كيف يتعامل اتباع السيد المسيح مع شهر رمضان وصوم واحتفالات أحبائنا المسلمين؟ فشهر رمضان هو المؤتمر الروحي السنوي للمسلم. إنه النهضة "الروحية" الإسلامية إذ يسعى المسلم إلى طلب طهارة الفكر والعمل. يصوم المسلم كل شهر رمضان ممتنعا عن الطعام والشراب من الفجر إلى الغروب، ويسعى المسلم إلى قراءة كل القرآن في شهر رمضان وإلى مساعدة الفقراء والمحتاجين. ونحن كمسيحيين نقدر ونثمّن الأعمال الحسنة التي يقوم بها المسلمون. في ذات الوقت نلتزم بما يعلمه الكتاب المقدس وبتعاليم السيد المسيح الذي يتحدث بوضوح عن الأعمال الحسنة والصوم والصدقة والصلاة. انظر على سبيل المثال لا الحصر ما يقوله انجيل متى عن الصدقة (مت 6: 1 – 4) والصلاة (مت 6: 5 – 15)، والصوم (مت 6: 16 – 18). ونرغب كمسيحيين في بناء الجسور مع المسلمين بدلا من بناء الحواجز والتعصب.
ولا شك أننا كمسيحين نتأثر بالمسلمين من حولنا. فلا نتناول الطعام علنا في بعض المواقف والحارات حفاظا على مشاعر جيراننا المسلمين. وقد نتمتع ببعض البرامج التلفزيونية والأفلام التي تُعرض في شهر رمضان أو نتلذذ ببعض الحلويات التي نجدها في الأسواق. ولكن يبقى السؤال: كيف نتفاعل كمسيحيين مع شهر رمضان؟ لا اقصد هنا التفاعل من منظار فلسطيني واجتماعي فحسب بل ايضا من واقع التزامنا وعلاقتنا بالسيد المسيح. هل يجب أن نقيم وجبات افطار مشتركة بين المسيحيين والمسلمين كما يفعل بعض المسيحيين؟ أم ان الكتاب المقدس يمنع هذا الأمر؟ هل يجب ان نتجاهل ما يدور حولنا من احتفالات إسلامية وندين هذه الاحتفالات لأنها لا تتوافق مع معتقداتنا؟ هل نتكلم عن هذا الموضوع أم نلتزم الصمت؟ هناك بعض المبادئ في الكتاب المقدس التي قد تساعدنا في تطوير علاقة صحية مع مجتمعنا الإسلامي.
أولا، يتحدث سفر الأعمال عن التفاعل الذي كان بين بطرس المسيحي وكرنيليوس الأممي الذي كان يصنع حسنات كثيرة ويصلي إلى الله في كل حين (أع 10: 2). أدرك بطرس أن كرنيليوس إنسان مثله (أع 10: 26). فكلاهما متساو أمام الله في الناسوت. كلاهما مخلوق من نفس الخالق. وهذا ينطبق بدون شك على اخوتنا المسلمين الذين نشترك معهم في اللغة وفي العديد من القيم المشتركة. فهم اخوتنا في الخلق وفي العيش المشترك في هذا البلد. ولقد أقرّ بطرس أن التعصب يقود إلى الانعزال عن الآخر وإلى دينونته وإلى عدم الذهاب إلى بيته أو أكل طعامه أو البحث عما يستحق الاحترام في عاداته وتقاليده. ولكن الله قد أراه طريقا مختلفا. إنه الطريق الأفضل الذي يجعل الإنسان منفتحا للتفاعل مع الآخر دون وضع الحواجز الفكرية أو تأكيد عدم استحقاق ونجاسة الآخر. فكلنا خطاة في نظر الله سواء كنا مسيحيين أم مسلمين. طبعا، هذا لا يعني أن كل المعتقدات صحيحة.
ثانيا، يجب أن نتمثل ببولس الرسول إذ أبرز القاعدة اللاهوتية المشتركة قبل أن يتحدث عن الفروقات العقائدية. فربما نؤكد حقيقة الإله الخالق وواهب الحياة للمسلمين والمسيحيين (أع 17: 24 – 25). ولا ضير من استخدام القرآن أو الأحاديث الإسلامية كما استخدم الرسول بولس أقوال شعراء أهل أثينا (أع 17: 28). ويوجد بعض الأمور المشتركة في الفكر الإسلامي والفكر المسيحي. بعضها متعلق بالسيد المسيح وبولادته وحياته الطاهرة. قد تكون هذه القضايا المشتركة بداية طيبة لبناء جسور التفاهم ولفتح قنوات الإتصال بمحبة صادقة وبدون المساومة على الحق المُعلن في الكتاب المقدس. لهذا اعتقد أنه من الضروري للمسيحي في الأراضي المقدسة أن يدرس الفكر الإسلامي ويقرأ القرآن. وعلينا أن نؤكد كل ما هو صحيح في القرآن ولا يتعارض مع الكتاب المقدس. وفي ذات الوقت نبين الفروقات في إيماننا بكل بمحبة واحترام.
ثالثا، يجب أن نشهد أن لهم غيرة لله كما شهد الرسول بولس بغيرة اليهود إذ قال: "أشهد لهم أن لهم غيرة لله" (رو 10: 2). فأحبائنا المسلمون يصلون في المساجد وأحيانا في الشوارع أمام جميع الناس. ويصومون ويجتهدون في ممارسة شعائرهم وفي دعوة الناس إلى الصلاة كل يوم عبر مكبرات الصوت. ويعلقون اللافتات الكبيرة في الشوارع ليؤكدوا إيمانهم ولينشروا الآيات القرآنية. ويعلقون الآيات القرآنية في بيوتهم وفي محلاتهم التجارية. يبدو لي أنهم يريدون أن ينشروا دينهم وفكرهم في كل مكان بسبب غيرتهم على معتقداتهم وتمسكهم بها بشدة. وأحيانا، أصلي إلى الله أن يمنحني ويمنح كنائسنا غيرة مثل المسلم الذي يتكلم ويعبد الله بجهارة أمام كل فئات المجتمع.
ويبقى السؤال: كيف نتفاعل مع أحبائنا المسلمين باحترام ومحبة دون التعدي عليهم أو المساومة على معتقداتنا وإيماننا بفرادة هوية وعمل يسوع المسيح. أقدم فيما يلي بعض الأفكار البسيطة التي تحتاج إلى تفاعلكم لننمو معا في خدمة الله وفي الحفاظ على النسيج الاجتماعي في بلادنا. أولا، يجب أن نبحث عن المصطلحات اللغوية واللاهوتية المشتركة التي تساعدنا في التواصل مع ابن بلدنا المسلم. ولقد ساهم المسيحيون العرب في التاريخ في صقل العديد من المصطلحات اللاهوتية الضرورية لبناء جسور التواصل فنستطيع أن نبرز كتاباتهم ونتعلم منهم. ثانيا، يجب الخروج من القلعة الفكرية التي وضعنا أنفسنا فيها والانفتاح على التفاعل مع الآخر من خلال التعرف على احبائنا المسلمين وعلى أفكارهم. ولا نستطيع ان نتعامل مع المسلم من منظار عقائدي فقط أو عبر الشبكة العنكبوتية أو الانترنت فحسب، بل يجب أن يكون توجهنا شمولي. فالمسلم إنسان مثلنا يخاف ويفرح ويلهو ويحزن. يملك الحس الفني والموهبة الرياضية والتفوق العلمي كما يحدث معنا أيضا. لهذا يجب أن يتطور تفاعلنا من الحوار العقائدي إلى المحبة المتجسدة والعيش المشترك مع أحبائنا المسلمين بقلب المسيح وبثوب الثقافة العربية الإسلامية والمسيحية الشرقية. ثالثا، علينا التفكير والصلاة وعقد المؤتمرات المتخصصة التي تضع استراتيجيات جديدة في تفاعل كنائسنا مع أبناء بلدنا المسلمين. فكيف نحبهم؟ وكيف نخدمهم؟ وكيف نكون نورا وملحا في حياتهم؟ وكيف نكون صوت المحبة والمسامحة بينهم؟ وكيف نعلن وننشر ملكوت الله في بلدنا؟ هذه الاسئلة وغيرها قد تعمل فينا لنصبح اتباعا للسيد المسيح وسط أحبائنا المسلمين وليس اتباعا للسيد المسيح منعزلين عن الشعوب من حولنا. رابعا، يجب أن يتحدث المنبر عن التفاعل المسيحي الإسلامي. فكيف نتوقع أن نتفاعل ككنيسة مع المسلمين إن لم تشمل عظاتنا ودروسنا الحديث عن الفروقات بيننا وعن القضايا المشتركة وإن لم تضع الكنيسة الأطر والبرامج لتفعيل التفاعل الصحي بيننا. وربما يكون شهر رمضان شهرا مناسبا لتخصيص العظات لهذا الأمر.
نعم، جاء شهر رمضان. وأنا اقول لكل المسلمين والمسلمات في هذا العيد أفرح لفرحكم وكل عام وأنتم بخير وأدعو الله أن يرعاكم ويُنعم عليكم ببركاته. أؤكد محبتنا لكم دون انكار الفروقات العقائدية بيننا. فكمسيحي أقبل كل ما يقوله الكتاب المقدس الموجود في أيدينا اليوم وكل ما يتوافق مع الكتاب المقدس في قرآنكم. وأقول للمسيحيين: لننمي محبتنا للمسلمين بخدمتهم والصلاة من أجل بركتهم وتحفيز كنائسنا على تطوير آليات حكيمة للتفاعل مع أولاد بلدنا المسلمين والمسلمات بمحبة وحق واحترام.