المرض والطب وشفاء الله‎

من يقف وراء هذا الموت الذي ما زال في ايامنا هذه يحصد حياة الكثيرين، اهو الله الذي اراد معاقبة ادم بل ونسله ايضا على عصيانه وتمرده؟ ام الشيطان الذي نفث سمَّه القاتل، وما زلنا نرى الى يومنا اثار اكاذيبه
22 ديسمبر 2017 - 22:40 بتوقيت القدس

مريضة على سرير المستشفى

تكثر في ايامنا هذه الامراض الجسدية، النفسية والروحية ايضا، وما يثير اهتمامنا هو عجز الطب والاطباء حتى اليوم وجود حلول جذرية للعديد من الامراض. ليس فقط نازفة الدم التي صرفت اموال كثيرة على الاطباء، ولم تنل الشفاء حتى جاءت الى الرب يسوع لتنال الشفاء التام وفي الحال، بل ما زلنا نرى في ايامنا هذه المبالغ الطائلة التي تصرف على الادوية، العمليات الجراحية، الابحاث العلمية وغيرها من مصاريف لعلها تأتي لنا بثمار الشفاء المعهود.

نقول ان الطب استطاع ان يجد بعض الحلول والعلاجات لبعض الامراض الجسدية، وأحيانا بل ونادرا ما وجد حلا للأمراض النفسية، ولكن هل استطاع الطب ان يعطي حلا جذريا للأمراض الروحية؟

انا لا اقصد بكلامي اننا نحن المؤمنين باسم الله الحي نعارض الطب والادوية، بل نشكر الله على هذه العطية المباركة التي وهبنا اياها الله، ولكن هل توجهنا الاول يجب ان يكون طلب المساعدة من الاطباء، ام اللجوء الى الهنا الحي ليقود خطانا، هل الله يشفينا لمجد اسمه؟ ام يسمح ان ننال الشفاء بمعونة الطبيب؟ ولكن المجد دائما يعود للرب وحده، لأنه هو الله شافينا.
كما نقرأ في التكوين ان الله خلق الانسان ذكرا وانثى، على صورته ومثاله خلقهما، لمجد اسمه خلقهما، لمقاصد حسنة خلقهما. فمنذ بدأ الخليقة لم يكن امراض، ولا الم ووجع بل ولم يكن الموت موجود. ولكن عندما سقط ادم في الخطية جاء الموت، جاء الموت الروحي الرهيب اي الانفصال الابدي عن الله، الموت الادبي، الموت الاخلاقي وبعدها ايضا موت الجسد. 

نعلم انه هناك اسباب عديدة للأمراض، فمنها الفيروسات والمكروبات على انواعها، ومنها امراض وراثية متغلغلة في كيان الانسان، ومنها عوامل خارجية مثل الحوادث بأنواعها الكثيرة، ومنها التدخين والادمان على المخدرات والافراط في شرب الكحول وتناول الطعام بشراهة، واحيانا اشعة الشمس الحارقة او التيار الكهربائي وغيرها العديد من العوامل التي قد تؤدي الى الامراض، وفقدان الانسان قوته الجسدية والنفسية، حتى الموت. 

فمن هو الواقف وراء هذا الدمار وهذا الموت الذي ما زال في ايامنا هذه يحصد حياة الكثيرين، اهو الله الذي اراد معاقبة ادم بل ونسله ايضا على عصيانه وتمرده؟ ام الشيطان الذي نفث سمَّه القاتل، وما زلنا نرى الى يومنا هذا اثار اكاذيبه، اثار الخطية التي دخلت الى العالم وبعدها الموت؟ وهل لنا ان نقول ان كل مرض سببه الخطية وعمل الشر والشيطان؟ 

قبل الاجابة على هذه الاسئلة الصعبة والمعقدة دعونا احبائي نتأمل بآيات اشعياء المباركة، والتي اعلنت محبة الله نحو البشرية اجمع، فهذا ما يقوله اشعياء في الاصحاح 53، من صدق خبرنا؟ ولمن استعلنت ذراع الرب؟ الله ابانا احبنا في يسوع المسيح، اعطانا الشفاء التام به على الصليب، مع ان المسيح كان محتقر ومخذول من الناس، كان رجل اوجاع ومختبر الحزن، فهل نصدق نحن ان الرب اعطانا هذا الشفاء؟ وان الله لا يريد ان يدخل في محاكمة مع أحد؟ ام ما زلنا نشك بصدق ومحبة وامانة الله، وانه هو سبب اللعنة، وهو سبب المرض بل والموت ايضا؟! 

الم يخبرنا الكتاب ان المسيح حمل احزاننا، واوجاعنا تحملها، ونحن حسبناه مصابًا ومضروبًا من الله ومذلولاً؟ الم نقرأ ان يسوع مجروح لأجل معاصينا؟ مسحوق لأجل آثامنا، وان تأديب سلامنا عليه وبحُبُرِهِ شفينا؟ فهل نصدق نحن الله ونقبل شفاءه بالمسيح، شفاء الجسد، النفس والروح قبل كل شيء؟ لنسمع ما يقوله يعقوب لنا، ان لا يقل احد اذا جُرِب، اني اجرب من قبل الله، لان الله غير مُجَرَب بالشرور، وهو لا يجرب احدًا. ولكن كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كملت تُنتِج موتًا. بل ويشدد يعقوب قائلاً هكذا: لا تضلوا يا اخوتي الاحباء!

دعونا نتعلم من ايوب عندما ضُرب ضربات عظيمة في جسده وممتلكاته، لم يخطئ ولم يَنسِب الى الله جهالة بل قال، الرب اعطى والرب اخذ، ليكن اسم الرب مبارك. الم يشهد الكتاب ان ايوب كان كاملاً ومستقيمًا، يتقي الله ويحيد عن الشر، فلماذا هذا الالم؟ بل وما زالت كتب الطب تتحدث في ايامنا عن مرض ايوب الرهيب، فلماذا إذًا؟ 

لنقرأ ما مكتوب في سفر ايوب 1:8، عندما قال الرب للشيطان: هل جعلت قلبك على عبدي ايوب، لأنه ليس مثله في الارض. 

نرى من خلال سفر ايوب ان الرب سمح للألم والمرض، ولكن الشر هو من الشرير، وحاشا لله ان يكون مصدر المرض والالم والموت، فهو من قال انا الرب شافيك، يهوه رافا... ونقرأ نهاية السفر كيف ان الله بارك آخرة ايوب ببركات عظيمة، وعوّضه عن الالم والخسارة. 

الم يخبرنا المزمور 41:3 ان الرب يعضد المسكين وهو على فراش الضعف؟ وانه يمهد مضجعه كله في مرضه؟ 

هل نفوسنا تبارك الرب الاله الذي غفر ذنوبنا وشفى امراضنا، (مزمور 3: 103) واي امراض يذكر كاتب المزمور؟ مرة كنت اتأمل في هذا المزمور المبارك وقرأت ان الرب يشفي كل امراضك، فنرى احبائي ان كلمة كل امراضك تعود الى النفس، فهل نحن نركز على شفاء الجسد فقط؟ مع ان الرب يسوع ما زال يشفي الى يومنا هذا أصعب واعقد الامراض الجسدية، كما فعل قبل حوالي الفي سنة، يجول يصنع خير، ويشفي جميع المتسلط عليهم ابليس (اعمال 10: 38). ولكن الاصعب بل الاهم هو مرض النفس، مرض الخوف، القلق، الاكتئاب، الكبرياء، النجاسة، الدعارة، الخصام، الغيرة، التحزب، الانشقاق، الحسد، القتل، السكر والبطر... 

دعونا ندعو الرب يسوع من قلب صادق خاشع ونقول له: نقي قلوبنا وافكارنا من هذه الشرور التي تنخر عظامنا، والتي يعجز أعظم اطباء العالم علاجها، ان لم يكونون هم نفسهم ضحيتها! وحده الرب يسوع قادر ان يحرر ويشفي الى التمام من امراض النفس القاتلة، لأنه اخذها في جسده على عود الصليب، وأصبح لعنة لأجلنا نحن لكي ننال الشفاء الكامل والتام بدمه. 

