ونحن نُودِّع عامًا ونستقبل عامًا جديدًا، كل منا يفكر بما انجزه بهذه السنة، يتأمل بالامور الايجابية ويذكرها بقلب سعيد، ويذكر السلبية ويتمنى ان لا تعود وربما يتعلم العِبَر منها.
كلنا نريد ان نسير في طريق النجاح والازدهار، ولا احد منا يرضى بأن يتوه في طريق هذه الحياة، وان يخفق في انجاز ما تمناه.
اسمع كثيرًا التعبير من بعض الاشخاص قائلين اننا نريد ان نجد طريق السعادة، طريق الراحة وهداة البال، ولكن غالبًا نرى من حولنا انهم غير راضين من حالتهم الشخصية، من علمهم واعمالهم، يجتهدون اكثر واكثر ولكن يبقى ذاك الفراغ في القلب، كانهم لم ينجزوا شيء.
يبحث الانسان عن امور عديدة لعلها تُشبع قلبه، واحيانًا يلجأ الى الامور والمواضيع الدينية لعلها تَفي بالوعد، ونسمع عن اشخاص كثيرين التزموا بتيار ديني معين، ولكن سرعان ما يغيروا هذا الفكر وهذا المذهب لآخر.
ومن بعض الطُرق التي يتمسك بها الانسان:
- الانتماء الى دين معين:
لكن نرى عادة من يلتزم بدين معين انه يصبح متشدد الافكار ورافض الغير وكل من هم حوله، هو الصادق بشكل مطلق والآخرين على خطأ. لكن هل هذا الالتزام وهذا الانتماء يُشبع القلب بالفعل؟ وهل كانت مشيئة الله الانتماء لدين معين؟ وهل الله فعلًا هو من وضع "الاديان"؟
- ممارسة الاعمال الحسنة والاعمال الخيرية:
احيانًا يريد من يقوم بهذه الاعمال، بان يعلم الجميع بما فعلوا وما قدموه للآخرين، وان لا فان هذا الامر يُخذلهم ويُحزنهم.
لا يُفهم من الكلام بان لا نقدر من يعمل الاعمال الحسنة، حاشا! لكن نذكر تعليم الرب يسوع انه من اراد ان يُعطي ففي الخفاء، وان لا تعلم يمينه ما تفعله يساره.
- الصلوات والاصوام:
وعادة ما تكون في اوقات الاعياد والمواسم، وبانها تكون جماعية ومُمنهجة، الجميع يعرف بها والجميع يراها. ولكن ايضًا هنا علمنا ربنا يسوع ان تكون صلواتنا واصوامنا في الخفاء، لا كالمرائين!
- الانتماء الى مذهب علماني او سياسي:
من الممكن ان يلتزم الانسان في خدمة سياسية، من منطلق المحبة والعطاء لبلده، وان يكون انسان مُؤمن من قلب صادق، او ان يكون عالم وباحث من دون ان يساوم بالحق الالهي، مثل الاجهاض مثلًا.
لكن هناك من يفتخر بعلمه ومعرفته، بل ويُنكر الايمان والكتاب المقدس، هذا الامر يذكرني بما قاله الحكيم سليمان في كتاب الجامعة:
"من هذا يا ابني تحذر، لعمل كُتب كثيرة لا نهاية، والدرس الكثير تعب للجسد. ويقول ان ختام الامر هو ان نتقي الله ونحفظ وصاياه، لان هذا هو الانسان كله".
من الممكن ان نذكر امور عديدة اخرى، ولكن لنذكر ما قاله سليمان في كتاب الامثال بان طُرق الانسان امام عيني الرب، وهو يَزِن كل سُبله (امثال 21:5)، ويقول ايضًا ان كل طُرق الانسان نَقِيَّةٌ في عيني نفسه، والرب وازن الارواح (امثال 2:16)، والاصعب من هذا انه توجد طريق تظهر للانسان مستقيمة، وعاقبتها طرق الموت (امثال 12:14 ، 25:16)، نرى ان سليمان يكرر هذه العبارة مرتين لانها مهمة جدًا، وتتعلق بمصيرنا الابدي واين سوف نقضي ابديتنا؟
السؤال هو بأي طريق نسير نحن اليوم؟ وهل نحن على يقين انها طريق حسنة وصالحة؟ من وما يُؤكد لي ذلك؟
في القديم ذكر لنا اشعياء النبي ان هناك وعد لنا، بأن تسمع أذناك كلمة خلفك قائلة:
" هذه هي الطريق، اسلكوا فيها " (اشعياء 21:30)، وبانه توجد سِكَّة وطريق يقال لها "الطريق المقدسة"، لا يَعبُر فيها نجسٌ، بل هي لهم، من سلك في الطريق حتى الجُهال، لا يضل، ويسلك المفديون فيها. (اشعياء 8:35).
من الممكن ان نسأل، ما هي هذه الطريق؟ اهي دين او كتاب او تعاليم او مذهب؟ ومن هم هؤلاء الذين يسيرون بها؟
وعد الرب يسوع في ايام تجسده تلاميذه بانه سوف يمضي ويُعِد لهم مكان، وانه سوف يأتي ويأخذهم ايضًا، وحيث يكون هو يكونون هم ايضًا، وقال لهم تعلمون حيث انا اذهب وتعلمون الطريق، عندها قال له توما:
"يا سيد، لسنا نعلم اين تذهب، فكيف نقدر ان نعرف الطريق؟"
اجابه يسوع "انا هو الطريق والحق والحياة، ليس احد يأتي الى الآب الا بي".
اعلن الرب يسوع هذا الاعلان المبارك لتوما وللتلاميذ، وما يزال هذا الصوت المبارك يُدَوِّي في قلوب المؤمنين، ومُعلِن ومنادي لكل من له اذنان للسمع انه ليس هناك عدة طُرق للسعادة والفرح والسلام الحقيقي، ليس هناك عدة طرق لتصل الى قلب الانسان الفارغ الحزين، ليس هناك عدة طرق تصل قلوبنا وافكرنا بقلب الله الاب القدوس، وفي النهاية توصلنا بالجسد الى بيت الآب، بل انها طريق واحدة ووحيدة وفريدة، انها الطريق المقدسة، مقدسة لان القدوس البار رب المجد يسوع المسيح سار بها من قبلنا، وكل من يتبعه بقلب صادق حتى النهاية سوف يصل الى الآب القدوس، الى السماء والابدية.
اقول انها ليست الطريق، بل اقول انه هو الطريق، الطريق الوحيد المطلق، حيث لا شك ولا ظن ولا خوف، بل كل من يسير بالطريق ينال الاعلان بالحق الالهي، وكلما عرفنا الحق اكثر،نتحرر من قيودنا وافكارنا البشرية الدنيوية، ونمسك بالحياة من كل القلب، الحياة الابدية اي يسوع المسيح.
هو وحده الطريق، هو وحده الحق والحياة، يسوع المسيح ابن الله، ليس بالكلام والاعلان فقط، بل قبل كل شيء بالعمل، لان يسوع كان يعمل وبعدها يُعلم، وهو من ذكره لنا كاتب رسالة العبرانيين، انه بدم يسوع لنا ثقة بالدخول الى الاقداس، طريقًا كرَّسه لنا حديثًا حيًا، بالحجاب، اي جسده، وكاهن عظيم على بيت الله. ( عبرانيين 19:10).
هو وحده الطريق، جسده، الذي سُمِّر على عود الصليب، الذي به بسفك دمه صالحنا مع الله الآب، فهل ننكر نحن ذواتنا وافكارنا وطرقنا التي تؤدي الى الموت، ونحمل صليبنا ونتبع يسوع المسيح الطريق الوحيد؟
ليتنا جميعًا نترك طريق قايين وضلالة بلعام لاجل أُجرة ( رسالة يهوذا 11 )، ونتمسك بكل قلوبنا بالطريق الوحيد الذي يوصل بنا الى بيت الآب.