وصايا عشر غير مقدَّسة

هل مِنكم- ومِنكُنّ- مَن لا يعرف وصايا الله العشر المقدَّسة كاملة حتى الآن؟ ومعلوم للمسيحيّين أنّ الرب يسوع قد اختصر الوصايا العشر بوصيتين اثنتين، هما: محبة الله ومحبة القريب. وجوهر كليهما واحد هو المحبّة.
16 مارس 2014 - 01:49 بتوقيت القدس

وصايا الله العشر

هل مِنكم- ومِنكُنّ- مَن لا يعرف وصايا الله العشر المقدَّسة كاملة حتى الآن؟ إنها باختصار شديد: {أنا هو الرّب إلهك، لا يكون لك إله غيري. لا تحلف باسم الله بالباطل. إحفظ يوم الرّب. أكرِمْ أباك وأمّك. لا تقتل. لا تزنِ. لا تسرق. لا تشهد شهادة زور. لا تشتهِ اٌمرأة قريبك. لا تشتهِ مقتنى غيرك} مفصّلة في سفر الخروج \ 20 وغيره. وقد أكّد عليها الرب يسوع في الإنجيل الذي بتدوين متّى البشير \ 19: 17-19 وقال عنها البابا يوحنا بولس الثاني (1920- 2005) ما ترجمته: (ليست الوصايا العشر فرائض ألزمَنا بها إله طاغية عشوائيًا، إنها تؤمّن حياة العائلة الإنسانية ومستقبلها اليوم وكلّ الأيام – عن ويكيبيديا: وصايا عشر) وفي هذا القول تأكيد جديد على أن الكتاب المقدّس نافع لحياة الناس في كل مكان وصالح أبد الدهر. فالوصية موضوع إنساني أدبيّ وروحيّ، لها بُعد لاهوتي في الكتاب المقدّس من خلال الوصايا العشر ووصايا الرب يسوع له المجد، إذ اللاهوت باختصار شديد وكما هو معلوم: عِلمُ الله. ومعلوم للمسيحيّين أنّ الرب يسوع قد اختصر الوصايا العشر بوصيتين اثنتين، هما: محبة الله ومحبة القريب. وجوهر كليهما واحد هو المحبّة. والمحبّة هي ما يُعرِّف بها المسيحيّ عن الله- له المجد في العلى. أمّا وصايا الناس للناس الصادرة من خارج الكتاب المقدَّس فلا يمكن اعتبارها مقدّسة، حتّى إذا نطق بها عظيم الحكماء وأمير الشعراء وأعدل رئيس دولة وأقوى رئيسة وزراء. لأنّ كلّ ما لم يُدوَّن في الكتاب المقدّس حرفيًّا يبقى بعيدًا عن محيط القداسة، لأنّ صفة القداسة مقتصرة على الله وكتابه وقدّيسيه من الجنسين، حتّى إذا كانت الوصية مستوحاة من الكتاب المقدّس! لأنّ الكتاب المقدّس تمّ ختمه منذ القرن الرابع الميلادي، أي لا تجوز إضافة حرف واحد عليه ولا نقطة ولا علامة. أمّا وصيّة الإنسان فإنها قد تحظى باحترام ما من لدُن هذا وذاك وبتقدير وإعجاب، لكن بعيدًا عن صفة القداسة- كما أسلفت.

الوصايا العشر

وصايا البابا فرنسيس العشر

واليوم تداول نشطاء التواصل الاجتماعي عشر وصايا "جديدة" أطلقها البابا فرنسيس رئيس الكنيسة الكاثوليكية الحالي، هي أغلب الظنّ مستوحاة من فهمه للكتاب المقدّس ومن تجاربه الواقعية ومستوحىً عَدَدُها من عدد وصايا الله. إنّها باختصار شديد أيضًا ما تمّت ترجمتها هكذا: (1. لا تثرثروا! 2. أنهوا الأكل من صحونكم 3. خصِّصوا وقتًا للآخرين 4. اختاروا المشتريات "الأكثر تواضعًا" 5. قابلوا الفقير "وجهًا لوجه" 6. كفّوا عن الحُكْم على الآخرين 7. صادقوا مَن يخالفونكم الرأي 8. لا تخافوا من الالتزام، مثالًـا: الزواج 9. خذوا العادة "أسأل الربّ" 10. كونوا سُعَداء- عن موقع زينيت: عشر وصايا يعرضها البابا فرنسيس لنعيشها في العام 2014) فقلت في نفسي؛ لماذا قمت طوال الفترة الماضية بتأجيل عرض وصاياي الأدبية ما لم تكن روحية، سبق لي أن فكّرتُ فيها قبل تاريخ نشر وصايا البابا فرنسيس؟ لكني شكرت الرّب على اختلاف وصايا قداسة البابا عن وصايا شخصي المتواضع، بعيدًا عن أيّة مقارنة ومفاضَلة وعن أيّ تشبيه واعتراض! هذا وإن ظننت أيضًا بأنّ التي في مكتبتي نابعة من روح الكتاب المقدّس، نظرًا لعمق المحبّة التي أكنّ للكتاب المقدّس ولمقدار غيرتي عليه. ونظرًا لطريقة فهمي هذا الكتاب الذي آمنت أنّه وحده كتاب الله، مضافة إليها خُلاصات بعض تجاربي الشخصية. صحيح أنّ للبابا رعيّة عظمى يهتمّ بها ومسؤولية كبرى، لكنّ الفكر الإنساني واسع المدى ومتنوّع ولا يقتصر التفكير بأيّة قضيّة وأيّ موضوع على أصحاب الغبطة والفلاسفة وذوي المناصب السياسية وذوي الكراسي الدينية وغيرها، بل من حقّ العامّة أن تفكّر وتتأمّل وتبحث وتتحرّى وإلّـا فلا قيمة لأيّ كتاب في العالم! أضِف إلى هذا أنّ مدوِّن هذه السطور كاتبٌ مسيحيّ مشهود لعدد من مواهبه الروحيّة والفكريّة والأدبيّة. ويُعلِن اليوم إنّه ذو مؤهَّل أكاديمي لاهوتي بسيط. ويتمتّع، من جهة أخرى، بحُرّيّة الرأي وبامتلاك جميع أدوات الكتابة بلا افتخار، مع تجاوب جمهور محترم سرّه الكثير من كتاباته؛ جمهور طيّب وكريم وإن كان عدده أقلّ نسبيّا من جمهور غيره من الكتّاب.

وصايا مدوِّن هذه السّطور

الأولى: إقرإ-ي الكتاب المقدّس ابتداءً بالإنجيل.
هذه الوصيّة مِن ثمار دراستي اللاهوتية فيما مضى. علمًا أني نوّهت في إحدى مقالاتي السابقة عن أن العهد القديم يجب أن يُفهَمَ في ضوء العهد الجديد (الإنجيل) وليس العكس. فمِن معلومات الإنجيل يعرف المرءُ الإله الحقيقي مقتربًا منه، يصبح أفضل خُلُقًا بكثير، أبهى منظرًا لأنّ نور المسيح ينعكس من وجه المؤمن-ة به فاديًا ومخلِّصًا، يظهر كل ما فيه جديدًا بوضوح وبسرعة مذهلة. فيستيقظ الضمير وتتهذّب الأخلاق وتتطوّر العقلية وتتحسّن الصحّة وتتنوع الثقافة. بل يكتشف المرءُ مواهبَ نافعة، مهداة إليه من الله، لكنّ الإنسان المعنيّ تركها زمنًا طويلًـا مدفونة في مكان ما وغير مسخَّرة للخدمة أي المصلحة العامّة.

الثانية: لا تقرأ-ي بدون بحث حتّى في المقدَّسات.
ففي عالمنا معلومات مشكوك في صحّتها وفي دقّتها مع أخطاء شائعة وافتراءات.

الثالثة: تحَلَّ-ي بالصبر وطول البال مهما اشتدّت الصِّعاب.

الرابعة: ليكُن ضميرُك حيًّا ونشيطًا مهما قسَت ظروف الحياة وإيّاك والظلم.

الخامسة: ضع-ي ثقتك بالمسيحي قبل غيره وأكثر من غيره.
هذه لأنّ جانب المسيحي هو الأعلى مستوى من الأمان، لأنّ في صُلب عقيدته محبّة الأعداء، ما لا أثر لمثل هذه المحبّة في أيّة ديانة غير ديانته ولا في أدبيّات الشعوب غير شعب الله أي شعب الكتاب المقدّس! وقد بلغني التالي من أحد الأصدقاء: هناك مِن غير المسيحيّين في محيطك مَن هو "أفضل" من المسيحيّين. وردًّا على هذا الاعتراض قلت: ربّما وممكن؛ لكنك يا صديقي تقارن، الآن أي ما بعد ظهور المسيحية، ما بين المسيحي وبين غيره، لذا أرى في الأفق عددًا من الاحتمالات؛ قد يكون هذا "الأفضل" من خلفية مسيحية، أو ناميًا في بيئة مسيحية، أو متأثِّرًا ثقافيًّا بالدوالّ المسيحية ولا سيّما صفات السيد المسيح له المجد وأقواله وأفعاله. وهذا لا ينفي ظهور حكماء من ذوي السيرة الحسنة، قبل المسيح، في حضارات شعوب كثيرة ولهم أتباع كثر، مثالًـا: بوذا. لكنّ الأخلاق المسيحية هي الأرقى في ضوء معرفتي ومنها القول بمحبّة الأعداء، بل هي الفُضلى لأنّ بها وحدها الخلاص. وفي تقديري؛ يُشبه غيرُ المسيحي، في إطار ثقتي به ومستوى تعاملي معه، شخصًا يحاول الحصول على مقعد في جامعة ما بدون حيازته على الشهادة الثانوية (التوجيهية) التي وحدها تؤهّله للحصول على المقعد.

السادسة: ليكُنْ تهذيب أخلاقك مسيحيًّا أوّل اهتماماتك! كي تهتمّ-ي، كما يجب، بالطفل والمرأة والشيخ-ة وذوي الإعاقات الجسدية والفكرية وسائر الضّعفاء والفقراء واليتامى والأرامل.
 
السابعة: ساعد-ي مَن تعلم-ين أنّهُ محتاج إلى مساعدة ما قبل أن يسألك.
أي حاول-ي أن تذهب-ي الى المحتاج قبل أن يقرع بابك.

الثامنة: إذا تمنيت امرأة عروسًا لك وعلمت بأن غيرك يتمنّاها لنفسه فكفّ عن التفكير بها.
هذه قطعًا لكلا الجنسين. وفيها إحدى الدلالات على وصيّة السيد المسيح بأن {تحبّ قريبك كنفسك} وقد تعترض إحدى الصديقات بالتالي: "ماذا لو أخبرتك أنها تتمنّاك ثمّ طلبت إليك أن تدافع عن حبّها لك؟" والجواب: أحاول إقناعها بأن ذلك هو أخي بالإنسانيّة و"أفضل" مني، إلّا إذا ثبت لديّ وجود عيب ما في أحد أخلاقه، عندئذ أنصحها بالتفكير في شخص ثالث. هذا لأنّ في أولوياتي أن أختار المرأة التي أظنّ أنْ لا أحد قبلي تمنّاها لنفسه أيًّا كان.

التاسعة: لا تكذب على الله أيًّا كان السبب ولا على نفسك ولا تحاول خداعها.

العاشرة: فتِّش-ي عن المواهب التي وهبك الله، المنوَّه عن نفعها في الوصيّة الأولى؛ ركِّز-ي على أهمِّها بإرشاد الروح القدس واحرص-ي على صقلها، كي تخدم-ي الناس ونفسك، لأنّ الله منذ بداية الخلق قد حمّل كلّ إنسان رسالة ما لم يجعل منه رسالة! فمتى تعرف-ين ما رسالتك؟

أخيرًا؛ قرأت وصايا البابا فرنسيس، لكنّي للأمانة الموضوعية لم أقرأ عن أحد أنّه حاول إضفاء صفة القداسة عليها حتى الآن وحاشا، لأن مصير مثل هذه المحاولة في أغلب الظّنّ هو الفشل، شأنها شأن وصايا كاتب هذه المقالة.

ملاحظة: لقد اضطر الكاتب لإضافة حرف الياء إلى فعل الأمر (أو الطلب) والياء والنون إلى الفعل المضارع المتجرّد من الحرفين الناصب والجازم لأن الوصايا تخاطب كلا الجنسين. ما دلّ على قصور اللغة العربيّة في مخاطبة المذكر والمؤنث معًا بفعل واحد. مثالًـا: تُقال بالإنكليزية كلمة "شَير" دالّة على فعل المشاركة؛ يفهمها الرّجُل هكذا: "شارِكْ" وتفهمها المرأة: "شاركي" وهنا الكلمة بحروف لُغتها Share

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا