنه يخاطر بوضع نفسه أمام هجوم وانتقادات الآخرين. وهذا ما حصل مع مريم بالضبط. لذلك فإن الكثيرين من المؤمنين يخافون أن يعيشوا لشخص الرب، ويخافون من إظهار محبتهم أو حتى انتمائهم لشخص الرب يسوع حتى لا يكونوا عرضة لانتقادات وسخرية وتأنيب ولوم الناس لهم. أما مريم فتحلّت بالمحبة الشجاعة وبالإقدام دون اعتبار لانتقادات الآخرين.

في الواقع أن الناس انتقدوها ليس لأنّها عملت شيئاً ردياً، بل لأنهم هم الأردياء والأنانيون. فالذي لا يعطي للرب يغار من الذي يعطي ويحسده، ولذلك يعمل على تغطية فشله وعيوبه بانتقاد الآخرين.

ثانياً: ثمن المحبة:

نقرأ في رسالة رسالة كورنثوس الأولى 13 نشيد المحبة الرائع وما به من صفات رائعة وعديدة للمحبّة، وخصوصاً في الآيات 4-8أ: "الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. لْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. َلْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ وَلاَ تَنْتَفِخُ وَلاَ تُقَبِّحُ وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا وَلاَ تَحْتَدُّ وَلاَ تَظُنُّ لسُّؤَ وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ. وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَداً". وفي قصة مريم في مرقس 3:14-9 نجد صفات أخرى للمحبة الحقيقيّة وهي:

1. المحبة باهظة الثمن، المحبّة مفرطة ومسرفة بلا حدود. لاحظ في الآية الرابعة والخامسة ما قاله الحضور للمرأة: "لماذا كان تلف الطيب هذا؟ لأنَّه كان يمكن أن يباع هذا بأكثر من ثلاثمئة دينار"، أي أجرة عمل سنة كاملة في أيام الرب يسوع. أي أن ما ضحت به المرأة من أجل الرب كان شيئاً ثميناً جداً جداً، وهو في نظر الآخرين إتلافاً وهدراً لمقدار هائل من المال.

المحبة الحقيقية باهظة الثمن، فلا يوجد سعر أو ثمن للمحبة المسيحية، أي لا توجد أية ثروة مالية، ومهما عظمت، تعادل محبة المؤمن لشخص الرب يسوع. المحبة الحقيقية مكلفة جداً، ومعظم الناس يريدون المحبة، ويريدون أن يحبوا، ولكنهم غير مستعدين لدفع الثمن. معظم الناس يحبون الأخذ، ولكن أين هم أولئك الذين يحبون العطاء؟ العطاء الكبير والثمين. لم يرَ القوم الذين انتقدوا المرأة إلا الأموال المبذولة، أي أنهم لم يروا الخدمة العظيمة التي قدمتها المرأة لشخص الرب، والأهم أنهم لم يروا دوافع المرأة، وهي محبتها لربها يسوع.

إذا أرادت الكنيسة أن تشهد للرب، فعليها أن تحسب النفقة، وعليها أن تكون مستعدة للعطاء بلا حدود لشخص ربها وفاديها ومخلصها. لقد فهمت مريم أن خدمة الرب ومحبة الرب لا تقدَّر بثمن، لأن الرب أهم من كل أموال وغنى وثروات العالم. لقد أحبت مريم ربّها يسوع كثيراً، ولذلك قدمت لشخصه القدّوس ما يليق بشخصه من العطاء الكثير.

نعيش في زمن صعب ورديء، زمن يهتم فيه الناس بالأمور المادية والميزانيات والأموال أكثر من اهتمامهم بربهم وخالقهم وسيد حياتهم. لذلك فإن الكنيسة المسيحية مدعوة إلى الاختلاف عن العالم. لقد وعدنا الرب بأنه لن يتركنا أبداً، وهو الذي طلب من المؤمنين أن لا يهتموا بأمور هذا العالم لأن ما يحتاجونه سيعطى لهم بوفرة كبيرة. يريد الله منا أن نحبه بلا حدود، أن نحبه محبة غالية الثمن، أن نحبه دائماً وبلا قلق أو خوف أو هم أو غم. 

2. المحبة أيضاً مضحيَّة: قال الرب يسوع واصفاً ما عملته مريم بأنها "عَمِلَتْ مَا عِنْدَهَا" (الآية 8). فالذي تملكه عملته، وما عندها كان قارورة الطيب النادر الباهظ الثمن، فقدمته بروح المحبة المضحيَّة لشخص الرب يسوع. ويوافق عمل مريم ما نقرأه في سفر نشيد الأنشاد 7:8 "مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْفِئَ الْمَحَبَّةَ وَالسُّيُولُ لاَ تَغْمُرُهَا. إِنْ أَعْطَى الإِنْسَانُ كُلَّ ثَرْوَةِ بَيْتِهِ بَدَلَ الْمَحَبَّةِ تُحْتَقَرُ احْتِقَاراً". والسؤال الذي يتحدى كل واحد منا: هل نعمل بكل ما عندنا لشخص ربنا ومخلصنا يسوع؟ أو ما الذي عملته لشخص الرب دون سواه؟ كيف عبرت عن محبتي للرب؟ هل قدمت للرب أغلى ما عندي؟ ما الذي ضحيت به لشخص الرب الذي مات من أجلي؟ المحبة المضحية هي المحبة التي تعطي دون انتظار الأخذ في المقابل.

3. المحبة خطيرة: تذمر الحضور مما فعلته المرأة بهذا الإسراف، وبرروا أنفسهم بإظهار حرص مزيف على الفقراء.  وهكذا فإن ما فعلته المرأة وضعها في موقف حرج ومزعج أمام الحضور، لأنهم اعتبروا عملها طيشاً وإسرافاً. وهكذا فإن إظهار المحبة لشخص الرب يسوع هو عمل خطير، لأنه يثير المشاعر والانتقادات وسَخَطَ الآخرين. وعادة ما يصف الناس المؤمن المكرس والمحب للرب بأنه غبي ومجنون وغير طبيعي وغيرها من الصفات السلبية.

4. المحبة لا تنتظر المجازاة: المحبة تعطى بلا مقابل، ولا تتوقف على مكاسب أو شفاء من المرض أو بركات مالية. فإذا عدنا إلى القصة، فإننا نعرف أن القصّة قد حدثت في بيت شخصٍ يقال له "سمعان الأبرص"، وحضور النّاس إلى بيته واختلاطهم به يعني ببساطة أنه كان قد شفي من برصه، لأنه لو كان ما يزال أبرصاً لكان مشرداً في الكهوف والمغاور في جبال فلسطين. أي أن دعوة سمعان لشخص الرب يسوع أن يأتي إلى بيته لتناول الطعام لم ينبع من محبة مضحية، بل جاء للتعبير عن شكره مقابل ما حصل عليه من شفاء. وهذا جيد، ولكنه شيء مقابل شيء، عمل مقابل عمل. كذلك نعرف من الحضور جموع التلاميذ الذين حصلوا على الخلاص وعلى امتياز دعوتهم رسلاً وخداماً للمسيح.

ولكن ماذا بخصوص مريم؟ ما الذي حصلت عليه شخصياً مقابل العطر الباهظ الثمن؟ أي ما الذي دفعها لتقدم العطر لشخص الرب يسوع؟ الجواب هو محبتها المضحية لشخصه بلا حدود. فلقد تجرأت مريم ودخلت إلى محضر الرب بدافع من محبة لا تنتظر أي مقابل، وتحملت الانتقاد والإهانة من الرّجال الّذين كانوا في بيت سمعان الأبرص. لقد أحبت الرب دون أي اهتمام بالثمن الّذي كان عليها دفعه.

ما قامت به مريم كان عمل عطاء.
ما قامت به مريم كان عمل محبة. 
ما قامت به مريم كان عملاً مكلفاً.
ما قامت به مريم كان عملاً جميلاً.
ما قامت به مريم كان عملاً خالداً.

خلاصة: قال الرب يسوع في الآية رقم 9 "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهَذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ يُخْبَرْ أَيْضاً بِمَا فَعَلَتْهُ هَذِهِ تَذْكَاراً لَهَا". وهذا ما حصل ويحصل بالضبط. فها نحن اليوم نتذكر عمل المحبة الرائع والجميل الذي قامت به مريم تجاه شخص ربنا ومخلصنا يسوع المسيح. ويريد منا الرب أن نخبر بما فعلته مريم. أي أن نقول لأنفسنا وللعالم أن مريم أظهرت محبة عظيمة لشخص الرب يسوع، وأن هذه المحبة لم تكن مجرد كلمات بل كانت عملاً فيه جرأة وتضحية وشجاعة، عملاً ثميناً ومكلفاً.

السؤال الذي يجب أن نوجهه إلى أنفسنا عندما نتأمل في عظمة محبة مريم لشخص الرب هو: هل لدينا محبة عظيمة كما كان عندها؟ هل نحب الرب من كل القلب؟ هل لدينا الإستعداد لكي نقدم للرب أغلى ما عندنا؟ هل عندنا محبة شجاعة؟ هل لدينا الاستعداد أن نخاطر بأنفسنا في سبيل خلاص النفوس وإعلان مجد ربنا؟

المحبة تعني التكريس.
المحبة تعني أن نعطي عندما يكون لدينا ما نعطيه.
المحبة المسيحية لا تنتظر أي ثمن أو عطاء بالمقابل.
المحبة هي أغنى وأعظم عطية نقدمها للرب وللآخرين.
المحبة المسيحية لا تتوقف عند أي حد أو أي وقت.
المحبة سرمديَّة.
المحبة يجب أن تبقى، وأن تعطي بلا توقف حتى وسط الآلام والأمراض والضيقات.

لذلك دعونا نصلي بحرارة وجرأة طالبين من الرب أن يُعَمِّدَنا بالمحبة: المحبة الصادقة. المحبة الشجاعة. المحبة المكرسة. المحبة الثمينة والمكلفة. المحبة الدائمة. دعوننا لا ننسى أن الله يحبنا أكثر جداً مما نحبه نحن. وأن دعوة الله تقوم على المحبة. وأننا لا نستطيع أن نرد لله أو نعطي الله ما يعادل محبته لنا. ولكن علينا أن نبذل جهودنا لنعطي لربنا أكبر قدر من المحبة. أجل: لنحب الله بلا حدود، فهو الذي أحبنا أولاً وأسلم نفسه لأجلنا.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. روماني غمدور 03 فبراير 2017 - 11:36 بتوقيت القدس
جميلة جدا هذه القصة بس ياريت نطبق المحبةعلينا جميعا ربنا يبارك جميلة جدا هذه القصة بس ياريت نطبق المحبةعلينا جميعا ربنا يبارك