توضيح لموضوع الفكر التدبيري

تعجبت من سرعة ردّ الأخ الفاضل شكري حبيبي، لكني فهمت أنه سبق وكتب كتابًا عن الموضوع وأطلب من الله أن يبارك حياته وخدمته. تجاهله للآراء الأخرى مفهوم، لكن إنكار وجودها غير مقبول روحيًا وأكاديميًا.
19 مارس 2021 - 20:54 بتوقيت القدس

الحقيقة أنني كتبت وبأمانة أنني مجرّد تلميذ قديم، أستعرض رؤيتي وفهمي لأحداث المستقبل. 

في بعض أفكار قصيرة، سأردّ لمرّة واحدة وأخيرة على بعض الأفكار التي طرحها أخي توضيحًا وليس دفاعًا. كنت قد وضّحت الموضوع حسب نصوص الكتاب، لكن هنا سأورد بالأخص آراء آباء الكنيسة الأوائل في الموضوع.

1) بعكس الكاتب الفاضل، سلسلة مقالاتي الخمسة كانت المرّة الأولى التي أكتب فيها عن موضوع الأخرويات بالتفصيل. أقول ذلك لأني رغم أنني اقدّر الكلمة النبوية جدًا، لكنني لاحظت أنها صارت في العقود الأخيرة أرضًا خصبة للتعبير عن المواقف السياسية والتعاطف الإنساني تجاه إسرائيل أو فلسطين فتبنّى الكثيرون ما يناسب توجّههم الإنساني، دونما دراسة عميقة للموضوع كتابيًا.

2) عندي عليك يا عزيزي شكري أنك من المقال الأول حكمت أن كل الفكر التدبيري خاطئ وبجرأة كتبت بصورة عامة وسطحية دون الدخول في تفاصيل الموضوع الدقيقة. منذ القرن الميلادي الأول كان هناك آباء ينادون بموضوع التدابير (طرق تعامل الله المختلفة مع الناس). مثلاً يوستين الشهيد وبعده ايريناوس وترتليانوس (في القرن الثاني) فصّلوا أربعة تدابير مختلفة وقد رآها الأخير مقابلة لأربع حيوانات سفر الرؤيا (4: 7). هناك أيضًا فيكتورينوس وميثوديوس في القرن الثالث وقد دعا الأخير المُلك الألفي باسم "التدبير الجديد". لقد توقّفوا بجملتهم عند أربعة تدابير ربطوها برباعيات كثيرة في العهدين مثل أربع أشجار مثل يوثام (قض 9: 8- 15) وأربع أنهار الجنة والأناجيل الأربعة.

للتدقيق أقول: وفقًا ليوستين، التدابير هي: 1) أخنوخ/نوح 2) إبراهيم 3) موسى 4) المسيح وبعده الملك الألفي. ترتليانوس يشبهه لكنه يضع آدم أولاً. حسب فكر ايريناوس: 1) آدم الى نوح 2) نوح الى موسى 3) موسى الى المسيح 4) المسيح الى الأبدية. للتوسّع، أنظر بالانجليزية: 

https://digitalcommons.liberty.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=1036&context=pretrib_arch

http://www.timothycochran.com/dispensational_theology/rudiments_p2.html

في القرن التاسع عشر كان لجون داربي دور هام في توضيح وتنظيم الفكر التدبيري ولكن هل يقلّل هذا من أهمية الموضوع لأنه وضّحه (ولم يخترعه!) قبل مئتي سنة؟ بنفس التوجّه، هل طرح مارتن لوثر لموضوع الخلاص بالإيمان وحده خطأ لمجرّد أنه عرضه في القرن السادس عشر؟ أليس هذا فكر الكتاب والذي تمسكت به الكنيسة الأولى ايضًا؟

