العالم يحترق - بيلي غراهام

اني أعتقد ان الأرض ستؤكل بالنار، ليس فقط لأن الله قال ذلك، بل أيضًا لان العلم قد ابتكر اسلحة تستطيع ان تفعل ذلك.
30 أغسطس 2018 - 19:51 بتوقيت القدس
لينغا

قال صديق لمارك توين Mark Twain "اني منزعج فان العالم يقترب من النهاية ". 
أجاب توين الفكه الشهير: "لا تنزعج نستطيع ان نستغني عنه ".

ربما لم يعرف مارك توين هذه الحقيقة لكنه نطق بها واضحة، فاننا نستطيع ان نسير بدون العالم، وان نستغني عن هذا العالم، لأن الله رتب ان يصوغ عالما جديدا بنار. كتب بطرس الرسول: 2 بط 3 : 10 - "ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السموات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الارض والمصنوعات التي فيها". 

لقد رأى الأنبياء من قبل وقت الإحتراق هذا، فأنبأوا بأنه يوم الرب العظيم المخيف، الذي فيه تتزلزل الأرض، وترتعد السماوات، وتظلم الشمس، ولا تعطي النجوم ضوئها. سيكون يومًا "كنار تحرق" و"لهيب يأكل" كما قال الأنبياء، وهم يتكلمون ويعيدون مستخدمين كلمة "النار" وصفًا لذلك اليوم. 

تستخدم كلمة "النار" في الكتاب المقدس مرارًا، ليس للتعبير عن نار الاحتراق، كما نعرفها عادة. بل يعلم الكتاب المقدس ان الله يستخدم النار كعامل للتنقية والتطهير. عندما نقرأ ان الروح القدس نزل "كألسنة من نار"، لا نحسب ان هذه كانت نارا حرفية، بل تصويرا لطبيعة الروح القدس كعامل للتطهير. ويمكن اعتبار النار ايضا كعامل للتنقية. عندما يتكلم الأنبياء عن النار في دينونة الله أو عندما يذكر بطرس النار في نهاية الدهر. فالأرجح انه لا يشير الى نار الاحتراق، بل يمكن ان تكون نار الانقسام الذاتي، نار الانشطار النووي بانشطار الذرة. هذا مجرد تخمين بالطبع، ولكن يمكن ان تكون صورة النار العصرية الخلاقة التي استخدمت في البدء، ويمكن ان تستخدم مرة اخرى في "البداءة الجديدة" لإيجاد أرض جديدة. 

نار الدينونة 

لا شك انها ستكون نار دينونة على العالم الشرير. ان سفر الرؤيا مملوء باشارات وتفصيلات مسهبة عن هذه الدينونة وهذه الأحكام، التي تتركز في فتح الختوم السبعة (اصحاح 6) وفي نفخ الأبواق السبعة (اصحاح 8) وفي سكب الجامات السبعة (اصحاح 16). هذه بلا شك تصويرات رمزية لسلسلة الأحكام التي يختتم بها العصر الحاضر. وحينما تنتهي هذه الأحكام يأتي المسيح في كمال عظمة مجده. ويشبه مجيئه بالبرق (مت 24:27)، وبمركبات كزوبعة (اش 66:15)، وعيناه كلهيب نار (رؤ 1:14)، وصوته كزمجرة اسد (يوئي 3:16). ويدعى في الكتاب المقدس "يوم الرب العظيم المخوف"، فيه يزحف الناس الى الكهوف والمغاير ويقولون للجبال والصخور "اسقطي علينا وغطينا من وجه الجالس على العرش ومن غضب الخروف لأنه قد جاء يوم غضبه العظيم ومن يستطيع الوقوف؟ (رؤ6 :16- 17). من الطريف ان نلاحظ ان اخر صلاة يقدمها البشر لن تكون للإله الحي الحقيقي، بل للصخور والجبال. سوف يظل قلب الانسان الى ذلك الوقت عاصيا متمردا على الله، حتى يتحول الى الأصنام عوضًا عن ان يتجه الى الله. 

