لا شك أن العلاقات المسيحية الإسلامية قضية ساخنة في عالم اليوم. إنها قضية حياة أو موت. ولقد تحدثت جرائد العالم العربي عن قتل العديد من الاشخاص وجرح المئات نتيجة الاحتجاجات الأخيرة المتعلقة بالفيلم الأخير الذي يتحدث عن نبي الإسلام بطريقة مستفزة. فرد البعض على الاستفزاز بالاستفزاز والعنف والقتل. وانتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة التحدث عن النصوص الدينية الإسلامية ورموز الإسلام بصورة مستفزة.
وتتفاوت قناعات المسيحيين المتعلقة بالإسلام. فهناك من يرى الإسلام ورموزه بصورة سلبية. آخرون يعلنون قيم الإسلام الإيجابية بكل قوة ويظهرون وكأنهم يوافقون مع كُل ما يدعو الإسلام إليه. وثمة فريق ثالث يحاول النظر إلى الإسلام ورموزه بصور متبصرة فينقضوا بعض الأمور ويمدحوا امورا أخرى دون المساومة على قناعاتهم المسيحية. فمثلا، يؤكدون أن العنف والتعدي على المتلكات العامة والمواطنين الأبرياء سواء كانوا مسيحيين ام مسلمين هو أمر ظالم وغير مقبول بتاتا. ويبقى السؤال كيف نتعامل مع كل المسلمين والإسلام بطريقة مسيحية وعادلة. سأقدم في هذا المقال بعض الاقتراحات البسيطة المتعلقة بموقف المسيحي من المسلم. ولن أستطيع أن اتحدث عن الكثير من القضايا لئلا يطول المقال. وربما سأتحدث لاحقا عن موقف المسيحي من الإسلام.
أولا، الإنسان المسلم ذكرا أم أنثى مساويٌ للإنسان المسيحي في قيمته. لقد خلق الله كل البشر، بدون استثناء، على صورته (تك 1: 27). وكل إنسان مخلوق على صورة الله وهو موضوع كرامة وتقدير ومحبة وبركة إذ يعلمنا الكتاب المقدس أن الله بارك الإنسان وبالتالي كل إنسان (تك 1: 28) وأحب كل العالم (يو 3: 16) وبالتالي كل فرد في العالم. بايجاز ترفض المسيحية تشويه قيمة أي إنسان او التقليل من كرامة البشر.
ثانيا، لا تسعى المسيحية إلى تكوين دولة ثيوقراطية يحكمها الله بل يسعى المسيحيون إلى الخضوع للرئاسات والسلاطين الموجودة في البلاد التي يعيشون فيها (رو 13: 1 – 2) لكي يحيوا حياة مطمئنة وهادئة بكل تقوى ووقار (1 تيم 2: 2). وفي البلاد العربية يكون معظم رؤساء الدول والوزراء ورؤساء البلديات غير مسيحيين. وهم مسلمون. وهكذا نرى أن النص في رسالة رومية يعلمنا أن الرئيس المسلم هو خادم الله (رو 13: 4). وبهذا يصبح المسلم من منظار مسيحي ليس خليقة الله فحسب بل خادم الله أيضا. ويستطيع المسلم أن يخدم الله عندما ينشر العدالة والحق.
ثالثا، الإنسان المسلم موضوع صلاة المسيحي وشكره. يقول بولس الرسول "فأطلب أول كل شيء أن تقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات لأجل جميع الناس" (1 تيم 2: 1). فهذا حسن ومقبول لدى مخلصنا الله (1 تيم 2: 3). وهنا نعلن كمسيحيين شكرنا لأجل كل مسلم ومسلمة يشاركوننا هذا الوطن ويساهموا في بناء مؤسساته وقيمه الاجتماعية ويعملوا على تطويره وتنظيمه حتى تعم الفائدة على الجميع. فالمسلم والمسلمة شركائنا ليس في الإنسانية فحسب بل أيضا في الانتماء القومي وفي المواطنة وفي الكثير من القيم الأخلاقية والاجتماعية.
رابعا، الإنسان المسلم موضوع محبة الله وموضوع محبة المسيحي أيضا. لا أتحدث هنا عن حب الغرام والمشاعر المتأججة بل عن إلتزام المسيحي أن يحب المسلم، وكل مسلم، مهما كانت مواقفه وتصرفاته سواء كانت جيدة ام سيئة. طبعا لا يعني هذا الأمر أن نقبل كل تصرف لأننا نحب الآخر، بل العكس هو الصحيح فالمحبة تعطينا الفرصة أن نسعى إلى بركة من نحبه ومحاولة خلق التناسق الاجتماعي الذي يؤول إلى خير الجميع. ويحب الله المسلمين إذ خلقهم ويريد أن يضمهم إليه وينعم عليهم بكل بركاته خاصة النعيم الذي صنعه بيسوع المسيح. فالله يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون (1 تيم 2: 4). ونحن كمسيحيين ملتزمون بكل قلوبنا أن نحب المسلمين لا بالكلام واللسان بل بالعمل والحق (1 يو 3: 18). ونستطيع أن نترجم محبتنا للمسلم بطرق متنوعة إذ نشاركه قناعاتنا ووقتنا وكل بركة باركنا الله بها بصورة تتوافق مع تعاليم الكتاب المقدس. وتشمل محبتنا السعي إلى التعامل مع المسلم بطريقة عادلة تتحاشى التعميم وتكتسي بالجرأة والشجاعة لتعلن الحق بمحبة ووضوح. فالعنف مرفوض وقتل الأبرياء غير مبرر. وثمة وسائل أخرى للتعامل مع التعديات والإساءات.
أخيرا، أرجو أن تساهم النقاط أعلاه في صقل مواقفنا من كل مسلم ومسلمة. وسوف أتحدث في وقت آخر عن موقف المسيحي من الإسلام. فهل يرفض المسيحي كل أمر يعلنه الإسلام أم أنه يقبل بعض الأمور؟