3) أسلفتُ في مقالي الأول أن هذا الموضوع عميق ومتخالف عليه وليس مرتعًا للوعظ وأقول أيضًا ليس للكلام المُرسل دونما تدقيق نصّي. مثلاً، قلتَ يا عزيزي: "ظهور الوحش أو ضد المسيح؟ نعم لقد تمّت النبوءة بظهوره في القرن الميلادي الأول"... هكذا تَبحث موضوعًا كهذا وتتحوّل مباشرة لموضوع آخر هو روح ضد المسيح؟؟!! مثل آخر: "إن الضيقة العظيمة... في متى 24 وتكلّم عنها سفر الرؤيا قد تمّت في القرن الميلادي الأول" ثم تحوّلت للكلام عن الضيقات المتنوعة في العالم. في مكان آخر تقول: "الكنيسة في كل العصور، كانت تعتقد أن نبوءة المسيح في بشارة متّى 24 قد تمّت عام 70 ميلادية"... تفضّل يا عزيزي، أنظر هذا الحوار (11# يورد قائمة مفصّلة بالآباء الذين رأوا أن النص مستقبلي). 
https://bibleforums.org/forum/christ-life/end-times-chat/72615-church-fathers-and-matthew-24 

هنا سترى آباء الكنيسة الأوائل برناباس، ايريناوس، هيبوليتوس، لاكتانتيوس، فيكتورينوس وغيرهم. لقد تكلموا بوضوح عن متّى 24 وأسبوع دانيال الأخير كمستقبليين.

4) في مقالي الثالث ذكرت عشرة اختلافات بين الاختطاف والظهور موثّقة بالآيات، لكنك لم تفنّدها بل مجرّد حكمتَ أن هذا غير صحيح... ليتك ناقشتها فلربما كنتُ محقًا في بعض ما أقول.

5) هل هكذا وبجرّة قلم تقرّر أن " يوم الخمسين... يوم إتمام الله لوعوده الكاملة لشعب إسرائيل".. ماذا عن وعوده الأرضية... ألا تعلم أن يوستين الشهيد، ترتليانوس، اوريجانوس، يوحنا فم الذهب، جيروم (ايرونيموس)، كيرلّس الأورشليمي وغيرهم كتبوا عن تعامل الله المستقبلي مع اليهود كأمّة بالارتباط برسالة رومية 11. للاستزادة، أنظر البحث الأكاديمي: 
https://tms.edu/m/tmsj19c.pdf
سؤال: هل الهيكل المذكور في حزقيال هو روحي أيضًا والأشوري وجوج والدينونات الرهيبة وتغيير طباع الحيوانات وسكناها معًا وأسبوع دانيال السبعين... هل درست بعمق هذه كلها وغيرها في سياقها لتخلّص الى هذه الاستنتاجات والأحكام؟؟؟!!

أخيرًا اسمحوا لي أن أعبّر عن محبتي لك أخي شكري ولكل من يتمسكون باللاهوت التدبيري وكذلك للذين يرفضونه تمامًا ويتمسكون باللاهوت الفلسطيني... اخوتي، الفكر الأخروي مهما كان لا يُخلّص، لا تدعوه يستحوذ عليكم... أدرسوا كتاب الكتب بدقّة وبروح الصلاة وتمتعوا بشخص المسيح فيه دونما أفكار مسبقة وان اقتنعتم بتوجّه أُخروي ما فالرب يبارككم ويستخدمكم لمجد شخصه ولتقدّم الانجيل. 

موضوع الأخرويات عميق ومركّب أشبّهه بلوحة فسيفسائية تتطلّب منّا البحث الروحي والكتابي بجهد وتمييز لوضع كل حجر في مكانه الصحيح، كيما تتّضح الصورة شيئًا فشيئًا... نعم، هناك أسئلة صعبة حوله ليس لأحدٍ جواب كافٍ لها... لكن لا تدعوها تكون سبب خلاف يمزّق علاقتنا ووحدة قلوبنا في الايمان المسلّم مرّة للقديسين.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا