هويتنا في هذه البلاد معقّدة وذات مكونات متناقضة. فنحن مسيحيين، انجيليين، عرب، فلسطينيين وربما ايضاً إسرائيليين. فمن جهة ننتمي للشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده ومن الجهة الأخرى نتبع لدولة إسرائيل كمواطنين فيها . طرفا الهويات المذكورة متورطان في صراع مرير وقديم وما زالا متناحرين ومتصارعين. هناك تناقضات واحتكاكات أخرى بين مكوّنات هويتنا ولكنني سأتطرق هنا إلى علاقة مكونات عنصر الهوية "انجيلي" (والقصد هو ما يسمى الكنائس الكتابية و/ أو المؤمنة بالولادة الجديدة) مع عنصر "المسيحي" والعلاقة بينهما.
أهمية طرح هذا الموضوع للنقاش الآن تكمن في تنظيم الانجيليين في البلاد في السنين الأخيرة ككتلة واحدة وازدياد عددهم ودخولهم للحيّز العام كعائلة كنسية صاعدة ونشطة بين الكنائس المسيحية في البلاد.
لا يتعدى عدد المسيحيين العرب في بلادنا المائة والخمسين ألفا ونسبتهم تراوح 2% فقط. الأعداد والنسب لا تختلف كثيراً عند مسيحيي الضفة الغربية وغزة ايضاً. ولا يختلف اثنان أن المسيحيين العرب يعانون أيضاً كأقلية في العالم العربي ككل. إذ يخضع المسيحيين لتوجه سلبي من الأغلبيات الحاكمة في الشرق الأوسط. إنهم يعانون التهميش في بعض الدول ، الاضطهاد والكبت في غيرها، التمييز في أصناف معينة ومساواة وحرية معقولة في احداها (لبنان هي الاستثناء الذي يفضح القاعدة السائدة من الديكتاتوريات).
يشعر كل مسيحي (والانجيلي لا يختلف البتة) في أعماق كيانه أنه جزء من المسيحيين العرب حيثما تواجدوا - إن كان ذلك فلاحي الصعيد المسيحيين في مصر، التجار اللبنانيين اللبقين والأنيقين في ريو داجينيرو في البرازيل أو حتى عاملي التشحيم من العرب المسيحيين في كراجات لانسينغ ميتشيغان في الولايات المتحدة.
إننا نحزن لأحزانهم ونفرح لفرحهم. حزنا للعملية الارهابية في كنيسة سيّدة النجاة في بغداد وفرحنا للنجاح المنقطع النظير للبروفيسور حسام حايك. حزنا لهجرة مسيحيي بيت لحم غرباً ولكننا فرحنا لشهادة كنيسة قصر الدوبارة في ثورة 25 يناير في مصر.
من الجهة الأخرى ونظراً لكون الكنيسة الانجيلية حديثة العهد في شرقنا ولأنها أسست ركيزتها على أعضاء وفدوا اليها من الكنائس اخرى فان هذه الأخيرة تنظر بسلبية اليها، تسعى لتجاهلها، تحاربها أو على الأقل تسعى لتهميشها، كلما يسمح الحال.
تتهم الكنائس المسيحية الانجيليين بـ "سرقة الخراف"، انسلاخ عن الخط الوطني (نظراً للاهوت سابقي الألف وعلاقات مع كنائس شبيهة في الغرب)، تشرذم وانقسام (لتعدد الشيّع والمجموعات وافتتاح كنائس جديدة في قاعات مستأجرة دون مرجعية أو رئاسة واضحة) وعقائد لاهوت بعيدة كل البعد عن عقائدهم (وخاصة انعدام الليتروجية ورفض شفاعة القديسين ومريم العذراء).
بالمقابل يرد الانجيليون ويضيفون اتهامات من طرفهم أيضاً. يقول الانجيليون بأن هذه الخراف كانت مهملة وتائهة ولا احد يسأل عنها وكان يجب شكر الانجيليين لأنهم عرّفوا هذه الخراف التائهة على الراعي الصالح. أما بخصوص الوطنية المزعومة فان الانجيليين يجيبون فيما يجيبون بوجوب تعريف الوطنية الحقيقة بشكل صحيح بعيد عن الشعارات ليشمل العمل الدؤوب لخدمة شعبنا. أما الشرذمة والعقائد فان ذلك يأتي في إطار التعددية التي سمح بها الرب ولاهوت الانجيليين وشفاعة يسوع وحده مؤسسين على عامود الحق وقاعدته وهو كلمة الرب الموحى بها.
هل بالإمكان جسر الهوّة بين الانجيليين والمسيحيين الآخرين وما هو واجبنا كانجيليين للسير ميل آخر باتجاة باقي المسيحيين؟
ان أعدادنا ونسبنا المنخفضة كمسيحيين في الشرق تحتم علينا إيجاد الوسائل لفحص كيفية تقريب وجهات النظر دون المساومة في إيماننا الانجيلي. إن نجحنا فإننا سنضيف بنعمة الرب قطعة جميلة من الانجيليين بنشاطهم وعلاقاتهم على لوحة المجتمع المسيحي ككل. ان هذه القطعة الجميلة كلنا ثقة ستثري باقي أجزاء اللوحة لمجد الرب في الأراضي التي وطأت رجلاه ثراها قبل ألفي عام ونيف.