النار المطهرة 

لكنها ستكون لا نار دينونة فقط، بل نار تطهير وتنقية. بين مواعيد الكتاب المقدس الكثيرة جدا الوعد بعالم جديد. هذا هو الوعد بأن الخطأ يتحول صوابا، والشر يتحول خيرا، والفاسد يصير نقيا، واللعنة تتبدل الى بركة. سيتم هذا في السماء الجديدة والأرض الجديدة. هذا ماذكره بطرس حين كتب: "ولكننا بحسب وعده ننتظر سماوات جديدة، وأرضا جديدةً، يسكن فيها البر". (٢ بط ٣ : ١٣). نحن في خطر ان نحرم من بركات هذا العدد لسببين ذكرهما بطرس: الأول وجود دائرة لا تنتهي من الشر، وخيبة الأمل، والمرض، والظلم، والموت، وهذه يمكن ان تحجب عنا هذا الرجاء العظيم بعالم جديد. لهذا قال الرسول:"انهض بالتذكرة ذهنكم النقي" (2 بط 3:1). السبب الثاني وجود مستهزئين يسألون ساخرين "أين هو موعد مجيئه؟" وهم يبنون استهزائهم هذا على اقتناعهم بأنه "من حين رقد الآباء كل شيء باق هكذا منذ بدء الخليقة "(2 بط 3:4). يقول المستهزىء، هذا عالم قانون طبيعي، لذلك يستبعد اي تداخل إلهي فيه. لكن المستهزىء يبين جهله المطبق بافتراضه ان "كل شيء باقٍ هكذا منذ بدء الخليقة ". 

لقد تداخل الله في أحوال البشر بطوفان في الماضي، وسيتداخل في المستقبل. تداخل الله في أحوال البشر بصليب المسيح، ليعرف العالم محبته العظمى للانسان، "وهو لا يشاء ان يهلك أناس "، وسيتداخل مرة أخرى في الحوادث المتصلة بمجيء المسيح الثاني. كانت وسيلة التداخل في الماضي بالماء، أما في المستقبل فستكون بالنار.

التغيير الثلاثي الذي سيحدث 

في 2بطرس 3 ذكر الرسول تغيرا ثلاثيا سيحدث في ذلك الوقت أولا، "تزول السماوات بضجيج " هذا يشير غالبا الى الجو المحيط بالأرض. وهو لا يعني انها ستزول من الوجود بل انها ستتغير يعني تغيير وضعها وليس فنائها، لأنه سيأتي مكانها جو جديد وارض جديدة. سيعاد تكوينها لسكنى الانسان الجديد الذي سيكون له جسد جديد. حتى الجو سيتغير ليلائم هذا الانسان الجديد. 
ثانيا، يقول بطرس:"وتنحل العناصر محترقة " و"العناصر" هنا تعني الاشياء الأولية الأساسية، أو الخطوة الأولى. ولما نطبق العناصر على المادة، كما هو الحال هنا، فالأمر يشير الى التركيب الأساسي للمادة بالنسبة للذرات. كل المادة تتكون من ذرات. وكل العناصر يمكن ان تتغير بالحرارة والمفترض عامة هو ان هذه الحرارة هي حرارة الاحتراق او الألتهاب، لكن يمكن ان تكون الاشارة الى الحرارة المتولدة عن انفصال البروتون والنيترون في نواة الذرة. فتطلق قوة حرارة هائلة في الطبيعة، بها تتغير السماء والأرض الحاضرتين الى سماء جديدة وارض جديدة. اننا في الواقع لا نعلم كيف يتم هذا، وكل ما نذكره هو مجرد تخمين في ضوء معرفتنا بالعلم الحديث. 

لا نستطيع ان نكون جازمين في التحدث عن المستقبل ومعنى ما تنصرف اليه عبارات النبوات الكتابية. لكننا مؤهلون أن نفترض افتراضات معقولة في تفسير حوادث المستقبل. والمفسر المعاصر في ما تيسر لديه من قسط وافر من المعلومات، يستطيع ان يقدم هذه الافتراضات المعقولة، التي تلقي ضوءا كبيرا على فهمه الكتب المقدسة.

نحن اليوم في مركز يساعدنا على فهم مثل هذه الفصول الكتابية، كوصف بطرس للسماوات الجديدة والارض الجديدة، لدرجة لم تكن ميسورة للناس منذ جيل مضى. 

التغيير الثالث الذي يذكره بطرس هو التغيير الذي يجري في الارض."وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها". كل ما لا يتفق مع الحياة الجديدة في العالم الجديد سيفنى. هذا ما يسميه بعضهم بنهاية العالم، ولكن العالم لن ينتهي أبدا. انه سيتغير الى عالم افضل.

عملية التغيير ستنتج سماوات جديدة وأرضا جديدة كما يظهر من هذا الكلام: "فَبِمَا أَنَّ هذِهِ كُلَّهَا تَنْحَلُّ، أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى؟ مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الَّذِي بِهِ تَنْحَلُّ السَّمَاوَاتُ مُلْتَهِبَةً، والعناصر محترقة تذوب"(2بطرس 3:1،12 ).
عجيب ان يكون كاتب كتب منذ نحو ألفي سنة، فأوحي اليه بوحي الهي ان يستخدم كلمة "تنحل" التي اصبحت محملة ومشحونة بمعنى عصري حديث، عن طريق العلم المعاصر. 

كلمة "منحل" هي نفس الكلمة التي استخدمها الرب يسوع حين وقف أمامه لعازر وهو خارج من قبره، مربوطا بأكفان الموت. قال يسوع:"حلوه ودعوه يذهب" (يوحنا 11:44) وعندما تنحل اشياء الطبيعة، ستفك من أكفان المرض والموت و الفقر. وستطلق كل الطبيعة لتذوب في حالة الوجود الجديدة المجيدة.

كل واحد منا قد اذاب قرصا في كأس ماء. ترى ماذا حدث؟ صارسائلا عوضًا عن كونه جامدا. غير منظره لكنه لم يغير مادته. اتخذ صورة اخرى لوجوده هذا يحدث كلما تناولت قرصا من الأسبيرين.

ستحدث اذابة، أو سيحدث انحلال من هذا النوع، لا فناء ولا محو، بل تغيير الى اشكال وصور وحالات جديدة. يمكن ان يكون الوسيط الكيميائي للتغيير نارا، كما في الانشطار النووي. ستحدث تغييرات جيولوجية، وحيوانية وكيميائية، وفلكية، إنما الأهم من ذلك بكثير هو الترتيب الجديد للاشياء. ستحدث تغييرات خلقية وروحية لأنه سيخلق عالم جديد "يسكن فيه البر ". 

الخطأ في العالم هو الخطية الموجودة في الطبيعة البشرية، واللعنة المرافقة لها في الطبيعة المادية. ملعونة الارض بسببك.. شوكا وحسكا تنبت لك. وتأكل عشب الحقل، بعرق وجهك تأكل خبزك (تكوين3:17،19). سوف يتغير كل هذا! عملية الانحلال والاذابة والانطلاق ستنتج تغييرا في الطبيعة المادية، كما تنتج تغييرا في طبيعة الانسان،وسيكون البر الخاصية المميزة للعالم الجديد. 

يقول الكتاب المقدس "ها انا اصنع كل شيء جديدا "(رؤيا 21:5). سيتمم الله هذا بواسطة النار. هذا يقودني لتوجيه هذه الاسئلة: لماذا سموات جديدة وأرض جديدة ؟ لماذا النار؟ لماذا الدينونة؟ لماذا التغيير بوسيط كيميائي؟ لماذا لا يستعاض عن هذه الاشياء ببقاء التقدم البشري ينتج عصرا ذهبيا؟ 

الجواب كامن في حقيقة الخطية وغرض الله الفدائي. لا يمكن افناء الخطية أو تغييرها بأية طريقة علمية. كما تطلب الأمر الصليب والجلجثة لإنهاء الخطية في القلب، كذلك يجب ان يكون هناك حادثة إلهية لانهاء الشر في العالم. وسيكون عاملا شاملا في هذه المرة في الطبيعة وفي الطبيعة البشرية. ستظهر السماوات الجديدة والارض الجديدة من عالم يحترق بالنار. يجب ان يزول كل اثر للخطية والفساد. حتى المادة نفسها ستفنى. يجب ان تمحى كل ناحية للعنة الخطية الأصلية. يجب ان يحل و يطلق العالم من كل القيود والحدود التي فرضتها عليه لعنة الخطية. يجب ان يكون هناك تخلص تام عام من كل شر في الانسان والطبيعة، حتى لا تبقى معطلات في تكوين وتركيب العالم الجديد.

الاستعداد للمستقبل 

ان المستقبل يخص المستعدين له، وقد أوصينا أن نستعد له. كتب بطرس الرسول: "لذلك ايها الاحباء اذ انتم منتظرون هذه اجتهدوا لتوجدوا عنده بلا دنس ولا عيب في سلام".. (2 بط 3 : 14). يقول الكتاب المقدس: "والعالم يمضي وشهوته واما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت الى الابد"(1 يوحنا 2 : 17). كنت اتحدث مؤخرا مع مهندس معماري فأخبرني أن بناياته تظل طوال الأبدية، فابتسمت لاني أعلم ان ما بناه سيبقى ساعة واحدة.

عالمنا سيختفي كقلعة طفل يبنيها من الرمل على شاطىء البحر. كبرياء القوة، غرور الثروة، جمال الفن، هذه كلها ستمضي و تنتهي. سيكتسح بحر اللهب وتفترس النيران كل شيء بدون استثناء. ويصبح العالم كله كتلة واحدة ذائبة مرة اخرى.

عند ذلك يأخذ الله الكتلة الذائبة ويعيد صياغة الارض والسماوات حسب تصميمه هو.
يعلمنا الكتاب المقدس انه في هذه الأثناء يبيد الشيطان وضد المسيح بالنار. يقول الكتاب المقدس ان الشيطان سيربط أولا، ثم يحل، ويلقى في بحيرة النار."فقبض على التنين الحية القديمة الذي هو إبليس والشيطان وقيده ألف سنة " ( رؤ20 : 2 ). وابليس الذي كان يضلهم طرح في بحيرة النار حيث الوحش والنبي الكذاب وسيعذبون نهارا وليلا الى أبد الابدين (رؤ 10_2). بهذه الكيفية سيمحى منشىء الشر والخطية محوا تامًا الى الأبد من الكون الذي صنعه الله، ولن يعذب الانسان مرة اخرى.

اني أعتقد ان الأرض ستؤكل بالنار، ليس فقط لأن الله قال ذلك، بل أيضا لأن العلم قد ابتكر اسلحة تستطيع ان تفعل ذلك. قال (pliny) انها ستكون معجزة لو لم يفن العالم كله في الاحتراق في يوم واحد.

يعلم الكتاب المقدس ان هذا كله سيحدث حين لا ينتظر الناس ذلك سوى أقل انتظار. ستأتي الساعة المرعبة كلص في الليل. لم يكن العالم ينتظر ان يفنى بالماء في ايام نوح. وجادل الناس مع نوح قائلين ان كل شيء باق كما هو منذ ان خلق ابوهم الاول ادم، وانه سيبقى هكذا دائمًا. وظنوا ان نوحا غبي وهو يذرع الارض طولا وعرضا ينادي بالدينونة العتيدة ويرعب الناس.

لم يتغير الانسان. ما زال الانسان يرفض شهادة الكتب المقدسة. وسيظل الانسان في خطيته يعصى الله ويتمرد عليه. وسيظل يفعل ذلك الى اللحظة التي فيها يقنعه صوت البوق بأن الرب قد أتى وأن يوم دينونة الاشرار قد حضر.

عالمنا اليوم مجنون في انغماسه في الملذات، والجنس، والمال، صارت اذنه أصم من ان تسمع الحق، وصارت معظم عيون الناس عمياء. ان الناس لا يريدون ان يبصروا ولا يريدون ان يسمعوا. هم يسرعون الى هلاكهم "لأنه حينما يقولون سلام وأمان، حينئذ يفاجئهم هلاك بغتة كالمخاض للحبلى فلا ينجون" (1 تسالونيكي 5 : 3)... 

لكن الرب يشتاق ان الناس يخلصون. "وهو لا يشاء أن يهلِك أُناس، بل أن يُقبل الجميع إلى التوبة"( 2بط 3: 9). والله مشغول وهو يعمل الان ليوقف الناس عن تدهورهم في الخطية. لقد أرسل روحه القدوس ليبكت الناس، وأرسل الوعاظ لينذروا الناس. وكلمته مطبوعة في كل لغة تقريبا فالإنسان بلا عذر.


(جمع وتقديم ومراجعة / لينغا) 

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا