حالاً بعدما واجه الله قايين من جهة قتله لأخوه هابيل، قال قايين للرب:
" ... ذَنْبِي أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُحْتَمَلَ." تكوين 4: 13.
نعم الانسان الطبيعي طالما يحمل الكثير من الخطايا الصعبة معه طول حياته، ويطارده الشعور بالذنب المستمر وكثيرًا ما يكون ذلك الذنب كما وصفه قايين: "أعظم من أن يُحتمل"، مما يضفي على الإنسان الشعور بالإحباط والفشل، فقدان الرجاء، وعدم الرغبة في الحياة.
لقد أنكر بطرس المسيح، وشتم ولعم أنه لا يعرفه:
" 70 فَأَنْكَرَ قُدَّامَ الْجَمِيعِ قَائِلاً: لَسْتُ أَدْرِي مَا تَقُولِينَ! 71 ثُمَّ إِذْ خَرَجَ إِلَى الدِّهْلِيزِ رَأَتْهُ أُخْرَى، فَقَالَتْ لِلَّذِينَ هُنَاكَ: وَهذَا كَانَ مَعَ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ، 72 فَأَنْكَرَ أَيْضًا بِقَسَمٍ: إِنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ الرَّجُلَ، 73 وَبَعْدَ قَلِيل جَاءَ الْقِيَامُ وَقَالُوا لِبُطْرُسَ: حَقًّا أَنْتَ أَيْضًا مِنْهُمْ، فَإِنَّ لُغَتَكَ تُظْهِرُكَ، 74 فَابْتَدَأَ حِينَئِذٍ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: إِنِّي لاَ أَعْرِفُ الرَّجُلَ! وَلِلْوَقْتِ صَاحَ الدِّيكُ. 75 فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ يَسُوعَ الَّذِي قَالَ لَهُ: إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ تُنْكِرُني ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. فَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا. " متى 26.
قبل سقوط بطرس بإنكار المسيح، قام بمجادلة المسيح الذي حذَّر التلاميذ جميعًا من أنهم سيشكون به وينكرونه. لقد كَذَّبه بطرس وتفاخر بأنه حتى لو ضعف الجميع سوف لا يضعف، وهو مستعد أن يذهب مع المسيح حتى إلى الموت (متى 26: 31-35). طبعًا فشلت توقعات بطرس وسقط في الخطية، استخف بكلام المسيح وأنكره. هذا بالطبع اسقطه بالشعور بالذنب والفشل فبكى بكاءً مُرًّا (متى 26: 75).
تُرى كيف تعامَل المسيح مع بطرس بعد قيامته من جهة ما فعله؟
وكيف تحرر بطرس من الشعور بالذنب؟
1- أشاع لبطرس خبرًا خاصًا بأنه قد قام:
لقد قال الملاك للمريمات:
" .. اذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلاَمِيذِهِ وَلِبُطْرُسَ: إِنَّهُ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ كَمَا قَالَ لَكُمْ." مرقس 16: 7.
أنا أتخيل بطرس، الذي كان يظن أنه مرفوضًا نظرًا لما فعله، يتساءل قائلاً: هل قال لكم الملاك فعلاً "قلن للتلاميذ ولبطرس؟"، "هل أنا لا أزال مقبولاً من المسيح؟"، "هل لا يزال المسيح يحترمني ويثق بي؟". هذه كانت الجرعة الأولى التي أعطاها المسيح لبطرس ليحرره من الشعور بالذنب.
2- لقد كان بطرس أول من قابله يسوع من الرجال بعد قيامته:
بعدما تقابل تلميذا عمواس مع المسيح ذهبا وقالا للتلاميذ:
" .... إِنَّ الرَّبَّ قَامَ بِالْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ." لوقا 24: 34.
أيضًا قال بولس عن المسيح: " 4 وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ، 5 وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا (أي لبطرس) ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ." 1 كورنثوس 15.
وعلى الأرجح كان بطرس أول من قابله يسوع بعد القيامة ليحرره من الشعور بالذنب والرفض، ويؤكد له كم هو مقبول ومحبوب. فإن قبول الله لنا ليس مبنيًّا على حُسن أعمالنا وسلوكنا بل على نعمته ودم يسوع ابنه.
3- لم يؤثر إنكار المسيح على دعوة بطرس:
إن دعوتنا ليست مرتبطة باستحقاقنا، لكن بنعمة المسيح. وهذا يحررنا في الشعور بعدم الأمان. فقال المسيح لبطرس بعد القيامة:
" .... يَاسِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هؤُلاَءِ؟ قَالَ لَهُ: نَعَمْ يَارَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ. قَالَ لَهُ: ارْعَ خِرَافِي." يوحنا 21: 15.
4- لقد طرد المسيح الشعور بالذنب عن طريق منح بطرس الإدراك الصحيح:
لقد اعتقد بطرس أن قدراته وأعماله للمسيح هي التي ستجعله الأفضل لدى الرب، لكن في نفس الحادثة السابقة قام المسيح بتصحيح مفاهيمه المغلوطة. لذلك سأله المسيح: " يَاسِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هؤُلاَءِ؟" أي كأنه يقول له: " الذي سيجعلك أفضل من باقي الرسل يا بطرس هو أن تحبني أكثر منهم، وليس أن تعمل لي أعمال أكثر، أو إن تكون لديك قدرات أكثر".
ولقد رأينا فعلاً كيف أن بطرس تحرَّر تمامًا من الشعور بالذنب في عظته الثانية في سفر الأعمال في الهيكل، مُتَّهِمًا اليهود بأنهم أنكروا المسيح أمام بيلاطس قائلاً:
" 13 إِنَّ إِلهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، إِلهَ آبَائِنَا، مَجَّدَ فَتَاهُ يَسُوعَ، الَّذِي أَسْلَمْتُمُوهُ أَنْتُمْ وَأَنْكَرْتُمُوهُ أَمَامَ وَجْهِ بِيلاَطُسَ، وَهُوَ حَاكِمٌ بِإِطْلاَقِهِ. 14 وَلكِنْ أَنْتُمْ أَنْكَرْتُمُ الْقُدُّوسَ الْبَارَّ، وَطَلَبْتُمْ أَنْ يُوهَبَ لَكُمْ رَجُلٌ قَاتِلٌ." أعمال 3.
لم يكن كلامه هذا كلام رجل مُرائي، اعتبارًا أنه أنكر المسيح قبلاً، بل كان كلام مؤمن تحرر من الشعور بالذنب تمامًا عن طريق حنان المخلص يسوع المسيح ودمه وقوة قيامته.
كذلك المرأة السامرية، التي بحسب تحليل الباحثين كانت تذهب للبئر ليس في ساعات العصر كعادة النساء، بل في منتصف النهار، لأنها لا تريد أن تتقابل مع باقي النساء تجنُّبًا لنظراتهم الدَيَّانة، ولشعورها بالذنب المزمن، الرفض، الوحدة والانعزال. لكن بعدما تقابلت مع المسيح تحررت تمامًا من الشعور بالذنب وذهبت إلى القرية بِجُرأة وجهارة قائلةً: " هَلُمُّوا انْظُرُوا إِنْسَانًا قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هذَا هُوَ الْمَسِيحُ." يوحنا 4: 29 (أي قال لها المسيح أنه كان لها خمسة أزواج، وهي تعيش الآن في علاقة زنا غير مشروعة).
فلماذا انطلقت بسرور وتشوق من المسيح وكلامه ؟
لأنه حررها من الشعور بالذنب، وقال لها كم هي مقبولة ومحبوبة بالرب الذي أعطاها مياه تروي عطشها في هذا العالم وتغسل شعورها بالذنب وبصغر النفس والعار.
أتريد أن تتحرر من ثقل الشعور بالذنب؟ ربما حاولت التخلص منه عن طريق إدانة الآخرين أو إبراز عيوبهم، أو مقارنة نفسك بهم لكي تشعر كم أنت افضل منهم وكيف أن وضعك جيد.
تعال ليسوع لكي يعطيك مياه ترويك وتغسلك من أي ثقل وشعور بالذنب، وتملئك بثقة، وتغمرك بمحبة وقبول المسيح لك. أنت محبوب في المسيح ومقبول، وسوف لا يؤثر هذا على نظرة أو دعوة المسيح لك، لأنه قال:
" ... مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا." يوحنا 6: 37.