معارضة المعلّقات العشر (٤) مُعَلّقة عنترة بن شدّاد

04 يناير 2011 - 02:50 بتوقيت القدس

أقتبس من الرابط المذكور أدنى بتصرّف: {أرجَعَ التبريزي سبب نظم المعلّقة إلى الظروف التي أعقبت حرية عنترة واعتراف أبيه به؛ قيل أنّ واحداً من بني عبس شتمَهُ وعَيّرَهُ بأمّهِ وسَخِر منه لسواد لونه، فاٌنبرى عنترة إلى الإفتخار ببسالته ووصف فروسيته، متحدّياً خصماً قال له (أنا أعظم شاعرية منك) فإذا صحّت هذه الرواية تكون معلقة عنترة أولى قصائده الطوال وأجودها، إذ لم يُذكَر له قبلها سوى أبيات متفرّقة ومقاطع قصيرة.
تكاد معلقة عنترة تكون محدّدة الأغراض، فهو يستهلّها كسائر الجاهليّين؛ بذكر الأطلال ووصف الفراق، ثم ينتقل إلى ذكر عبلة حبيبته ووصفها، مفتخراً بمناقبه الأخلاقية وفروسيته، ثمّ وصف الخمرة والإعتداد بكرمه، حتى ينتهي إلى وصف قوّته ونيله من أعدائه وتفوّقه في الحرب والقتال... إلخ} انتهى. وقد اخترت منها الأبيات التالية:

هَلْ غادَرَ الشُّعَرَاءُ مِن مُترَدَّمِ -- أمْ هَلْ عَرَفتَ الدَّارَ بعدَ توَهُّمِ
يا دارَ عبلة بالجواءِ تكَلَّمي -- وعِمِيْ صباحاً دارَ عَبلة واٌسلَمي
حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تقادَمَ عَهْدُهُ -- أقوى وأقفرَ بَعدَ أمِّ الهَيثمِ
حَلَّتْ بأرضِ الزَّائِرين فأصْبَحَتْ -- عسراً عَلَيَّ طِلابُكِ اٌبنة مَخْرَمِ
ولقد نزلتِ فلا تظُنِّي غَيرَهُ -- مِنّي بمَنزِلةِ المُحِبِّ المُكْرَمِ
إن كنتِ أزمَعتِ الفِراقَ فإنَّمَا -- زَمَّتْ رِكابُكُمُ بليلٍ مُظْلِمِ
ما رَاعَني إلاَّ حَمولَةُ أهلِهَا-- وَسْطَ الدِّيَارِ تـَسفُّ حَبَّ الخِمْخِمِ
إذ تستبيكَ بذِي غُروبٍ واضِحٍ -- عَذبٍ مُقَبَّلُهُ لذيذِ المَطعَمِ
وكأنَّ فارَة تاجرٍ بقسِيمَةٍ -- سَبَقتْ عوَارِضَها إليكَ مِن الفمِ
أوْ رَوْضَةً أُنُفاً تضَمَّن نبْتَهَا -- غيْثٌ قليلُ الدَّمْنِ ليسَ بمَعْلَمِ
جَادَتْ عَليهِ كُلُّ بِكرٍ حُرَّةٍ -- فترَكن كُلَّ قرَارَةٍ كالدِّرْهَمِ
أثْنِي عَليَّ بمَا عَلِمْتِ فإنَّني -- سَهْلٌ مُخالقتي إذا لمْ أُظْلَمِ
وإذا ظُلِمْتُ فإِنَّ ظُلمِيَ بَاسِلٌ -- مُرٌّ مَذاقتُهُ كطَعمِ العَلقمِ
ولقد شرِبْتُ مِن المُدَامَةِ بَعْدَما -- رَكَدَ الهَواجرُ بالمَشوفِ المُعْلَمِ
فإذا شَرَبْتُ فإنَّنِي مُسْتهْلِكٌ -- مَالي، وَعِرْضي وافِرٌ لَم يُكلَمِ
وإذا صَحَوتُ فما أقصِّرُ عن نَدَىً -- وكما عَلِمتِ شمائِلي وتكرُّمي
هَلاَّ سألتِ الخيلَ يا اٌبنةَ مالِكٍ -- إن كُنْتِ جاهِلةً بمَا لم تَعْلمِي
يُخْبرْكِ مَنْ شَهِدَ الوَقيعَةَ أنَّنِي -- أَغْـشى الوَغى وأَعِفُّ عِنْدَ المَغنمِ
***
يا شَاةَ ما قنَصٍ لِمَنْ حَلَّتْ لهُ -- حَرُمَتْ عَلَيّ وليْتها لم تـَحْرُمِ
فبَعَثْتُ جَارِيَتي فقلتُ لهَا اٌذهَبي-- فتجَسَّسِي أخبارَها لِيَ واٌعْلَمِي
قالتْ رَأيتُ مِن الأعادِي غِرَّةً -- والشَّاةُ مُمْكِنةٌ لِمَن هُوَ مُرتمِي
يَدْعُون عَنترَ وَالرِّماحُ كَأَنَّها -- أشْطانُ بئرٍ في لَبانِ الأدْهَمِ
مازِلْتُ أرْمِيهِمْ بثُغْرَةِ نحْرِهِ -- ولبانِهِ حَتَّى تسَرْبَلَ بالدَّمِ
فاٌزوَرَّ مِنْ وَقعِ القنا بلِبانِهِ -- وشكَا إليّ بعَبْرَةٍ وتحَمْحُمِ
لو كان يَدْرِي مَا المُحاوَرَةُ اٌشتكى -- ولكان لو عَلِمَ الكلامَ مُكَلِّمِي
ولقد شَفى نفسي وأبرَأ سُقمَهَا -- قِيْلُ الفوارِسِ وَيْكَ عَنترَ أقْدِمِ
http://www.almoallaqat.com

المعارضة
----------

غادرتُ أرضاً بين فكَّي ضَيْغمِ -- وعَبَرْتُ بَحْراً لمْ يَجفّ مِن الدّمِ

وتركتُ بيئة نشأتي مُتعَثِّراً -- بفِخاخِها وقضَائِها المُتأزِّمِ

مُتشبِّـثاً بعقيدتي وقصيدتي -- لمْ أسْهُ عَن حَقّيْ ولمْ أستسلِمِ

مُسْتوحِياً أدباً يَهُمّ قضيّتي -- مِن نبعِهِ في نقدِ فِكْرٍ مُظلِمِ

فكرٍ يُحاربُ خِصْبَ كَرْمٍ كأسُهُ -- ساغتْ لقلبيَ بَلسَمَاً قبل الفمِ

حتى اٌفتقدتُ دَبيبَها ولهيبَها -- واٌنسابَ حُلْوُ مَذاقِها كالعَلقمِ

ضحّيتُ بالكأس الرّويّةِ حامِياً -- داراً وُلِدتُ وَوَشْمُها في المِعْصَم

داراً أباحَ المُستفِزّ مَتاعَها -- لأبيتَ في دارٍ كدارِ الأرقمِ

فقطعتُ شوط صِبايَ بين خنادقٍ -- وندَبْتُ حَظّاً نامِياً كالبُرعُمِ

وكتبتُ للأصحاب أنّي راحِلٌ -- لا أشتري كنز الخضوع بدِرهَمِ

فثقافة الصحراء مَصْدَرُ بدعةٍ -- بدويّةِ التصنيف لم تتقدّمِ

نزلتْ على قومٍ بَليدٍ ساذجٍ -- بنِقابها وبوجهِها المُتجهِّمِ

غاروا علينا في الظلام بغزوةٍ -- مُستذئِبين على خِرافٍ نُوَّمِ

سَلبُوا حضارتنا وخيرَ سُهولِنا -- وحُقولِنا باٌسْم الإلهِ المُسْلِمِ

عارضتُ غزوتهُمْ برُوحِ مَحَبّةٍ -- وتواضُعٍ وترفّعٍ وترنّمِ

بالمنطق المَدْرُوس صُغتُ مَقولتي -- بكرامةٍ آثرتُ صَدّ المُجرمِ

سنردّهُمْ مُستأسِدين بصَبْرنا -- وطلولِنا وزجاجها المُتهشِّمِ

حتى إذا العقلاءُ منهمْ أدركوا -- هَولَ المُصاب وسِرّ ظِلٍّ مُعْتِمِ

فتنبّهوا للضّيمِ بَعْدَ تأمّلٍ -- وتبيّنوا زيفَ المُضِلِّ الأعظمِ

شرَعُوا بتحرير العقول وقاوموا -- تكفيرَ شيخٍ حاسِرٍ ومُعَمّمِ

نفرٌ إذا اٌحتكمَ القضاءُ لرأيِهِمْ -- قالوا الصّحيحَ وسَلّموا بالمَعْلَمِ

عَرَفوا الشَّريفَ مِن اللسانِ ومِن ندى -- كفٍّ سَختْ وترفّعَتْ عن مَغنمِ

ذاك الذي وخز السّؤالُ ضَمِيرَهُ -- مُستغرِباً مِن حُكْم شرعٍ مُبْهَمِ

فاٌرتدّ ينفرُ ناقِداً أو ساخِراً -- أو صابراً بفؤادِهِ المُتألّمِ

***

وكتبتُ للشُّعراء يومَ تبرّأوا -- مِنّي بحُجّةِ جَنّةٍ وجَهَنّمِ

فتجاهلوا طُرّاً مَقامِيَ بينهمْ -- واٌستنكرَ النُّقَّادُ وَسْمَ المِيسمِ

قالوا قريضُكَ لا يُناسِبُ دِينَنا -- وتراثنا في مَحْفِلٍ مُتمَسْلِمِ

ما زلتَ تُحْرجُنا أمامَ نِسائِنا -- بمَدِيح زوجكَ والغرامِ الأعجمي

مجنون إلزا ليس في أعرافنا -- لا تـَهْرِفنّ إذاً بمَا لمْ تعْلمِ *

إنّ المجانين الذين نُجلّهُمْ -- مِن غير ذاك الصِّنف لا تتوهّمِ

فأجبتُ أنّ شريكتي وحبيبتي -- مِن عِرْق نبْتٍ ناضجٍ ومُقلَّمِ

موهوبة ٌ بثِمار فِكْرٍ نيِّرٍ -- مسرورة ٌ بخلاصِها مِن طلسَمِ

عبَرَتْ إلى بَرّ الأمانِ بوَعْـيها -- صَوبي فأهْدتني قرِيْحَة مُلهَمِ

هلّا نسَبْتُ الفضلَ لاٌبنةِ سَيّدٍ -- مَلِكِ المُلوكِ وبنتِ خير مُعَلِّمِ

لو صِرتُ عنترة ً فنِصْفِيَ عَبْلة ٌ -- أو صِرْتُ يُوسُفَ فالولاءُ لمَرْيَمِ

--------------------------------------------------------

* إشارة إلى الشاعر الفرنسي والروائي لويس أراغون (1897-1982) وقد عنون باٌسم حبيبته إلزا أربع مجموعات شعرية منها «مجنون إلزا» وأشار مصدر مطّلع إلى أنّها كاتبة من أصل روسي، مُلهِمَة الشاعر وزوجته ورفيقة دربه
____________________

الحلقة الخامسة: مُعَلّقة لبيد بن ربيعة

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. جانيت حايك 05 يناير 2011 - 14:59 بتوقيت القدس
رائع، رائع أخ رياض رائع، رائع أخ رياض
معارضات قيٌمة جدا ومعارضتك الأخيرة لعنترة شاعرية والحبية سارة كالعادة لها نصيب في المعلقة قالوا قريضُكَ لا يُناسِبُ دِينَنا -- وتراثنا في مَحْفِلٍ مُتمَسْلِمِ ما زلتَ تُحْرجُنا أمامَ نِسائِنا -- بمَدِيح زوجكَ والغرامِ الأعجمي احترامي وتقديري العظيمين
2. رياض الحبيّب 07 يناير 2011 - 12:35 بتوقيت القدس
الأخت الزنبقة جانيت: أحسنتِ الأخت الزنبقة جانيت: أحسنتِ
أسعدني مرورك المستمر وحسن تذوقك صدقتِ في قولك (والحبيبة سارة كالعادة لها نصيب في المعلقة) والواقع إنّ لجميع الأحبّاء- ومنهم حضرتك- نصيباً في هذه المعلقة وغيرها، لأنّي أعتبر الحبيبة سارة سفيرة رسمية أرى من خلالها جميع الأحبّاء بما أنها تدعمني وتشجعني وتوفر لي مناخاً ملائماً للكتابة. الرب يسوع يباركك ويزيدك نعمة فوق نعمة- آمين مع أطيب التحيات والتمنيات رياض الحبيّب
3. James Peter 08 يناير 2011 - 21:13 بتوقيت القدس
معلقات القرن 21 معلقات القرن 21
رائعة في هذا الجو الظالم .. انت اول من اعاد ذكرى معلقات الوثنيين ..جعلتها عشرة بدلا من سبعة .. نحن بعصر النت وعليها تعلق معلقاتك ولا يلزمها جدار مكة او قريش..ومن حسن حظنا انك تشاركنا بها بسخاء ..الف شكر يا ابني الرب يبارك كل اهل بيتك.سلامنا لسارة الحبيبة
4. James Peter 09 يناير 2011 - 11:05 بتوقيت القدس
اعملهم عشرين يارياض اعملهم عشرين يارياض
نسيت اقةل لك حاجة يا رياض ..هي سوق عكــاظ فين ...فجروها اولاد عيشة ؟ نتكلم من الاسكندرية :كانواايام محمد سبع معلقات ؟ مقتولات والا جاهزين للشنق ؟
5. رياض الحبيّب 09 يناير 2011 - 22:01 بتوقيت القدس
العمّ الغالي جيمس بيتر: شكراً جزيلاً العمّ الغالي جيمس بيتر: شكراً جزيلاً
أسعدني كثيراً مرورك الكريم والمستمر وتفضلك بهاتين المداخلتين. يسرني أن أذكر لكم أن الخطيب التبريزي (ت 502 هـ الموافق 1109 م) هو- على الأرجح- من أضاف معلّقة النابغة الذبياني ومعلّقة الأعشى ومعلّقة عُبَيْد بن الأبرص إلى المعلّقات السبع ليصبح العدد عشر معلّقات. ولو كان عددها عشرين لعارضتها جميعاً بسرور، لأني من المهتمين بالأدب العربي القديم وقد أتقنت منذ صِباي علم العَروض، علماً أني عارضت قصائد أخرى مميزة في التراث العربي- ومن الأمثلة: قصيدة امرئ القيس التي مطلعها: (دنت الساعة وانشقّ القمَرْ -- عن غزال صاد قلبي ونفرْ) وبكائيّة مالك بن الرّيب- المنشورة في هذا الموقع المبارك- وقصيدة البُردة لكعب بن زهير بن أبي سُلمى. لكم من الحبيبة سارة ومني أطيب التحيات والتمنيات
6. James Peter 10 يناير 2011 - 23:57 بتوقيت القدس
درر و جــواهـــر درر و جــواهـــر
يارياض الحبيب لقد صوتنا جميعا بأن تكون النبي ..أنت نبي يارياض...الادب العربي القديم أحلى بالف مرة من لغة القران الركيكة..انت تتذكر التحدَي ..ان تأتوا بأفضل منه ... معارضاتك اجمل شعر قرأته لحد الان..بوركت
7. رياض الحبيّب 11 يناير 2011 - 22:20 بتوقيت القدس
العمّ الغالي جيمس بيتر: شكراً- أعتز بشهادتك العمّ الغالي جيمس بيتر: شكراً- أعتز بشهادتك
شكراً جزيلاً عمّنا الغالي. صدقت بقولك أنّ المعلّقات درر وجواهر. أمّا ذلك التحدّي في سورة الإسراء: ٨٨ فلم يكن مدروساً من جهة مؤلّف القرآن، لأنّ لكلّ مؤلّف أسلوباً يميّزه عن غيره، مثل بصمة الإبهام تماماً. إنّما المؤلّف المذكور نفسه كان عاجزاً من أن يأتي بشعر يرقى إلى شعر المعلّقات فلم يقل في حياته سوى بيت واحد أو اثنين، بحسب كتاب \\\"الشخصية المحمدية\\\" للشاعر الكبير معروف الرصافي. أمّا التحدي الذي يمكن أن يكون صحيحاً في نظري ولافتاً هو لو اٌنّ مؤلّف القرآن اعتمد الوزن والقافية معاً في القرآن وألّف شعراً أرقى من شعر المعلّقات، لكنه اهتمّ بالقافية فقط (أي فواصل الجُمَل القرآنية) والتي كانت دون مستوى قوافي الشعر بكثير بل غير منضبطة. الرب يسوع يبارككم- آمين مع أطيب التمنيات