صدق الحكيم بقوله ان عار الشعوب الخطية! نعم اخوتي، صحيح ان المرض الجسدي على انواعه صعب ومؤلم، ولكن مَن الاصعب ومن الاهم؟ اشفاء الجسد ام شفاء النفس والروح من مرارة الشر والخطية؟ ولماذا يسمح الله بالمرض والالم الجسدي ان كان يحب اولاده بل وخليقته ايضاً، لماذا؟!

تضرع الرسول المبارك بولس الى الرب ثلاث مرات، لأجل الشوكة التي اعطيت له في الجسد، فكان رد الرب له، تكفيك نعمتي، لان قوتي في الضعف تكمل. (كورنثوس الثانية 12:7) فلماذا إذا الشوكة في الجسد؟ اليس لكيلا يرتفع الرسول بفرط الاعلانات؟ اليس لان الرب أحب بولس وسمح بهذه الشوكة، والتي كان وراءها ملاك الشيطان ليلطم بولس؟ هل الله لا يعرف كبرياء القلب، فنرى ان الرب سمح لهذه اللطمة من الشيطان لكي يعلم الرسول درساً في الاتضاع والاتكال الكامل على الله، واعطاء المجد له وحده. فهل نتعلم نحن من هذا؟ هل سمح الله لظروف صعبة في حياتنا؟ او الم جسدي، نفسي او حتى روحي؟ فقط لأنه يريد ان يعلمنا القليل من التواضع والانكسار والتسليم الكامل له؟ ربما نحن بحاجة احيانا للطمة لكي نستيقظ من فخ الكبرياء القاتل، حتى ولو كنا مؤمنين واولاد لله، وحتى ان كنا ناضجين روحياً، ولكن لا اعتقد اننا وصلنا بعد الى نضوج بولس الروحي. 

فهل كان بولس خاطئ ومنغمس في ملذات العالم عندما لطمه الشيطان؟ هل كان خارج الخطة الالهية؟ 

او ابنه الحبيب تيموثاوس، هل هو الاخر كان خاطئ؟ فلماذا إذًا عانى من اسقام كثيرة؟ (تيموثاوس الاولى 5:23)، او ابفروديتس الذي مرض قريبًا من الموت، ولكن الله رحمه (فيلبي 27: 2)، حتى النبي العظيم اليشع الذي شفى، صنع آيات عظيمة وجبارة بل وإقامة موتى ايضًا، يقول الكتاب انه مرض اليشع مرضه الذي مات به! (ملوك الثاني 14: 13). 

نرى ان رجال الله المباركين مرضوا، تألموا بل وماتوا ايضا في مرضهم، فهل ما زلنا نعتقد انه وراء كل مرض خطية رابضة؟! هنالك من يقول ويعلم انه ان كنت مريضًا او ضعيفًا في الجسد، فانت حتمًا خاطئ وخارج عن الخطية الالهية؟ بل ويقولون أكثر من ذلك ايضًا، بانك ان لم تحمل بركات مادية في حياتك، فانك لم تختبر بركات الرب الحقيقية والكاملة في حياتك!

ويا لها من خرافات احبائي، واشكر ربي يسوع الذي لم يجد لنفسه موضع في هذا العالم لينام فيه... بل أِفتَقَر من أجلي ومن اجلك، واعظم من كل هذا انه اصبح لعنة من اجلنا عندما حمل في جسده خطايانا واسقامنا، حتى يعطينا الشفاء الكامل والخلاص الابدي من اشنع انواع المرض الذي عَرَفَتهُ حياتي، اولا وهو الخطية. 

قبل كل شيء احبائي، دعونا ندرك مع قائد المئة اننا غير مستحقين لشفاء الرب لحياتنا، بل هو نعمة من قلبه المحب، كذلك دعونا نصرخ مع اعمى اريحا، يا يسوع يا ابن داود ارحمنا، حتى لو انتهرونا لنسكت، لان العالم لا يرغب لنا الشفاء، بل المرض واللعنة، لنصرخ بصوت اعلى متضرعين اشفينا يا رب، اشفي عائلاتنا، كنائسنا وبلادنا يا رب، ولكن علينا ان نتبع يسوع بعد ان ننال الشفاء الجسدي، النفسي او الروحي ايضاً، بل وعلينا ان نعطي المجد لله وحده على شفائنا، كما فعل ذلك الذي كان اعمى وأبصر. 

دعونا ان لا نكون مثل التِسع برص الذين طهروا، الذي لم يرجعوا ليعطوا مجدا لله، الذين بعد ان شبعوا خبزا وسمكا، لم يلتفتوا ولم يمسكوا بأعظم دعوة وأمجد عطية والتي هي خلاص نفوسنا بالإيمان، وهذا ما فهمه ذاك الابرص الذي كان غريب الجنس!

هنالك من يهتم كثيرًا عندما يرى كارثة او مصيبة حاصلة، قائلاً كما قالوا عن المولود اعمى، من أخطأ، هذا ام ابواه حتى ولد اعمى؟ دعونا نتأمل بما اجاب ربنا المبارك يسوع: لا هذا أخطأ ولا ابواه، لكن لتظهر اعمال الله فيه. 

دعونا احبائي ان لا نركز على اسباب المرض واللعنات في حياة من هم حولنا، بل نتعلم من ربنا بما قاله، انه لا يهم من أخطأ، اذ الجميع اخطأوا وأعوزهم مجد الله، الم نخطأ انا وانت؟ كيف عاملنا الرب؟ كديان قاسي ام ربًا محبًا مسامحًا بل وشافيًا ايضًا؟ 

طبعًا بنعمة الرب، نحن لا نجهل مكايد ابليس، ولا نتهاون مع افكاره الشريرة، الذي يريد ان يُذِل البشرية، وان أمكن المؤمنين ايضًا، فقط ان فتحوا له بابًا ليدخل منه، فهذا ما فعله مع الغلام الذي كان به الشيطان، والذي تحرر فقط بسلطان الرب يسوع، حتى ان التلاميذ لم يقدروا ان يشفوه. فان فشلنا نحن لا نخور ولا نيأس، بل لنثق بربنا الحي الذي قال لنا انه معنا كل الايام، وانه بالصلاة والصوم كل شيء مستطاع باسمه المبارك. 

فها هو اخونا لوقا الطبيب الحبيب، تعلم الدرس جيدا، انه اين قصرت يده، دعى باسم ربه يسوع (كولوسي 14: 4) وان كان بيننا احد مريض، فليَدعُ شيوخ الكنيسة، فيصلوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب، وصلاة الايمان تشفي المريض، والرب يقيمه، وان كان قد فعل خطية (وليس دائمًا هنالك خطية!) تغفر له. (يعقوب 5: 14-15). 

هل بالفعل نؤمن ان الرب اعطانا هذا الآيات:

ان نخرج الشياطين باسمه، ونتكلم بالسن جديدة، نحمل حيات، وان شربنا شيئًا مميتًا لا يضرنا، ونضع ايدينا على المرضى فيبرأون... هليلويا... 

لنذكر ما فعله الرب لحماة بطرس، انه بعد ان شفاها يسوع، قامت وصارت تخدمه. فهل نلنا نحن الشفاء من ربنا الحبيب؟ وان شفانا فهل قمنا ايضا نحن لنخدمه؟ (لوقا 4:38) فهو وحده المستحق ان نحبه ونخدمه كل ايام حياتنا، لأنه بالفعل العمل كثير، والفعلة قليلون!

ونختم مع حادثة شفاء مريض بيت حسدا، ونتعلم من هذا الدرس الهام جدا، انه بعد ما نلنا الشفاء اي كان، ان نمكث في الهيكل (الكنيسة، محضر الله)، ونسهر على حياتنا الروحية، وان لا نعود نخطئ، لئلا يكون لنا اشر (يوحنا 5:14)، بنعمة ومعونة من احبنا واسلم نفسه لأجلنا له المجد والكرامة الى ابد الابدين، امين.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا