مع نهاية العام يقيّم الانسان تاريخه والامور التي حصلت معه في السنة الماضية. وعندما أنظر إلى تاريخ كنائسنا الانجيلية، أجد نقطة سوداء تعكّر المزاج وتسلب فرح شعب الرب. هذه النقطة السوداء التي يكبر حجمها سنة تلو الأخرى هي الانقسامات الكنسية. وتتكون المشكلة من مجموعة من المشاكل تشمل عدم وجود أدوات رادعة تمنع الانقسامات الكنسية، وعدم القدرة على التفاعل مع الانقسام الكنسي بصورة صحيحة، وعدم وجود آليات تعالج الانقسامات الكنسية بعد حدوثها. فقد تبقى الكنائس منقسمة عشرات السنين دون علاج مما يجعل الداء مرضا عُضال يحول الكنيسة الفعّالة إلى كنيسة مُعاقة روحيا. وسيتحدت هذا المقال عن مرحلة ما قبل الانقسام مبرزين بعض الاعراض التي تسبق الانقسام.
يتفاجأ العديد من أتباع المسيح من الانقسامات الكنسية مهملين دراسة تاريخنا الكنسي المليء بها ومتجاهلين الكثيـر من الأعراض التي تنذر بقدومها. وسأذكر بعض هذه الأعراض. أولا، تتزايد عدد المجموعات المنعزلة داخل الكنيسة أو فعالية أحد المجموعات. فيشعر البعض أنهم يتفاعلون بشكل أفضل وأكثر راحة مع فئة ما. ويعتزلون الفئات الأخرى مستثمرين معظم وقتهم مع هذه الفئة التي تتناغم مع آرائهم وتوجهاتهم وتجعلهم متميزين عن باقي أعضاء الكنيسة. وتتطور العلاقة فتشعر هذه الفئة أن مصالحها المشتركة تتطلب تنسيق القرارات ضد باقي اعضاء الكنيسة. أو ربما تسيطر فئة ما على خدمة محددة داخل الكنيسة. ثانيا، تتزايد الأصوات التي تتحدث عن حاجة الفرد إلى التغذية الروحية والبركة وتتناقص الأصوات التي تتحدث عن الكنيسة كمجموعة. فينتقل التركيز من المجموعة إلى الأفراد. ويصرح الأفراد أنهم بحاجة إلى كلمة الله وإلى الشفاء الروحي والتعزية وأنهم لا يجدونها في الكنيسة بصورتها الحالية. ثالثا، يبدأ بعض الأعضاء بالغياب عن الاجتماعات وبالابتعاد عن المساهمة في الحياة الكنسية. ولا تأبه الكنيسة بغيابهم ولا تعالجه. رابعا، تظهر الكبرياء وتختفي التعددية فتصبح القرارات الروحية قرارات فردية لا تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الجماعة وحكمة الله من خلال شعبه. خامسا، يتناقص دعم راعي الكنيسة وقادتها. فقد يشعر البعض باللامبالاة بينما يعارض آخرون الراعي ويدعمه آخرون. سادسا، يكثر التذمر في الكنيسة ويستنزف الاعضاء طاقتهم في الحفاظ على علاقاتهم مع بعضهم بعضا. سابعا، تتجاهل الكنيسة القادة الصاعدين والطاقات غيـر المستخدمة. ثامنا، تفقد الكنيسة قدرتها على التغيير وتصبح آليات التغيير واتخاذ القرار غير واضحة أو غير قابلة للنقاش. تاسعا، تكثر المشاكل غير المحلولة أو تلك التي نضعها تحت السجادة. وهكذا تصبح الكنيسة مثل قنبلة موقوته قد تنفجر في أي لحظة. وتفتقر الكثير من الكنائس إلى آليات واضحة للتأديب الكنسي وإلى فهم واضح لحدود السلطة الروحية للقادة ولطرق تقييم قيادتهم. عاشرا، إذا كانت الكنيسة القائمة انقسمت من كنيسة أخرى فإنها معرضة للانقسام.
أخيرا، من الغباء تجاهل أعراض الداء وعدم أخذ خطوات وقائية تمنع تفشي فيروس الانقسام في جسد المسيح الانجيلي. وأشجع القارئ أن ينبهني إلى أعراض أخرى ربما تجاهلتها. وبنعمة الله سأتحدث في مقال آخر عن بعض الخطوات الوقائية التي قد تعين كنائسنا في تحاشي مرض الانقسام. ثم سأتحدث عن الدواء لهذا الداء. فلكل داء يصيب الكنيسة يوجد دواء.