... الى ان يتصور المسيح فيكم

لماذا عانى بولس الرسول هذه الآلام الى أن يتصور المسيح في المؤمنين؟ وكيف كان يحني ركبتيه طالبا أن يحل المسيح فيهم؟ "ليحل المسيح بالايمان في قلوبكم". ألم يكن المسيح حالًّا فيهم بالفعل ما داموا مؤمنين؟
11 نوفمبر 2015 - 00:38 بتوقيت القدس

كتب بولس الرسول هذه الكلمات لكنائس المؤمنين:

"يا أولادي الذين أتمخض بكم الى أن يتصور المسيح فيكم"  (غلاطية 4: 1 ).
 
فلماذا عانى بولس الرسول هذه الآلام الى أن يتصور المسيح في المؤمنين؟ وكيف كان يحني ركبتيه طالبا أن يحل المسيح فيهم؟ "ليحل المسيح بالايمان في قلوبكم" (أفسس 3 : 14، 17 ). ألم يكن المسيح حالًّا فيهم بالفعل ما داموا مؤمنين؟ وماذا حدث عندما قبلوا الخلاص اذا كان الرسول ما زال يصلي من أجل أن يتصور المسيح ويحل فيهم؟

من الواضح أن هناك بعدًا روحيًا أعمق من الذي تلقوه وأختبروه بقبولهم المسيح مخلصًا. فكلمة تصوّر بحسب المعجم والتي أستخدمها بولس هنا، تستخدم عادة لوصف تكوين الجنين في رحم الأم. أي أن بولس كان يتطلع إلى بلوغ خطوة روحية أكثر عمقًا في حياة هؤلاء المؤمنين، تشبه عملية تكوين الجنين في رحم أمه ثم نموّه الى أن يصير إنسان كامل.

يقول وليم ماكدونالد:
دعا بولس الغلاطيين قائلاً: «يا أولادي» لعلّ هذا يذكِّرهم أنه هو الذي ربحهم للمسيح. وهو الآن يتمخَّض لأجلهم ثانية، هذه المرة ليس لأجل خلاصهم بل بالحريّ ليتصوَّر المسيح فيهم. فهدف الله  النهائيُّ من جهة شعبه هو مشابهة المسيح  (أف 4: 13، كو1: 28).

ويتابع في نفس الموضوع قائلاً: المسيح، في الواقع، يُقيم منزله الشخصي في حياة المؤمن لحظة اهتدائه (يو14: 23؛ رؤ3: 20). لكنّ ذلك ليس موضوع هذه الصلاة. فالمسألة هنا ليست مسألة وجوده في حياة المؤمن بقدر ما هي مسألة شعوره بالراحة هناك كما يشعر في بيته! فهو مقيم دائم في حياة كلّ مؤمن، لكنَّ هذه الطلبة هي لأن يُسمح له بالدخول إلى كلّ الغرف والخزانات؛ وأن يتمتَّع بالشركة غير المنقطعة مع المؤمن. وهكذا يغدو القلب المسيحي بيتَ المسيح، والمكان الذي يحبَّ أن يكون فيه، مثل بيت مريم ومرثا ولعازر في بيت عنيا..

ونحن اذ نتلقى الخلاص، تنغرس فينا اذا امكننا التشبيه بذرة حياة تسمى "نعمة الخلاص"، وهي كالخلية الملقحة تحمل في داخلها امكانية الحياة والنمو فتصير داخل المؤمنين كائنًا حيًا هو المسيح. وهذه البذرة التي هي نعمة الخلاص تقود للخلاص الحقيقي، مع هذا يمكننا أن نتوقف عند النقطة التي نصبح فيها مخلّصين وحسب، في حين أننا دعينا لأكثر من هذا بكثير، لمشابهة ابنه ولنكون على غرار المسيح.

الايمان ينمو كالبذرة

نعمة الخلاص تأتي أولاً لروح الإنسان، والروح محاطة بالنفس، والنفس بداخلها عروش للخطية بها تملك وتتحكم في الانسان، فهل ممكن ان تنتهي حياة المؤمن ونعمة الخلاص "بذرة حياة المسيح" حبيسة داخل روحه؟

ان هذه البذرة أو الخلية يجب أن تنمو باضطراد حتى تملأ الروح مثل الجنين الذي ينمو حتى يملأ الرحم، ثم تأتي أصعب مرحلة و هي تشبه تمامًا مرحلة المخاض التي تتم فيها الولادة و التي فيها يخرج المسيح من الروح للنفس و يملأ الكيان كله. فاذا كانت الحوائط المحيطة بالنفس مكسورة ومتهدمة (نتيجة معاملات الله المختلفة) والمسيح الذي بداخلنا قد نما وامتد، عندها سيملأ النفس، وبالتالي سيحدث تغيير في عرش النفس حيث سيجلس المسيح وتتبدل سيادة الخطية بسيادة المسيح.
 
إذا توقفنا عند مرحلة قبول الخلاص (كما نرى حال التعليم للأسف في هذه الأيام) سنحيا حياة تملؤها الصراعات والتجاذبات، وهذا ما يطلق عليه "الحياة في الجسد" أو "الطفولة الروحية". "وانا أيها الإخوة لم استطع ان اكلمكم كروحيين بل كجسديين كأطفال في المسيح" (1كو 3 : 1).
 
 وهنا لابد ان نوضح قليلا لئلا يفهمنا احد بشكل خاطئ، هل هؤلاء الناس الذين يخاطبهم الرسول مؤمنون أم غير مؤمنين؟

 يجيب ناشد حنا :مؤمنون طبعًا لأنه يقول لهم «أيها الاخوة» وأنهم «في المسيح». فهم مولودون من الله لكنهم كأطفال في المسيح. ويقول عنهم أنهم «جسديون» في الأصحاح السابق من الرسالة نرى نوعين من الناس "الإنسان الطبيعي"، "الإنسان الروحي"، والنوع الثالث هنا "الإنسان الجسدي". النوع الأول – الإنسان الطبيعي لم يأخذ شيئًا من الله - لم يولد ثانية فهذا ميت ليست له حياة. أما النوعان الآخران فهم مؤمنون مولودون من الله ولادة جديدة وفيهم الروح القدس. الإنسان الروحي يقول عنه الرسول «لأننا نحن الختان (بالروح) الذين نعبد الله بالروح ونفتخر (نفرح) في المسيح يسوع ولا نتكل على الجسد» (في3:3) فهذا يسلك بالروح وقد رفض الجسد. أما الإنسان الجسدي فهو مؤمن أيضاً لكن تفكيره جسدي لم يرفض الجسد تماماً ولم يحكم على الذات ولم يتحرر منها..

ولأن تكوين أو تصوير المسيح هو تحول عظيم في الحياة الروحية فبمجرد أن يستشعر الشيطان بدء هذه العملية يبدأ في وضع سدود و حوائط حول الروح لمنع حدوث هذا. ولهذا فان عملية تصوير المسيح يقابلها تحديان أحدهما خارجي وهو مقاومة الأرواح الشريرة، و الآخر داخلي من الطبيعة الساقطة وسيادة الخطية على النفس. فالنفس البشرية لا تريد أن تتخلى عن  الخطية، كما أن الشيطان لا يريد لهذا أن يحدث و يسعى لتأمين سلطته، بما أن عرش الخطية بالنفس هو المكان الذي منه يحارب المؤمنين.

   
لقد حافظ آباء الكنيسة الأوائل  وكذلك المصلحين في العصور اللاحقة على ايمانهم بأن النفس البشرية قد جبلت لتكون عرشا للمسيح. وأنه ينبغي ان يتبدل عرش الذات أو الخطية بملك المسيح، فعبودية الخطية و الموت يحل محلها سلطان المسيح و حريته، وعندما يملأ المسيح النفس يكون بهذا قد تصور فيها. وعلى هذا فإن تصوير المسيح يعني بصورة حرفية لا مجازية زوال الحوائط الفاصلة بين النفس و الروح، لأنه بحلول المسيح في الروح وامتداده للنفس، يصبح وكأن شخص آخر "المسيح" ينمو و يحيا داخل الإنسان. وقد كتب بولس الرسول قائلا "لا أنا بل المسيح " (غلا 2 :20). لم يعد بولس الذي يحيا بداخل نفسه بل المسيح، بعقله وعاطفته ويديه وقدميه وكل شيء.
    
ان مشيئة الله في الأيام الأخيرة لن تتحقق إلا بوجود  "مسحاء" حقيقيين. لذلك فتصوير المسيح فينا ليس أمرا إختياريا بل أساسيا وحتميًا.

 

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا