لم يفهموا: انتصار الصليب على تقاليد المتدينين وحكمة اليونانيين

أن إلهنا المحب والقدوس أعطانا القدرة والإرادة الكاملة والحرية المطلقة في الاختيار. وأهم حرية هي القدرة على قبول طرق الله، وبالتالي العيش بحسب إرادة الله. كذلك القدرة على رفض طرق ‏الله، وبالتالي...
14 مارس 2016 - 22:50 بتوقيت القدس

لوقا 31:18-34 "وَأَخَذَ الاِثْنَيْ عَشَرَ وَقَالَ لَهُمْ: هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَسَيَتِمُّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ بِالأَنْبِيَاءِ عَنِ ‏ابْنِ الإِنْسَانِ لأَنَّهُ يُسَلَّمُ إِلَى الأُمَمِ وَيُسْتَهْزَأُ بِهِ وَيُشْتَمُ وَيُتْفَلُ عَلَيْهِ وَيَجْلِدُونَهُ وَيَقْتُلُونَهُ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ. وَأَمَّا هُمْ ‏فَلَمْ يَفْهَمُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً وَكَانَ هَذَا الأَمْرُ مُخْفىً عَنْهُمْ وَلَمْ يَعْلَمُوا مَا قِيلَ". ‏

لا شك أن أحد أسرار النجاح في الحياة المسيحية هو القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة والحكيمة. والأمر الرائع ‏فيما يتعلق بهذا الموضوع، هو أن إلهنا المحب والقدوس أعطانا القدرة والإرادة الكاملة والحرية المطلقة في الاختيار. ‏فكل واحد منّا يستطيع أن يقرر ما يعمل وما يأكل وما يلبس وأين يذهب وكيف يصرف وقته. فالإنسان حرٌّ في ‏اختياره، وأهم حرية هي القدرة على قبول طرق الله، وبالتالي العيش بحسب إرادة الله. كذلك القدرة على رفض طرق ‏الله، وبالتالي العيش كما يريد الإنسان لا كما يريد الله.‏

عندما خلقنا الله على صورته ومثاله، كانت القدرة على الاختيار والتمييز بين الأشياء وفهم الأمور المختلفة، كذلك ‏القدرة على التفكير المنطقي والاستنتاج، من الأمور الأساسية التي وهبها الخالق للإنسان الذي خلقه.‏

لذلك على كل إنسان أن يشكر الله لأنه يستطيع أن يفكر بحرية وأن يقرر بحرية. وليكن لسان كل واحد منا قائلاً: "أنا ‏أشكره لأنه أعطاني العقل لكي أفهم وأتعلم وأعقل أمور حياتي وما حولي".‏

عندما نأخذ هذه البديهيات كأساس لحديثنا اليوم، ثم نقرأ ما جاء في لوقا 31:18-33 ونتوقف قليلاً للتأمل بما ‏قرأناه ونسأل: هل ما قرأناه واضحاً ومفهوماً لنا؟ هل فهمنّا ما قرأناه؟ ‏

أنا أتوقع أن الجواب هو: "نعم"، فهذه الكلمات سهلة ومفهومة، فكل واحد منّا يعرف ما تعني هذه الكلمات: يتم ما ‏هو مكتوب. يسلم إلى الأمم. يستهزأ به. يُشتم. يُتفل عليه. يجلدونه. يقتلونه. يقوم. فنحن نفهم تماماً ما قاله الرّب ‏يسوع لتلاميذه، فهو كان يتكلم عن صلبه وعن موته وعن قيامته المجيدة. ‏

أثناء صعود الرّب يسوع مع تلاميذه إلى أوروشليم، أخبرهم بالضّبط ما الذي سيحدث معه: القبض عليه والاستهزاء ‏به وشتمه والبصق عليه وجلده وقتله مصلوباً ثم قيامته في اليوم الثالث. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يخبر فيها الرّب ‏يسوع تلاميذه بتفاصيل ما الذي سيحدث معه، بل سبق وأن تحدث في الموضوع مراراً كثيرة كما نقرأ في آيات عديدة ‏في الإنجيل المقدّس. رغم وضوح كلامه، إلّا أنهم لم يفهموا. ‏

