ترافق احتفالات الميلاد في كل العالم مظاهر خارجية جميلة من زينة وأشجار العيد وسانت كلوز والهدايا المقدمة والولائم والحلوى والمسيرات.
يشترك في هذه المظاهر المسيحيون من كل فئاتهم مع ان كثيرين منهم لا يعيرون الإيمان الذي دعي اسمه عليهم أية انتباه خلال أيام السنة العادية. كما يشترك غير المسيحيين في هذه المظاهر الخارجية اذ يستمتعون بأجواء العيد، ولا ضير في ذلك.
غير أن ما يثير الحفيظة هو عبارات التعريفات المستحدثة التي نسمعها خلال فترة الميلاد حول العيد ومعناه وهي غريبة عن قصة الميلاد كما جاءت بالإنجيل.
إن أكثر ما يتردد على الألسن إن عيد الميلاد هو عيد السلام. فأخذ العديد من الناس ما بشّر به الملائكة الرعاة في حقل بيت ساحور وفهموا منه ان السماء أعلنت حلول السلام بمجيء الطفل يسوع بقولهم "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسّرة". فأخذنا نسمع التصريحات عن الميلاد كفرصة للحديث عن السلام السياسي بين الشعوب.
أي سلام أعلنه الملائكة ؟ لم يرافق ميلاد المسيح سلام بين الشعوب. ما حدث فعلاً هو اضطرار يوسف ومريم الهرب مع يسوع من بيت لحم إلى مصر وبالمقابل يأمر هيرودس بارتكاب مجزرة أطفال فظيعة في بيت لحم محاولاً القضاء على الطفل يسوع.
ما بشّرت به الملائكة ليلة الميلاد هو سلام بين الإنسان والخالق اذ ان الصلح أصبح متيسراً بتجسد الله بيسوع المسيح على هذه الأرض- الأمر الذي سيطبًق بالموت على الصليب.السلام مع الله سيقود لسلام مع البشر لكن بانعدام هذا الصلح مع الله بالصليب فالحديث عن السلام بين الشعوب في الميلاد هو من طور الأمنيات فحسب.
كما نسمع التصريحات خلال العيد أن عيد الميلاد هو عيد تقبل الآخر. صحيح أن الرب يسوع دعي للمحبة وتعاليمه احتوت أسمى تعاليم التعايش. ولكنه من الناحية الأخرى أوضح جيداً ماهية هويته وليس من حق الإنسان أن يساوم ويعتبره برومانسية كطفل المحبة وتقبل الآخر فحسب. إذ هو أعلن عن نفسه انه الطريق، الباب، الحياة ، الألف والياء وأكد أن لا احد يأتي إلى ألآب إلا بواسطته. فتقبّل الآخر حيوي للحياة المشتركة ولكن ليس على حساب المساومة حول هوية المسيح.
هناك مشاعر تجد لها تعبيراً في فترة الميلاد هي محبة لطفل العيد ، فالكل يتعاطف مع الطفل المولود في مذود في بيت لحم بعد أن لم يجد مريم ويوسف له مكان في المنزل. من الجهة الأخرى يرفضون صلبه وموته. فكأننا نعانق الميلاد ولكن نتحفظ من العيد الكبير (وأصبح بفعل التجارة هو العيد الصغير).
إن هذه الانتقائية من الإنجيل مريحة للأقلية العربية المسيحية في بلادنا خاصة وفي الشرق عامة. إذ نسعى لمجاملة الأغلبية بما هو متفق عليه متفادين المواجهة فيما نختلف عليه ويشمل ذلك حتى عقائد إيماننا. فنفسر السلام المعلن من الملائكة بالمفهوم الخاطئ ، ندعو لتقبل الآخر حتى لو على أساس المساومة على عقيدتنا بخصوص هوية الرب يسوع وكما يسعى البعض لقبول صورة المسيح الطفل لكن نرفض رسالته الأساسية بالصليب وكل ذلك حساب الحق الإلهي المعلن بالإنجيل.
هل نقبل صورة رومانسية بعيدة عن الواقع أو منقوصة في أحسن الأحوال عن المسيح أم نصّر على صورة المسيح الكاملة الحق بحسب الإنجيل المقدس؟