نشرت صحيفة معاريف عشية عيد الميلاد الفائت ولحقتها مواقع وصحف اخرى- وبضمنها موقع لينغا - إحصائيات حول المسيحيين العرب في إسرائيل يستدل منها معطيات مثيرة للاعتزاز. فبحسب ما نشر من إحصائيات رسمية تتربع هذه الشريحة من السكان على عرش نسبة الجامعيين الأعلى بين كافة شرائح المجتمع العرب في البلاد ويضمن ذلك اليهود!
لم تكن هذه الإحصائيات مفاجئة إذ ما فتئ المسيحيون يسعون للتميّز والتقدم لنيل الشهادات العالية وقد ساهمت في ذلك عدّة عوامل.
فالمدارس التي أسستها الكنائس المسيحية في الأراضي المقدسة منذ عشرات السنين ساهمت في توجيه عرب هذه الديار (وخاصة المسيحيين منهم) للتعليم في زمن ندرت فيه المدارس. فمدرسة الروس المسكوب في الناصرة مثلاً استقطبت طلاب من كل نواحي الشرق الأوسط في بداية القرن السابق وأشهرهم ميخائيل نعيمة وميّ زيادة.
كما أن وجود المسيحيين في الشرق كأقلية تصارع على بقاءها أمام التعصب تارة والاضطهاد تارة أخرى أثرت في توجهم المحب للعلم. فكل أقلية (واليهود في الغرب خير دليل على ذلك) تسعى للتمّيز العلمي اذ انه بمثابة جواز سفر يمنحها المجال للانتقال من منطقة لأخرى ويفتح أبواب العمل في حالة اشتداد الأوضاع. من هنا كان نهل العلم سيف ذو حديّن اذ انه لم يرفع من مستوى المعيشة فحسب بل أدى إلى هجرة المسيحيين حين ساءت الظروف في شرقنا.
ان طلب العمل هو سيف ذو حدين من ناحية أخرى أيضا فهو يزيد طالبيه ثقافة وعلماً ولكن ذلك يقود في كثير من الأحيان إلى انفتاح يمس بالعقيدة والإيمان. فطلاب العلم في الجامعات ينهلون منه في كثير من الأحيان في بلادنا من منابع الحادية ومادية.
للأسف ينفخ العلم عقول بعد حشوها بمعلومات ولكنه قد يمس الروح التي تصرخ بجهلها "لا اله" - إن لم يرافقها عقيدة متينة وأساس إيماني ثابت.
ان هذا مرتبط بطبيعة الجامعات الإسرائيلية تحديداً إذ أن أغلب محاضريها من الملحدين، أما المتدينين منهم من اليهود من المحاضرين فينفر منهم الطلاب العرب أصلاً لعنصريتهم ضد "الأغيار" وأولهم العرب. من هنا وبطبيعة الحال ينهل الطالب العربي عامة والمسيحي خاصة من مناهل العلم في الجامعات التي تحتوي سموم الإلحاد في خليطها. تأتي هذه السموم على شكل نظريات يطرحها المحاضرون والباحثون كأنها حقيقة -منها غياب الله في الخليقة (خلق الكون في "الانفجار العظيم" وخلق الإنسان في النشوء والتطور)، بالإضافة لمحاولات تهميش تأثير الرب يسوع وتعليمه أو محاولة الطعن بالكتاب المقدس أو بواسطة طرح أسئلة فلسفيه قد تبدو كأنها مشككة لقدرة الله. ان لم يفد الطالب للجامعة وقد أخذ مصل المناعة في العقيدة في الوريد فان تسممه شبه أكيد. يفقد الطالب العربي المسيحي إيمانه بسهولة أمام هذه الهجوم والغارات على كل ما اعتقد انه يؤمن به.
لا أدعو للتحفظ من ارتياد الجامعة والتنسك عنها بل العكس ،ولكن يتوجب الحذر من تأثيرات الحادية مع ازدياد أصحاب الألقاب الجامعية العليا بين المسيحيين العرب.
ان في المسيحية إجابات وافية ومقنعة من أكاديميين وباحثين كبار في شتى المجالات مثل الفيزياء والبيولوجيا والتاريخ والفلسفة وغيرها . إن هذه الإجابات التي يوردها هؤلاء العلماء المسيحيين لكل المتشككين يمكن أن تكون درهم وقاية من سموم الإلحاد أو مصل مضاد لمن أصيب بالداء.
هل في مجتمعنا المسيحي العربي المتعلم من يقبل هذا التحدي ويتقدم لإعطاء ابر المناعة المذكورة؟