نقرأ أيضاً في لوقا 43:9-45: "فَبُهِتَ الْجَمِيعُ مِنْ عَظَمَةِ اللهِ، وَإِذْ كَانَ الْجَمِيعُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ كُلِّ مَا فَعَلَ يَسُوعُ قَالَ ‏لِتَلاَمِيذِهِ: "ضَعُوا أَنْتُمْ هَذَا الْكَلاَمَ فِي آذَانِكُمْ: إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النّاس". وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا ‏هَذَا الْقَوْلَ وَكَانَ مُخْفىً عَنْهُمْ لِكَيْ لاَ يَفْهَمُوهُ وَخَافُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ"، ما قاله الرّب هنا كان في السنة الأولى ‏من خدمته العلنية في منطقة الجليل، ولم يفهم التّلاميذ ما الذي كان يتكلم عنه الرّب.‏
كذلك لم يفهم التّلاميذ كلمات الرّب يسوع ليهوذا أن يعمل ما يريد عمله بسرعة في يوحنا 27:13-28 "مَا أَنْتَ ‏تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ. وَأَمَّا هَذَا فَلَمْ يَفْهَمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُتَّكِئِينَ لِمَاذَا كَلَّمَهُ بِه ".‏

ولم يفهم بطرس الرّسول كلمات الرّب يسوع في متى 21:16-23 عندما تنبأ عن موته، حيث قال بطرس للرّب ‏يسوع: "حاشاك يا رب، لا يكون لك هذا" (أنظر أيضاً مرقس 31:8-33). بعد أن أعرب بطرس عن اعتراضه لموت ‏الرّب على الصّليب، قال الرّب يسوع لبطرس: " ﭐذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ. أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا لِلَّهِ لَكِنْ بِمَا ‏لِلنَّاسِ". قول الرّب يسوع لبطرس: "اذهب عني يا شيطان" هي نفس الكلمات التي سبق للرب وأن قالها للشيطان ‏مباشرة عندما جربه، كما نقرا في متى 10:4 "حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "ﭐذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ ‏تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ". لقد أطلّ العدو القديم، أي الشيطان، بصورة تلميذ مقرّب ومحبوب وهو بطرس، وهذه أخطر ‏محاولات عدو النفوس لتدمير عمل الله من الداخل.‏

وسبب هذا التوبيخ الحاد لبطرس كان لأنه فكر بعقلية أهل العالم، حيث اهتم بطرس وبقيّة التّلاميذ بشخص الرّب ‏يسوع وسلامته وحياته، وذلك بدافع من محبتهم له وغيرتهم عليه. لقد أرادوا له النجاة من الصليب أي أنهم اهتموا ‏بقائدهم ومعلمهم بدافع أرضي وانساني، فقد أرادوا أن يبقى معهم لأن في ذلك خير لهم. رفضوا فكرة موته، وأرادوا ‏سلامته وحمايته من الموت، متناسيين بقية العالم الذي أحبه الرّب وجاء لخلاصه.‏

نقرأ أيضاً في لوقا 34:18 "وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً وَكَانَ هَذَا الأَمْرُ مُخْفىً عَنْهُمْ وَلَمْ يَعْلَمُوا مَا قِيلَ". في ‏الطريق إلى الصليب، نجد حقيقة مذهلة ومثيرة للعجب والاستغراب: لم يفهم كل التّلاميذ شيئاً مما قاله الرّب يسوع. لم ‏يفهم التّلاميذ كلام الرّب عن موته على الصّليب في بداية خدمته الأرضيّة، وأثناء هذه الخدمة، وعند الاقتراب إلى ‏نهايتها. أجل إنه شيء غريب ومثير. تلاميذ الرّب يسوع، أي المجموعة المسيحيّة الأولى من رسل الرّب، لم يفهموا حتّى ‏كلمة واحدة مما قاله لهم الرّب يسوع. لذلك دعونا نتأمل في ثلاثة أسئلة تثيرها هذه الآية:‏

أولاً: لماذا لم يفهم التّلاميذ ما قاله الرّب يسوع؟

ربما نقول بتعجب وحيرة: ماذا كانت قصة التّلاميذ؟ هل كان سمعهم ثقيلاً؟ لماذا لم يفهموا رسالة الرّب؟ لماذا لم ‏يستوعبوا ما قاله؟ لقد أخبرهم الرّب يسوع سلفاً ما سيحدث معه، ومع ذلك فإنهم لم يفهموا فكر الرّب ولا طريق ‏الخلاص. فما هو سر عدم فهمهم لكلامه؟ ‏

توجد ثلاث إجابات أساسيّة للرّد على هذا السؤال:‏

‏1) لم يكن لدى التّلاميذ استعداد اًكافياً لكي يتعلموا. لقد كانوا مثل الأطفال الصغار. فمع أن الرّب يسوع أخبرهم ‏بالضّبط ما سيحدث معه، ولكن ما قاله لم يجد طريقه إلى عقولهم.‏

عندما يصل الإنسان إلى مرحلة متقدمة من النضوج في حياته، يسترجع ذكريات الماضي والأعمال التي ارتكبها ويقول ‏لنفسه: لو أرجع إلى سن الطفولة والشباب، فلن أرتكب هذه الحماقة من جديد. فالإنسان يدرك ويتعلم أشياء كثيرة ‏في مرحلة متقدمة من حياته، ويعترف لنفسه بأنه كان غبياً في الأيام الماضية، ويتمنى لو أنه لم يعمل الأخطاء التي ‏ارتكبها.‏

وهذا بالضّبط ما حصل مع التّلاميذ. فهم لم يدركوا ما قاله الرّب يسوع لأنهم كانوا في مرحلة مبكرة روحياً، وكان لا بد ‏لهم أن يختبروا القيامة والعنصرة وحلول الروح القدس لكي ينضجوا ويستوعبوا حقيقة الصليب.‏

‏2) كان الصّليب سرّاً عظيماً لم يفهمه التّلاميذ، ولم يفهمه أيضاً عدو النّفوس: نقرأ في رسالة كورنثوس الأولى 6:2-8 ‏‏" لكِنَّنَا نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةٍ بَيْنَ الْكَامِلِينَ وَلَكِنْ بِحِكْمَةٍ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الدَّهْرِ وَلاَ مِنْ عُظَمَاءِ هَذَا الدَّهْرِ الَّذِينَ يُبْطَلُونَ. بَلْ ‏نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ اللهِ فِي سِرٍّ: الْحِكْمَةِ الْمَكْتُومَةِ الَّتِي سَبَقَ اللهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ الدُّهُورِ لِمَجْدِنَا الَّتِي لَمْ يَعْلَمْهَا أَحَدٌ مِنْ عُظَمَاءِ ‏هَذَا الدَّهْرِ. لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ". ‏

عظماء هذا الدهر الذين ذكرهم بولس في رسالته تعود للوالي الروماني بيلاطس والملك هيرودس ورئيس الكهنة قيافا ‏وأعضاء مجلس السنهدرين وضباط الجيش الروماني، كل هؤلاء لم يعرفوا هوية وحقيقة شخص الرّب يسوع، لأنهم لو ‏عرفوا الحقيقة لما صلبوه.‏

نلاحظ هنا أن بولس الرّسول قد استخدم كلمة سر في حديثه عن صلب الرّب يسوع. وكلمة "سر" المستخدمة هنا في ‏الأصل اليوناني هي كلمة مستيريو ‏μυστηριω‏ وهي نفس الكلمة التي كانت تستخدم عند وضع خطة إستراتيجية ‏سرية للحرب، فالعدو يتربّص، وعلى قائد المعركة أن لا يكشف خطة القتال لأحد حتى لا يكتشفها الأعداء ويعملوا ‏بالتالي على إفشال الخطة.‏

وفعلاً لقد كان الصليب سر عظيم لم يفهمه عدو النفوس إبليس. لقد ظن إبليس أنه سيقضي على الرّب يسوع في ‏موته على الصليب، ولم يعلم ولم يفهم خطة وفكر الله في الفداء، وكيف أن الصليب هو في الواقع سر الانتصار على ‏الخطية والموت وعلى إبليس. لقد فرح إبليس في الجلجثة عندما رأى المسامير تخترق جسد الرّب، وعندما رأى الحربة ‏تمزق جسده، وعندما رأى دمه يسيل من كل نواحي جسده. لقد اعتقد أنه انتصر أخيراً على الرّب. أجل لم يعرف ‏إبليس خطة الله من أجل خلاص العالم. ولكنّه بعد ثلاثة أيام أدرك فشله الفظيع: فلقد نفّذ إبليس بالضّبط خطة الله ‏دون علمه. لقد تسبب في موت رب المجد مما أدى إلى فداء وخلاص الخطاة. ‏

كتب بولس الرّسول، بوحي من الله، في رسالة كورنثوس الأولى 23:1-24: "وَلَكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوباً: ‏لِلْيَهُودِ عَثْرَةً وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! وَأَمَّا لِلْمَدْعُوِّينَ: يَهُوداً وَيُونَانِيِّينَ فَبِالْمَسِيحِ قُوَّةِ اللهِ وَحِكْمَةِ اللهِ". نجد هنا أن كرازة ‏وتبشير بولس كانت بالمسيح المصلوب. وكانت هذه الرسالة عثرة لليهود وجهالة لليونانيين.‏

وهنا يبرز أمامنا سؤالان مهمان:‏
‏*لماذا كان الصّليب عثرة لليهود؟ الجواب ببساطة هو لأنهم اخترعوا من مخيلتهم مسيحاً عسكرياً مقاتلاً وجباراً ليقودهم ‏في تأسيس مملكة أرضية، لا مسيحاً محباً وفادياً ومخلصاً يعطيهم ملكوتاً سماوياً.‏
‏*ولماذا كان الصّليب جهالة لليونانيين؟ الجواب أيضاً سهلاً لمن يعرف عن الفكر اليوناني القديم. بالنسبة لهم، كان ‏الصليب رمز عبودية وضعف وموت وهوان، وليس رمز حكمة ومجد.‏

‏3. سبب ثالث هو أن التّلاميذ اهتموا بوضع الرّب يسوع الشخصي والأرضي، وظنوا أنه بصدد إنشاء مملكة أرضيَّة ‏يحصلون من خلالها على امتيازات كثيرة. حتى بعد القيامة سألوه متى ترد الملك لإسرائيل، وذلك بعد أن كان لمدة 40 ‏يوماً بعد القيامة يحدثهم عن ملكوت الله. (أنظر أعمال الرّسل 3:1، 6).‏

ثانياً: هل نفهم حقاً خطة وفكر الله؟

نقرأ في رسالة كورنثوس الأولى 18:1 "فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ ‏اللهِ". كثيرون في العالم اليوم يعيشون في ظلمة روحية؛ يجدفون على الصليب والمصلوب، وينكرون الصليب غير عالمين ‏أنه الطريق الوحيد لخلاصهم.‏

بعد قيامة الرّب يسوع افتتحت أعين التّلاميذ، وبدأوا يدركون سر كل ما حدث مع الرّب، وأصبح لكلماته التي قالها ‏قبل الصلب معناً واضحاً في عقولهم. وفهموا التعليم الذي كان يمر فوق رؤوسهم دون أن تدركه عقولهم، أي قبل موت ‏الرّب يسوع وقيامته.‏

كثيرون اليوم يطلقون على أنفسهم لقب "مسيحيين"، ولكنهم لا يدركون نهائياً معنى الصليب وحتى لو آمنوا به ‏كحدث تاريخي. لذلك نراهم يشددون على الأعمال الصالحة، وعلى الاعتراف للكهنة، وعلى التقاليد والطقوس، وكل ‏الأمور الشكلية الأخرى من أجل الحصول على رضا الله عليهم، غير مدركين أنّه يوجد في الصليب كل الشبع وكل ‏الحب وكل الخلاص وكل الفداء.‏

عندما يعمل الروح القدس في قلب الإنسان، يتضح السر أمامه ويدرك أن رسالة الصليب خاصة به شخصياً، ويطلب ‏بالتالي الرّب يسوع مخلصاً وسيداً على حياته. والصليب الذي كان بالنسبة للخاطئ مصدر عثرة ومظهر ضعف ‏وانهزام، يصبح فجأة مصدر قوة وافتخار.‏

يحتاج العالم لعمل الروح القدس في حياتهم حتى يصبح لديهم القوة لتغيير طريقة تفكيرهم وطريقة عملهم، بل لتغيير ‏حياتهم بالكامل. ولكي يتخلصوا من الخطية بأشكالها المختلفة مثل الكذب والسرقة والإدمان على الباطل والحسد ‏والنفاق وغيرها من مظاهر الشر. ‏

في الصليب لدينا قوة لغفران الخطايا والخلاص والفداء التام والتبرير.‏
في الصليب لدينا قوة لعلاج العلاقات الزوجية المدمرة.‏
في الصليب لدينا قوة لعلاج القلوب الحزينة.‏
في الصليب لدينا قوة لتجميع الأسرة من جديد.‏
في الصليب لدينا قوة للمصالحة بين المتحاربين والأعداء.‏
في الصليب لدينا قوة للتغلب على الوحدة والألم.‏

والسؤال الذي يتحدانا ككنيسة هذا الصباح: هل حقاً نفهم عمق وجوهر رسالة الصليب؟ إنّه قوة الله لتغييرنا ‏ولتجديدنا ولإعطائنا الانتصار في الحياة. لذلك علينا أن لا نعيش كالمهزومين بل لنرفع رؤوسنا لأن الرّب حي وإبليس ‏مهزوم.‏

ثالثاً: هل نفهم حقاً كل ما يتعلق بالصليب؟ ‏

هنالك أمور لن نفهمها أبداً قبل انتقالنا إلى المجد. أي قبل أن نكون في السماء مع الرّب يسوع.‏

أجل أيها الأحباء: توجد أمور متعلقة بالصليب لن نفهمها أبداً في هذا العالم، ومهما درسنا الكتاب المقدّس، ومهما ‏سمعنا عظات أو حضرنا دروس كتاب مقدّس عن موضوع الصليب.‏

لن نفهم وندرك أبداً مقدار الألم والوجع الذي احتمله الرّب يسوع المسيح على الصليب. فنحن كبشر نخاف من ‏الموت لذلك نحاول أن نأكل أفضل أنواع الطعام ونذهب إلى الأطباء ونمارس الرياضة لنطيل أعمارنا. أجل نحن نخاف ‏من الموت ومن المجهول.‏

ولكننا نعرف من كلمة الله في الكتاب المقدّس، ومن مصادر كثيرة أخرى، أن الرّب يسوع مات على الصّليب من أجل ‏خطايانا. لقد مات الرّب يسوع من أجل كل خطية ارتكبت في تاريخ البشرية. لقد أخذ خطايا الجميع على نفسه. لقد ‏مات من أجل الجميع. ‏

في الواقع إن أي شخص منّا يعيش مهزوماً وكئيباً وحزيناً إذا ارتكب خطية واحدة فظيعة. فلا يستطيع الإنسان أن ‏يحمل خطية واحدة من خطاياه الشخصية. ولا يستطيع أن يحتمل عار وذل الخطية. أما الرّب يسوع فقد حمل عار وذل  ‏وثقل كل خطية ارتكبها النّاس في جميع العصور وفي كل مكان في العالم. ونحن كبشر لن نستطيع أبداً أن نفهم أو ‏نستوعب مقدار الألم والحسرة والوجع الذي احتمله الرّب نتيجة لذلك العمل. ‏

لذلك لن نستطيع أن نفهم ما اختبره الرّب يسوع من وحدة قاتلة على الصليب. ولن ندرك ألم ووجع صرخته من على ‏الصليب: "إلهي إلهي لماذا تركتني". فكيف أن الله الأزلي يتجسد بصورة إنسان ويصرخ مثل هذا الصراخ؟ وكيف قبل ‏أن يترك مجده السماوي، ويخلي نفسه، ويأخذ صورة عبد، ويموت أبشع وأفظع ميتة: الموت معلّقاً على الصلب.‏

أنا لا أستطيع أن أفهم بشكل كاف، أو استوعب كما يجب، عمق وغنى وعظمة وحكمة ومحبة الله. لن أفهم كما يجب ‏حقاً ما دمت في هذا الجسد الفاني في هذا العالم. أجل لن أفهم كيف أن دم الرّب يسوع المسيح يطهرني ويطهر كل ‏مؤمن من كل خطية. ولكن سيأتي يوم تنفتح به العيون لنفهم عمق هذا السر المجيد.‏

المهم بالنّسبة لنا في هذا العالم أن نفهم الحقيقة الأساسية والرائعة، وهي أن الله يحبنا بالرغم من خطايانا. وأنه توجد ‏طريق واحدة وذبيحة واحدة لكي نخلص بها من خطايانا، وهذه الطريق هي طريق صليب الرّب يسوع المسيح الذي ‏مات من أجلي ومن أجلكم. ‏

هذا ما يهمنّا الآن: أن نتوب حقاً ونقبل الرّب يسوع مخلصاً شخصياً لحياتنا، وننال بالتالي جميع وعود الله لنا. وعد ‏غفران الخطايا والخلاص والتبرير، ووعد الامتلاء من الروح القدس، ووعد الحياة الأبدية. آمين.‏

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا