يدرك كل قارئ مدقق للكتاب المقدس، أن الله هو "إله التاريخ"، فقد عمل الله على مر العصور لخلاص البشر، ومع أنه إستخدم الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية ليلفت نظر الانسان الى محبته، إلا أن طريقته المفضلة في عمل هذا، كانت من خلال إستخدام أشخاص أمناء عاشوا بالايمان ليقدموا كلمة الله ورسالة الخلاص لمن حولهم. وكل من يقرأ كتاب "الجليل يشهد"، سيتحقق من خلال الشهادات المؤثرة، أن عمل الله ما زال مستمراً، ونلمسه بكل يقين من خلال تاريخ كنائسنا الإنجيلية.
ينقسم هذا الكتاب لقسمين، القسم الأول يتضمن شهادة أربعة عشر أخاً وأختاً قد سبقونا للمجد. والقسم الثاني ما يسميه الكتاب "شذرات" و "رسائل روحية لك أنت"، وهي بمثابة قصص وتأملات روحية ورسائل تشارك بخلاص الرب ومحبته بصور وطرق مختلفة، داعية القارئ لتسليم حياته للمسيح. لكني سأتطرق، في مراجعتي لهذا الكتاب، للقسم الأول فقط، خاصةً لأمرين رئيسين لفتا إنتباهي:
1. إن الأمانة في الشهادة هي الأساس الذي يستخدمه الله في بناء كنائسنا. فلو تتبعنا قصة شهادة كل شخص لوجدنا أنه، وبسبب أمانته في الشهادة للمسيح، أصبح بصورة مباشرة وغير مباشرة، أباً للكثير من المؤمنين، ومؤسساً لعدد من الكنائس الإنجيلية في البلاد. فلو أخذنا الأخ مجيد قعوار، على سبيل المثال، لوجدنا أنه كان من الأشخاص الذين أثّروا تأثيراً مباشراً في بدء الإجتماعات في الناصرة، وكفر ياسيف، وحيفا. وقد إمتد تأثير هذه الإجتماعات والأشخاص الذين آمنوا من خلالها، لتأسيس كنائس إنجيلية مختلفة، منها كنائس الإخوة والكنائس المعمدانية وجماعات الله. وينطبق هذا المثال أيضاً على الأخ نوفل بعيني، فنجد تأثيره الواضح والمباشر في تأسيس إجتماعات الإخوة في البلاد، في قرى ومدن مختلفة. وما ذكرناه عن الأخ مجيد والأخ نوفل، نستطيع أن نقوله وبفم ملآن عن جميع الإخوة والأخوات الذين أتت شهاداتهم في هذا الكتاب والذي ما زال تأثيرهم باقٍ وواضح الى يومنا هذا.
2. الله ما زال يبحث عن أشخاص تائبين ليستخدمهم، هذا كان وما زال شرطه الاول. لن يفوت أي قارئ لهذه الشهادات إختلاف الشخصيات وتنوع خلفياتها، فمنهم الموظف، والتاجر، الشرطي، والمجرم، الاستاذ المتعلم، والاخ البسيط، الشيوعي، والدرزي، رجال ونساء. لكن مع كل إختلافهم هذا كان يجمعهم أمر واحد، لقد أدركوا أنهم خطاة فأتوا للمسيح بخطاياهم وقبلوه رباً ومخلصاً، فنالوا الغفران والحياة الجديدة، فجالوا يبشروا بهذا الخلاص ويشاركوه مع كل من قابلوه.
لم يكن إتّباع الرب سهلاً على أي واحد منهم، إذ تعرض الكثير منهم للإستهزاء من الناس، والبعض رفضته عائلته، اضف الى ذلك ضغوطات إجتماعية أخرى ما زال يواجهها كل مؤمن يصمم على اتباع الرب في حياته. لكن الأمر الذي ميزهم هو محبتهم لسيدهم واستعدادهم ليدفعوا ثمن إتباعهم له، مضحّين بوقتهم، ومالهم وحتى صحتهم، فتداخل الله في حياتهم بصورة معجزية، وأعطاهم الله نعمة في أعين سامعيهم، فكانوا سبب خلاص وبركة لكثيرين من القادة المؤمنين في بلادنا.
لا يمكننا، كجيل ثاني أو ثالث من المؤمنين في هذه البلاد، قراءة هذه الشهادات بدون أن تتحرك في قلوبنا أشواق لخدمة مخلصنا وفادينا. لقد أنضم أحباؤنا الى سحابة الشهود، وهم بشهادتهم ومثالهم يحثّونا لنثبّت أنظارنا على "رئيس الإيمان ومكمله"، ونعلن محبته وخلاصه للجميع.